اغتيال ناجي العلي ج1
ضيوف الحلقة:
- جوهر العلي/ شقيق ناجي العلي
- عبد القادر ياسين/ كاتب سياسي ومؤرخ فلسطيني
- بسام أبو شريف/ قيادي فلسطيني ومستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات
- أبو خليل/ صديق ناجي العلي في المخيم
- حسين شرف الدين/ مدير مدرسة الجعفرية في صور
- محمد أبو داود/ من منظمي عملية ميونيخ
- وآخرون
تاريخ الحلقة: 23/7/2010
- ارسم يا ناجي.. ارسم عن الوطن
- حنظلة يولد.. إسرائيل تقتل
- إغراءات، تحذيرات، تهديدات.. ناجي لا يتغير
ارسم يا ناجي.. ارسم عن الوطن
جوهر العلي
عبد القادر ياسين
بسام أبو شريف
أبو خليل
حسين شرف الدين
محمد أبو داود
صوت يتحدث باسم ناجي العلي: "أنا ناجي العلي انولدت وين انولد المسيح عليه السلام بين طبريا والناصرة بقرية الشجرة بالجليل الشمالي، طلعونا من هناك بعد عشر سنين بالـ 48 وهجرونا لمخيم عين الحلوة بلبنان. باتذكر هالسنين العشرة بفلسطين أكثر ما بأتذكر أي شيء ثاني من بقية عمري، لسه العشب والحجر والظل والنور لساتهم صور ثابتة بعيوني محفورة حفر".
المعلق: وعد اللورد آرثر جيمس بيلفور الحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود عام 1917 وفي عام 1918 فرض الانتداب البريطاني على أراضي فلسطين وخلال سنوات قليلة هاجر ما يقرب من نصف مليون يهودي إلى أرض فلسطين، وعند اندلاع حرب عام 1948 لم يكن اليهود يملكون سوى نحو 6% من الأراضي الفلسطينية. قامت العصابات الصهيونية بتنفيذ إحدى أبشع عمليات التطهير العرقي في القرن العشرين، وخلال أيام عقب اندلاع حرب عام 1948 سيطروا على 77% من أرض فلسطين وهجروا نحو ثمانمئة ألف فلسطيني وكان من ضمن هؤلاء المهجرين فتى يدعى ناجي العلي. ومن هذا المشهد تشكلت الذاكرة البصرية للفتى الذي سيصبح رسام الكاريكاتير الأشهر في العالم العربي.
صوت يتحدث باسم ناجي العلي: "كنت ولد صغير لما وصلنا على عين الحلوة، وصلنا تعبانين وحافيين، سمعت وقتها الكبار بيحكوا عن الدول العربية، الإنجليز، المؤامرة، سمعت بليالي المخيم المعتمة شهقات بكاء مكتوم وشفت الحزن بعيون أهلي وحسيت بقوة ورغبة كبيرة أني أرسم هذا الحزن على حيطان المخيم كلها".
المعلق: تعلم ناجي ظلال المؤامرة ونور الثورة وفهم أن المخيم بركان نار لن يهدأ حتى يعود الحق لأصحابه فعبر عن كل هذا في رسوماته.
جوهر العلي/ شقيق ناجي العلي: كان رقم الخيمة تبعنا أذكر 13، 14 بعرف، وأعطونا بعين الحلوة شادر جانالون ومعنا أغراض بسيطة جدا كلها بطانيات وغيارات بسيطة، الناس دشرت كل شيء وراها.
صلاح صلاح/ صديق ناجي العلي وناشط فلسطيني: الفلسطينيون في لبنان منذ البداية من 48 من لما إجوا لاجئين على هذا البلد لم يعطوا أي حق من الحقوق المدنية والاجتماعية، حرموا من كامل الحقوق، من الـ 48 مش من.. ما إلها علاقة بالحرب الأهلية، من بكير، لسه الفلسطينيون كانوا غلابة لا عندهم سلاح ولا عم يتدربوا ولا لهم أي نشاط سياسي ولا هم طرف بصراعات داخلية لسه بعدهم معترين عايشين بخيم. كانت المياه جماعية يعني ما في تمديدات للمياه، كانت المراحيض جماعية، ما في بنى تحتية يعني مرافق عامة ما في كهرباء، كانت الناس تدرس على ضوء الغاز، بيكون وضعه كثير ممتاز اللي عنده لوكس مثلا.
