دعوة اللجنة الرباعية للمفاوضات للإلتفاف عليها
طرح الدولة الفلسطينية لتحويل الصراع على الوجود الى آخر على الحدود
الإعتراف
بعضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، معركة تخوضها السلطة الوطنية
الفلسطينية، هذا ما أثبتته الوقائع في الأمم المتحدة خلال شهر أيلول الماضي، وأبرز
الأهداف المتوخاة كانت ترسيخ الوعي بالطابع الاحتلالي والتمييزي وغير الشرعي للدولة
الإسرائيلية الغاصبة كقاعدة للمجابهة، بالرغم من القناعة الكاملة أن العملية
السلمية المزعومة لم تحقق شيئاً، بل على العكس كانت لمصلحة "إسرائيل" التي
استفادت منها لتوطيد وتوسيع الاحتلال وبناء المستوطنات وقضم الأراضي، وصورة الحدث
وتداعياته في أيلول الماضي، كان الهدف منها أيضاً تحسين الموقف التفاوضي الفلسطيني
ولا يمكن اعتباره إظهاراً للحق الفلسطيني، وبالتالي فهو بمثابة احتفال شكلي لن
يقدم للقضية الفلسطينية شيئاً ملموساً، ولكنه ساهم في تعريف أكثر وضوحاً للحقيقة وللنوايا
الإسرائيلية وتعرية الموقف الأميركي وإظهاره على حقيقته الداعم الأكبر لـ "إسرائيل"،
وكذلك الموقف الفرنسي حيث دعا وزير خارجية فرنسا "آلان جوبيه"
الفلسطينيين الى الاعتراف بـ "إسرائيل" كدولة للشعب اليهودي كشرط لكي
تصوت فرنسا بـ "نعم" على طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
والغريب
في الأمر، أن بعضاً من "الأعراب" لا يزال يراهن على كلام الرئيس
الأميركي باراك أوباما ومبادراته في إقامة دولة فلسطينية علماً بأنه قال في الأمم
المتحدة كلاماً واضحاً تراجع فيه عن طروحاته السابقة بسبب الانتقادات التي تعرض لها
من رئيس وزراء العدو.
وكانت
حكومة الاحتلال قد ردت على الطلب الفلسطيني المقدم الى مجلس الأمن بشأن العضوية
الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، بإعلان موافقتها على بناء أكثر من ألف وحدة
استيطانية في القدس المحتلة.
إن
المقايضة التي حاولت الولايات المتحدة القيام بها في كواليس الجمعية العامة للأمم
المتحدة، بالنيابة عن العدو الصهيوني لثني الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن قرار
المطالبة بعضوية كاملة تعكس استمرار تلك المنهجية التي لم يتغير أي من قواعدها
الاستراتيجية او التكتيكية القائمة على الدعم المطلق للعدو والانحياز الكامل له،
وكذلك فإن الصهيوني الأميركي جيفري فيلتمان صرح في بروكسل قائلاً: "إن عرض
قضية فلسطين على الأمم المتحدة هو مجرد لهو وتسلية لن يجدي شيئاً ولن يحل المشكلة،
رغم الضجيج والصخب الإعلامي ولن يغيّر شيئاً على أرض الواقع"، وهنا نتذكر ما
كرره رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو في كتابه "مكان تحت الشمس"، بأنه
لا يجدي مع العرب، وخصوصاً الفلسطينيين سوى استخدام القوة، والسلام الوحيد المقبول
معهم هو "السلام الاقتصادي".
