الوطن الليبية- لندن - 'القدس العربي': طرحت اسئلة في السياق البريطاني حول استراتيجية الخروج في ضوء الحديث عن قرب تسليم الولايات المتحدة العملية في ليبيا، كما اشارت التقارير من الميدان، ومن المدن الليبية التي تقع على خطوط التماس، إلى اشكاليات تتعلق بالمعارضة وبقوات العقيد القذافي التي ترى تعليقات انها على الرغم من الهجمات الجوية لم تكسر شوكتها، فيما اشار تحليل في صحيفة امريكية الى انها لا زالت تقتل المدنيين.
وعبرت صحيفة اخرى عن تزايد في قوة المعارضة العسكرية. وكل هذا في الوقت الذي لم تتبلور فيه بعد استراتيجية غربية واضحة تجاه العقيد القذافي ومصير الحملة على ليبيا.
ويعترف مسؤولون عن الوضع الذي نجم عن اربعة ايام من القصف الجوي وتدمير كامل البنية الدفاعية للرئيس الليبي ان الثوار لن يكونوا قادرين وحدهم على هزيمة قوات الزعيم عسكريا.
واعترفت الحكومة البريطانية ان كل العملية قد تنتهي الى حالة من الجمود حيث يتمترس كل طرف في مواقعه التي يسيطر عليها. وفي هذا السياق لم يستبعد العديد من مسؤولي الحكومة امكانية نشر قوات على الارض حيث فرقوا بين عملية الغزو الشامل وبين نشر قوات محدودة على الارض لمساعدة الثوار، حيث يمكن تفسير هذا التحرك انه من ضمن الصلاحيات الممنوحة في قرار 1973 والذي ان حرم نشر قوات كبيرة الا انه لم يمنع اجراءات مثل هذه.
ويتجه الحل الان نحو انشاء مجموعة اتصال مكونة من تحالف واسع فيما يتولى حلف الناتو المهام العسكرية لحراسة ومراقبة منطقة الحظر الجوي. ويسود نوع من عدم الوضوح حول السياسة تجاه ليبيا وهذا نابع من تصريحات الرئيس الامريكي باراك اوباما المتناقضة والذي دعا الى رحيل الرئيس القذافي من جهة وبرر العملية العسكرية على انها من اجل حماية المدنيين، فيما اتهمه عدد من النواب في الحزبين بانه لا يفعل الكثير واتهمه اخرون بانه يجر الولايات المتحدة في حرب مكلفة وجديدة.
وما يعقد وضع التحالف الثلاثي ضد ليبيا هو ان عدد الدول العربية التي دعمت قرار الحظر والمشاركة في العمليات قليل، فباستثناء قطر التي وصلت طائرتان عسكريتان لها إلى اليونان فانه لم تشارك اية دولة عربية حتى الان. ويأمل المسؤولون البريطانيون مشاركة الامارات وعدد اخر من الدول العربية في التحالف الجديد. ونقلت صحيفة 'اندبندنت' عن مسؤول بريطاني قوله ' ما نطمح اليه هو حلف ناتو مع تحالف سياسي وليس قوات على شكل ايساف في افغانستان'.
في تحليل اخر نشرته الصحيفة قالت فيه ان رئيس الحكومة البريطانية كان من المقرر ان يقضي وقته وهو يتابع الرتوش الاخيرة للميزانية السنوية التي اعلن عنها جورج اوزبورن، وزير الخزانة امس، لكنه قضى وقته في اتصالات دبلوماسية للحفاظ على تحالف دولي بدأت تحدث فيه شروخ بسبب امكانية طول المواجهة مع خصم مصمم على القتال، وقالت ان النصر الاولي الذي حققه كاميرون والدعم الذي حصل عليه من كافة الاحزاب ومعظم النواب بات مهددا بسبب عدم القدرة على الحفاظ على الاجماع الدولي.
وقال التحليل ان ويليام هيغ قضى اليومين الاخيرين على الهاتف في مكالمات مع عدد من المسؤولين في عواصم عدة، وفي مركز المهاتفات كان الحفاظ على دعم الجامعة العربية، الذي تسبب في حالة من الهلع القصيرة عندما عبر عن قلقه من قسوة الضربة الجوية. وتهدف استراتيجية بريطانيا الى جر اكبر عدد من دول الشرق الاوسط.
وتخشى فرنسا وبريطانيا من استلام الناتو للعملية خاصة ان المانيا وتركيا اتخذتا موقفا معاديا من العملية. وتواجه الحكومة معضلتين الاولى تتعلق بالانتقادات التي وجهت من داخل المؤسسة العسكرية للعملية واهدافها، وكذا حول طبيعة العلاقة بين بريطانيا وجيش الثوار غير المنظم.
