المرجعية الفلسطينية تطيح بتحالف القوى الفلسطينية في لبنان
احتدم الخلاف مؤخراً بين أطراف التحالف في لبنان بعد إقدام مجموعة منه ضمت حركة حماس وحركة الجهاد والقيادة العامة والصاعقة، على التنسيق مع فصائل المنظمة التي ضمت فتح، الجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية وجبهة التحرير الفلسطينية (أبو العباس) وتشكيل إطار موحد زار دولة الرئيس بري في عين التينة ودولة الرئيس ميقاتي في السراي الحكومي دون التشاور أو الرجوع الى فصائل التحالف الأخرى ممثلة بفتح الانتفاضة، وجبهة النضال الشعبي وجبهة التحرير الفلسطينية والحزب الشيوعي الثوري.
وفي بيان وزعته فصائل التحالف التي لم تشارك في إطار الثمانية، إتّهم من تفردوا بالزيارات المذكورة من فصائل التحالف بالخضوع لمنطق الإلغاء والاستئثار والفيتو الذي مثله عزام الأحمد على مدى عام من الحوارات، كما اتهم البيان الفصائل نفسها بالمداورة وإخفاء الحقائق من خلال إيهام الرأي العام اللبناني والفلسطيني بتوافق الفصائل في التحالف على صيغة الأربعة التي اعتمدوها في زياراتهم وراحوا يروجون لها بالتنسيق مع رباعية منظمة التحرير على أنها باكورة المرجعية العتيدة للفلسطينيين في لبنان.
أكثر من مصدر في المنظمة في لبنان أكد، أن إطار الثمانية ما كان ليبصر النور لولا تخلي الأربعة في التحالف، الذين التحقوا بهذا الإطار، عن شرطهم المسبق بتمثيل فتح الانتفاضة فيه.
الملفت في الأمر أن القيادة المركزية للتحالف في دمشق اجتمعت مؤخراً وأصدرت بياناً سياسياً أدانت فيه موافقة محمود عباس على الالتقاء بشاؤول موفاز، كما أبدت الفصائل المذكورة في (التحالف) حرصها على إبعاد المخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان عبر الصراعات القائمة في البلدين وجددت رفضها للتدخل في الشأن السوري، وسعيها لتعزيز وتفعيل تحالف القوى الفلسطينية. ممثلو هذه الفصائل في لبنان ينهجون نهجاً مغايراً لقيادتهم المركزية في ما خص العمل داخل التحالف ويستعجلون الاستجابة لطلب عزام الأحمد في مرجعية كيفما اتفق وكيفما كان.
والفلسطينيون في لبنان الذين خبروا كل أشكال التنسيق يدركون قبل غيرهم أن أي هيئة أو مرجعية لا تأخذ في الاعتبار مشاركة كل مكونات الشعب الفلسطيني في لبنان مآلها الفشل.
كان يمكن لفصائل التحالف الأربعة التي أعفت نفسها من مهمة التنسيق مع حلفائها أن تجعل من موضوع صفقة المرجعية مع فصائل المنظمة أمراً طبيعياً لو أحسنت عندها النوايا وحظيت بموافقة التحالف مجتمعاً بدل اعتماد سياسة التعمية والاستفزاز في استعراض إعلامي يشبه كل شيء إلا المرجعية! رب قائل إن ما جرى لا يتعدى كونه اجتماعاً لفصائل من التحالف ومن المنظمة ولا علاقة له بمرجعية أو ما شابه.
مثل هذا الكلام قد يكون صحيحاً ومقبولاً لو كان التخطيط قد جرى في العلن وبعلم كل فصائل التحالف. أما أن يتم التعتيم على رباعي التحالف وإحاطته بالسرية خشية افتضاح الأمر ووصول الأخبار لباقي فصائل التحالف ثم فجأة ظهور طرفي المنظمة والتحالف معاً أمام وسائل الإعلام، لإعطاء المشاهد اللبناني والفلسطيني انطباعاً أن توافقاً ما قد تم في حضرة دولة رئيس الحكومة اللبنانية ورؤساء بعض الأجهزة الأمنية، فأمر مثير للاستغراب خصوصاً في ظل إصرار بعض من شاركوا في هذا الكرنفال من التحالف على اعتبار ما جرى عمل عادي لا يرقى الى مستوى المرجعية!