هل عادت فلسطين الى الخارطة الدولية؟
بعد
خطاب الرئيس محمود عباس أمام الأمم المتحدة، والخطاب الثاني في رام الله، أورد أهمية
المصالحة الوطنية، وإعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية وإحياء شرعيتها على أسس
الديمقراطية والشفافية والقرار المؤسساتي، والأهم وقف التفاوض العبثي والعودة الى
الخيارات النضالية، والسؤال هل يفعل ذلك؟ بعد أن ربح الفلسطينيون معركة إعادة فلسطين
على الخريطة الدولية، والأسئلة التي تتكرر، ما هو البديل لدى السلطة الفلسطينية
بعد الذي جرى في "استحقاق أيلول"؟ هل هناك عودة الى طاولة المفاوضات
عينها وبأي شروط مع استمرار الاستيطان والتهويد؟ وهل يظل الإنفصام الحالي بين
الضفة وغزة وبين الدولة والثورة، وهي يبقى خيار التفاوض خياراً وحيداً لاسترجاع الحق
المسروق على حساب النضالات الأخرى؟
لقد
راهن البعض على إمكانية تغيير "إسرائيل" من خلال الدخول في ما سمي عملية
السلام وذهب في هذا الخيار الى أبعد نقطة، وجازف بتطبيق الالتزامات المترتبة من جانب
واحد بما في ذلك التنسيق الأمني، والدخول في اختبار إثبات الجدارة وبناء المؤسسات
تحت الاحتلال كطريق لإنهائه. وكلما تعثرت المفاوضات أو واجهت مأزقاً، كانت السلطة
الفلسطينية تؤكد أن لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات والمزيد منها، وهي الخيار
الأول والثاني والثالث...
وكانت
سنوات المفاوضات الطويلة فرصة ذهبية لـ "إسرائيل" وظفتها لتعميق
الاحتلال وتوسيع الاستيطان، ولاستكمال تهويد القدس وعزلها، وإن أقصى ما يمكن أن
تقدمه "إسرائيل" هو "الانسحاب" من جزء من الأراضي الآهلة
بالسكان في الضفة الغربية، بعد ضم أجزاء كبيرة منها، وتحويل الكيان الفلسطيني الى
محمية إسرائيلية حتى لو أخذ اسم الدولة الفلسطينية.
وعندما
أعلن الرئيس محمود عباس عن عزمه التوجه الى الأمم المتحدة في ظل معارضة أميركية
شديدة، وحسم الأمر بإلقاء خطابه هناك، وكان خطابه قوياً قياساً على تكتيكاته
السابقة واستمد الخطاب قوته من عدالة القضية الفلسطينية ومن تصميم الشعب على
البقاء في أرضه وعلى تحقيق أهدافه في العودة الى فلسطين، وكان تقديم طلب العضوية الكاملة
لدولة فلسطين في مجلس الأمن، على الرغم من الضغوط والتهديدات الأميركية والإسرائيلية
والنصائح التي قدمها "العرب".
هناك جملة
من الأسباب التي دعت السلطة الفلسطينية وجعلتها ترفض الرضوخ لاستئناف المفاوضات إذا
لم يتم وقف الاستيطان وموافقة الحكومة الإسرائيلية على حدود عام 1967، ولأنها أدركت
أن المفاوضات وفقاً للقواعد القديمة هي مجرد تكراراً للخطأ ذاته، بل جريمة لا
تغتفر، وهذا الموقف يمثل صفعة وخسائر للرئيس الأميركي الذي لم "يعد شريكاً
للسلام" حتى في نظر الآخرين.
لقد
وصلت المفاوضات الى طريق مسدود بسبب تعنت حكومة العدو ورفضها تقديم أي شيء يغطي
عيوب تلك المفاوضات البائسة، وهذا معناه فشل تلك المفاوضات وعقم الرهان عليها،
وخاصة أن الإدارة الأميركية تراجعت عن مطالبتها بوقف الاستيطان وعن وعودها بالانتقال
الى حل الصراع بدلاً من إدارته وإقامة الدولة الموعودة في أيلول ولدرجة أن الرئيس
الأميركي باراك أوباما في خطابه في الأمم المتحدة كان أكثر انحيازاً لـ "إسرائيل"
أكثر من أي فترة سابقة، وبدا صهيونياً بامتياز، وسط تقديرات بأنه سينحاز أكثر مع
تزايد حمى التنافس للانتخابات الرئاسية في أواخر العام المقبل. وإذا كنا أمام موقف
يعني إغلاق طريق المفاوضات الثنائية العقيمة مهما كانت الضغوط والتهديدات والأثمان،
نكون بذلك قد وفرنا ظروفاً جديدة أفضل للعبور نحو تحقيق الأهداف الوطنية وفرصة لإنهاء
حالة الانقسام.
