رأي: المُحللون..

رأي: المُحللون..
بقلم الأسير المحرر: د. سالم البحيصي/غزة

التحليل ... لغةً ... مِن حلّل، يحلّل، أي يعيد فرز الشيء إلى مكوناته الأولية، والذي يقوم بذلك يُطلق عليه لفظ مُحلل، وهو اسم الفاعل من الفعل، وقد اصطلح على هذا الاسم ـ محلل ـ أن يشمل الكثير من المواقع ، فالمفتي عندما يُفتي بعدم حرمانية شيء يعتبر محللاً، وكذلك الذي يقوم بعملية زواج صوري لامرأة حتى تعود إلى زوجها الأول وهو أمر لا يشرف صاحبه في نظر الشرع أيضا فهو محلل، وكذلك الذي يقوم بتحليل دم أو فضلات المريض فهو محلل، والذي يتعرض لقضية نفسية أو ظاهرة اجتماعية يقوم بشرحها لبيان وتوضيح ما خفي منها فهو أيضا يحمل هذا اللقب، غير أن أكثر ما تشاهده هذه الأيام وعلى الفضائيات من يطلق عليهم محللون سياسيون، فعلى الرغم من ان أكثرهم من هم مؤهلون للقيام بهذه المهمة إلا انه يظهر بين الحين والأخر وخاصة عندما يكون الحديث عن القضية الفلسطينية من يصدق عليهم المثل الفلسطيني الشهير "يوعدك بالحج والناس مروّحة"، فمنذ انطلاقة الثورة ومتابعتنا لها وتفاعلنا معها عبر مراحلها المختلفة من صعود وهبوط لم يكن يُطرح على الساحة العربي والساحة الفلسطينية خاصة ، لم يكن يُطرح غير التحرير والكفاح المسلح وثورة حتى النصر حتى انه عندما قبل زعيم الأمة جمال عبد الناصر مبادرة سياسية حيث كان قبولها من قبيل التكتيك ، كان رد الفعل مستهجناُ وعنيفاً رغم انه كان يعبر عن الجهل أكثر من القدرة على تحمل المسؤولية من قبل هؤلاء والذي أثبتت الأيام أنهم كانوا اصغر من القضية التي يحملون شرف الدفاع عنها ، بل واصغر من شعارات كانوا يطلقونها والتي كانت تعبر في أحسن أحوالها عن مراهقة سياسية اكثر منها حماسة ثورية.
إن أكثر من يحملون هذا اللقب يظهرون كثيراً على القنوات الفضائية ، منهم من يحمل هذا اللقب فقط ، ومنهم من يحمل ألقاب أخرى.. د . ....... أستاذ العلوم السياسية في جامعة ....... أو رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية .... أو عضو لجنة...... وهكذا دواليك ، وإذا ما أسعفتك نفسك وتابعت ما يتفوّه به هؤلاء، فأنك قد تصاب بالغثيان لما يصدر منهم من شروحات هي اقرب إلى الهرطقة السياسية منها إلى التحليل العلمي في ما يتناولونه من قضايا، مما يجعل المشاهد يعيد تقييم هذا المحلل، وحقيقة ما يحمله من درجات علمية او مصادر هذه الجهات إذا كانت هذه الدرجات العلمية حقيقية، لأنها تعبر إما عن متحدث لم يقرأ التاريخ، أو مرتزق منافق كل همه إرضاء صاحب السلطان، وفي كلتا الحالتين تكمن المصائب، وهذا إما يكون ضمن بطانة السلطان أو ممن يطمحون إلى الدخول إلى هذه البطانة، فلم يفسد السلطان على مر التاريخ إلا أمثال هؤلاء الذين يزينون له القبائح ويحللون له المفاسد، فلو صدقت البطانة ... صلح الحاكم ... وكم كان خطباء المساجد على وعي وهم يدعون من على المنابر "اللهم اهدِ ولاة امورنا لما فيه الخير وارزقهم بطانة صالحة".
إن أمثال هؤلاء وهم يحرِفون الكلام ولا يبالون بأن ما يطرحونه مسخ لمنطق الحوار وتحقير لعقلية المستمع .... كل ذلك لا يهم عندهم مادام فيه إرضاءً للسلطان وكسبٌ لجيوبهم ونفخٌ لكروشهم المتعفنة وبلسم لنفوسهم المريضة.
اما إذا كان الحديث عن القضية المقدسة الذي قدم شعبها ألاف مؤلفة من الشهداء والجرحى والأسرى والمشردين ومعاناة مريره في المنافي والمعابر والمطارات........ هذه القضية التي كانت ترتكز على أهم الثوابت في الحركة الوطنية وهو ....عدم التنازل عن شبر واحد من ارض الوطن ، هذا الثابت الذي تم تلوينه وتحريف الكلام فيه بما يلاءم هوى أصحاب الهوى .... ترى هذا المحلل او ذاك يدّعي بسذاجة الجاهل وسماجة منطق أن الثوابت لم تُمس ولم يتم التنازل عن شيء ، وكأن ما نحن فيه لا يعكس ذلك ... بل وربما ما نحن فيه هو النصر المبين الذي حققناه .
أما إذا ما اعترف هذا المحلل بقساوة الواقع ، فأنه عندما نقترب من البحث عن حل .. نجده يقول إننا متمسكون بالسلام كخيار استراتيجي ، والمفاوضات هي السبيل الوحيد للمضي لهذا الخيار ، وعندما ينحصر في زاوية الحوار بأن العدو لا يعمل الا لسلام يفصّله على مقاسه ويحتقر طرحنا لمفهوم السلام ، نجد هذا المحلل يقول أن لديه بدائل أخرى .. وإذا طلب منه توضيح وشرح هذه البدائل .. يقول سنذهب للأمم المتحدة ونخاطب الرأي العام العالمي ...... ترى من ابعد الأمم المتحدة عن قضيتنا؟! والأن نعود للأمم المتحدة ، ولماذا هذه المسيرة الدموية والآلاف من الشهداء والأسرى والجرحى والمعاناة .. و .... الخ أني اشك بأن امثال هؤلاء من المحللين لم يسمعوا بالثورة إلا بعد اوسلوا فجاءوا يثورون من جديد ويثوّرون الشعب معهم بطريقة حضارية بعيدة عن الغوغاء ، أي بطريقة ثورية دافئة فهي التي تعيد الحقوق خاصة إذا كانت المفاوضات تتم على ارضية من المصافحات البريئة والابتسامات الرطبة والمعانقة الأخوية .... مما قد يُخجل العدو وتجعله يترك لنا دولتنا التي لم يعدنا بها في اوسلوا وهكذا ينتهي النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ويرتاح العالم .
لم يسمع محللونا ان عدواناً اسرائيلياً قد وقع سنة 1967 وسقط شهداء وسقطت مدن وضاعت اراضٍ ..... لم يسمع محللونا بذلك ... لقد بدأ علمهم بالقضية من خلال الدول المانحة والرباعية واتفاقية باريس الاقتصادية وما تبعها من امتيازات واحتكارات و VIP ..... الخ ، ولذا فهم معذورون في طرح هذه البدائل ....
وأخيراً ...
اني اشك ان وراء كل محلل منهم قصة .... متى بدأ .... وكيف ظهر .... وإلى اين سينتهي دوره..

كلها أسئلة برسم الإجابة؟