امر آخر يتعلق بتصرفات الحليف الفرنسي نيكولاي ساركوزي الذي امر سلاح الجو الفرنسي بالقيام بالضربة الاولى من اجل ان يكون له المجد، حيث اشتكى عدد من المسؤولين الامريكيين من هذا التصرف. وكانت فرنسا اول من اعترف بالمجلس الانتقالي في بنغازي، ومن هنا تخشى الحكومة البريطانية انه في حالة سقوط النظام فانها ستترك خارج الصف ولهذا بدأت بجمع ملعومات عن الثوار وفصائلهم.
كل هذا في وقت اكدت فيه صحيفة 'ديلي تلغراف' تصريحات وزير القوات المسلحة اعترف فيها بعدم وجود استراتيجية للخروج وانهاء العملية على ليبيا، مشيرة الى تصريحات الوزير نك هارفي، وقالت ان تصريحاته جاءت بعد ضغوط تتعرض لها الحكومة من اجل ان تحدد جدولا زمنيا واهدافا من اجل انهاء العملية، وقالت ان النواب باتوا يخشون من ان تتورط بريطانيا في حرب طويلة.
وقالت الصحيفة انها حسبت تكاليف مراقبة الحظر الجوي ورأت انها تكلف بريطانيا في اليوم 3.2 مليون جنيه استرليني، فيما اشار استطلاع إلى ان نصف البريطانيين قلقون من مخاطر العملية في ليبيا. ونفس المخاوف عبرت عنها صحيفة 'واشنطن بوست' التي قالت ان العمليات المكثفة لم تؤد الى وقف قوات القذافي من مهاجمة المدن او ادت الى حرف ميزان القوة لصالح الثوار.
وهنا تساءلت الصحيفة ان كانت العمليات الجوية ومواصلة الهجمات التي تقوم بها القوات التابعة للقذافي وتزايد الضحايا كافية لتحقيق اهداف قرار مجلس الامن لحماية المدنيين.
مثل البصرة وهيلمند
ويظل كاميرون في وضع غير مريح، حيث وصف سايمون جينكنز العملية على ليبيا بانها من اكثر الحروب سياسية منذ ان ارسل غلادستون الجنرال غوردون للخرطوم كي يقتل هناك. وتحدث عن حماس الصحف كالعادة من الحرب وفي الايام الاولى وبرزت في عناوين الصفحات الاولى كلمات مثل 'تركيع القذافي'، 'علينا ان لا نضيع الوقت كي نوقفه عند حده' وعناوين اخرى من هذا العيار. وبالاضافة الى الصحف هناك المعلقون الذين استضافتهم المحطات التلفزيونية الذين عادة قدموا آراء متحيزة وناقدة للمسؤولين في الحكومة بانهم لم يفعلوا اللازم.
ويقول الكاتب 'لم اسمع احدا يتساءل عن المصلحة التي لنا في ليبيا'. لكن بعد الحماس الشديد بدأت التساؤلات والشكوك ومن ضمنها صحف شعبية وكذا الصحف المحافظة التي غنت للتدخل بل وارسال قوات عسكرية على الارض من مثل 'ديلي ميل' و'ديلي تلغراف' فيما اقتبست صحيفة 'فايننشال تايمز' بمقولة لورنس العرب حيث قال ' من الاحسن ان ينجزها العرب بطريقة مقبولة اكثر مما ننجزها نحن بطريقة تامة' مما يعني الابتعاد عن العملية.
ويرى الكاتب ان الصحافة البريطانية تكره معارضة الحرب حتى يحدث خطأ فقد تعلمت الصحافة من درس حرب السويس عام 1956 عندما دفعت 'اوبزيرفر' ثمن معارضتها للحرب.
ويتهم الكاتب كاميرون بانه يستغل السوق هذا وانه يلعب اللعبة من خلال تأكيد ان هنالك فرقاً بين الغزو والاحتلال وان ليبيا غير العراق. ويرى ان هذا الكلام لا يختلف عن كلام 'القديس بلير' اثناء حرب العراق.
ويقول ان كاميرون عليه ان يعرف ان اهداف عمليته 'منح الليبيين فرصة تقرير مصيرهم' لن يتم بدون الاطاحة بالقذافي، وكان عليه ان يعرف ان جيش الثوار المخرق ليس قادرا على تحقيق ما يريد. ويذكر الكاتب بخطل التدخل الليبرالي مؤكدا ان الغرب ليست له قوة اخلاقية ليملي على الاخرين ما يجب فعله، وحتى لو كان كاميرون محظوظا وقتل القذافي فانه سيكون بلير او بوش اخر، حيث سيقوم بإنشاء حكومة دمية تسير بأوامره.
ويتساءل الكاتب عن اللغز الذي دفع بكاميرون لاختيار ليبيا كي تكون مركزا لاختبار افكاره التي تمت الى المحافظين الجدد. وختم بالقول ان كاميرون يجر بريطانيا الى مستنقعات البصرة، وغبار هيلمند.
ويلحظ ان 'الغارديان' لم تتوقف الا قليلا لتخصيص مساحة لافتتاحية عن الثورة العربية منذ الثورة المصرية تحديدا، وفي افتتاحيتها امس اكدت ان الثورات العربية لن تتوقف، مشيرة الى ان العالم وان انشغل بليبيا، لكن الشعوب في العالم العربي تنتفض ضد الحكام الديكتاتوريين.
