خلق وقائع جديدة على الأرض
أما في منطقة القدس فقد استغلت حكومة نتنياهو اتفاقية داي رفير وعملت على استباق مفاوضات المرحلة النهائية، بالإعلان عن المصادقة على بناء (1025) وحدة سكنية في جبل ايو غنيم وبذلك بدأت مرحلة جديدة عنوانها سعي الحكومات الصهيونية الى هضم الأراضي الفلسطينية وخلق الوقائع على الأرض سواء أكانت عن طريق المصادرات أو بزرع المستوطنين.
ومنذ الساعات الأولى للاحتلال بدأت الجرافات الإسرائيلية رسم معالم تهويد القدس وفرض الأمر الواقع وخلق ظروف ( جيوسياسية) بحيث يصعب على السياسي أو الجغرافي إعادة تقسيمها مرة أخرى، فبدأت بوضع الأساسيات لبناء الأحياء اليهودية بالقدس الشرقية لتقام عليها سلسلة من المستعمرات التي أحاطت بالقدس الشرقية من جميع الجهات، وغرزتها بالمستوطنين لتخلق واقعاً جغرافياً وسكانياً بغية أحداث خلخلة سكانية، فبعد ان كان السكان الفلسطينيون يشكلون أغلبية عام 1967 أصبحوا أقلية عام 1995، وبعد ان كانوا يسيطرون على 100% من الأراضي، أصبحوا يسيطرون على 21% من هذه الأراضي بعد عمليات المصادرة التي طالت ما نسبته 35 % من مساحة القدس الشرقية.
وتم استخدام أسلوب عصري في تهويد المدينة وهو قانون التنظيم والتخطيط وقد انبثقت من هذه السياسة مجموعة من الخطوات الإدارية والقانونية، في مجال التنظيم والتخطيط، فبدأت قوانين التقنين وإجراءات التراخيص تأخذ مشاهداً في الإعجاز وارتفاع التكاليف مما أدى الى تحويل ما يزيد عن 40% من مساحة القدس الى مناطق خضراء يمنع البناء العربي عليها، واستخدامها كاحتياط لبناء المستعمرات المستقبلية كما حدث لجبل أبو غنيم، كما أدت هذه السياسة الى هجرة سكانية فلسطينية كبيرة من مدينة القدس الى الأحياء المحيطة بالمدينة بسبب سهولة البناء وقلة التكاليف، كذلك انبثق عن هذه السياسة تقليص كبير للاستثمار في البنى التحتية والقطاع السكاني المتعلق بالفلسطينيين، وعلى الرغم من ان فلسطيني القدس الشرقية يدفعون نفس الضرائب التي يدفعها الصهاينة إلا ان 50 % من هذه الضرائب تعود الى القدس الشرقية، مما أدى الى وجود فجوة في البنية التحتية والتطوير، وتحولت القدس الشرقية الى مدينة سيئة البنية التحتية لان سياسة البلدية اقتصرت على الخدمات اليومية.
وبعد ان تمت محاصرة القدس من جميع الجهات بالمستعمرات وإقامة الوحدات السكنية اليهودية بدأت مرحلة أخرى ومن مراحل التهويد وضرب العصب الاقتصادي الفلسطيني، وذلك بالإعلان عن مخططات جديدة هدفها تقييد النشاط التجاري بطمس التجارة والصناعة في المدينة، حيث تنوي البلدية إحداث تغييرات جذرية على المنطقة التجارية وتحويل مركز المدنية الى مدينة أشباح.
القدس الكبرى ومرحلة تهويد جديدة
وفي عام 1993 بدأت مرحلة أخرى من مراحل التهويد ورسم الحدود وهي رسم ما يسمى بالقدس الكبرى، وتشمل أراضي تبلغ مساحتها 840 كلم2 أو ما يعادل 15% من مساحة الضفة الغربية لتبدأ حلقة أخرى من إقامة مستعمرات خارج حدود البلدية لكن هدفها هو التواصل الإقليمي والجغرافي بين المستعمرات في الضفة الغربية وخارج حدود البلدية بالإضافة الى إقامة شبكة من الطرق بين هذه المستعمرات، وهكذا فان خارطة الحكومة الإسرائيلية للاستيطان في منطقة القدس تشمل (غوش عتصيون، افرات، معاليه ادوميم، جعبات زئيف) ويجري فيها البناء بطاقة كاملة، وتهدف تعزيز وإسناد مكانة القدس الخاصة كعاصمة إسرائيل وكمدينة عالمية، وخلق تواصل واضح للسكان اليهود ومنع المناطق الفلسطينية بقدر الإمكان من تشكيل جيوب سكانية متداخلة.
وأقامت إسرائيل جدار الفصل العنصري الذي سيضم ما مساحته 230 كلم2 أخرى من أراضي الضفة الغربية وسيعزل حوالي (130الف) فلسطيني مقدسي عن القدس، وسيضم بالمقابل حوالي (120) ألف مستوطن يعيشون في كتل استيطانية ضخمة.
