الإسلاميون دخلوا مجلس الأمة الكويتي فخرجت منه المرأة
لبسوا العباءة القبيلة فاكتسحوه
الدلالات السياسية التي تميز بها ربيع تونس ومصر وليبيا حلت في الكويت من خلال فوز الإسلاميين بـ 34 مقعداً في مجلس الأمة، من أصل 50 عضواً في خمس دوائر أي بالغالبية المطلوبة لكل تعديل دستوري، وتراجعت حظوظ المرأة التي سجلت في انتخابات 2009 اختراقاً مدهشاً بفوز 4 سيدات في التيار الليبرالي، ذلك الفوز اعتبر بمثابة نقلة نوعية ستثري الحقوق السياسية التي نالتها المرأة في أيار 2005، عندما صوت البرلمان الكويتي على مشروع قانون يمنح المرأة حقها السياسي في الانتخاب والترشيح لعضوية المجلسين النيابي والبلدي.
ويبدو أن الرهان على زيادة الحضور النسائي في المجلس الرابع عشر لم يكن صائباً، بدليل أن مختلف التيارات ساهمت في تغييب المرأة عن مجلسين تهيمن عليه القوى الإسلامية.
ويفاخر أهل الكويت بأنهم كانوا في طليعة الدول العربية التي احتكمت الى دستور عصري، ويفاخرون بأن البطالة التي كانت سبباً أساسياً لتفجير الأوضاع الاجتماعية في تونس ومصر واليمن، ليس لها وجود في بلد يزاحم الإمارات وقطر على مستوى نسبة دخل الفرد، هم يفسرون كيف تحركت الجماهير في تلك البلدان من أجل استرداد الحريات المصادرة واستعادة نفوذ البرلمانات المعنية.
ولكن السؤال، الذي يدور في ذهن الكثيرين، كيف حققت المعارضة التي يقودها الإسلاميون هذا الفوز الساحق، ورفعت رصيدها من 20 مقعداً الى 34 مقعداً، زائد نسبة كبيرة من المستقلين.
السبب الذي يفسره المراقبون، يرجع الى البيئة الاجتماعية المتعاطفة، مع شعارات ما يسمى "الربيع العربي" من التيارات الشعبية والجماعات الإسلامية المؤيدة لنواب المعارضة، واللافت أن نواب المعارضة هم الذين قادوا مسيرة الاحتجاج وطالبوا بتنحي رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح، وكان من بين المشاركين أطباء وكتاب وجامعيون وشيوخ قبائل، الى جانب مجموعة صغيرة طالبت بإمارة دستورية، أي تحويل الكويت الى دولة برلمانية دستورية يكون فيها رئيس الوزراء منتخباً من الشعب لا معيناً من أمير البلاد.
مرحلة قلق وعدم استقرار
وهناك من يرى، أن الكويت عانت مدة طويلة من أعمال شغب قامت بها عناصر حاربت في أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك، ولما غزت القوات الأميركية العراق، باشر "الجهاديون" في الكويت نشاطهم في انتقاد الحكومة بسبب تعاونها مع واشنطن ثم رفعوا مستوى التحدي وأقدموا على عمليات عنف، واضطرت القوى الأمنية في حينه، الى شن حملة اعتقالات وعندها انقسم المجتمع الكويتي الى فئتين، واحدة سلفية محافظة تدعو الى الجهاد ضد الأميركيين في العراق، وأخرى ليبرالية ترى أن من المستهجن محاربة قوة كان لها "الفضل الأكبر في تغيير الأوضاع في العراق".
ولذلك، وبدلاً من أن تكمل الدولة ملاحقة هذه الفئة "الأولى" جمدت حملتها ضدها بهدف استمالة قادتها واحتوائهم، وكانت النتيجة أن ضاعفوا نشاطهم ونشروا مبادئهم وأغفلوا مراقبة وزارة الداخلية لندواتهم وفتاوى علمائهم.
وعند مراجعة الملفات المتعلقة بالمعارضة، ركزت وزارة الداخلية تعاونها مع التيار السلفي باعتباره أشد التزاماً بالشكليات الدينية، وأقل تصلباً في القضايا السياسية، وهذا ما يفسر تهاون وزارة الداخلية مع القانون الذي أقرّه مجلس النواب بالسماح للعسكريين بإطلاق لحاهم، علماً بأن القواعد السارية سابقاً لا تسمح للعسكريين في الجيش والشرطة بإطلاق اللحى.
