إيران تربح حربها الدبلوماسية لبرنامجها النووي السلمي
أميركا تقوّض أمن الخليج بالدرع الصاروخية
في الاجتماع الوزاري الأول لمنتدى التعاون الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الذي عُقد في مدينة الرياض السعودية يوم 31 آذار الماضي، وخلال المؤتمر الصحافي لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على هامش الاجتماع المذكور، تحدثت كلينتون عن خطورة البرنامج النووي الإيراني وأعطته الأولوية في حساباتها، وأفصحت عن بعض مشاريعها في منطقة الخليج، مثل إنشاء منظومة درع صاروخية بالستية في الخليج، وأكدت "التزام الولايات المتحدة تجاه شعوب دول الخليج قوي كالصخرة لا يهتز" محذرة من أن "نافذة الفرصة لحل سلمي مع إيران لن تبقى مفتوحة للأبد".
وفي المقابل أيضاً كان قائد القوات البحرية الأميركية الأميرال جوناثان غرينيرت أعلن أن الاستعداد لصراع محتمل في مضيق هزمر جعل النوم يهجر عينيه.
من صفقات التسلح الى الدرع الصاروخية
والسؤال هنا، هل الانحدار الأميركي بدأ يقوض الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأكملها؟ هل الضعف الأميركي سيدفع دول أخرى لتعبئة الفراغ في المنطقة؟ وهذا هو سبب حالة القلق والارتباك التي تطبع تصريحات المسؤولين الأميركيين.
والحديث عن إنشاء درع صاروخية أميركية في منطقة الخليج ليس منفصلاً عن جملة صفقات التسليح التي عقدت مع دول الخليج إضافة الى محاصرة إيران وتحقيق أهداف استراتيجية أخرى من بينها حماية أمن الكيان الصهيوني، أو مساعدته للتغلغل في منطقة الخليج بحجة مواجهة إيران وإنشاء حلف جديد في المنطقة، بحيث تكون "إسرائيل" كياناً طبيعياً يدخل في مخططات أمنية بذريعة تأمين حماية لدول الخليج من خطر إيراني مزعوم، وبذلك يتم تحقيق جملة من الأهداف الأميركية والصهيونية.
لذلك فحملة التحريض والترويج الأميركي والغربي ضد إيران بلغت مستويات قياسية، أما دول الخليج فهي تدخل اللعبة تلك طواعية أو رغماً عنها، فهي من سيدفع الثمن في جميع الحالات، تحت ذريعة حماية أمن الخليج، ستضع كل إمكانياتها بالتصرف الأميركي ومن بعده الصهيوني، بينما سيتم الحفاظ على المصالح الاميركية في المنطقة بتكلفة أقل أو مجانية، لأن الذي سيدفع في هذه الحال، سيكون المتآمر أو التابع الدائر في الفلك الأميركي، أما الخاسر الوحيد فهو شعوب المنطقة في دول الخليج وعلى حساب ومستقبل أجيالها.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد نشرت تقريرها عن جهود إيران لتطوير سلاح نووي، وكثر الحديث عن الخطوات التي يمكن للولايات المتحدة اتخاذها في هذا الشأن، وسارع المسؤولون في واشنطن وفي "إسرائيل" بأن "كل الخيارات مطروحة على الطاولة"، ولكن هناك أسباباً وجيهة أيضاً لجعل تلك الخيارات بعيدة عن الطاولة ومنها العمل العسكري، ويرى المراقبون: "حين تخطط الولايات المتحدة لتوجيه ضربة كبيرة ضد دولة أو نظام ما، تسعى للحصول على موافقة هيئة دولية، في ليبيا، استعانت بالأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، لكن أياً منهما لا يبدو مستعداً لتنفيذ هجوم ضد إيران" وأي عمل عسكري أميركي سيفاقم العجز في الموازنة الأميركية، وتراكم المزيد من الديون، سواء مباشرة بغية تسديد كلفة الحرب بحد ذاتها، بينما تحاول الولايات المتحدة التخلص من تداعيات حملاتها العسكرية في العراق وأفغانستان، وفي ليبيا، قادت الإدارة الأميركية الحرب عبر "قيادة من الخلف" في محاولة لتجنب تكاليف باهظة، لكن هجوماً أميركياً على إيران سيقوّض هذا المبدأ، فإيران قد تنجح في تهديد الولايات المتحدة بصواريخها الطويلة المدى أو ستشكل خطراً على عمليات نقل النفط في الخليج، إلا أن مثل هذا الهجوم هو مطلب إسرائيلي، ومن دول الخليج حيث القواعد الأميركية الرابضة هناك بحجة حماية تلك الأنظمة المرتبطة بالعجلة الأميركية.
إن أي حرب أميركية ضد إيران قد تزعزع اقتصاد الولايات المتحدة وأوروبا على حد سواء، وهي على مشارف ركود مكتمل الأوجه وأن تسديد أي ضربة الى إيران قد يفتح الباب أمام رد إيراني مزلزل يستهدف نقطة الضعف الكبرى في القطاع الصناعي العالمي (الـ 20 % من إمدادات النفط العالمي التي تعبر مضيق هرمز) وهذا ما سيدفع الولايات المتحدة الى شفير الهاوية.