نحن إذن أمام لعبة أو نكتة سمجة إن صمتنا على تداعياتها مرّت بلا استئذان وأضحى لاعبوها فريقاً ممثلاً للجميع وفق سياسة الأمر الواقع التي اعتدنا عليها كفلسطينيين، وإن تصدينا لها وعرّينا فصولها تحولت، كما هو الحال مع إطار الثمانية (من المنظمة والتحالف)، الى لعبة تخصّ لاعبيها ولا علاقة للأطراف الأخرى بها.
يبحثون عن مرجعية للفلسطينيين في لبنان، فهذا حقنا كما هو حقهم لكن أن تأتي المرجعية على قياس عمرو أو زيد من الناس ووفق شروط وإملاءاته فهو هدم للمرجعية وتكريس لواقع التشتت والفوضى في مخيماتنا.
إنه اكثر من انخراط من التحالف في دوامة الحوار مع عزام الأحمد كان في جزء كبير من هذا الحوار الطويل متلقياً ومستمعاً أكثر منه متكلماً ولم يكن فريق التحالف في الحوار مع الأحمد أميناً في نقل ما يدور داخل تحالف القوى الفلسطينية من طروحات وأفكار حول المرجعية واكتفى هذا الفريق بحمل وجهات نظر أطرافه مقللاً من شأن حلفائه أمام محاوريه من المنظمة وضارباً بعرض الحائط بكل تعهداته والتزاماته لهم.
وهم في الأساس الذين توافقوا على تسمية هذا الفريق (حماس – جهاد – قيادة عامة) ومنحوه ثقتهم الكاملة، ليخوض جولات الحوار مع عزام الأحمد وفريق باسم تحالف القوى الفلسطينية.
نجح إذن عزام الأحمد في تسجيل أكثر من نقطة في مرمى التحالف الذي أصبح في مهب الريح بسبب ما اعتراه مؤخراً من تفكك الرؤيا الواضحة لبعض أطرافه والانغماس في ورشة البحث عن الذات والوجاهة واقتسام المغانم بالأمس في القاهرة واليوم في بيروت، نتيجة طالما سعى الساعون إليها لتأكيد مرجعيتهم وشطب تحالف القوى الفلسطينية من الخارطة السياسية ففشلوا على مدى أكثر من عقدين من الزمن ليأتي اليوم وباسم مرجعية مبتورة عرجاء مَن يضع نفسه بالتصرف لتحقيق هذه النتيجة ووفق ما تبقى من تحالف القوى الفلسطينية في لبنان كمقدمة للإجهاز عليها نهائياً في كل أماكن تواجده...
قبل خمس سنوات وبعد أحداث مخيم نهر البادر شكل التحالف والمنظمة ما عُرف بهيئة الطوارئ لمتابعة وضبط أوضاع المخيمات بالتعاون مع الدولة اللبنانية، إلا أن تلك الهيئة لم تعمّر طويلاً، لكن المساعي لن تتوقف في هذا السبيل فقد نجح عباس زكي السفير السابق لفلسطين في بيروت بتشكيل هيئة عليا لمتابعة شؤون مخيم نهر البارد ضمت في عضويتها أربعة من فصائل المنظمة وأربعة من فصائل التحالف، وبرحيل كمال مدحت وانتقال عباس زكي، توقفت المحاولات للارتقاء بصيغ تلبي الحاجة الفلسطينية واللبنانية الى مرجعية أو أي إطار تنسيقي جديد... ومع وصول السفير عبدالله عبدالله الى لبنان تجددت قنوات التواصل بين طرفي العمل الفلسطيني في الفصائل (منظمة وتحالف) إلا أن عبدالله عبدالله لم يستطع اختراق الحالة الفلسطينية والوصول الى عقول وقلوب المسؤولين الفلسطينيين في لبنان كما فعل سلفه عباس زكي وبقي أسير الخلافات الداخلية لحركة فتح.
