خطة الانفتاح الديمقراطي: هل بداية حل مسألة أكراد تركيا ؟ !!

مأمون كيوان

يعتبر الأكراد أكبر مجموعة قومية في تركيا بعد القومية التركية. ويقدر عددهم بنحو14 مليون نسمة فيما تخفض التقديرات الرسمية التركية عددهم إلى 7.5 ملايين نسمة. وكان يطلق عليهم لقب "أتراك الجبال" واستمرت هذه التسمية حتى العام 1991 حين أقر رئيس

الحكومة حينذاك رئيس الجمهورية لاحقا سليمان ديميريل بوجود واقع كردي.
ويتمركز الأكراد في مناطق الجنوب الشرقي التركي ، ولاسيما في محافظات حقاري وفان وأغري وبتليس وموش وديار بكر وأورفة وقارس وماردين وبينغول وغازي عينتاب وملاطية وغيرها.
ويعاني الأكراد في تركيا من عدم اعتراف الدولة التركية بهم كمجموعة قومية متميزة. وبالتالي رفضها منحهم حقوقهم السياسية والثقافية.
ويمثل الاكراد بشكل رسمي حزب العمل الشعبي الديمقراطي الذي تشكل في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1997 بزعامة محمد عباس أوغلو. الذي كانت تراه الحكومة امتدادا سياسيا لحزب العمال الكردستاني. وقد تم تشكيل أحزاب متعددة للأكراد سابقا إلا أن محكمة الدستور التركية حلتها بحجة أنها تشكل امتدادا سياسيا لحزب العمال الكردستاني وسجنت بعض أعضائها الذين كانوا نوابا في البرلمان. وقد قامت الأحزاب اليسارية الكبرى سابقا بعقد ائتلاف مع الأحزاب الكردية لكسب أصوات الأكراد، الأمر الذي مكن المرشحين الأكراد من دخول البرلمان.
وشهدت المسالة الكردية في تركيا في السنوات القليلة الماضية تطورات هامة فقد قام حزب العدالة والتنمية الحاكم بخطوات واجراءات هامة على صعيد الوصول إلى حل لهذه المسألة التي شكلت منذ عقود طويلة عاملا اساسيا في توتير الأوضاع الداخلية التركية وأيضا الإقليمية. فقد شجع حزب العدالة والتنمية عام2006 عقد مؤتمر تحت عنوان"المسألة الكردية لتركيا" في جامعة "بيلغي" في مدينة اسطنبول. وكان المؤتمر حدثا بحد ذاته. فاللمرة الاولى ينعقد علنا وعلى مدى يومين مثل هذا الاجتماع داخل تركيا. والاهم ان عشرات المفكرين والناشطين، ومن الجانبين الكردي والتركي، شاركوا فيه. وكان من أبرزهم ياسكين اوران، الذي حوكم سابقا بسبب تقرير اعده حول الاقليات في تركيا، والذي دعا الى عدم اعتماد مفهوم "التركي" في التعبير عن الهوية الجامعة لانه مفهوم تقسيمي، بل يجب استخدام مفهوم "تركيا".
فيما ركّز مشارك آخر على ضرورة حل المسألة الكردية في تركيا في اطار الديموقراطية وبالتالي لا مكان للعنف. ولفت الى نقطة مهمة جدا وهي انه من اجل استخدام مصطلح "تركيا" كهوية عليا جامعة، لا بد من تعديل "البنود التي لا يمكن تغييرها" في مقدمة الدستور.
كما كانت أنقرة قد أنهت عزلة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، حيث نقلت خمسة معتقلين إلى جزيرة ايمرالي لملازمة أوجلان. في سجن جزيرة ايمرالي يخضع لإجراءات أمنية مشددة منذ العام 1999.
وكان السماح بعودة 34 عنصراً من حزب العمال الكردستاني إلى تركيا، عبر بوابة خابور الحدودية مع العراق، مادة دسمة لاستعار الجدل السياسي داخل تركيا حول سبل حل المشكلة الكردية. وتزامن ذلك مع اعلان مسؤول العلاقات الخارجية في حزب العمال الكردستاني احمد دنيس إن حزبه «مؤمن» تماماً بأن حل القضية الكردية في تركيا لن يتم عبر استخدام القوة.