ما بعد
قمة الجمعية العامة، فالذي يتلوها سيكون هو النزول الى المسارب القديمة في السلوك
السياسي ودليل ذلك، الخطب الثلاثة الأساسية في المشهد، لم تكن موجهة الى الرأي
العام العالمي، بل أن كل خطيب وجه رسائله الى جمهوره، وهنا ما يفهم منه، إن قضية
السلام المزعوم باتت مؤجلة بالفعل، واللجنة الرباعية التي ظلت شكلاً فهي لم تعد
مقبولة من حيث المضمون، وآليات العمل من أجل استئناف المفاوضات لم تعد مقبولة
لأنها لا تتضمن مرجعيات حقيقية ولأن الوقائع على الأرض تنسف أي توجه نحو المفاوضات
في ظل استمرار الاستيطان الإسرائيلي وتوسعه.
ما بعد
القمة ونتائجها، أطاح بكل قواعد اللعب التي سبقت لمصلحة حالة من الغموض من كل
النواحي، ولا يقين في رؤية أو استنتاج كيف سيكون الأمر بعد الفيتو الأميركي وطرق أبواب
الجمعية العامة من جديد ويقابل ذلك استخفاف إسرائيلي بالمعركة ومكانها وزمانها
ونتائجها، وحين تفرض "إسرائيل" على أوباما أن يتنحى جانباً عن رعاية
عملية "السلام" وترفض أي دور أوروبي فاعل وهذا يعني انتهاء فرص الرباعية
في العمل المنتج وهو الأمر الذي راهنت عليه السلطة الفلسطينية.
الشيء
الوحيد والقريب الممكن توقعه، هو الفراغ السياسي، فلن تملأه الزيارات والمؤتمرات
والمبادرات هذه المرة، بل ربما تنبثق منه المفاجأت وهو العنوان الأكثر اختصاراً
والأشد بلاغة وتجسيداً، فالشعب الفلسطيني لن يستكين ولن يقبل إلا بحقوقه كاملة،
الشرق الأوسط الذي يسمونه يعيش حالة مخاض كبير، أما شاكلة القادم فالذي يقررها هو إرادة
الشعوب التواقة الى فجر الحرية والتخلص من الاحتلال بكل أشكاله.
ما
الذي يعنيه الاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967؟ هذا السؤال يتكرر كثيراً
وخاصة بعد فشل المفاوضات وانطلاق الحراك الشعبي العربي، وهناك احتجاج تام، بأن لا
قيمة لأي اعتراف دولي من دون السيطرة والسيادة على الأرض، وهناك مخاطر كبيرة بينها
تحويل المسألة الى صراع حدود بين دولتين وليس صراعاً على الحقوق والوجود وهذا من
شأنه أن يؤدي الى احتمال التفريط بحق العودة، لقد كانت خطوة الذهاب الى الأمم
المتحدة بمثابة تعبير عن فشل خيار المفاوضات وكان من المفترض، العودة الى الشعب
الفلسطيني وقواه السياسية للاتفاق على استراتيجية جديدة، تبدأ بالتحرير وبسط
السيادة على الأرض، وهذان يسبقان الاعتراف الدولي.
لقد تم
تقديم التضحيات الغالية على مدى عقود طويلة ولم يبخل الشعب الفلسطيني رغم الحروب
والدمار والموت ولا يزال الشعب متمسكاً بأرضه ومستعداً للكفاح ومصمماً على تحقيق أهدافه
الوطنية وللدلالة على أصالة الشعب وعدم تمكن الإحباط واليأس منه نورد ما جاء في
استطلاع أخير أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية عشية التوجه الى الأمم
المتحدة "حيث أفاد 75 % من المستطلعين أنهم يريدون من السلطة الفلسطينية فرض
السيادة على كافة الضفة الغربية حتى لو أدى ذلك الى صدام مع الاحتلال والمستوطنين".
الرباعية الدولية وإقتراح استئناف المفاوضات
كان إقتراح
الرباعية الدولية جاهزاً عشية قمة الأمم المتحدة في 23 أيلول الماضي، وتم ترجمته
على شكل بيان يدعو لاستئناف المفاوضات من جديد ووضع مهل زمنية لتحقيق بعض الإنجازات
الشكلية في محاولة جديدة للدخول في دوامة المفاوضات، ورحب قادة العدو باقتراح
وبيان الرباعية لاستئناف المفاوضات المباشرة ولكنها وضعت تحفظين: الأول يتعلق
بالجدول الزمني وأن مهلة 3 شهور المخصص لإجراء مفاوضات حول الحدود والترتيبات الأمنية،
والثاني يتعلق بقضايا مثل اللاجئين والاعتراف بالدولة اليهودية وإنها ستتأجل الى
مراحل متأخرة من المفاوضات.