أبو خليل/ صديق ناجي العلي: وبتنام الليل الشتاء ينزل عليك زي ما هو فهذا الشيء بيخلي عند الإنسان يعني ردة كثير يعني يا أنه ردة شو بيسموها هذه، تمرد، يا ردة أنه الإنسان بيستسلم لهالوضع. لا، الزلمة كان عنده ردة تمردية يعني.
صوت يتحدث باسم ناجي العلي: "إحساسي والوعي تاعي للوطن تشكلوا بالمدرسة الابتدائية بعين الحلوة، كنا نستغل مناسبات زي وعد بلفور أو ذكرى تقسيم فلسطين أو 15 آيار للتعبير عن رغبتنا في أن نرجع لفلسطين. انتظمت بفصل دراسي وكان أستاذنا فيه أبو ماهر اليماني، علمنا أبو ماهر نرفع علم فلسطين ونحييه، حكى لنا عن أصدقائنا وأعدائنا، وقال لي لما شاف شغفي بالرسم، ارسم يا ناجي بس دائما ارسم عن الوطن".
صلاح صلاح: بهالحلقة الأولى اللي كنا نلتقي فيها وإحنا لسانا شباب صغار يعني بالـ 12، 13 سنة أعمارنا أكثر واحد كان عمره 14 سنة، بهالفئة العمرية نبلش نحكي متأثرين بالنكبة متأثرين بجو المخيم هذا بلش يخلق عنا الوعي السياسي.
المعلق: في عام 1959 التحق ناجي بأكاديمية إلكسي بطرس للفنون في بيروت إلا أنه لم يواصل دراسته وخلال شهرين اعتقل ست مرات لأسباب سياسية تعود إلى انتمائه إلى حركة القوميين العرب.
صوت يتحدث باسم ناجي العلي: "ظليت أرسم على حيطان المخيم شو كنت متذكر عن الوطن وشو كنت أشوف أشياء محبوسة بعيون الناس وبعدين انتقلت رسوماتي إلى حيطان سجون الجيش اللبناني، كنت أقضي بضيافتهم فترات دورية إجبارية، كانوا بيقبضوا علينا بأي تهمة وكانوا بيفرجوا عنا بس لما بيزهقوا من وجودنا بالسجن".
أبو خليل: إجا مرة العسكري، كل 24 ساعة بيجي عسكري بيغير يعني بيفتحوا لنا الباب يشوفوا شو بدنا، شو بدكم يا حبيسة شو كذا، فما كانش يفتحوا الباب قلت له يا ناجي ارسم لك صورة واحدة صبية نايمة -شايف شو- ارسمها واعطيها للعسكري بيفتح لنا الباب، ففعلا عمل هيك، إجا العسكري قال له يا خيي بنقدم لك إحنا هذه الصورة، قال له هذا الباب مفتوح خلص.
جوهر العلي: وبلش يرسم بعين الحلوة بالفحم، الفحم العادي هذا يرسم على الشوادر يرسم وين ما يلاقي محل مناسب يرسم فيه ينتقد الناس اللي بيصفوا بالدور الناس..
حسين شرف الدين/ مدير المدرسة الجعفرية في صور: ناجي جاء لتعليم مادة الرسم في المدارس الجعفرية، كان يشتغل بحنان بعاطفة ويجرب يقف على كل صبي وبنت لما يبدؤوا بالشغل يقف يعطيهم ملاحظة أبوية، يمكن هو مش أكبر كثير بالعمر وبعده كان بأول شبابه، ربما تشوفي عمره من هالصورة.
المعلق: ولد غسان كنفاني في عكا في 1936، يعتبر أبرز من عبر عن القضية الفلسطينية روائيا.
آني كنفاني/ أرملة الشهيد غسان كنفاني: كان صحفيا وروائيا وكاتبا ورساما، كان متعدد المواهب.