وفيما رحّب رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان بالحدث واعتبره مدعاة للسرور والأمل، انقسمت الصحافة التركية بين مرحّب وبين قائل إنه بداية النهاية لحزب العمال الكردستاني، متوقعة توالي استسلام مجموعات أخرى في وقت قريب على أن يكون العدد أكبر بكثير، وعلى شكل مجموعات تتألف كل منها من 100 إلى 150 عنصراً.
وشن زعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي هجوماً عنيفاً على اردوغان، معتبراً أن "الكردستاني" لم يستسلم لتركيا بل إن حزب العدالة والتنمية هو الذي استسلم لحزب العمال الكردستاني.
وعقد مجلس الأمن القومي التركي ، جلسة هي الأطول منذ جلسة 28 شباط العام 1997 الشهيرة التي كانت قراراتها بداية الإطاحة بحكومة نجم الدين اربكان. وأبدى المجلس دعمه لعملية الانفتاح الديمقراطي الموجهة أساساً لحل المشكلة الكردية، مذكرا في الوقت ذاته من خلال مذكرة الحكومة تمديد التفويض لضرب شمال العراق أن الانفتاح لا يتعارض مع استمرار تعقب عناصر «الكردستاني» عسكرياً
خطة الانفتاح الديمقراطي
رغم الهزيمة المذلة لحزب العدالة والتنمية في المناطق الكردية في انتخابات 29 آذار الماضــي البلــدية. وشن حملة اعتقــالات في صفوف قيادات حزب المجتمع الديموقــراطي الكردي الممثـل في البرلمان بـ 21 نائبا.. تجسدت الخطوات الحكومية الاخيرة في بدء البرلمان التركي مناقشته لمشروع حل القضية الكردية الذي عرضته الحكومة لإنهاء نحو ربع قرن من الصراع, في الوقت الذي رفعت فيه القيود التي تحد البث التلفزيوني باللغة االكردية.
وتتمثل رؤية الحكومة التي سميت مبادرة الانفتاح الديمقراطي من اجل الوصول إلى الوحدة الوطنية والأخوة ، حسب وزير الداخلية بشير آتالاي والتعديلات في إزالة القيود المفروضة على استخدام اللغة الكردية وإنشاء لجنة لمكافحة التمييز, واستعادة أسماء القرى الكردية السابقة إضافة إلى إنشاء هيئة مستقلة للتعامل مع شكاوى التعذيب المقدمة ضد قوات الأمن. كما أكد الوزير التركي أن الحكومة تسعى لتوسيع دائرة الحقوق والحريات السياسية لجميع المواطنين.
أما على المدى المتوسط فإن الحكومة تخطط للتدابير الآتية: تأسيس لجنة مستقلة لمناهضة التمييز، وتحويل لجنة حقوق الإنسان التابعة لرئاسة الحكومة إلى لجنة مستقلة ومدنية، والسماح باستعادة الأسماء القديمة للأمكنة في حال ورود طلب بذلك، والسماح للأحزاب باستخدام اللغات الأم في حملاتها الانتخابية ومخاطبة الناخبين.
أما الوعود على المدى البعيد فتتمثل في الإعداد لدستور يضمن كل الحريات، ووفقا لأوسع توافق وطني، لكن من دون المس بالمواد الثلاث الأولى من الدستور التي يحرم حتى تقديم طلب اقتراح بتعديلها فكيف بتعديلها أساسا، وتتعلق بالخصائص الأساسية للجمهورية وبنية الدولة الواحدة والعلم والنشيد الوطني واللغة الرسمية للدولة. ويقول اتالاي إن "الانفتاح الديمقراطي" ليس رزمة مغلقة بل عملية ديناميكية يمكن اتخاذ خطوات مختلفة وجديدة خلال مسارها، معتبرا الوصول إلى مرحلة إعداد دستور جديد مهمة لأن تركيا تستحق دستورا غير الموجود الآن.
سجالات ساخنة
شهدت المرحلة التمهيدية للجلسة البرلمانية نقاشات حادة واتهامات من المعارضة بسعي الحكومة لتقسيم البلاد على أساس "عرقي". وقد انتهت نقاشات البرلمان التركي حول خطة الانفتاح على الأكراد بتباين كبير بين حكومة حزب العدالة والتنمية وبين حزبي المعارضة الرئيسيين، "الشعب الجمهوري" العلماني و"الحركة القومية" اليميني المتشدد، فيما كان التلاقي الأبرز بين حزب العدالة والتنمية و"حزب المجتمع الديمقراطي" الممثل للأكراد في البرلمان.