وانتقدت
السلطة الفلسطينية غياب بند واضح في الاقتراح يؤكد ضرورة تجميد البناء الاستيطاني،
وغياب بند آخر حول حدود 1967 كأٍساس للدولة الفلسطينية العتيدة، وفي أعقاب الإعلان
الإسرائيلي عن المصادقة على المخطط الاستيطاني لبناء 1100 وحدة استيطانية في
مستوطنة "غيلو" قالت مصادر السلطة الفلسطينية أن اقتراح الرباعية يتضمن
الدعوة الى تجنب خطوات استفزازية تمنع تجديد المفاوضات.
وكانت "لجنة
العضوية" التابعة لمجلس الأمن الدولي قد عقدت اجتماعها على مستوى المندوبين
للنظر في طلب السلطة الفلسطينية الحصول على العضوية الكاملة لدولتهم في الأمم
المتحدة وإحالة الطلب الى لجنة من الخبراء لاستخلاص الاستنتاجات حول مدى انطباقه
مع معايير ميثاق الأمم المتحدة.
وأكدت
مصادر فلسطينية أن أعضاء مجلس الأمن سيعطون رأيهم في عضوية دولة فلسطين في الأمم
المتحدة في 11 تشرين الثاني وإن لجنة بت عضوية فلسطين في الأمم المتحدة قدمت
تقريرها الى مجلس الأمن في ما يتعلق بالمسائل الإجرائية والقانونية وسأل مجلس الأمن
اللجنة عن الكثير من القضايا وسيكون مطلوباً تقديم تقرير يحدد موقف الدول من طلب عضوية
فلسطين هل استوفت المعايير أم لا؟
إن
دعوة اللجنة الرباعية الى استئناف المسيرة التفاوضية بين "إسرائيل"
والسلطة الفلسطينية ومن دون شروط مسبقة، ليست إلا جزءًا من الأساليب الالتفافية
لمواجهة طرح إعلان الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة علماً بأن الرباعية نفسها
كانت طوال الأشهر الأخيرة، قد أخفقت في إصدار بيان عنها، يدعو الى استئناف
المفاوضات، وكان واضحاً أن مسارعة الحكومة الإسرائيلية الى إعلان موافقتها على
الدعوة، ليسن إلا محاولة لرمي الكرة في الملعب الفلسطيني وإظهار السلطة طرفاً معرقلاً
للمفاوضات، بينما ستحاول "إسرائيل" تخليد المفاوضات بلا طائل وصولاً الى
مكاسب أكثر في ظل التعنت الإسرائيلي، وتأتي دعوة الرباعية الدولية لإغراء الجانب
الفلسطيني وتأمين مخرج للتراجع عن مطلب الدولة الفلسطينية، عبر تحديد جدول زمني
للمفاوضات والإعلان عن إمكان الطرفين التوصل الى اتفاق نهائي قبل نهاية عام 2012
على أن تتوصل "إسرائيل" والسلطة الى حزمة "إقتراحات كاملة"
خلال ثلاثة أشهر.
إذا
وافق الجانب الفلسطيني على اقتراح الرباعية الدولية، فإن الالتزام الطبيعي منه في
المقابل، هو التخلي عن طلب ضم فلسطين كدولة كاملة العضوية للأمم المتحدة والدخول
في عملية التفاوض عديمة الجدوى، ولكن مصادر السلطة الفلسطينية أكّدت أنه لم يحن
بعد الوقت المناسب للبدء بمفاوضات مع الإسرائيليين، والمحادثات ليست جدية حتى الآن
ولا جدوى منها إذا لم يتم وضع مرجعية واضحة.