صلاح صلاح: ومن خلال إحدى زيارات غسان كنفاني لشباب الحركة بالمخيم كان في لقاء وشاف على جدران المخيم رسومات عرف أنها لناجي والتقى مع ناجي.
المعلق: اكتشفه غسان كنفاني الذي كان في زيارة لمخيم عين الحلوة وقدمه للجمهور في مجلة "الحرية"، وفي العدد 88 بتاريخ 25 سبتمبر/ أيلول عام 1961 نشر ناجي أول رسوماته. المتهم الأساسي في جريمة اغتيال ناجي العلي شاب يدعى إسماعيل حسن صوان من مواليد عام 1960 في قرية السواحرة الشرقية قضاء بيت لحم.
عبد الرحمن الراشد/ إعلامي سعودي: اسم إسماعيل صوان هو مجرد اسم مزور أو اسم سري في عمل مخابراتي.
المعلق: أكمل تعليمه الثانوي في القدس حيث كان يقيم مع أخيه الأكبر إبراهيم. وفي عام 1977 قدم إبراهيم أخاه الأصغر إسماعيل إلى ضابطي الموساد الكابتن إلياس والرائد يونس اللذين التقياه في شقة بالقدس الغربية وأقنعاه بالعمل لمصلحة الموساد. بعد أن أنهى إسماعيل مرحلة التعليم الثانوي في القدس سافر إلى بيروت بتوجيه من الموساد ليكمل تعليمه الجامعي ويندس في صفوف الحركات الفلسطينية الناشطة، وفي صيف عام 1978 التحق صوان بجامعة بيروت العربية ثم التحق بحركة فتح وتدرب على السلاح وهناك تعرف إلى شخص يدعى عبد الرحيم الصفا وهو عضو في قوات الـ 17 التي تمثل جهاز النخبة في القوات الفلسطينية وقد ساعد عبد الرحيم إسماعيل صوان على الانضمام إلى هذه القوات كما ذكر صوان في التحقيقات فيما بعد.
عبد الرحمن الراشد: عبد الرحيم مصطفى، إسماعيل صوان، هذه أسماء مستعارة حسب ما ثبت لاحقا أنها الأسماء يعني لموظفي مخابرات، قالوا في البداية إنه مخبر لمنظمة التحرير الفلسطينية لكن اكتشفنا لاحقا من بيانات المحكمة أنه بالحقيقة بالعكس كان هو عميلا للإسرائيليين يعمل في لندن للمخابرات الموساد اللي كان تخصصه طبعا مراقبة الأطراف الفلسطينية بشكل عام.
المعلق: صوان كان يتردد إلى تل أبيب كلما سنحت له الفرصة وفي المقابل كان الموساد يقوم بدفع مصاريف دراسته في بيروت وخلال سنوات الدراسة الأربع ارتبط صوان بعلاقة صداقة مع عبد الرحيم مصطفى الذي كان مصدر صوان الأول في المعلومات التي يقدمها للموساد.
صوت يتحدث باسم ناجي العلي: "وصلت للكويت سنة 1963 واشتغلت في مجلة الطليعة اللي كانت بتمثل التيار القومي العربي في هداك الوقت، مرات كنت أشتغل المحرر والمخرج الفني والرسام والمصمم بنفس الوقت. بدأت بنشر لوحة واحدة وبعدين لوحتين وهيك حسيت أنه في جسر بيتكون بيني وبين الناس، بدأت أرسم مثل المحموم حتى تمنيت أني أصير واحد من آلهة الهند القديمين ويكون لي عشرين يد وبكل يد ريشة".
المعلق: كان محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة المعروف باسم ياسر عرفات رجلا من.. فالحطة الفلسطينية والعيون والواسعة والأنف والشفاه وعلامة النصر كلها أيقونات تغري بالمدح والقدح إلا أنه تحمل مسؤولية القضية الفلسطينية منذ هزيمة 67 وكان عليه أن يقود شعبا من السياسيين بالفطرة شعبا في الشتات لا يهدأ حتى ينال حقوقه.