وإذا كان موقف الحركة القومية متوقعا على الصعيد الإيديولوجي، فإن من غير المفهوم والمثير للتعجب هو موقف حزب الشعب الجمهوري الذي ينظر إليه في أوروبا على انه الأكثر ليبرالية من غيره، خصوصا انه عضو في الاشتراكية الدولية ويرى في عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي حماية للعلمانية فيها. كما أن العضوية الأوروبية تتطلب أن تكون تركيا بلدا يتساوى فيه المواطنون بمعزل عن انتمائهم الديني والمذهبي والعرقي، كما تحظى الأقليات بحقها في تجسيد هويتها الثقافية.
يضاف إلى ذلك أن حزب الشعب الجمهوري كان هو نفسه قد وضع برنامج انفتاح على الأكراد في مطلع التسعينيات، بل تحالف في انتخابات العام 1991 مع الحزب الكردي الموازي الآن لحزب المجتمع الديمقراطي. وغالبا ما كان الحزب يدعو إلى مناقشة الأمر في البرلمان، وعندما حدث ذلك للمرة الأولى منذ عقود غادر أعضاؤه قاعة البرلمان، عندما باشر رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان شرح الخطة. وعلى هذا فإن هدف الموقف الحالي لهذا الحزب هو قتل الناطور لا أكل العنب، أي عرقلة وإضعاف «العدالة والتنمية» و«الديموقراطي» في الخطة التي قد تجعل الحزب الحاكم أكثر نفوذا في حال نجاحها.
والتعبير الأبرز عن تناقضات حزب الشعب الجمهوري أن مسؤوليه كانوا مرتبكين إلى درجة توجيه الاهانات إلى الأكراد والعلويين على حد سواء وبالجملة، ما أثار المزيد من ردود الفعل ضد تصريحات قادته، وآخرها تظاهرة جرت في مدينة أزمير أمس الأول من جانب جمعيات علوية تطالب باستقالة نائب رئيس الحزب اونور ايمين على تصريحاته الأخيرة في البرلمان ضد العلويين والأكراد.
أما رئيس "المجتمع الديمقراطي" احمد تورك فقد كان مشيدا بمواقف الحكومة ورئيسها، معتبرا أن المهم هو بدء عملية النقاش وهو ما جرى. ويقول انه كان يعرف أن اردوغان ليس عنده برنامج جذري محدد لكن المهم الشروع بمناقشة المسألة. و يجب ألا ينظر إلى الاعتراف بالهوية الكردية على انه خطر وانقسام، ومن يصر على ذلك إنما يريد استمرار سياسة الإنكار والصهر.
ومن الجدير ذكره أنه سبق لرئيس البرلمان التركي بولنت ارينتش أن أطلق نداء إلى زعماء المعارضة لكي يتخلوا عن الاتهامات الجارحة وغير اللائقة للحكومة حول خطة الانفتاح على الأكراد، موضحاً انه مستعد لتقبيل يد زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض دينيز بايكال في حال ساهم في التوصل إلى حل للمشكلة الكردية. وقال ارينتش، في لقاء مع الصحافيين، إن رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي كان مستعدا لتجرع سمّ إلغاء الإعدام عن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان عام 1999، وقد عارض لكنه التزم بالاتفاق داخل الحكومة التي كان شريكا فيها، واليوم أدعو باهتشلي إلى نفس الخطوة الشجاعة.
وذكّر ارينتش بأن حزب المجتمع الديمقراطي الكردي هو حزب شرعي وموجود في تسع محافظات، واعتباره غير موجود لا يحل المشكلة. ورفض اقتصار حل المشكلة على الوسائل العسكرية إذ أن الإرهاب هو نتيجة. و منذ بدء العصيان الكردي عام 1985 مرّ عشرة رؤساء أركان وعشر حكومات و15 قائدا للقوات البرية، والعديد من هؤلاء اعترف بعد ذلك بأن منع اللغة الكردية كان عملا خاطئا، وأن عدم الاعتراف بالهوية الكردية تم بطريقة كاريكاتورية، وكل ذلك دل على أن الحل يجب أن يكون سياسيا واجتماعيا.

ممكن بس حسب ما بعتقد