تداعيات سلبية لما يسمى "الربيع العربي"
ليبيا تكافح من أجل كبح جماح الميليشيات
وتونس تعيش مناخ سياسي يشوبه التوتر والغموض
يجمع المراقبون في الداخل الليبي وخارجه على أن الحكومة الليبية فشلت بشكل ذريع في توفير الحد الأدنى من الأمن في وجه ميليشيات تتصرف خارج إطار المساءلة، فالتحدي كما يراه مراقبون، هو في التحول من حكم السلاح الى حكم القانون.
مجلة "ذا ناشيونال انترست" سلّطت الضوء على حكم الميليشيات التي ينتمي بعضها الى مدن معينة وأخرى الى قبائل في وقت مازال بعضها يحمل مفاهيم إسلامية مثيرة للجدل وتهتم بشؤون جمهور خاص من القبائل أو المجموعات الإثنية، وهناك ضعف واضح من قبل الحكومة في وجه القبائل، وذكرت المجلة بحادثة مقتل السفير الأميركي كريس ستيفينز حيث شن الهجوم ميليشيا إسلامية من "أنصار الشريعة" فيما استعانت الحكومة لصد المهاجمين بميليشيا أخرى، ولكن مقتل ستيفينز لم يكن الوحيد فقد أدى القتال بين الميليشيات في مزدة والزنتان وغيرها، الى مقتل أكثر من 200 شخص، وفي طرابلس هاجم الأصوليون مقابر وأضرحة بينما وقفت القوى الأمنية جانباً بحجة عدم التمكن من (دخول معركة خاسرة).
حسب وزارة الداخلية أن ليبيا اليوم تناضل من أجل كبح جماح الميليشيات وهناك غضب شعبي احتجاجاً على سيطرة تلك الميليشيات وتبقى ضرورة إيجاد حل لـ "دولة الميليشيات"، أولوية الأولويات بالفعل قبل أن تدخل الازمة في ليبيا في دائرة مفرغة، حيث تضعف سلطة الدولة فيزداد نفوذ الميليشيات ومعه خوف الجمهور الذي سيفضل اللجوء الى الميليشيات لضمان أمنه، وبذلك يضيع الحد الفاصل بين الميليشيا والدولة، وما تشهده ليبيا هذه الأيام هو نتاج عدة عوامل يأتي في مقدمتها التراخي والإهمال في التعامل على مدى أكثر من عام مضى مع عدد من القضايا والملفات الهامة والخطيرة، ومنها التباطؤ في بناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وكذلك عدم الإسراع في السيطرة على السلاح المنتشر في كل مكان.
وفي ليبيا من الصعب اختصار خريطة الميليشيات ومجموعاتها المسلحة وبكل بساطة، هذه الميليشيات المتداخلة بتركيباتها العائلية والقبلية والمناطقية ولا قاعدة واضحة لمقاربة دور هذه القوى القديمة – الجديدة على الساحة السياسية الليبية، الواضح فقط في هذه المعادلة هو أن ليبيا الانتقالية تتخبط تحت حكم الميليشيات التي تشكل التحدي الأكبر لجميع القوى السياسية.
والتحدي الأكبر بدا جلياً في كلام رئيس الوزراء الجديد علي زيدان الذي كلف من المؤتمر الوطني العام "البرلمان" تشكيل حكومة جديدة بعد فشل سلفه مصطفى أبو شاقور، ويصر زيدان، على أن الأمن أولوية الأولويات بما في ذلك بناء الجيش والشرطة وإيجاد حل لمعضلة الميليشيات. وفي الواقع يحتاج الليبيون لجرعة فائضة من التفاؤل والثقة ليصدقوا، أن بإمكانهم أن يساعدوا زيدان والتعاطف معه كمعارض كان من أوائل من شاركوا في الثورة، عليهم أن ينجحوا في دفع المسلحين لإلقاء السلاح والإنضواء تحت راية الدولة.