وقد تختار الإدارة الأميركية احتواء إيران بمحاصرتها عسكرياً وعزلها دبلوماسياً بدل المخاطرة وتبني الخيار العسكري.
التلويح بضربة عسكرية ضد إيران
هدفه تفعيل العقوبات ضدها
إن التلويح العسكري الأميركي – الإسرائيلي، بتوجيه ضربة ضد ايران يتواكب مع تصعيد غير مسبوق في العقوبات الأميركية والأوروبية الاقتصادية عليها للوصول الى النتيجة ذاتها، أي الحرب الاقتصادية - النفطية حيث أقر الاتحاد الأوروبي حظراً نفطياً على ايران يدخل حيز التنفيذ في تموز 2012 منضماً في ذلك الى الولايات المتحدة الأميركية، التي أقر مجلس نوابها حظراً للتعامل مع البنك المركزي الإيراني مع نهاية العام 2011.
والسؤال، هل تنضم أطراف دولية أخرى غير أميركا وأوروبا الى العقوبات ضد ايران، أم سيأخذ هؤلاء إجراءات تتعلق بتشديد الحصار ضد إيران أو تمويل الحرب ضدها، أو إقامة درع صاروخية جديدة في منطقة الخليج يكون هدفها محاصرة إيران وإضعاف قوة ردعها وصولاً الى المساهمة في الحرب ضدها تحت مسميات وذرائع جديدة.
وفي الكيان الصهيوني تدور نقاشات ساخنة حول جدوى شن هجوم على ايران، بهدف ضرب مواقعها النووية، وحول ما سيترتب على مثل هذا الهجوم من تداعيات سياسية وأمنية، والقادة الصهاينة يؤكدون أهمية الإبقاء على الخيار العسكري، وبأن تنفيذ الهجوم واقع لا محالة، والهدف المباشر ممارسة الضغط على الدول الغربية من أجل دفعها الى تشديد العقوبات ضد إيران.
لقد تحاشت واشنطن رسمياً، تأكيد أو نفي إمكان حدوث ضربة ضد إيران، واكتفى الرئيس الأميركي باراك أوباما بتأكيد الحاجة الى مواصلة الضغوط على طهران بسبب ما سماه "التهديد المستمر الذي يفرضه البرنامج النووي الإيراني"، وإعلان مسؤول عسكري أميركي، "أن أكبر تهديد للولايات المتحدة ولمصالحنا ولأصدقائنا هو إيران".
إن رزمة الأسباب والدوافع والمعطيات منذ ثلاثة عقود خلت، كانت تجعل من إقدام الولايات المتحدة على شن حرب ضد إيران مسألة محسومة بالخطوط الحمر، ولكن منسوب القلق الأميركي والاضطراب وعدم اليقين حيال التوازن في منطقة الخليج كانت تقود الى دفع أطراف أخرى للقيام بدور ما، بحيث يبقى الإيقاع محكوماً بالحسابات الاستراتيجية الأميركية في المنطقة.
إن آخر ما يتمناه الرئيس الأميركي هو قرار الحرب على إيران قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث وطأة المأزق الاقتصادي الأميركي المزمن، والذي يجعل من شبه المستحيل تغطية نفقات حرب جديدة ضد إيران، ونقطة الضعف الأميركية هذه يستغلها قادة الكيان الصهيوني من أجل ابتزاز الإدارة الأميركية وجعلها تقدم المساعدات العسكرية لـ "إسرائيل" ومواقف سياسية تخدم الأجندة الإسرائيلية، وتمكنها من تصدير أزماتها وصعوباتها ومحاولتها كسر طوق عزلتها الدولية.
ان لعبة خلط الأوراق التي تجيدها دول الغرب الاستعماري وعلى رأسه أميركا وربيبتها الصهيونية تلقى مزيداً من الاهتمام في ظل الأوضاع والأحداث المفتعلة التي تعصف أكثر من مكان في عالمنا العربي والتي يتم تغذيتها على الدوام على حساب القضايا العربية وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية واستهداف سوريا مركز المقاومة والممانعة العربية، وليس صدفة أن يأتي اشتداد الهجمة التي تستهدف سوريا من قبل من ربطوا مصيرهم بالأجنبي ومصالحة الاستعمارية في دول الخليج، بالتوازي مع الطلب الأميركي لنصب ردع صاروخية جديدة في الخليج لتشديد وإحكام الحصار ضد إيران.
الإتفاق النووي المقترح مع إيران
الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خاطب الأعداء والقوى الاستكبارية بقوله: "إننا ننصح هذه الأطراف بأن تغيّر سلوكها حيال الشعب الإيراني وتدرك جيداً بأن هذا الشعب صلب وصامد في الدفاع عن حقوقه المشروعة، ولن يتراجع قيد أنملة مهما كانت الضغوط التي تمارس ضده".
