من جديد ظهرت ازدواجية المعايير الدولية في ما يتعلق بالحقوق الفلسطينية وذلك بعد أن هددت وزيرة الخارجية الأميركية منظمة اليونسكو بقطع التمويل عنها في حال تم قبول دعوة فلسطين للانضمام إلى المنظمة كدولة مستقلة. المنظمة اتخذت قراراً تاريخياً برفض هذا الابتزاز السياسي الواضح ووافقت على قبول عضوية فلسطين لتحقق بالتالي النصر الدبلوماسي الأول في طريق طويلة وشائكة سيخوضها الشعب الفلسطيني لتثبيت حقوقه السياسية وهدفه في إعلان الدولة الفلسطينية.
الدعم الأميركي لازال هو الذي يمنح الحصانة السياسية لـ(إسرائيل) للاستمرار في الاحتلال والتهويد والاستيطان وتجاوز كافة المعايير والمرجعيات الدولية ولا يزال هذا الدعم مستمراً ومتواصلاً حتى في ظل الكلام الإنشائي العذب الذي يسمعه الفلسطينيون والعرب أحياناً من الإدارة الأميركية، ولكن عند المفاصل الجادة والمحورية حيث تظهر النوايا الحقيقية تقف الإدارات الأميركية المتعاقبة دوما إلى جانب (إسرائيل).
وخطوة الإدارة الأمريكية لن تكون إلا بمثابة رصيد سلبي لها يضاف إلى أرصدة متراكمة بشأن القضية الفلسطينية. الكونغرس الأمريكي يقول إنه تماماً كالحكومة الأمريكية غير معني بالحقوق الفلسطينية، إنما هو معني بحماية (إسرائيل) كائناً ما كانت إجراءاته، وأنه غير معني بحقوق الشعوب طالما تتضارب مع مصالحه أو مصالح حلفائه، وأنه غير معني بالشرعية الدولية التي تفرض عليه أو على حلفائه أموراً لا يروق لهم القيام بها.
الجميع يدرك ويعلم علم اليقين ان إدارة اوباما مسكونة بالهم الاسرائيلي وأنها لا ترى في المنطقة سوى مصالح (إسرائيل) وقبل مصالحها.. وإنها ما انفكت تدعم (إسرائيل) سياسياً وعسكرياً ومالياً وتحرص على ضمان تفوقها العسكري والتقني على الدول العربية مجتمعة.. ومقابل ذلك فإنها تبدي عملياً وفعلياً عداء سافراً للشعب الفلسطيني وللأمة العربية ولقضاياها العادلة!
فواشنطن لم تعد تعبأ حتى بإظهار الحد الأدنى من الاحترام لمشاعر الشعب الفلسطيني، وهي تلقي بوزنها الكامل اليوم ضد الحد الأدنى لطموحاته الوطنية في تقرير المصير والتحرر والاستقلال، بينما تنحاز دون أي تحفظ إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وبعد هذا نقول: لا بديل سوى البحث عن بدائل أخرى غير المفاوضات في دائرة مفرغة، وذلك بالعودة إلى الشعب الفلسطيني من خلال إعادة اللحمة الوطنية وتثبيت ركائزها وأسسها، وإطلاق وتعبئة إمكاناته وقدراته في صراع متعدد الأشكال والوسائل.. فالمرحلة الراهنة هي مرحلة حرجة ومصيرية لكل الفلسطينيين، إذ إننا لن نتمكن من الضغط على اوباما من أجل ليّ ذراع القوى المؤيدة لإسرائيل وإعادة "تل أبيب" إلى مكانها وحجمها الطبيعيين إلا من خلال إرادة فلسطينية قوية موحدة، لأن إجبار (إسرائيل) لتطبيق قرارات الشرعية الدولية لن يأت بالخطب والشعارات الرنانة، إن ضمانته الوحيدة أولاً تكمن في توحيد الصف الفلسطيني وهو ما يجعل من التفاهم ومراجعة السياسات مهمة عاجلة لا بل عاجلة جداً قبل فوات الآوان!