وبذهاب عبدالله عبدالله سطع نجم السفير أشرف دبورة الذي راح يلعب دوراً توفيقياً بين الفصائل منذ وصوله، مستفيداً من تجربة عباس زكي الانفتاحية مع فارق واضح أن عباس زكي كان متحرراً في سياسته ولم يترك طرفاً حتى فتح الانتفاضة إلاّ وفتح نافذة عليه، فيما السيد دبورة ظل حتى تاريخه ينأى بنفسه حتى عن دعوة فتح الانتفاضة للمناسبات المختلفة بذريعة تنفيذه لأوامر عليا من القيادة.. وبدل أن يؤكد التحالف على تحالفه أمام استهداف أحد أطرافه الأساسيين راح بعض فصائله يخفف من وطأة ذلك تماماً كما كان حالهم في القاهرة حين وقفوا عاجزين أمام إصرار رئيس السلطة على استثناء نصفهم الآخر من حضور الاجتماعات هناك تارة بذريعة الاسم وطوراً بذرائع مختلفة فلم يصلوا الى المصالحة وأبقوا على الانقسام!!!
ونفس المعزوفة تتكرر اليوم مع ما يسمونه مرجعية للفلسطينيين في لبنان، ابتكار جديد تقدمت به المنظمة طالبة من التحالف تسمية أربعة من أعضائه ليشكلوا مع أربعة من المنظمة فريق عمل واحد شرط استثناء فتح الانتفاضة من التسميات، ما يدلّل أن عرّاب هذه التسميات، عزام الأحمد، لم يقرأ أو يراجع الصيغ الفلسطينية السابقة وأسباب سقوطها رغم كل الجهود التي بُذلت من أجلها، فمارس ما استطاع من الضغط والتأجيل والابتزاز الى أن وجد في بعض فصائل التحالف من يحاربه في خطأه ولا منطقيته بل ويذهب بعيداً في تسويق رؤية عزام الإلغائية ولو على حساب بقاء التحالف أو زواله.
فهل يعقل بعد كل ما سبق أن نطالب بالموافقة على مرجعية أو هيئة خيطت على قياس بعضهم في التحالف والمنظمة بدل أن تكون على قياس جمهور الشعب الفلسطيني التواق للعمل المشترك بين فصائله وكل قواه الوطنية والإسلامية.
خلاصة القول إن أي مرجعية لا تحظى باتفاق كل الأطراف الفلسطينية على الساحة اللبنانية لن يُكتب لها النجاح، ومَن لا يتعلم من سقطات الماضي القريب فلن يتعلم أبداً وهو غير جدير أن يكون مرجعاً ولا ممثلاً للفلسطينيين... فهل يدرك المستعجلون على تقاسم كعكة المرجعية في لبنان المخاطر المترتبة على هذا الاستعجال؟! وهل يدرك هؤلاء أن الدولة اللبنانية المنتظرة منذ زمن مثل هذه المرجعية لن تكون في أحسن حال عندما ترى المرجعية قد أصبحت مرجعيات وأنّ الوفد الموحد قد أصبح وفوداً وأنّ ما اعتقدته مرجعية للفلسطينيين يشبه كل شيء إلا المرجعية؟!
رأفة بشعبكم يا من كنتم حتى الأمس القريب شركاء في تحالف القوى الفلسطينية فأصبحتم اليوم أبعد ما يكون عن التحالف والشراكة؟ تظاهرتم بالمصلحة الفلسطينية العليا فإذا بمصالحكم هي الأعلى من كل مصلحة، توافقتم في الظلمة وكتمتم أمركم حتى عن أقرب الناس إليكم، فلما انكشف أمركم كنتم الأعجز عن التبرير والأقل حجة في الدفاع.
ماذا بقي من تحالف القوى الفلسطينية الذي راهن الكثيرون على دوره الاعتراضي في الساحة الفلسطينية، ومن ذا الذي يستطيع إعادة الثقة الى النفوس بعد اهتزازها، لقد أضعتم أيها الأصدقاء التحالف ولم تصلوا الى المرجعية.
حسن زيدان
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الانتفاضة
أمين سر إقليم لبنان