وكان عدد من النواب الإسلاميين الذين ترشحوا تحت شعار "الإصلاح ومحاربة الفساد" قد تعهدوا بفتح ملفات الفساد، ولكن استقالة وزير الخارجية محمد سالم الصباح، ساعدت على تسريع حل مجلس الوزراء واختيار الشيخ جابر المبارك بديلاً من الشيخ ناصر الصباح.
ويستدل من تصريحات نواب المعارضة، أنهم يستعدون لإجراء تعديلات جذرية تتعلق بالمسؤولية الأساسية التي منحها الدستور لأمير البلاد، وهم يشيرون الى المادة 56 في باب السلطات التي تقول "يعين الأمير رئيس مجلس الوزراء بعد المشاورات التقليدية ويعفيه من منصبه".
والمسألة الأخرى المرشحة لتفجير الوضع هي إبقاء قوات أميركية في الكويت، ذلك أن إدارة الرئيس أوباما تخطط لتعزيز وجودها العسكري في منطقة الخليج، وتشمل عملية إعادة التموضع ونقل قوات قتال جديدة الى الكويت تكون قادرة على صد أي انهيار أمني في العراق أو مواجهة عسكرية مع إيران. وأشارت صحيفة "نيويروك تايمز" أن إدارة أوباما تسعى الى إرسال مزيد من البوارج الحربية الى المنطقة والمفاوضات في شأن احتفاظ قوات قتالية في الكويت.
وحسب مصادر كويتية معارضة، عرفت بعلاقاتها الوثيقة مع إيران، أنه في حال قبلت الحكومة الجديدة الطلب الأميركي، فإن حل البرلمان قد يأتي سريعاً، وهناك المشكلة الأخيرة التي قد تنجز بسبب مشروع قانون النفط وإعادة تشكيل المجلس الأعلى للبترول.
وهذا يعني أن الكويت مقبلة على مرحلة صعبة تتميز بالقلق وعدم الاستقرار، وخصوصاً أن التيار الإسلامي والقبلي الذي سيطر على المجلس الجديد، لم يضع بعد الخطوط العريضة لاستراتيجية السنوات الأربع المقبلة، وقد سبق له وأرسل مندوبين الى تونس بغرض التنسيق مع الحزب الحاكم هناك، وربما تنقضي فترة طويلة قبل زيارته لإيران، خوفاً من إثارة الحساسيات في دول مجلس التعاون الخليجي، أي الدول التي تتطلع الى الكويت بكثير من التشكيك والريبة لأن حصاد الانتخابات أدخل النظام في المجهول!.
نتائج الانتخابات
بعد إعلان الانتخابات الكويتية (3/2/2012) تبين شكل المجلس رقم 14 في تاريخ الكويت التعددي والمنقسم عمودياً وأفقياً دون معالجة اجتماعية حقيقية، وتأثرت نتائج الانتخابات بانتخابات مصر وتونس، فلقد تقدم عدد الإسلاميين في مجلس الأمة الكويتي، إلا أن هذا التقدم ليس بمسطرة واحدة، فهناك الإخوان "حدس" وهناك السلف المنقسم على نفسه مرتين، سياسياً واجتهادياً، وهناك قوى إسلامية شيعية، كل الأطراف فيها أشخاص من المتشددين والوسطيين والموالين بشكل والمعارضين، وليس هناك موقفاً سياسياً "دائماً وثابتاً"، ومن المتوقع من تركيبة المجلس أن تشتد المعارضة ويقابلها اشتداد الموالاة الى درجة تدخل البلاد في أزمة تلو الأخرى، ويرى بعض المحللين السياسيين أن المجلس قد يكون عمره قصيراً وتركيبته كانت نتيجة الازدراء الاجتماعي المبتادل الذي أجّج خطاب الكراهية لدى البعض، وأوصل ثلة من المتشددين في طرفي النزاع الاجتماعي الى البرلمان، وليس أمام المجتمع الكويتي إلا مساران: الأول إصلاح شامل وجذري في العملية السياسية فيه ترتيب جديد وحديث للتعددية القانونية وإصلاح في قانون الانتخاب، أو المسار الثاني البقاء في دائرة الاستقطاب القاتل الذي يولد أكثر وأكثر توتراً اجتماعياً ينخز المجتمع ويضعف كيان الدولة.