محمد أبو داود/ من منظمي عملية ميونخ: ياسر عرفات فاسد مفسد عنده كل.. اللي بالدنيا لكن يؤمن بفلسطين إيمانه بربه.
بسام أبو شريف/ قيادي فلسطيني ومستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات: وكان منطقه منطق أقنعني جدا، قال للمستمعين نحن نحاول أن نخترق هذا الظلام الذي خيم على الوطن العربي بعد هزيمة حزيران.
حنظلة يولد.. إسرائيل تقتل
المعلق: في الخامس من يونيو/ حزيران عام 1967 وقعت حرب الأيام الستة بين العرب وإسرائيل واستولت بعدها إسرائيل على كامل الأراضي الفلسطينية كما استولت على سيناء من مصر وهضبة الجولان من سوريا، لقد كان الهدف من الحرب استعادة كل فلسطين فسيطرت إسرائيل على أجزاء أكبر من الأراضي الفلسطينية.
صوت طفل: "اسمي حنظلة، اسم أبوي مش ضروري، أمي اسمها نكبة وأختي الصغيرة فاطمة. نمرة رجلي ما بعرفها لأني دايما حافي، تاريخ الولادة ولدت في 5 حزيران 67. جنسيتي: أنا مش فلسطيني، مش أردني، مش كويتي، مش لبناني، مش مصري، أنا مش حدا، باختصار معيش هوية ولا ناوي أتجنس، محسوبكم إنسان عربي وبس".
سليمان الشيخ/ كاتب وصحفي فلسطيني: الحنظلة هو نبات شوكي مر.
ناجي العلي/ مقابلة من تلفزيون الكويت: أنا سميته حنظلة لما قدمته للقراء، هو من مواليد الكويت يعني ولد بصحافة الكويت وأنا كنت جاي جديد عالكويت وأنا كابن عين الحلوة، لما دخلت عين الحلوة كنت بهالسن هذا فحاولت أرسم، هو تعبير ذاتي عن نفسي بس يعني يمكن أنا شعراتي مش عفاريتي وكذا بس هو خصوصي ما قصدت أني أجمله لأنه في أعماقه حشوته الداخلية إنسان كثير حميم ودافئ وهو بالآخر صار رمزا يعني مش رمز ذاتي فردي لي، رمز ذاتي لكل واحد شخص طيب لكل إنسان عنده هم.
رشاد أبو شاور/ كاتب وصحفي فلسطيني: حنظلة هو طفل فلسطيني طالع من الشقاء من الجوع من الخيام من الغربة، وهو في ذات الوقت الضمير ولذلك تحول إلى أيقونة، تجدونه الآن معلقا في البيوت، لكن لا يعلق حنظلة في بيوت الفاسدين.
المعلق: أصبح حنظلة رمزا للثورة ولحلم العودة إلى فلسطين وصار كل الذين يؤمنون بالقضية يحملون معهم حنظلة أينما كانوا. دخلت رسوم ناجي العلي حقبة جديدة من الشفافية حقبة كانت رسومه فيها تمس كل الأطراف من الأعداء المعلنين إسرائيل وأميركا إلى قائمة دول الاستبداد العربية إلى كل أعداء العرب وفلسطين، فرسم عن الديمقراطية والبترول والمخيمات والفقر والمعتقلين السياسيين والخلافات العربية والخلافات الفلسطينية والتنازلات المعلنة والمضمرة وكانت نجمة الصبح في كل ذلك لها اسم واحد: فلسطين.
عبد القادر ياسين/ كاتب سياسي ومؤرخ فلسطيني: قامت مجموعة تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فيها بعض اليابانيين بقتل مجموعة في مطار بن غوريون في اللد كانت واقفة في المطار منهم عالم إسرائيلي كبير، أرادت إسرائيل أن توجع الجبهة الشعبية بأن تضرب أكبر رأس مثقف فيها وكان رأس غسان كنفاني.
المعلق: اغتيل غسان كنفاني على يد جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد في 8 يوليو/ تموز عام 1972 وعمره 36 عاما بتفجير سيارته في منطقة الحازمية حين كانت بصحبته ابنة أخته لميس.