وفي الذكرى الأولى لأول انتخابات تشهدها تونس منذ الإطاحة بالرئيس السابق بن علي، تعيش البلاد في مناخ سياسي يشوبه التوتر
والغموض، ويميزه العنف وتأخر المجلس الوطني التأسيسي في صياغة دستور جديد للبلاد، وفي مؤشر على عمق الانقسامات السياسية، لم يعلن عن أي احتفال موحد بالمناسبة، ويشهد المجلس التأسيسي منذ أشهر تراشقاً ومواجهات بين التحالف الحاكم بقيادة "حزب النهضة" والمعارضة، وأزمات متتالية بشأن أبرز الملفات التي يتناولها المجلس، وتتحول هذه المبارزات اللفظية في الشارع أحياناً الى أعمال عنف، وكان آخر حلقاتها ما حدث في مدينة تطاوين جنوب العاصمة حيث قتل مسؤول محلي في حزب "نداء تونس" المعارض، إثر مواجهات مع متظاهرين مقربيين من "حزب النهضة".
وحاول الاتحاد العام التونسي للشغل تنظيم حوار وطني، لكن "حزب النهضة" والمؤتمر من أجل الجمهورية، قاطعا اللقاء بدعوة مشاركة حزب "نداء تونس" الذي يقوده رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السيسي، وقد رفض نحو ستين حزباً وجمعية تنظيم الانتخابات العامة في 23 حزيران 2013 كما اقترح الائتلاف الحاكم، حيث تعتبر الأحزاب المعارضة، أن السلطات الحالية تفقد شرعيتها في 23 تشرين الأول الحالي، نظراً لأن مرسوم الدعوة الى انتخابات المجلس التأسيسي العام الماضي نصّ على ذلك.
ومن جهة أخرى تتفاقم الاحتجاجات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت جوهر الانتفاضة ضد بن علي، خصوصاً في مناطق الوسط الفقيرة والمهمشة لعقود، ويواصل سكان بعض قرى ولاية سيدي بوزيد مهد الانتفاضة التونسية، احتجاجاتهم للمطالبة بالتنمية وتحسين ظروف العيش.
وكذلك تخوض السلطات التونسية صراعاً مفتوحاً مع وسائل الإعلام التي تندد بتدخل الحكومة في شؤونها، فقد نفذ الصحافيون إضراباً عاماً احتجاجياً يوم 17 تشرين الأول الماضي.
الجديد في تونس هو ما اتفقت عليه أحزاب الائتلاف الحاكم الذي تقوده حركة النهضة وحزبا "المؤتمر" و"التكتل" الحليفان لها، وبالإضافة الى الاتفاق على موعد لإجراء انتخابات عامة تمّ الاتفاق على اختيار نظام سياسي مزدوج ينتخب فيه رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، وكانت حركة النهضة، تصر على النظام البرلماني الصرف، كطريق للحفاظ على السلطات الواسعة لرئيس الوزراء التي تحوّل معها رئيس الجمهورية الى مسؤول شرفي فقط.
التداعيات المحتملة في ليبيا وتونس ماتزال مفتوحة على كل الاحتمالات، وفي المحصلة ستظل حالة عدم الاستقرار هي المسيطرة والمتحكمة بالأوضاع هناك الى حين، وهذا ما يؤكّد أن الربيع الذي تمّ التغني به لم يكن كذلك الى حين، وهناك مَن يحاول أن يُسيّر الأمور في اتجاهات أخرى تعود بالنفع على مَن ركبوا موجة الأحداث و"الثورات"، ولكن الشعب الليبي والتونسي سيدرك أخيراً أين تقع مصلحته الحقيقية بعد أن يتم اكتشاف حجم الخسارة التي لحقت في كلا البلدين، وحجم المؤامرة التي تعرضت لها "الثورات العربية" واستفاد منها المشروع المعادي لأمتنا.
أدهم محمود