يقونــــــة فلســـــــطين وفارســــــــــها الــذي ترجـــــــــل بقلم الأخ/ أبو حازم أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح

يقونــــــة فلســـــــطين
وفارســــــــــها الــذي ترجـــــــــل
بقلم الأخ/ أبو حازم
أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح "الانتفاضة"
الرحيل كلمة فيها الكثير من المعاني القاسية، لأنها تعني الفراق وغياب إخوة أعزاء عشنا معهم مشوار عمر طويل فيه الذكريات والأحلام والأماني التي تتمحور جميعها حول من عشقنا معاً.. حول فلسطيننا الغالية وثورتنا الوضاءة، بعد أن انغمسنا بها وتماهينا معها وأصبحت بالنسبة إلينا أملاً براقاً يسكن في خلدنا ويعشش في قلوبنا، ولا سيما بأنها كانت رحلة كفاحية نضالية فيها من التضحيات الجسام وفيها من بذل للدماء في سبيل قضية ليست كغيرها من القضايا "قضية فلسطين" التي كانت ولا زالت تتعرض إلى المخاطر الكبيرة من أجل تصفيتها.

رحيل الجسد من الأمور القدرية في حياتنا، ونحن نؤمن به كونه من المسلمات الإيمانية، ولكن صعوبته تكمن في مغادرة من أحببنا، ومن عشنا معه تاريخاً طويلاً حافلاً بكل معاني النضال والصداقة والإخوة والكفاح.. والذي كان فيه الأخ أبو موسى خير مجسد للقائد الفلسطيني بكل ما تحتويه كلمة قائد من معنى.. فكان الأخ الكبير لكل الفدائيين الذين عاصروا رحلته الفدائية من الجنوب إلى البقاع إلى بيروت إلى كل قاعدة عسكرية، وكان الرفيق لكل من صاحبه في مشواره النضالي حيث كان الناصح والمرشد لكل رفاق الطريق على اختلاف انتماءاتهم التنظيمية، وكان الأب الحنون لكل من خدم معه في أي موقع، سواء في المواقع المتقدمة في الجنوب اللبناني وسفوح جبل الشيخ أو في بيروت أو في البقاع أو عندما تنادوا من أجل أن يقودهم لمواجهة الانحراف السياسي في الساحة الفلسطينية.
أخي وقائدي أبا موسى:
نعم كنت الأخ الأكبر وكنت القائد الأنموذج الذي تفتقده الساحة الفلسطينية، فكنت رجل المواقف الصعبة، وكنت المقدام في أية معركة، ورجل الكلمة الصادقة والجريئة، لا تهاب في قول كلمة الحق لومة لائم، ومثال ذلك وقفتك في اليمن التي كنتُ وقتها أرافقك في ذلك الاجتماع عند انعقاد المجلس الثوري بعد حصار بيروت خير دليل على ذلك عندما وقفت وحذرت في مداخلتك كل من يريد أن يفرط أو يتنازل عن ذرة تراب من أرض فلسطين أو عن أي حق من حقوقها.
أخي ورفيق الدرب الطويل:-
منذ خروجنا من الأردن وأنا إلى جانبك في العديد من المواقع والتشكيلات العسكرية كما ذكرت أنت سابقاً في كتبك وفي أماكن مختلفة، حيث كنت نائباً لك منذ تشكيل الكتيبة الأولى لقوات الثورة الفلسطينية في دمشق، وشاركت إلى جانبك في حرب الأيام الأربعة عام 1972، وجرحت أنا وإياك بذات المعركة وذات القذيفة وتعمّد دمنا بأرض لبنان دفاعاً عن فلسطين وعروبة لبنان، وتسلمت منك قيادة الكتيبة الأولى عندما عينت قائداً لقوات العاصفة على الساحة اللبنانية، وكنت القائد لنا حينما شاركت الكتيبة الأولى في حرب تشرين، وكانت لنا مساهمة في تلك الحرب باسم فلسطين ومقاتلي فلسطين إلى جانب سورية الشقيقة والشعب السوري الشقيق في الجولان "وفي حرب تشرين" المجيدة عام 1973.