آني كنفاني: الانفجار كان بقنبلة تعمل بالتحكم عن بعد موصولة إلى سيارته، بالطبع ما حدث له كان مرعبا وقتل كلاهما. لقد حدث ذلك أمام منزلنا في مرآب مفتوح وكان الأطفال يلعبون وكانت ليلى أو البنات يقفن بجانب السيارة قبل الحادث ثم...
[فاصل إعلاني]
المعلق: أثناء الدورة الأولمبية بميونيخ عام 1972 قامت مجموعة فلسطينية مسلحة بالهجوم على مقر البعثة الرياضية الإسرائيلية في ميونيخ واحتجزت 11 رياضيا رهائن، وأثناء عملية الإنقاذ قتل تسعة من الرياضيين الإسرائيليين.
محمد أبو داود: هو الرياضيون كلهم جنود مش مدنيين وما كنا ناويين نقتلهم كنا ناويين نبادلهم بأسرى لنا لكن غولدا مائير بالتآمر مع الألمان أصرت إلا أن تعمل كمينا لهم وتقتلهم وتقتل شبابنا معهم.
المعلق: فردت إسرائيل بعمليتين هما ربيع الشباب التي كانت عبارة عن غارات على بيروت ودمشق وغضب الرب التي استهدفت اغتيال قادة ومثقفين وفنانين فلسطينيين طوال عشرين عاما إذ أصدرت رئيسة الوزراء غولدا مائير أمرا مباشرا بتصفية كل من شارك بهذه العملية.
محمد أبو داود: ممثلنا بروما كان كاتبا وأديبا قتلوه على أساس أن له علاقة بميونيخ، وممثلنا بباريس قتلوه على أساس له علاقة بميونيخ. أنا أقول لك أنا اللي عملت ميونيخ أعرف أن ليس لهم أي علاقة هدول الناس.
بسام أبو شريف: غولدا مائير وضعت لائحة أو أقرت لائحة وضعت وأمرت زمير بالبدء بتصفية هذه الأسماء من وائل زعيتر الشاعر في روما، الرجل غسان كنفاني الذي لم يؤذ نملة في حياته.
آني كنفاني: غسان كان على رأس قائمة غولدا مائير، كان اسمه الأول في القائمة. بعد ذلك بعشرة شهور كان كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار وزوجته قد اغتيلوا.
بسام أبو شريف: وكما يفعل أي إنسان يحب الكتب كتاب جديد أول ما تفعله هو تحاول أن ترى ما هي محتوياته، ما أن فتحت الغلاف الثمين لأرى المحتويات حتى شاهدت العبوتين، كان في عبوتين، عبوة باتجاه صاعد وعبوة باتجاه هابط وكان المخطط أن أفتح الكتاب وأنا جالس إلى مكتبي فيقطع رأسي ويقطع وسطي التحتي. إسرائيل كانت تعتبر كل فلسطيني له قيمة، كاتب شاعر رسام أديب باحث هو هدف لها لأنها بعنصريتها أرادت أن تقضي على كل إنسان له قيمة في الشعب الفلسطيني.
المعلق: بعد قرار فك الاشتباك لحرب عام 1973 اتضح أن الرئيس المصري أنور السادات يتجه نحو تسوية مع إسرائيل وبدا أن عرفات وقيادات المنظمة التقطت الخيط المصري فلم تتهم أو تهاجم هذه القيادات الرئيس المصري أنور السادات. وبدا لناجي وغيره من المثقفين الثوريين الفلسطينيين أن هذا هو الطريق الذي سيسير عليه عرفات وأنه يقوم بنضال تحريك كما فعل السادات فما كان من ناجي إلا أن شن هجومه الكاسح على الجميع.
مشارك: من هنا بدأ الاشتباك بين المثقف الفلسطيني المؤمن بفلسطين وبين هذا النهج السياسي الذي بالمناسبة أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن، ناجي اشتبك معهم مبكرا.
