لم يختر نهر البارد ذلك ، ولم يقرره ، ولم يستحقه..
لم يختر أن تتشابك الصراعات الدولية والإقليمية عند تخومه ... ولا أن يخطط البعض ليبدؤوا تطبيق 1701 من أزقته الضيقة..
لم يختر نهر البارد أن يكون مكان فتح ملف السلاح الفلسطيني في لبنان .. ولا أن يكون ثمن ملفات إقليمية.. ولا أن يكون الخطوة الأولى في مشوار خطط توطين اللاجئين الفلسطينيين في بلدان لجوئهم.
لم يختر نهر البارد أن يتمركز فيه من أساء فهم دينه وواقعه فأراد أن يحرر فلسطين من أقصى شمال لبنان ، وقرر البدء بالجيش اللبناني..
لم يختر نهر البارد أن يتكلم باسمه بعض من يسمون "قيادات فلسطينية" تتسابق لنيل رضى الجزار .. فأحدهم يعرض خدماته في الهدم والآخر يمدح "الجراح الماهر" الجيش اللبناني ..
لم يختر أن يتركه أبناؤه وحده في مواجهة القذائف والقنابل ليهدم شبراً شبراً وجداراً جداراً ... كانت الأحداث أسرع من أن تعيها أذن واعية .. وبدا أن الناس لم تتعلم الدرس: الدرس يقول أن من يترك بيته لا يعود إليه ..
لم يختر نهر البارد ألا يسلم من اختلاف الفرقاء حتى بعد هدمه ... لم يختر المدينة التاريخية المفترضة تحت أنقاضه .. لم يختر حراس زنزانته على حدوده .. أولئك الذين أصبحوا يعتقلون الفلسطيني حتى إذا لم يقم بفحص صيانة سيارته (الميكانيك)... هكذا يصبح جيش دولة سجاناً للاجئين داخلها .. ويترك عمله ليتدخل في الصغائر ويمعن في امتهان كرامة الناس..
لم يختر نهر البارد أن يتخلى عنه القريب والبعيد .. لم يختر أن يبقى دون إعمار حتى الآن ... ولم يختر الإنتظار..
لم يختر نهرالبارد أياً من كل ذلك ولم يقرره او يستحقه... ربما الأمر الوحيد الذي اختاره واستحق عليه العقاب أنه آوى بعض اللاجئين الفلسطينيين في لبنان .. أولئك الذين لا سند او عون لهم إلا الله .
إقحام المخيم بتلك الطريقة جريمة، وقصفه جريمة، والخروج منه يومها جريمة، وهدمه جريمة، والسكوت عن ذلك وقتها جريمة، وحرق ما لم يهدم وسرقته جريمة، وتأخير تجريفه جريمة، وتأخير إعادة بنائه جريمة، وبقاؤه على هذا الحال جريمة، وبقاء معظم سكانه هكذا جريمة... جرائم كثيرة حصلت، وبعضها مستمر... وتفوقهم جميعاً جريمة أخرى: النسيان والتعتيم والإهمال.