ان عدد سكان القدس ارتفع الى (950) ألف نسخة ، 70% من اليهود و30% من العرب، كما ان إسرائيل استخدمت العديد من الوسائل لبسط سيطرتها على القدس بالمصادرة المباشرة لأغراض عسكرية واستيطانية، وبالاستيلاء بالتزوير والتحايل، والوثائق التي أبرزها الصهاينة كلها مزورة تحت حجج المصلحة العامة وذرائع إقامة الطرق والمرافق العامة والحدائق ودور العبادة اليهودية، كما وضعت يدها على كافة أملاك الغائبين حتى حاملي هوية الضفة، بالإضافة الى المصادرة بذريعة البيئة والمناطق الخضراء والمفتوحة أو لصالح الجدار العازل العنصري، ونتيجة لهذه السياسة لم يبق للفلسطينيين سوى (7000) دونم أي 10% فقط مما كانوا يملكونه سنة 1967.
ان التهويد الاسرائيلي المقدس لم يتوقف أبدا، والتوسع الاستيطاني بالمدينة اخذ في الازدياد، وحتى عام 2000 شيدت إسرائيل (44) مستوطنة في محيط القدس الشرقية وما زالت تقوم ببناء ألاف الوحدات الاستيطانية ووجهت السلطات الإسرائيلية إنذارات بالإخلاء لأكثر من (11) ألف مسكن، لهدم هذه المنازل على حساب أصحابها بغرض تفتيت التجمعات العربية.
وهناك مشروع القدس الكبرى عام 2020 التي تعمل إسرائيل بجد على إقامته بتخفيض عدد سكانها العرب من (350) ألف نسمة بنسبة 30% من السكان في المدينة المقدسة الى نسبة 12% بالتهجير والطرد وهدم البيوت والإنذارات والمصادرة والتغلغل داخل الأحياء مع تشجيع الهجرة الصهيونية.
اخترع العدو سلسلة قوانين وانطمة لتهويد القدس
منها قوانين مصادرة الأراضي بحجة المصلحة العامة وبدعوى إقامة المستوطنات عليها، حيث تم مصادرة (24كلم2 ) وما يعادل 35 % من مساحة القدس الشرقية، فأنشأت 15 مستعمرة وبناء 47 ألف وحدة سكنية وهذه الأراضي كانت تعتبر المجال الحيوي للتطور العمراني الفلسطيني.
بالإضافة الى قوانين التنظيم والبناء، واستخدمها العدو للحد من النمو العمراني والسيطرة على النمو السكاني عن طريق التنظيم والتخطيط ومنذ الأيام الأولى للاحتلال بدأت السلطات إغلاق مناطق حول البلدة القديمة بإعلانها مناطق خضراء يمنع البناء عليها مما جعل 40% من مساحة القدس الشرقية مناطق خضراء يمنع البناء الفلسطيني عليها ولكنها تعتبر مناطق احتياط استراتيجي لبناء المستوطنات فبالنسبة للفلسطينيين لا يسمح له بالبناء بأكثر من 75% من مساحة الأرض، بينما يسمح لليهود بالبناء بنسبة تصل الى 300% من مساحة الأرض.
وقانون الغائبين مصادرة الأراضي بموجب قانون أملاك الغائبين لسنة (1950) استخدم الكيان الصهيوني هذا القانون الذي يسن من اجل تهويد المدينة، وهذا القانون ينص على ان كل شخص كان خارج دولة إسرائيل أثناء عملية الإحصاء التي أجراها الكيان عام 1967 فان أملاكه تنقل الى القيم على أملاك الغائبين ويحق للقيم البيع والتأجير وهذا ما حصل بالنسبة للعقارات التي تم الاستيلاء عليها بالبلدة القديمة.
والاسرلة: والتي هي استكمالاً للمشروع الاسرائيلي في القدس، يعمل الإسرائيليون على "اسرلة" الأقلية التي بقيت في المدينة من الفلسطينيين والتي لا تزيد عن 27%.
ومصادرة الهويات، ينظر الكيان الصهيوني الى المواطنين الفلسطينيين في القدس على أنهم مواطنون أردنيون يعيشون في دولة إسرائيل، وذلك طبقاً للقوانين التي فرضتها على المدينة، حيث أعلنت في الأيام الأولى للاحتلال سنة 1967 منع التجول وأجرت إحصاء للفلسطينيين هناك في 26/6/1967 واعتبرت ان جداول هذا الإحصاء هي الحكم على الأساس لإعطاء بطاقة الإقامة للفلسطينيين في القدس، ومن يوجد من المقدسين خارج القدس لا يحق له العودة إليها، وطبقت على الفلسطينيين قانون الإقامة والأنظمة الدخول والذي يقضي بشروط وتعليمات خاصة متعلقة بالإقامة لكل من يدخل الى الكيان الصهيوني وبذلك اعتبرت جميع الفلسطينيين المقيمين في القدس قد دخلوا بطريقة غير شرعية في الخامس من حزيران ثم سمح لهم بالإقامة كلفته إنسانية من الكيان وبذلك فهم ليسوا مواطنين وإنما أجانب يقيمون إقامة دائمة داخل الكيان هذا هو الوضع القانوني للفلسطينيين في القدس، وكل من يغير مكان الإقامة ( خارج حدود البلدية) يفقد حق العودة الى القدس، وبالتالي يتم سحب حق الإقامة وإخراجه خارج البلاد، كل ذلك من اجل إعادة التوازن الديمغرافي لصالح الصهاينة وجعل السكان العرب أقلية.
نبيل مرعي وليديا أبو ضرغم