طلال سلمان/ صاحب ومدير تحرير جريدة السفير: اتصلت بناجي العلي ولبى الدعوة سريعا كأنه كان ينتظر، كان قد سمع بمشروع السفير وبالتالي كان ينتظر وعبر عن هذا الانتظار برده، والله مستني هذا التلفون، هذا أنا جاي.
مشارك: منذ اللحظة التي وطأت فيها قدماه بيروت انطلق في الشوارع بين الأمكنة المدمرة المخربة عم يشوف بيروت كلها كأنها ملكه كأنها تخصه بكل حجر بكل شارع بكل زاوية ولا يتكلم لا يعلق لا يقول شيئا، فقط هو ماشي بذهول بدهشة بغضب وداير في الشوارع.
صوت يتحدث باسم ناجي العلي: "كنت أسأل حالي كيف أعبر، كنت عاجزا، بأتصور حتى أنه ما في أي شاعر بيقدر يجسد أي مشهد أو حتى لحظة من لحظات بيروت. في يوم كان القصف عنيفا على بيروت، لما طلعت لقيت كل البيوت منصابة من فوق ومن تحت، رسمت حنظلة بيقدم زهرة لبنت مع عبارة صباح الخير يا بيروت".
وداد العلي: كنت أخاف وكان في تفخيخ سيارات وبتعرفي الوضع بلبنان فكنت كثير أخاف أنه هذا فأستعمل السيارة أنا بالأول فأنزل أشغلها وأطمئن أنه قبل ما يطلع فيها ناجي أنه كل شيء ok، بأحس أن حياة ناجي أهم من حياتي أنا.
طلال سلمان: لو جمعنا الرسوم التي يعبر فيها عن موقفه ضد الحرب الأهلية في لبنان وضد التورط الفلسطيني في هذه الحرب لأصدرنا كتابين مش كتابا واحدا. كان يدخل علي في مكتبي منهكا لأنه كان يعني يتعب وهو يرسم وكان أحيانا يرسم في ليلة واحدة أربعة رسوم أو خمسة رسوم، كان يدخل منهكا ويرمي على طاولتي الرسوم وكثيرا بعد أن شاهدت رسومه أن قمت بتمزيق افتتاحيتي.
عبد القادر ياسين: ناجي أجبر كل القراء أن يقرؤوا السفير من الشمال إلى اليمين ذلك أن ناجي كان يرسم لوحته في السفير في الصفحة الأخيرة.
المعلق: في 17 سبتمبر/ أيلول عام 1978 وقع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن اتفاقية كامب ديفد وخلطت هذه الاتفاقية أوراق القضية الفلسطينية برمتها حيث اتهمت مصر بخيانة القضية بعدما أمسكت بملف فلسطين منذ عام 1984.
مشارك: أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان 1982 اعتقل ناجي مع الآخرين وبقي يوما أو يومين في مدرسة الراهبات أو على شط البحر هو وابنه خالد إلا أنه نظرا ليعني حالة ناجي وتكوينه وتركيبته كأنه ختيار وشعره شايب فالجنود الإسرائيليون قالوا له روح فل أنت يا ختيار.
ناجي العلي/ مقابلة مع تلفزيون الكويت: وطلع أخبار وفي ناس.. يعني بالأخص أثناء الاجتياح الإسرائيلي طلع كلام أني مت وأن الإسرائيليين يعني نوع من الإشاعة وحتى فكروا يعني يعملوا بيان عزاء وفي صديق بيعرفني من بعيد نزل قصيدة أنه بيقول والله أنه كان زلمة طيب وهذا.. آه رثاني فيها.
المعلق: بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت غادر عبد الرحيم مصطفى إلى لندن للعلاج من إصابات لحقت به أثناء اجتياح بيروت وكانت نية صوان التوجه إلى باريس للدراسة فخاطب عدة جامعات ولكن كل طلباته قوبلت بالرفض، وفي عام 1983 سافر إلى تل أبيب ثم طلب منه التوجه إلى لندن للتقرب من مجتمع العرب هناك. وفي أكتوبر / تشرين الأول تحديدا من عام 1984 قبل طلب التحاق عبد الرحيم مصطفى بجامعة بال. حاول صوان العمل في مكتب منظمة التحرير في لندن لكنه أثار ارتياب المسؤولين بكثرة أسئلته بينما كان يتردد إلى مكتب المنظمة لملاقاة عبد الرحيم مصطفى الذي كان يشغل منصب ضابط أمن فيه، كما عمل في أواخر عام 1986 في محطة البنزين التي يملكها مصطفى.