أميركا ودعمها اللامحدود لـ "إسرائيل"
لم يعد
خافياً على أحد، أميركا تقف الى جانب "إسرائيل" في كل شيء، حتى ذلك الذي
يخالف اعتقادها ومبادئها ومصالحها، والرئيس أوباما يقدم الدليل في أكثر من مناسبة،
وكانت خطة الرئيس أوباما بدعم الرباعية الدولية لإنشاء دولة فلسطينية خلال عام، قد
أعادت لأنصار المفاوضات الفلسطينيين بعض الأمل، ولكن مع أول صدام لأوباما مع نتنياهو
حول تجميد الاستيطان تراجع أوباما الى الخلف وهرب من وجه نتنياهو المتسلح باللوبي
الصهيوني، فالمسألة الفلسطينية هنا ينظر إليها أنها ستعرقل أوباما للفوز بولاية
انتخابية ثانية.
وخطاب أوباما
أمام الأمم المتحدة هو "شهادة فقر" الرئيس أمام العالم، حاول أن يمالئ "اسرائيل
وأن يجد لها مبرراً لعدم التقدم في العلمية السياسية، وأكّد التزامه بالرواية الإسرائيلية،
وكان أوباما قد سلم قيادة سياسته الشرق أوسطية للمسؤول السابق عن استراتيجيات
"الشعب اليهودي" في العالم دينيس روس، ومعروف أن روس من أصحاب النظرة
الليكودية تجاه العملية السياسية وهذا ما قاد السلطة الفلسطينية الى التصادم
جبهوياً مع السياسة الأميركية في خطوتهم التوجه للأمم المتحدة.
أوباما
نزل عن شجرة خلافه مع الحكومة الإسرائيلية واستعان بها داخل أميركا لمعاونته على
تمرير سياسته الخارجية، حدث هذا عندما طلب البيت الأبيض من نتنياهو مساعدته لدى أعضاء
الكونغرس من أصدقائه الجمهوريين للحيلولة دون معاقبة السلطة الفلسطينية على تجرؤها
في التوجه الى الأمم المتحدة ولكن نتنياهو لم يستجب لطلب أوباما، إذ صوت الكونغرس على
تجميد مساعدة للسلطة الفلسطينية بقيمة 200 مليون دولار.
وقالت
مصادر إسرائيلية: "خطاب أوباما فاجأ بإيجابيته حتى المسؤولين الإسرائيليين
على رأسهم نتنياهو الذين أحيطوا علماً بخطوطه العريضة" واختارت كبرى الصحف
الإسرائيلية "يديعوت أحرونوت" أن تصف خطاب أوباما في عنوانها الرئيس بأنه
"خطاب صهيوني" وقالت: "أوباما سفيرنا في الأمم المتحدة، ولم يسبق أبداً
أن ألقي خطاب مؤيد لـ "إسرائيل" بهذا القدر من على منبر الأمم المتحدة، أوباما
تبنى الحجج الاسرائيلية". وأوضحت الخبيرة في شؤون أميركا ياعيل شترنهل في "هآرتس":
"أوباما عاجز عن مواجهة واقع الشرق الأوسط، وهو في وضعه الحالي لا يستطيع أن
يسمح لنفسه بإصدار تصريحات جريئة تعرض للخطر علاقاته بالجماعات اليهودية، وتضعضع السياسة
الأميركية التقليدية، وأن فقر دم خطبة نتنياهو يثير أسئلة أوسع، بل هو ضعف دولة
كاملة تدخل السنة الرابعة في ركود شديد ويحكمها جهاز سياسي شبه مشلول، دولة متورطة
في حروب لا يمكن الانتصار فيها وتغالب انهيار ثقتها بنفسها".
تحرير الأسرى من سجون الاحتلال
وفي
خضم البحث عن دولة فلسطينية حصل استحقاق تحرير 1027 أسيراً من سجون الاحتلال دخل
حيز التنفيذ وتم إطلاق سراح 477 أسير بموجب إبرام صفقة بين حركة حماس وحكومة العدو
الصهيوني وبوساطة مصرية.
