نكبة فلسطين بنكهة " نهر البارد "

قبل فجر العشرين من أيار 2007 كانت مفردات نكبة فلسطين التي أفضت إلى احتلالها وإعلان الصهاينة عن إنشاء كيانهم الغاصب في 15 أيار 1948 هي الحاضرة الوحيدة في الخطابات أو المهرجانات أو الأنشطة التي تحيي هذه المناسبة للتذكير بأن فلسطين هي أرض الشعب الفلسطيني وأن هذا الشعب متمسك بالعودة إليها وأن الاحتلال الإسرائيلي سيزول لأنه قام على باطل. لم تتبدل هذه المضامين، ولكنها تطعَّمت بمفردات ومصطلحات وشعارات جديدة من أجواء "قاموس نهر البارد" الجديد الصادر فجر 20/5/2007 والذي يزدحم بعبارات الألم والمرارة والظلم. "نظام التصاريح" و "البركسات" و "الكراجات" و "مدارس التركيب" و "البرايمات" و "المعابر" و غير ذلك من المفردات والعبارات هي أمثلة قليلة عن بعض ما جاء في ذلك القاموس.
تطلّ علينا الذكرى الـ 62 لنكبة فلسطين هذا العام، وهي تزداد عبئًا وثقلاً جراء نكبة نهر البارد-الابن البار لفلسطين- وهي تعبُر عامها الثالث بقساوة. ومخطئ من يظنّ أن نكبة نهر البارد تنحصر في حدود مساحة المخيم فقط، بل هي قضية بحجم مأساة اللجوء، لجوء الشعب الفلسطيني عن وطنه. نكبة نهر البارد تختصر مسلسل المعاناة والمآمرة والتقاعس والظلم المستمر بحقّ شعبنا الفلسطيني منذ 62 عامًا. ولا بدّ لكل عاقل ومنصف إذا أراد أن يقرأ نكبة نهر البارد، أن يقرأها بأبعادها الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية والأمنية والسياسية، وإن كنت أرى أن البعد السياسي هو الأهم.
البعد السياسي هو الأهمّ لأنني أرى أن ما حصل في نهر البارد هو جزء من مشروع تصفية القضية الفسطينية بمكوناتها المختلفة ولا سيما اللاجئين. لقد فضحت نكبة نهر البارد الكثير من المخططات المشبوهة التي تتقاطع مع هدف واحد هو التخلص من شبح المخيمات الفلسطينية، تمهيدًا لتذويب وصهر المجتمع الفلسطيني مع محيطه؛ ليُشكِّل ذلك أرضية تقود في النهاية للتوطين. صحيح أن الأصوات الرافضة للتوطين سواء الفلسطينية أو اللبنانية منها هي الأكثر عددًا، ولكنّ المجريات تشير إلى أن الذين يعملون من أجل جعل التوطين واقعًا مفروضًا هم مؤثرون بغضَّ النظر عن عددهم، ومن هؤلاء من يدري إلى أين يريد أن يصل، ومنهم لا يدري ويخدم تلك المخططات المشبوهة بغير علم بل بغباء مكللٍ بالنفعية والاستكساب.
طالما سمعنا عن مصطلح "شطب" القضية الفلسطينية، أو "شطب" حق العودة للشعب الفلسطيني، ولكننا الآن بدأنا نفهم أكثر دلالات ذلك المصطلح بما يحمل من أبعاد توحي بالإلغاء والإقصاء والإزالة والاستئصال. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو "هل وصلت بعض الأطراف إلى قناعة بأن الشعب الفلسطيني لن ينسى أرضه وهو مُصرٌّ على العودة ليتخذوا قرارًا بشطب هذا الحق بالقوة على قاعدة آخر العلاج الكَيّ؟!".
أعتقد أن تلك الأطراف مخطئة حينما تعتقد أنها تستطيع أن تكوي دماغ وقلب ووجدان وروح الشعب الفلسطيني لتمحو صورة فلسطين بكامل ترابها، وسيبقى الشعب الفسطيني يهتف لفلسطين من النهر إلى البحر حتى لو اتسعت دلالات "النهر" من ضفاف نهر الأردن لتشمل "نهر البارد".