صوت يتحدث باسم ناجي العلي: "لما بلش الرحيل مع أول سفينة طلعت من بيروت رسمت فدائي بيترك السفينة الراحلة ورجع بيسبح على الشط وهو بيقول اشتقت لبيروت".
إغراءات، تحذيرات، تهديدات.. ناجي لا يتغير
المعلق: بخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت ابتعدت فلسطين فابتعد ناجي في عام 1983 وقرر السفر إلى الكويت للعمل في جريدة القبس. خلال عامين قضاهما ناجي في الكويت لامس رأس الجميع فضاقت كل الرؤوس به ذرعا، وبدأت تصل إليه تهديدات ورسائل تطلب منه أن يخفف من نقده لكنه كعادته لم يستجب. تحول إلى شخص غير مرغوب فيه في الكويت فاختار لندن التي وصلها في أكتوبر من عام 1985.
مشارك: الدافع أو الحافز لانتقال ناجي من الكويت سنة 1985 إلى لندن لم يكن لاعتبارات داخلية كويتية فقط إنما أيضا هناك كان رأي عند بعض الأنظمة العربية أنه يجب إسكات هذا الصوت.
عادل سمارة/ صديق ناجي العلي: ناجي العلي لو لم يطرد من الكويت لما قتل ببساطة، كان يجب أن يخرج من الكويت حتى لا ينسب دمه إلى أية قبيلة كما حدث مع الرسول.. يعني يجب أن يعزل في مكان يمكن أن يستهدف ولو كان في الوطن العربي أي قطر ديمقراطي لانتهى ناجي هناك، لماذا يذهب إلى لندن؟ لماذا يرحل إلى منفى؟
عبد الرحمن الراشد: ناجي العلي خرج من الكويت هاربا ولا مطرودا؟ ناجي العلي خرج من الكويت مطرودا والسبب كان ياسر عرفات.
وداد العلي: أبو عمار كان بباكستان وإجا على الكويت وهدد ناجي كان خطب.. كان خطاب لقاء مع الناس وإشي فقال إنه ده اللي اسمه ناجي العلي إذا بقي يرسم كده أنا حأحط أصابيعه بالأسيد.
مذيع التلفزيون الكويتي في ناس اللي طبعا ما عاجبهم عملك قاموا بإلقاء القبض عليك وقطع أصابعك اللي بترسم فيهم، في إشاعة أنك مت وانتقلت إلى رحمة الله، أما إشاعة أنك مت فطبعا مدحورة لأنك لا زلت على قيد الحياة.
المعلق: في لندن ظن ناجي أنه في مأمن فهاجم من دون حسابات لكبير أو صغير وهو ما وسع خريطة خصومه فالأعداء بالنسبة إليه هم أيضا أولئك المساومون وأصحاب الكروش والموسومون بالقرارين الدوليين 242 و338.
خالد العلي/ نجل ناجي العلي: إجا اتصال على البيت كنت بالبيت لوحدي جاوبته، كان بسام أبو شريف كان بيحكي يتكلم مع الوالد، أخذت رقم غرفته ورقم الهاتف وبعد ما رجع الوالد حوالي الساعة العاشرة حكى معه.
بسام أبو شريف: اتصلت بناجي، يا ناجي يا حبيبي بدون العودة لأي موضوع أرجوك تخرج من لندن، تعال عندي على تونس، قال لا ما.. قلت له في خطر عليك والخطر إسرائيلي، أرجوك أرجوك أرجوك تعال عندي، قال لا بأروح على عين الحلوة، قلت له روح وين ما بدك بس اطلع من لندن.
