المجد لروح الزعيم العربي الكبير أحمد بن بله
بقلم : أبو فاخر /سكرتير اللجنة المركزية لحركة فتح الانتفاضة
* في مرحلة من أخطر وأدق المراحل التي يمر بها وطننا العربي ، وأمتنا جمعاء ، يغيب الموت بعد حياة حافلة بالنضال والعطاء والتضحيات ، أحد أبرز المكافحين ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر، والاستعمار الغربي في العالم أجمع، الزعيم العربي الكبير ، والمناضل الثوري البارز الرئيس أحمد بن بله عن عمر يناهز 96 عاما.
وبرحيله تفقد الجزائر أحد أبرز رجالاتها ، وأبرز القادة في التاريخ الوطني الجزائري، الذي ساهم بشكل هام وأساسي في مسيرة التحرر والاستقلال في الجزائر.
وتفقد الأمة العربية واحدا من جيل العظماء اللذين عرفتهم الأمة في تاريخها الكفاحي، ويفقد الشعب الفلسطيني مناضلا كبيرا كانت قضية فلسطين على الدوام قضية محورية في حياته ونضاله، مؤمنا بعروبتها، متمسكا بهدف تحريرها، تحريرا كاملا ، رافضا كل تنازل أو تفريط أو مساومة، مناهضا لنهج الاعتراف والتطبيع مع العدو الصهيوني بكل أشكاله.
وتفقد قوى الحرية والتقدم في العالم مناضلا ثوريا عرفته حركات التحرر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية خير نصير لها ومكافح من أجلها وإلى جانبها. لقد عاش الراحل الكبير حياة حافلة بالعطاء والتضحيات، فجسد القيم النبيلة التي تعد من سمات المناضلين والقادة التاريخيين والعظماء، قيم الحرية والتحرر والكرامة والعنفوان، ليصنعوا تاريخا مجيدا لشعبهم وأمتهم .
كان عظيما في حياته، وعظيما في نضاله وهو يساهم في تأسيس جبهة التحرير الوطني في الجزائر، لم يحد عن أهداف الثورة ولم يتنازل عن أي حق ، كان عظيما في صموده في الأسر إثر عملية القرصنة الجوية التي نفذها الطيران الحربي الفرنسي ضد الطائرة التي كانت تقله مع عدد من رفاقه أثناء الرحلة من المغرب إلى تونس سنة 1956، فعبر عن صدق الانتماء وشجاعة الموقف ورفض الإغراءات.
كان عظيما وهو يقود الجزائر مابين سنة 1962 ـ 1965، وعظيما وهو يحمل هموم وآمال وتطلعات أمته ، فكان الحليف الأمين . والرفيق الصادق ، والصديق المخلص للزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، مؤيدا له مواقفه وأفكاره ونضاله في سبيل وحدة الأمة، وكان عظيما وهو يفتح أبواب الجزائر لجيش من المعلمين من فلسطين ومصر وسورية ولبنان في حملة التعريب الكبيرة بعد سنوات طويلة من التجهيل والفرنسة في الجزائر على يد الاستعمار الفرنسي.
كان عظيما وقد فتح أبواب الجزائر لأول مكتب لفلسطين قبل تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وهو بمثابة أول مكتب لحركة فتح كدلالة على محورية قضية فلسطين في فكر وخط ونهج الجزائر ثورة ودولة.
كان عظيما وهو يدعم حركات التحرر في إفريقيا وأمريكا اللاتينية فكان صديقا للقائد الإفريقي البارز الشهيد باتريس لومومبا ، وللثائر الأممي الشهيد تشي غيفارا، ليؤكد بهذا على هوية الجزائر الفكرية والسياسية، وعلى أهمية الثورة الجزائرية وانتصارها، وليعطي للجزائر مكانتها الدولية ودورها الرائد.
كان عظيما في صموده وصبره خلال سنوات السجن والاعتقال إثر الانقلاب عليه عام 1965، وعندما أفرج عنه وخرج من الجزائر إلى منفاه الطوعي واصل نضاله في سبيل قضايا الأمة العربية ووحدتها وتحررها.
وكان عظيما وهو يعود للجزائر مجسدا قيم التسامح والانفتاح، وليتم بعد ذلك اختياره رئيسا للجنة عقلاء إفريقيا ، والعمل على حل النزاعات في القارة السمراء وهو الذي يحظى باحترام وتقدير شعوب إفريقيا جمعاء نظرا لدوره في دعم حركات التحرر والثورة في العديد من أقطارها.
لقد ترأس الراحل الكبير ملتقى الحوار العربي الثوري الديمقراطي، بعد أن استجاب لدعوات وتمنيات العديد من القوى والأحزاب والشخصيات على امتداد الوطن العربي لترؤس الملتقى، فأسهم بشكل أساسي وبارز في وضع الأسس الفكرية والسياسية والتنظيمية للملتقى ، وبذل كل ما في وسعه من جهد من أجل ضمان استقلالية الملتقى، وبلورة شخصيته المستقلة سواء من حيث الأسس السياسية والتنظيمية ، أو من حيث الأسس الفكرية التي قام عليها الملتقى لتحشيد كل مكونات الأمة الفكرية ، الإسلامية ، والقومية، واليسارية ، من أجل بلورة مشروع نهضوي للأمة لتتمكن من خلاله مواجهة التحديات والاستهدافات التي تتعرض لها، وكانت قضية فلسطين قضية محورية في الملتقى، وكان التمسك بكامل فلسطين والنضال من أجل تحريرها، ورفض كل الاتفاقات الموقعة مع العدو وأي شكل من أشكال الاعتراف به والتطبيع معه هو موقفه الثابت والدائم.
متواضعا هو، يعي بعمق تاريخ شعبه، يعترف بدور كل من سبقه في النضال، لقد قال (أفتخر بأني أحد مناضلي جبهة التحرير الوطني التي كانت تتويجا للنضالات الجزائرية ، من الأمير عبد القادر الجزائري ، مرروا بأولاد سيدي الشيخ، والمقراني ، والشيخ الحداد ، وبو معزه ، وغيرها ، وهي سلسلة نضالات وانتفاضات شعبية متكاملة نابعة من قيمنا العربية والإسلامية وأنا أنطلق من هذه القيم مجتمعة).
لقد أرسى الراحل الكبير في حياته النضالية ، قيم الحرية والتحرر والتضحية والمجد والعنفوان، وها هو يتركها اليوم في قلوب كل المؤمنين بأمتهم وحقها في الحياة الحرة والاستقلال والسيادة ، فاستحق بجدارة أن يكون من جيل العظماء اللذين تعتز بهم الأمة ، ويفخر بهم المناضلون والأحرار والشرفاء ، ويصغر أمام قامته كل المتخاذلين والمتساقطين اللذين ترعبهم صورته وتاريخه ومواقفه، فيشعرون بالخزي والعار على ما اقترفته أياديهم.
المجد والخلود لروح الزعيم الراحل أحمد بن بله