ولكن من الذكريات التي لا تنسى أبداً وقوفنا معاً عام 1983، في الانتفاضة الثورية لحركة فتح في مواجهة الانحراف، حيث كانت القواعد العسكرية وكادراتها وأبناء الحركة المناضلين ترى في شخصك رمزاً وطنياً وفي إرادتك الصلبة عنواناً وطنياً لهذه الانتفاضة، لذلك التفّ حولك الأحرار من أبناء شعبنا، وكان صوتك عالياً في وجه الفساد، ونظرتك ثاقبة في تشخيص واقع الحركة، رؤيتك سديدة في توصيف الحالة الفلسطينية والعربية.. فغدوت علماً ورمزاً لهذه الحركة الثورية.
إن رحلتك النضالية التي بدأتها يافعاً وأنت في ريعان الشباب... صقلتك وأعطتك شخصية نضالية مميزة... وذلك من خلال مشاركتك في المعارك الفلسطينية منذ بدايات الغزوة الصهيونية لفلسطين إلى جانب القائد الشهيد عبد القادر الحسيني وغيره من القيادات الفلسطينية آنذاك، ومن ثم تطوعت في الجيش الأردني على أمل المشاركة في تحرير فلسطين من الجبهة الشرقية، إلى أن شعرت بالمرارة والخذلان من النظام الأردني لطموحاتك مند أيلول الأسود عام 1970، ومن ثم مسيرة النضال الطويلة في الحركة والتي كنتم من خلالها خير قائد ومرشد ومعلم.
ولا يمكن لي أن أنسى حرصكم الدائم على مدينة القدس والتي كنت لها الابن البار الذي حافظ على الاتصال معها بشكل دائم من خلال العلاقات المقدسية والكتب والمراجع والمؤلفات المختلفة، حيث صححت الكثير من المصطلحات والمفاهيم الخاطئة التي كان البعض يروج لها، وكشفت كافة المخططات الرامية لطمس معالم تلك المدينة، وحذرت من تفريط البعض بحق شعبنا في القدس.. فكنت وفياً لها عشقتها كما هي عشقتك وكانت أمنيتك الدائمة أن يضمك ترابها ويكون اللقاء الأخير على أرضها.
أخي أبو موسى:-
نفتقدك اليوم ويفتقدك كل المخلصين من أبناء حركتنا وساحتنا الفلسطينية، لأن ما يجري اليوم من تنازل وتفريط بحق شعبنا الفلسطيني من قبل القيادة المتنفذة في السلطة الفلسطينية شيء يستحيل على العقل الفلسطيني تصديقه، فبعد كل ما قدمه شعبنا الفلسطيني من مئات آلاف من الشهداء والجرحى والأسرى، يتنطح هؤلاء لتقديم المزيد من التنازلات في كل يوم. ولكن يكفيك فخراً بأنك كنت من الأوائل الذي وقفوا وحذروا ونبهوا من هؤلاء وواجهوا سياساتهم وعلى رؤوس الأشهاد دون مواربة.
نفتقدك اليوم والحالة العربية ليست بأحسن حال من ساحتنا الفلسطينية، حيث أصبحت قضيتنا الفلسطينية في آخر اهتمامات البعض من الأنظمة العربية بل أن البعض منهم يتفنن في كيفية إضاعة فلسطين والتآمر عليها من خلال أبواب وأشكال مختلفة واختلاق أعداء وهميين من أجل الابتعاد أكثر عن فلسطين وعن العدو الرئيسي وإغراق العرب في إشكالات وحروب هامشية كي يستبيح الكيان الصهيوني فلسطين في كل يوم من خلال اتساع الاستيطان وتهويد القدس وقتل أبناء شعبنا، والتآمر على سورية التي قدمت ما قدمت لفلسطين على امتداد عمر القضية الفلسطينية من أجل إنهاء آخر القلاع العربية في مواجهة الكيان الصهيوني والتآمر على الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي جعلت فلسطين قضيتها المركزية الأولى.
وبعد كل ذلك نقول لك ستبقى العنوان لنا في المواقف المبدئية الثابتة، وستبقى النبراس لحركتنا في كل خطوة باتجاه فلسطين، وسنبقى المخلصين لك كما عهدتنا فنحن تعلمنا منك ونهلنا من معرفتك الكثير مما يجعل زادنا من خبرتك وتجربتك موجود فينا بشكل دائم إلى أن يتم تحرير فلسطين.. كل فلسطين .
نم قرير العين، فنحن على عهدك وعهد كل الشهداء سائرون.