وقال نجاد: "ويحاول الغرب فرض حظر على صادرات النفط الإيرانية، لكن إيران قوية بالدرجة الكافية وسوف تتمكن البلاد من الأداء بصورة جيدة، حتى وإن لم نقم ببيع برميل واحد من النفط لمدة عامين أو ثلاثة أعوام "وإيران مازالت تؤكد مراراً وتكراراً، لن تتخلى عن حقها في تخصيب اليورانيوم.
والتهديدات الأميركية تشير الى أن عدم تخلي إيران عن برنامجها النووي العسكري طواعية قد يؤدي الى تعرضها الى ضربة عسكرية من قبل "إسرائيل"، وتحذيرات أخرى في الوقت نفسه من إمكانية انتشار الصراع في المنطقة إذا ما قامت إيران وحلفاؤها بتوجيه ضربة مضادة لـ "إسرائيل" وحلفائها.
المحادثات التي جرت في اسطنبول بين القوى العالمية (5+1) (الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا والصين بالإضافة الى ألمانيا) تشير الى أن الرؤية غير واضحة بشأن ما إذا كانت إيران ستوافق على أي من المقترحات المقدمة.
ويقول الدبلوماسيون بأن القوى العالمية تؤكد على ضرورة أن تقدم إيران تنازلات كبرى، لكن تلك القوى لن تحاول على الأرجح صياغة مقترح مشترك يسرد بالتفاصيل الخطوات التي يتعيّن على إيران اتخاذها لكي تؤكد للعالم نواياها النووية السلمية.
بعض المصادر، ألمحت الى إمكانية إيجاد تسوية ما سلمية، وألمح مسؤولون إيرانيون ومنهم رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية فريدون عباسي الذي أكّد، أن حكومته قد توافق على وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 % وهي صورة أكثر نقاء من الوقود النووي والتي يمكن تحويلها بشكل سريع الى اليورانيوم المخصب لتصنيع الأسلحة، وقال: إن الأنطمة التي نمتلكها قادرة على القيام بهذا التغيير، وتقول إيران إن برنامجها مخصص للأغراض السلمية فقط، مثل الأبحاث الطبية وتوليد الكهرباء، بينما قامت الولايات المتحدة باتهام إيران بالسعي لتصنيع رأس حربية نووية.
القوى العالمية منقسمة حول شكل الاتفاق النووي المقترح مع إيران، وهي (القوى العالمية) متفقة فقط على ضرورة أن تقدم إيران تنازلات كبيرة.
الخلافات في وجهات النظر حول الموضوعات الرئيسية، بما في ذلك العقوبات وخاصة مدى فعالية العقوبات الحالية ومدى سرعة إلغاء الإجراءات العقابية في مقابل تقديم إيران لبعض التنازلات.
فالضغوط الاقتصادية المستمرة على إيران أدّت فقط الى زيادة التحدي من قبل إيران، وخاصة بعد صدور تصريحات إسرائيلية تطالب بعدم السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم على الإطلاق.
ويرى المراقبون أن كل من الولايات المتحدة وإيران تحتاج الى التوصل الى اتفاق حيث تحتاج واشنطن الى بعض التنازلات لكي تتراجع "إسرائيل" عن موقفها وتهديداتها، وتحتاج إيران الى تنازلات غربية لحماية اقتصادها وهذا كاف على الأقل للتوصل الى تسوية ما.
المحادثات الايرانية مع دول (5+1) يوم 16/4/2012 كانت إيجابية كما أعلن، إيران أعربت عن استعدادها لحل كل القضايا المتعلقة ببرنامجها النووي في الجولة المقبلة من المحادثات في 23 أيار المقبل في العاصمة العراقية بغداد، وتصريحات كافة الأطراف عسكت اقتناعاً متبادلاً بأنه جرى التخلي عن المواقف المسبقة، والمراقبون أكدوا بان اجتماع "اسطنبول" كان خطوة الى الأمام على طريق البحث المستمر عن حل الخلاف حول برنامج إيران النووي، بحث طالبت إيران برفع العقوبات الدولية المفروضة ضدها كمقدمة للاتفاق النهائي، ويمكن التكهن بأن التسوية النهائية لهذا الخلاف ستظهر قبل حلول شهر تموز، بحيث ستسحب أميركا عن الطاولة تهديدها باستخدام القوة وتقنع "إسرائيل" بسحب هذا الخيار من التداول، وإيران بهذه الخطوة استطاعت تحقيق بعض أهدافها المباشرة: سحبت التهديدات ضدها وتلقت وعداً بإنهاء العقوبات وستقدم ضمانات حول برنامجها النووي، وستدخل النادي النووي من الباب الواسع وستحقق أهداف أخرى، بعد أن فرضت نفسها لاعباً دولياً عنيداً يتمسك بحقوقه مهما بلغت العقوبات والتهديدات.
إنها بداية تحقيق الانتصار للشعب الإيراني العظيم على طريق تحقيق أهدافه في القوة والمنعة في مواجهة قوى الاستكبار العالمي.
محمود صالح