حركة "النهضة الإسلامية" في تونس تسقط في إمتحان الحريات وتقمع التظاهرات

حركة "النهضة الإسلامية" في تونس تسقط في إمتحان الحريات وتقمع التظاهرات



في تونس مهد "الثورات" العربية، الوضع ليس مستقراً، لكنه نموذجي إذا ما قورن بالعهد البائد ما قبل الثورة، ولكن الصراع مستمر بين التيار الإسلامي الحاكم الذي يحاول فرض أجندته الخاصة وبأساليب لم تعد خافية على أحد في عالمنا العربي، لأن هناك في هذا العالم من يريد أن يعمم هذا النموذج بعد تطبيعه وتقليمه وتسخيره لخدمة أجندة عالمية أكبر، وهناك التيار الوطني المدني الذي يحاول رفض هيمنة التيار الإسلامي المشارك معه في الحكم، والصراع يحتدم ويتطور يوماً بعد يوم، لأن مرور الوقت بدأ يكشف عن المستور من الخطط والبرامج والتدخلات الخارجية الموظفة بدقة لمتابعة الوضع في تونس نظراً لخصوصية هذا البلد الفريد في تكوينه ومكوناته ورغبة في تعميم النموذج.
والصراع الداخلي في تونس يتحول الى مواجهة تقليدية بين سلطة إسلامية نصبتها الثورة ومعارضة ليبرالية نظمتها الظروف الطارئة على عجل وهي مازالت تحاول أن تسترد عافيتها بعد.
وأهمية تونس في عالمنا العربي تتجلى من خلال كونها المختبر الأول والأهم، وتكاد لا تخلو دولة عربية من هذا الشكل من الصراع أو لن تكون هناك دولة عربية بمنأى عن هذا النموذج من الصراع.
ولأن تجربة تونس فريدة في حالتها المدنية وكذلك في تجربتها الإسلامية، وهاتين الظاهرتين تتعرضان اليوم لاختراقات متطرفة، تشدهما في اتجاه الاشتباك المباشر الذي يحتمل استخدام السلاح فيما لو تطورت الأمور دون إيجاد قواسم مشتركة.
وعلى الرغم من الحصانة التي يتمتع بها المجتمع التونسي إزاء التسلح واللجوء الى القوة لحسم الخلافات السياسية، إلا أنه لا يمكن منع الأفكار الوافدة التي ينقلها بعض المتشددين من الجوار والمتربصين بأوضاع البلاد.
بعض المؤشرات النافرة بدأت بالظهور، فالسلطة التنفيذية التي تقودها اليوم النهضة الإسلامية، بدأت بسرعة فائقة التصرف كقوة قمع للتظاهرات وتقييد للحريات وضبط الإعلام، وهي تتكيف مع السلفيات التي أطلت برأسها في مرحلة ما بعد الثورة، لتختبر الانفتاح السياسي، وتتحدى شعارات الإسلاميين وبرامجهم في إدارة الدولة والمجتمع، والجدل الذي أثارته جولة السلفي المصري وجدي غنيم في تونس وخطبه النارية في الدين والسياسة والخلافة والمرأة، تعبّر عن اضطراب لا يمكن للمعادلة السياسية الراهنة التي تجمع الإسلاميين والليبراليين واليساريين تحت سقف واحد، لذلك فأشكال الصراع ستستمر.
العناوين المتداولة في تونس هذه الأيام وعلى رأسها الدعوة التي وجهها الرئيس منصف المرزوقي الى إقرار قانون يجرّم التكفير ووصفه للمتشددين الإسلاميين بالجراثيم، هذا مؤشر على أن حركة النهضة الحاكمة حتى لو شاء بعض شيوخها وقيادييها أن تعيد إنتاج استبداد جديد، هذا لا يحتمله التنظيم ولا يقبله المجتمع الذي استرد حريته للتو، لكن التحدي السلفي الذي لايزال يقدر بالآلاف وتم استقطاب جديد بعد سماع الداعية وجدي غنيم، وهذا يمكن أن يشكل ذريعة للمزيد من التشدد في احتواء الحياة السياسية الصاخبة والتي يعيبها تطرف ليبرالي آخر لا يقل سوءًا عن التطرف الإسلامي وينادي بالمخدرات والفوضى والإباحة والعري وغيرها.



