الجعجعة وطحن الاوهام

الجعجعة وطحن الأوهام

نسمع كثيراً في هذه الأيام التطبيل والتزمير للدولة الفلسطينية الموعودة, والآتية من الاعتراف الدولي لدولة مجهولة الهوية والكيان, ويزمجر المهللون لها بأصوات الضفادع, الذين قال فيهم جبران خليل جبران " قد يكون صوت الضفادع أعلـى مـن صوت خوار البقـرة ولكـن الضفادع لا يمكـن أن تجـر سكـة المحـراث ", فهؤلاء يمتطـون المنابـر المصنعـة على طريقـة ومقاس أمريكـا و" إسرائيل " ويتوسلون ويشحذون من خلالها دولة فلسطينية مزيفة, ويتباكون على أعتاب البيت الأبيض من أجل أن يرق قلب صاحبه لهؤلاء الحفنة من أجل تحقيق وعد بوش في الأيام السالفة بتلك الدولة المقيدة بكل سلاسل التبعية للاحتلال الصهيوني.
واليوم يروحون ويجيئون ويجوبون كل عواصم العالم من أجل التحضير للزفة المزعومة في الأمم المتحدة من أجل الاعتراف بدولة مبهمة مجهولة الهوية, وذلك كي يحققوا انتصاراً خلبياً يقنعون به أنفسهم قبل شبعهم بذلك العطاء المقدم ممن ساهموا بصناعة الكيان الصهيوني والداعمين له في قتل شعبنا وباغتصاب أرضنا, متناسين تاريخ الذين سبقوهم وهم يحملون غصن الزيتون الذي جف ويبست أوراقه منذ مدة طويلة قبل أن يحقق شيئاً من كل التوسلات والاستجداءات لهؤلاء النفر.
لقد قرأنا سابقاً وفي كل الكتب والمصطلحات السياسية حول مفهوم الدول ونشأتها, ولم نسمع يوماً بان الدول تُبنى بالدموع والتوسلات, وخاصة عندما يكون الحكم هو الخصم بحد ذاته, مع شكرنا وتقديرنا للدول في أسيا وإفريقيا وأمريكيا اللاتينية التي اعترفت سابقاً ولاحقاً بالدولة الفلسطينية العتيدة والذي يرون حل القضية من زاويتهم وليس من خلال رؤيتنا لطبيعة الصراع ما بينا وبين الكيان الصهيوني, ولكن قد تكون رؤيتهم نابعة من خلال المهرول الفلسطيني الذي سبقهم لتشريع ذلك الحل المزعوم.
ومن سخريـة الأقـدار أن يعتبـر البعـض بأننـا ضد الدولة الفلسطينيـة وهنا يحاولـون أن يحرجونا كما يعتقدون بتصنيفينـا ( رديكاليين أو عدميين ), ونقول لهم بأننا كنا وما زلنا الأحرص على الدولة الفلسطينية المستقلة القائمة على حدود فلسطيننا كاملة, والتي لها السيادة الكاملة على بحرها وبرها وجوها, ولها جيش المدافع عنها, والذي قدم شعبنا من أجلها شلالات من دماء الشهداء والجرحى وعذابات الأسرى في المعتقلات الصهيونية وتحمل التشرد واللجوء من أجل أن تكون له دولته الحرة على كامل ترابه الوطني من البحر إلى النهر ومن رفح إلى الناقورة.
وفي هذه الأيام نسمع الكثير من الجعجعة عن تلك الدولة المزعومة على لسان الواهمون, الذي تنازلوا عن كل الثوابت الوطنية كرمى لعيون تلك الدولة, كي يسيروا على السجادة الحمراء ويسمعون النشيد وهم يتمخترون فوقها, ويكون لهم سفارات وسفراء يستقبلونها في الذهاب والإياب, ويستقبلونهم ويودعونهم رؤساء الدول كزعماء عظام, ولكن زعماء تنكروا لشعبهم وأمتهم.
والمخزي في هذا السياق وعلى لسان هؤلاء المارقين, ما يرددونه صباحاً مساءاً, ولا يخجلون من أنفسهم بأنهم سيتعرفون بالدولة الصهيونية حتى ولو كانت يهودية متناسين تاريخ شعبنا على تلك الأرض ومتناسين الذين تمسكوا بأرضهم وقدموا التضحيات من أجلها منذ عام 1948م, ولكن كما يقول المثل " إذا لم تستحي, فأصنع ما شئت ".