وتوقيت
إبرام هذه الصفقة وعلاقة ما تم بالأوضاع والمستجدات على الساحة الفلسطينية خاصة
والعربية عموماً هو أحد العوامل التي ساعدت على إنجاز تلك الصفقة، ولكن العامل الأساسي
والهام، أن إنجاز الصفقة ما كان ليتم لولا صمود المقاومة الفلسطينية ومنها حركة
حماس والتمسك برؤية تقول: "إن هذه العملية تمت بفعل المقاومة وبإرادة
المجاهدين وعدم الإذعان لتهديدات العدو، والصفقة تمت بعد أن فشل المحتل في العثور
على مكان الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت رغم الجهود التي بذلها الاحتلال ومنها:
اجتياح غزة عام 2008 – 2009 حسب المراقبين إن تحرير الأسرى تم بالرغم من موقف
الإدارة الأميركية الرافض على إتمام الصفقة، خوفاً من ارتفاع أسهم حركة حماس في
الشارع الفلسطيني وإضعاف موقف السلطة الفلسطينية المرتبطة بمفاوضات سابقة بالرعاية
الأميركية، ولكن بعد توجه الجانب الفلسطيني الى مجلس الأمن بطلب قبول فلسطين دولة
في الأمم المتحدة، سحب الأميركيون اعتراضهم على تلك الصفقة ومنحوا
"إسرائيل" الضوء الأخضر.
وهناك
من يقول: إن التطور الجديد الذي أدى الى إنجاح هذه الصفقة، هو سلسلة تطورات وتغييرات
في الموقف الإسرائيلي، ومن هذه المتغيرات هو وضع "إسرائيل" بعد حادثة
السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ولوحظ أن القيادة المصرية الجديدة معنية بإنهاء
ملف شاليط ضمن سلسلة تطورات أخرى تريدها تلك القيادة لتقوية مكانتها في مصر وفي
العالم، ومن شأن الصفقة أن تخفف من حدة الأزمة بين مصر و"إسرائيل" بعد
مقتل عدد من الجنود المصريين برصاص الإسرائيليين في سيناء، وكذلك من شأن الصفقة أن
تخفف من حدة الأصوات التي ارتفعت منادية بإلغاء اتفاقيات كامب ديفيد، من هنا رأت
"إسرائيل" ضرورة التجاوب مع الرغبة المصرية فأبدت استعدادها لتقديم عدد
من التنازلات تتيح التوصل الى صفقة تبادل الأسرى.
وهناك
تطور آخر في الجيش الإسرائيلي، وفيه أشد المتحمسين للصفقة طوال الوقت، هذه القيادة
بذلت كل جهودها لإطلاق شاليت بالقوة العسكرية وفشلت.
لقد
شكل تحرير الأسرى في هذه الصفقة التي ستتم على مراحل ونفذت منها في المرحلة الأولى
تحرير 477 أسيراً إنجازاً وطنياً عكس وحدة الشعب وهي لم تفرق بين فصيل فلسطيني وآخر،
وهي أيضاً إنجازاً تراكمياً في نضال الشعب الفلسطيني ويضاف الى سلسلة الإنجازات
التي تحققت سابقاً.
أما في
الكيان الصهيوني فقد انفجرت نقاشات حادة حول إبعاد الصفقة وخطر اختطاف جنود آخرين
في المستقبل وتتردد عبارات "كيف نواجه معركة شاليط آخر" وهذه الصفقة هي
الأسوأ والأخطر في تاريخ "إسرائيل".
ويمكن
البحث أيضاً في الأسباب الحقيقية، والبدء في الأوضاع الداخلية، فإنجاز الصفقة في
"إسرائيل" تحول الى قضية إجماع فغالبية ساحقة تؤيد إبرام الصفقة، وهذا
ما دفع أصحاب القرار في الكيان لإنجاز الصفقة، وسط حراك اجتماعي ينذر بعودة محتملة
للتحركات الاحتجاجية وهذا من شأنه وضع حكومة الاحتلال في زاوية حرجة على المستويين
الداخلي والدولي.
وهناك
البعد الإقليمي وحالة العزلة التي يعيشها الكيان وهو بحاجة الى تعويم العلاقة مع
الحليف القديم (مصر) التي تتعرض لضغوط خارجية أميركية وغربية للتعاون مع ملفات
عدة، وما كان على الجانب الإسرائيلي إلا أن يحاول التسريع في إنجاز هذا الملف، قبل
أن يصل الحراك الشعبي في مصر الى ذروته.
نبيل مرعي