ابو ابراهيم الاحمد عميد
المزاج : غاضب من اجل فلسطين تاريخ التسجيل : 22/01/2009 الابراج : الأبراج الصينية : عدد الرسائل : 826 الموقع : https://fateh83.yoo7.com العمل/الترفيه : الرياضه
بطاقة الشخصية فتح: 50
| موضوع: أنا قبل إتلافي لـ نيقولا ديب الأحد نوفمبر 08, 2009 5:07 pm | |
| أنا قبل إتلافي لـ نيقولا ديب:
في جدلية الاختلاف.. الأفكار أولاً.. الأفكار أخيراً.. |
| أحمد علي هلال |
يدون الكاتب نيقولا ديب ما عرفه، وحظي به، حتى ليصبح ما دونه سياقاً جديداً وكلمات أخرى، ربما كانت في تشرذمها تبحث عن معنى جامع، عن كلية تجمعها برؤية ما، إذن فهو يصهرها بكيمياء روحه، وذائقته، ومعرفته ليغذي لدينا نزعة فضول معرفي بامتياز، لتكتمل تجربة تأليفية باذخة، تخلق لدى متلقيها حوافز معرفية وجمالية، بمعنى أنها لا تكتفي فقط بجمال الفكرة
|
|
|
أو المقطع، ما لم يعادل ذلك وعي: محايث يؤرخ التجربة، ويثير التأمل ويستدعي حقائق إنسانية بعينها، ليس الأمر محض إنتاج معرفة بالذات والعالم وبتيمات أساسية تشكّل هواجسنا، وتفصح عنها، بصدد حقائق كونية وإنسانية واجتماعية فحسب، بل ثمة ما يذهب بنا إلى إعادة إنتاج "بديهيات" بحكم ضرورتها، لكنها ستصبح مرايا تكشف عري واقع لا يفسر "بالتماهي أو التماثل" ما يعني رؤية ثمة، أرادها الأديب نيقولا ديب، لعل كثافتها وبلاغتها أنها تنجو من استظهارها لتنتج وعياً مفارقاً بالمعنى النقدي والأنطولوجي، إحدى ضروراته ستتبدّى بذلك الحامل الجمالي الأثير، وبكيفية سرد ما نعرفه وما نأتلفه، بل إن جمالية بعينها ستكتنف الطريقة التي تقال فيها كلمات تبدو مركبة من الذائقة بامتياز ومشبعة برغبة أصيلة في منحها خلوداً، يحفظها بما تشتمل عليه من مستويات نقدية تستبطن إنتاج حقائق دالّة في سيرورة حيوات، تنفتح على نقائضها وتمائمها، بحوامل فكرية، إذ التأمل يغدو تأملاً في ذاته، لكنه أشدّ انفتاحاً على ذات عارفة لا يشغلها تفسير العالم فحسب بل السعي النبيل لتغييره، ثمة سعادة تثيرها الكلمات –الجمل-المقاطع، ستصبح وعياً جديداً يستبطن –مرة أخرى- الهاجس بعشبة الخلود، إنه هاجس وجودي يزيح انكسار "الأنا" لتبدو متبصرة في نسيجنا الاجتماعي والإنساني، يطرح الكاتب أسئلة مغايرة لها جدليتها المعرفية، الأفكار تقرأ كما تقرأ، تقرأ حدوسنا، ومستوى ما يثيره –العالم- نفسه من أفكار- الروح والجسد، والهوية، والشعر، والثقافة، والشخصية والوطن، والقيم، وسوى ذلك. ثمة-إذن- تأسيس للمفاهيم، بطابع حواري ذي جاذبية فكرية ترتبط في فضاءات النصوص بمرجعياتها المختلفة من الفلسفة إلى الاجتماع إلى المؤسسة الأناسية، صور كنصوص موازية، وما بين البصر والبصيرة يتوزع المعنى بكلية المعرفة، لا بشظايا، ومنمنماتها: يقول الكاتب: "على البشر بصفتهم بشراً، أن يختاروا إما في إعادة توحيد العالم وفق معانٍ أكثر تحقيقاً للحرية الداخلية للفرد بصفته عدداً أو واحداً بقدر ما هو صفة غير قابلة للقياس، وكمعنى يتطلب التجديد الدائم حتى لا يضمّحل ويندفن". وهكذا يغدوا "للمفهوم تاريخ ومعنى" حسب الكاتب، الذي يرى من الضروري: عدم أدلجة الإحباط، والرهان على الخير في الشعوب، وعدم النزول عن الحّد الأدنى من الأخلاقي، وإلا فإننا سننحدر إلى الهمجية، لذا فسوف تحضر في مدوناته عبارات مثل الإنسان، مقاومة، كيان، واللغة، وعي وحرية والشهيد، يتجّه من اللايقين إلى الخلود اليقيني، وعلى الوطن أن يكون حامل لاحتمالات الكون، وإلا فاغتراب.. وليس هناك وطن فتشتد عندئذ قضية البحث عن وطن داخل الوطن أو خارجه، فمن جدل الخاص إلى جدل العام: يستثمر الكاتب وظيفة انتباهية لدى قارئه: "وعندما يقصّر الإنسان عن أن يحّول الأرض إلى إطار للتمكن من الوجود ومن ثم الحضور والمعنى، فإنه يذهب ليندمج في مكان آخر، في إطار أوسع وهو الذي يحدد للجماعة إمكانية التفتح باتجاه الكون أو باتجاه الحياة، "فإسرائيل" اختراق للمكان ولإمكانية التمكن". ينطوي كتاب "أنا قبل إتلافي" على أسئلة كثيفة تناوش المضمرات الاجتماعية والإنسانية، ويسعى بجهد تأليفي لافت إلى ما يشتق قولاً آخر لدى القارئ الذي يبحث عن المختلف، وليس المؤتلف فحسب، فطريقتنا لقول الممكن من القول واستدعاؤه في شرط معرفي، هي حرية منشودة، علّها تجد في ميراث البشرية القدرة على إنتاج الأسئلة، تلك الميزة غير المكتفية للكاتب نيقولا ديب ولكتابه الجاد، بأبعاده التأملية والشاعرية والحوارية التي تسائل كل مضمراتنا النسقية، لتوّلد طريقة في التفكير والتعبير، ما يعني ذكاء عبارة بعينها على أن تقرأنا كما تقرأ وعينا الجمعي، وهكذا تصبح مدونّة الكاتب المتصلة بروحه ورؤيته وذائقته، جديرة بالسجال والنقاش بوصفها تعلي من شأن "الأنا" على نحو خلاق قبل أن تذوب في "النحن" وبوصف الآخر هو "أنا" بصورة ما.. كتاب يقرأ بكلية الحواس، يشيد ويؤرّخ، وربما كان تاريخاً "للأنا" بشذراتها الملتقطة بكثير من الحذر والحكمة والمحبة، والدهشة والمغايرة، دون ادعاء بالاكتمال، أو خفّة ما.. |
|
| |
|