تحالف قبلي – إسلامي
عكست نتائج انتخابات مجلس الأمة الكويتي التي أعلنت يوم 3 شباط 2012 مخاض اكثر من سنتين من المواجهة الساخنة بين المعارضة والحكومة السابقة، إذ انتصر الناخبون للمعارضة التي زاد عدد مقاعدها من 20 الى 34 مقعداً من أصل خمسين، وصوت القبليون الغاضبون على السلطة لمصلحة أكثر المعارضين تشدداً.
وجاء نجاح المعارضة في غالبه من جهة الإسلاميين، سواء أكانوا حركيين مثل الحركة الدستورية الإسلامية "الإخوان المسلمون" التي حققت 5 مقاعد أو جمعية إحياء التراث "السلفيون التقليديون" وحققت 5 مقاعد أو الإسلاميين المستقلين وغالبيتهم قبليون وحققوا 12 مقعداً، أما الشيعة فحصلوا على 7 مقاعد مقابل 9 مقاعد في المجلس السابق.
قدرت نسبة المشاركة في الاقتراع بنحو 62 %، وبلغت نسبة التغيير في المقاعد 52 %، وخروج 23 نائباً كانوا في البرلمان السابق، وكان لافتاً خسارة 14 نائباً لمقاعدهم شملتهم فضيحة الإيداعات البنكية في البرلمان السابق.
سجلت نتائج الانتخابات انتصاراً كبيراً للمعارضة والإسلاميين وتآكل الليبراليين وتلاشي المرأة، وبات الإسلاميون المعارضون من تيار الإخوان المسلمين والتيار السلفي يسيطرون على 23 مقعداً مقارنة بـ 9 مقاعد في البرلمان السابق، ورغم الهجوم الذي تعرضت له القبائل، فإن نتائج الانتخابات أعطتها حضوراً كبيراً ومشهداً في الحياة السياسية الكويتية، وبتحالف القبائل مع التيار الإسلامي، أصبحت كتلة المعارضة تضم نحو 20 نائباً من أبناء القبائل.
وأصبحت المعارضة التي تمتلك 34 مقعداً مطلقة اليد في التحكم في أداء المجلس، ومنها إدارة صراعها السياسي مع الحكومة دون مراعاة لدور الحكومة داخل المجلس وقدرتها على شل عملية التصويت بطرح الثقة واستجواب الوزراء، وباتت المعارضة تسيطر بشكل كامل على قرار المجلس، مع قدرتها على تجاوز تأثير تصويت الوزراء غير المنتخبين البالغ عددهم 15 وزيراً الذي يتمتعون بموجب الدستور بحق التصويت في مجلس الأمة شأنهم شأن النواب.
وأدّت الحكومة الكويتية الجديدة التي يرأسها جابر المبارك الصباح اليمين الدستورية يوم 14 شباط 2012 أمام أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، بغياب المعارضة التي تهيمن على مجلس الأمة، عن المشاركة فيها، كما تغيب المرأة لأول مرة منذ عام 2005، ورفضت المعارضة هذه الحكومة، وهي الحكومة الثلاثين منذ الاستقلال، واتهمت رئيس الوزراء بالإبقاء على الشخصيات التي تصفها بأنها تمثل سبباً للتأزيم، وتضم المعارضة ثلاثة تيارات رئيسية هم، كتلة "العمل الشعبي"، والحركة "الدستورية الإسلامية (إخوان مسلمون)، و"التجمع الاسلامي السلفي" "نهج"، وقد فشلت المحادثات بين رئيس الوزراء المكلف الشيخ جابر المبارك الصباح وممثلين عن المعارضة الكويتية بعد أن طالبت المعارضة بتسعة مقاعد في الحكومة الجديدة، بينها مقعد للنائب شعيب المويزري الذي تم تعيينه فعلياً وزير دولة لشؤون الإسكان ولشؤون مجلس الأمة وهو النائب الوحيد من المعارضة الذي دخل الحكومة.
أدهم محمود