مخيم نهر البارد.. تصريحي ليس هويتي

في العشرين من شهر ايار اختتمت فعاليات إحياء الذكرى الرابعة للحرب التي أدت إلى تدمير مخيم نهر البارد والتي اندلعت في العشرين من أيار 2007 بين الجيش اللبناني وعصابة " فتح الإسلام " التي أخذت المخيم رهينة لتحقيق أهدافها التي مازالت مجهولة لدينا وجعلته يدفع ثمن صراع لا ناقة له فيها و لا جمل . تلك الحرب التي تزامنت مع الذكرى التاسعة و الخمسين لنكبة فلسطين و التي كانت تداعياتها شبيهة الى حد كبير بتداعيات النكبة الكبرى .
وفي الوقت الذي كان أهالي المخيم يستعيدون ذكرى أليمة أرخت ومازالت بظلالها على المخيم و محيطه كانت مشاهد النزوح الثاني مازالت ماثلة في أذهان الناس شيبا وشبابا ونساء و أطفالا , فحرب البارد كانت بمثابة " كربلاء فلسطينية " أيقظت مجددا آلام نكبة فلسطين بكل مآسيها و ويلاتها , كأن قدر الفلسطينيين أن تتجدد مرة بعد أخرى مشاهد الدم الفلسطيني المستباح في صراعات الآخرين و مشاهد الخراب والدمار و فصول اللجوء و الهجرة والتهجير من مكان الى آخر .
إنها الحرب التي لم نعرف حتى اليوم , و بعد ثلاث سنوات على اندلاعها , أسبابها و أهدافها وغاياتها , ولم نجد حتى الساعة حلولا لألغازها و للتساؤلات التي طرحتها والتي تحيط بظروفها منذ العشرين من ايار 2007 , وتحديدا منذ ظهور تلك الجماعات الغريبة عن المخيم ونسيجه الاجتماعي والسياسي والتنظيمي وكل ما يحيط بأسباب وظروف استقدامها الى المخيم الذي كان ينعم بالاستقرار والأمن والرخاء.
لقد انتهت فصول الحرب العسكرية و يومياتها منذ مطلع أيلول 2007 دون معرفة حقيقة كيف بدأت و كيف انتهت ولماذا حصل ما حصل ؟ وإذا كانت الحرب العسكرية قد انتهت بإعلان الانتصار على " فتح الإسلام " لكنها ما زالت مستمرة بصور و أشكال مختلفة, فالنزوح لم يكن مؤقتاً و العودة لم تعد مؤكدة، و الإعمار لم يعد محتّماً, و ما زال أبناء المخيم النازحون منهم و العائدون إلى الجزء الجديد منه يعيشون تداعيات الحرب في ظروف مأساوية لا تليق بالبشر.
و الأهم من كل ذلك, هو بقاء المخيم رغم مرور ثلاث سنوات منطقة عسكرية يسكنها آلاف المدنيّين الخاضعين لإجراءات عسكرية بقرار سياسي من الحكومة اللبنانية حيث إن التصريح بالدخول إلى المخيم صار بديلاً عن بطاقة الهوية. و من هذا المنطلق كانت فعاليّات الذكرى الثالثة لحرب البارد بدعوة من الفصائل و اللجان الشعبية و هيئة المناصرة الأهلية لمخيم نهر البارد تحت عنوان " تصريحي ليس هويتي ", حيث نظّمت اعتصامات و نشاطات طالت مختلف المخيمات الفلسطينية في لبنان بشكل سلمي و حضاري , و اختتم بإعتصام شعبي شارك فيه الآلاف من أبناء المخيم في ساحة شهداء البارد رفعت فيه الأعلام و الرايات السوداء و اليافطات المطالبة بإعادة إعمار المخيم، و انهاء نظام التصاريح الذي قطع أوصال أبناء المخيم وعزلهم عن محيطهم اللبناني و الفلسطيني. اعتصام ارتدى خلاله المئات كنزات سوداء و قبعات بيضاء كتب عليها " تصريحي ليس هويتي". و قد ألقى امين سر اللجنة الشعبية كلمة دعا فيها إلى إلغاء نظام التصاريح و طالب الحكومة اللبنانية برفع الحواجز, كما ألقى أبو سعدو كلمة لجنة المتابعة العليا و الفصائل الفلسطينية فقال : " تصريحي ليس هويتي فليذهب إلى الجحيم, أنا هويتي فلسطينية و ستبقى إلى الأبد ". و بعد إلقاء باقة من القصائد الشعرية من وحي المناسبة, ردّد المشاركون في الاعتصام : " حلفنالك يا بارد نرجع و احنا راجعين ".
و تعد قضية إلغاء نظام التصاريح إلى جانب المطالبة بالعمل الجاد و السريع في مشروع إعادة إعمار المخيم القديم و ما تهدّم في الجزء الجديد منه و استمرار برنامج الإغاثة من قبل الأونروا من أبرز مطالب أهالي المخيم, فالتصاريح تحول دون التواصل الاجتماعي بين أهالي المخيم و أقربائهم و بينهم و بين محيطهم اللبناني، و هي تحول أيضاً دون عودة الحياة الطبيعية إلى المخيم على الرغم من أنّ السنوات الثلاث الماضية أثبتت التزام الفلسطينيين المطلق بالقوانين اللبنانية و التعايش مع السلطة اللبنانية بمختلف أجهزتها العسكرية و الأمنية مما ينفي الحاجة إلى وجود هذا النظام الغريب العجيب. و لذلك فإن المطلوب من الحكومة اللبنانية التي تتحدث دائماً حتى في بيانها الوزاري عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين أن تبادر إلى إلغاء هذا النظام و الوفاء بالتزاماتها تجاه المخيم و أهله, و إلا كيف يمكن تصديق مقولة " شركاء في الانتصار على الإرهاب ", فإذا كان أهالي المخيم شركاء بهذا الانتصار و قد ضحّوا بكل ما يملكون تسهيلاً لتحقيق ذلك, فهل تكون مكافأتهم بإبقائهم تحت الإدارة العسكرية و بمنعهم من استعادة حياتهم المدنية الطبيعية؟ و هل هذا هو المخيم الذي سيكون " نموذجاً " للمخيمات الأخرى على حد قول الرئيس السابق للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني السفير خليل مكاوي؟
أسئلة كثيرة, و مطالب لا تعد و لا تحصى ستبقى تتردّد في أجواء المخيم و المخيمات الاخرى طالما بقي الوضع على ما هو عليه اليوم؟!