ناجي العلي/ مقابلة مع تلفزيون الكويت: كان يجي تهديدات يعني تهديدات متعود عليها من لما بلشت أنا من زمان يعني أنه اسكت بالتي هي أحسن بإغراءات بكذا بس أنا عقليتي شوي يعني بلطمت زي ما بيقولوا.
عبد الرحمن الراشد: ناجي ما كان يأخذها جد لأن عائلته معه وكان أيضا ماخذ بيت وكان شاري سيارة جديدة وقتها وبالتالي ما أعتقد كان عنده شعور على الإطلاق أن التهديدات جدية.
المعلق: في عام 1986 أنهى صوان دراسته في جامعة بال وحاول العمل في جامعة بيرزيت لكنه لم ينجح في الحصول على أي خطاب تزكية كما يتطلب العمل وقرر المكوث في لندن.
جوهر العلي: كان عنا أخبار هو متلقي تهديدا وكان في واحد في منظمة التحرير من بلدنا وبعث تلفون له قال له الجماعة ناويين إلك أنت دير بالك، وكان ناجي العلي ما يخافش ويقول إن الواحد إذا جاء قدره خلص بده يروح.
وداد العلي: إجاه تحذير أول شيء بحزيران بالـ1987.
مشارك: أنه في شيء يحضر لك، انتبه على حالك حياتك في خطر، اختف.
وداد العلي: وتدخلت ناس وافتكرنا أن الأمور يعني تم تسويتها.
مشارك: هذا التحذير أوصله الشهيد أبو إياد وبعدين الشهيد عاطف بسيسو بطريقة مستقلة، الاثنان الشخصيتان هدول لهم مركزهم الكبير بالجهاز الأمني.
عادل سمارة: وصلت لبيت ناجي تقريبا الساعة السابعة صباحا كان ناجي الوحيد اللي صاحي من الأسرة، جلسنا في المطبخ وناجي قال لي القهوة كانت مرة جدا -ما زلت أذكر ذلك- وطبعا تحدثنا، قال لي عادل هالمرة رح يقتلوني. بالحرف الواحد، قلت له مين؟ قال لي نفس الطرف اللي بيهددني في كل مرة اتصل واحد منهم وقال لي إذا لم تفعل كذا فستقتل.
المعلق: غادر إسماعيل حصن صوان وخطيبته لندن في 14 يوليو/ تموز عام 1987 إلى القدس وهي الزيارة التي رأتها الجهات الفلسطينية مريبة ويعتقد أنه تلقى أوامر باغتيال ناجي العلي خلالها.
صلاح صلاح: أنه واحد بيعرف حاله أنه هو بده ينقتل بده يودع الحياة فبيصير بده يرسم بده يرسم بده يرسم، أي حدث أي قصة أي موضوع أي خبر بيؤثر فيه بيصير بده يعكسه بالرسم.
مشارك: كان له روتين، يرسم، يطلع 11 أو 12 من البيت يروح على الجريدة، سهل أي واحد يعني يتابعه مش هديك المسألة الصعبة.
المعلق: عاد صوان وخطيبته إلى لندن في الخامس من أغسطس/ آب من عام 1987 أي بعد أسبوعين من اغتيال ناجي العلي في لندن.
أندرية موللر/ أول شاهد بعد الجريمة: سمعت صوت طلقات نارية فخرجت ورأيت رجلا متمددا على الأرض، كانت الدماء تخرج من فمه وكان هناك ثقب في خده.
المعلق: في مساء 17 أغسطس/ آب من عام 1987 أعلنت اسكوتلنديارد إلقاء القبض على شاب فلسطيني يدعى إسماعيل صوان في منزله الكائن بمدينة هال وقالت الشرطة البريطانية إنها اكتشفت سمكة كبيرة حيث كان صوان المقبوض عليه المثالي في هذه القضية، وبعد تفتيش المنزل عثرت الشرطة على كمية ضخمة من المتفجرات والأسلحة كافية لحدوث مذبحة حقيقية، هو عميل مزدوج. لماذا ترك صوان البلاد في وقت الجريمة؟ ألم يكن هو المأمور بقتل ناجي؟ من قتل ناجي العلي؟