وتحدثت عن الوضع في سورية قائلة ان سورية قبل ستة اسابيع كانت مستقرة، لماذا؟ 'لانه يجب ان تكون قريبا من مواقف الشعب، هذه هي القضية الجوهرية' كما قال بشار الاسد- الرئيس السوري لصحيفة وول ستريت جورنال.
ولكن عندما اطلقت الشرطة النار على متظاهرين خرج 20 الفاً منهم الى الشوارع لدفن الثلاثة الذين قتلوا، ونفس الامر يقال عن علي عبدالله صالح ( اليمن) الذي هو في طريقه للخروج من السلطة بعد ان تخلت عنه قيادات عسكرية ودبلوماسية وقبلية.
ومع انها قالت ان آثارها لن تكون متشابهة او يمكن التكهن بها الا انها قطعا ستؤثر على القوى المؤيدة للغرب والاوتوقراطيات مثل سورية التي تعتبر قائدة لمعسكر الممانعة.
وقد تؤدي الثورات الى تمزيق دول او انتاج حلفاء. وتتحدث قائلة انه من الساخر ان البعض يتكهن بمصير سيىء لليمن التي ساعد رئيسها الغرب في الحرب ضد القاعدة.
وعلى الرغم من ذلك فان المخاوف من الفوضى ليست بعيدة عن الثورات حيث لا تزال الثورة المصرية تقاد بالارادة الشعبية لكن هناك خلافات بدأت تظهر بين القوى التي اسقطت حسني مبارك مما يطرح اسئلة حول الطريق الذي تمشي فيه الثورة، ولكن وعلى الرغم مما حدث في الاستفتاء على تعديل الدستور فان ملامح التحول الديمقراطي والثورات لا يمكن وقفها الان في العالم العربي.
وخصصت صحيفة 'نيويورك تايمز' تقريرا عن وضع السفراء الذين تخلوا عن انظمتهم خاصة السفراء الليبيين الذين قطعوا علاقتهم مع القذافي، وقالت ان عبدالسلام العجيلي سفير ليبيا في واشنطن بات من دون خادمات، حيث رجعن الى بلدهن الفلبين، فيما ترك السائق عمله، وستسحب منه وزارة الخارجية الرخصة الدبلوماسية لسيارة المرسيدس، وتقول ان العجيلي الان في وضع لا يمكن تعريفه فهو من ناحية سفير النظام السابق ومن ناحية اخرى يقول انه يمثل حكومة الشعب الغير موجودة، او انه يحاول اعادة تشكيل نفسه كممثل لها، فيما تم اغلاق السفارة التي ادارها لعامين من قبل وزارة الخارجية الامريكية.
وقالت ان الخارجية مع ذلك تعتبره ممثلا للمجلس الانتقالي، حسب مسؤول في الخارجية لم يكشف عن اسمه، ولكن عليه التكيف مع وضعه كمواطن ويلتزم بشروط التأشيرة.
وتقول الصحيفة نقلا عن مسؤول في الخارجية انها تقبل العجيلي ممثلا للمجلس الانتقالي ولكن عليه ان يتقبل وضعه كمواطن عادي. وتقول الصحيفة ان العجيلي الذي خدم بلده 40 عاما كدبلوماسي هو جزء من السفراء الذين تخلوا عن النظام ومنهم سفير ليبيا في الامم المتحدة، ومع السفراء الليبيين تخلى دبلوماسيون يمنيون عن نظامهم وانضموا للثوار.
ولكن المثير في الظاهرة الليبية هو الحجم الكبير من السفراء السابقين، ونقلت عن سفير امريكي سابق في ليبيا قوله انه لم يشاهد عددا كهذا يترك عمله احتجاجا على نظامه. واشارت إلى ان الثورات العربية اجبرت عددا منهم على التكيف مع الاوضاع ، ففي حالة تونس ومصر التي كانت فيها الثورة سلمية احتفظ السفراء بمناصبهم لكن الخيارات كانت صعبة امام سفيري البحرين واليمن اللذين ابتعدا عن الاضواء، مع ان سفير اليمن عبدالوهاب عبدالله الهاجري اطلقت عليه مجلة 'تايم' 'عميد الدبلوماسية في واشنطن دي سي' واستمر الهاجري وهو صهر الرئيس علي عبدالله صالح في عمله، لكن نظيره اليمني الاخر في الامم المتحدة قد استقال من منصبه، ونقلت عنه انه استقال احتجاجا على قمع المتظاهرين مما ' جعلني في وضع صعب للتعبير عن مواقف الحكومة في الامم المتحدة'. ولكنه الان اصبح بلا عمل وعليه البحث عن مكان اخر للسكن بعد ان عينت الحكومة سفيرا مكانا له، ويقول انه يريد وقتا للقراءة والتفكير.