الاستقطاب يزداد حدة بين الجانبين اللذين يستكشفان فرص الحرية السياسية والاجتماعية شبه المطلقة، وفرص التوصل الى قوة وسطى وقواسم مشتركة بدأت تنعدم تدريجياً، وتهدد بتقويض السلطة التي صيغت على عجل بدافع الانتقام من الماضي أكثر من الاهتمام بالمستقبل.
الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، حذر لمناسبة إحياء بلاده الذكرى 55 لإعلان الجمهورية، من عودة الاستبداد الى تونس بعد تحررها منه بدابة العام 2011، ومن اندلاع ثورة جديدة إذا لم يتم تطبيق ديمقراطية حقيقية، وقال أمام أعضاء المجلس الوطني التأسيسي: "لن يرضى الشعب الذي انتخبكم، بديمقراطية شكلية، وقد يضطر الى الثورة من جديد، علينا جميعاً إن لم تحقق ما يريده فعلاً، وخصوصاً القضاء على الفقر والتهميش، وتساءل المرزوقي، "ما قيمة ديمقراطية لا تطعم جائعاً ولا تكسي عارياً ولا توفر كرامة، أولى شروطها العمل والمسكن والتعليم والصحة.
وفي حزيران الماضي كانت المجموعة الدولية للأزمات، قد نبّهت في تقرير حول تونس، الى أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي كانت السبب الرئيس في اندلاع "ثورة الحرية والكرامة" التي أطاحت بالرئيس بن علي في 14 كانون الثاني 2011، مثل ارتفاع معدلات البطالة والفقر واستشراء الفساد، لا تزال دون حل، ويمكن أن تؤدي الى تأجج الأحداث من جديد، ويرفض المرزوقي اعتماد نظام حكم برلماني صرف في تونس مثلما تدعو الى ذلك حركة النهضة الإسلامية، خوفاً من سيطرة الإسلاميين على السلطتين التشريعية والتنفيذية معاً، وعندها ستدخل تونس في دوامة جديدة وصراع سيكلف الكثير.
وجاءت أحداث السفارة الأميركية (مهاجمة السفارة الأميركية في تونس) لتعمق من مشاكل الترويكا الحاكمة في تونس وخصوصاً بعد طلب وزارة الخارجية الأميركية من موظفي السفارة مغادرة البلاد وكذلك عائلات الدبلوماسيين الأميركيين على أثر الأحداث الأخيرة التي جاءت رداً على عرض فيلم أميركي (مسيء للرسول صلى الله عليه وسلم)، وهو ما رأى فيه رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي: "أن ما حدث هو رد فعل طبيعي على مس المقدسات"، وجدد دعوته الى ضرورة تضمين الدستور فصلاً يجرم المس بالمقدسات، وهو الفصل الذي ترفضه أغلب مكونات المعارضة.
أحداث السفارة الأميركية زادت الاحتقان في الشارع التونسي، ومع فشل مشاريع التنمية والتشغيل جاءت هذه الأحداث لتعمق أزمة الحكومة التي تواجه ملفات شائكة لم تنجح حتى الآن الى حد أي منها، ولعل هذا السبب الذي دعا مجلس الشورى لحركة النهضة الموافقة على تأليف حكومة وحدة وطنية بعد رفض ذلك سابقاً.

نبيل مرعي

كادر:

الرئيس التونسي منصف المرزوقي لأعضاء المجلس الوطني التأسيسي:
لن يرضى الشعب الذي انتخبكم بديمقراطية شكلية، وقد يضطر الى الثورة من جديد. علينا جميعاً إن لم نحقق ما يريده فعلاً، وخصوصاً القضاء على الفقر والتهميش


ويتساءل: ما قيمة ديمقراطية لا تطعم جائعاً ولا تكسي عارياً ولا توفر كرامة؟