تركيا وكردستان
وهم القوة واستحقاقات المرحلة
يبدو أن تركيا ماتزال تنتظر فرصتها السانحة حيث الدور الممهور بالختم الأميركي والوعود التي أغدق بها بعض أمراء النفط في الخليج الواقع تحت السيطرة الأميركية الى العثمانية الجديدة بزعامة رجب طيب أردوغان ومهندس السياسة التركية وزير الخارجية التركية داود أوغلو، وتركيا الحالمة بدور إقليمي ما في المنطقة تحاول بقدر ما تستطيع أن تكثر من التصريحات الطنانة التي لا تستقيم ما بين الأقوال والافعال على أرض الواقع، ولكنها قابلة للصرف في مكان ما حيث النفوذ الأميركي والصهيوني وأدواته.
وتركيا التي استنفرت قواها بالتزامن مع تصاعد الأزمة السورية وهي انتظرت طويلاً لعلها تجد ضالتها في منطقة عازلة على الحدود التركية – السورية، طمعاً منها في بنغازي جديدة على الأرض السورية أو تحت مسمى " ممر إنساني" على الطريقة الأميركية، يبدو أن انتظارها سيطول كثيراً وهي لن تجني إلا الخيبات ولعنة الأجيال.
السحر بدأ ينقلب على الساحر، وبينما تركيا تحشد لزعزعة استقرار سوريا ومحاولة إسقاط النظام العروبي المقاوم، بدأ حزب العمال الكردستاني يحول بعض مناطق تركيا الجنوبية الشرقية الى بنغازي مصغرة، ويظهر أن الدولة التي تريد تغيير النظام في سوريا، وتعديل خريطة المنطقة غير قادرة على أن تحمي بعضاً من أرضها، هذا ما رشح من أهداف الحملة العسكرية الواسعة التي شنها حزب العمال الكردستاني عند المثلث التركي – العراقي – الإيراني، وبدأت بهجمات مئات المقاتلين على بلدة شمدينلي خلال شهر آب المنصرم بهدف السيطرة عليها، وانتقلت الى منطقة تشوكوروجا، حيث هوجمت مخافر تركية عدة وأسفرت عن عدد كبير من القتلى في صفوف الجنود الأتراك وإصابات في صفوف المقاتلين الأكراد من حزب العمال.
وربط العديد من المحللين الأتراك، بين الوضع في سوريا وتزايد عمليات حزب العمال الكردستاني، ورئيس تحرير صحيفة "خبرتورك" فاتح التايلي قال: "إن الهجمات الكردية أكبر من مسألة أمن داخلي تركي، إنها مرتبطة بفشل تركيا في سياستها الخارجية، وأن علاقات تركيا مع كل جيرانها انزلقت فجأة الى نقطة الصفر.
لقد تغيرت معايير الإرهاب، وبدأت مشكلات جدية بين تركيا وسوريا وهناك مشكلة مع العراق، ونمر في أسوأ المراحل في العلاقات مع إيران، وحزب العمال بدأ يتحرك بدعم من سوريا وقوى أخرى".
ويقول مراقبون، إن من السذاجة أن يتوقع الزعماء الأتراك من رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني أن يحارب مع تركيا ضد حزب العمال الكردستاني، وأن هجمات حزب العمال الكردستاني ليست مفاجئة، والنفوذ الاستخباراتي السوري داخل الكردستاني قوي جداً، وبدأت تسريبات حول تغييرات في الخرائط تلحظ جانباً من الأراضي التركية.
وكذلك الامر رئيس صحيفة "خبرتورك" فاتح التايلي، قال "إن واشنطن تضغط على تركيا وتهددها بشأن علاقاتها مع إيران، وهو ما يفسر جانباً من التدهور في العلاقات مع إيران، وخسرت تركيا قابلية وإمكانية إدارة ملفاتها مع دول المنطقة".
ويقول الخبير بشؤون الإرهاب سادات لاتشينير إن "حزب العمال الكردستاني يريد السيطرة على منطقة محددة في تركيا ليقيم عليها منطقة حكم ذاتي، وإن ما يجري في شمدينلي وحقاري مرتبط بما يجري في سوريا، وهناك من يريد أن يظهر ربيع كردي يؤثر سلباً على تركيا.
ويرى الكاتب في صحيفة "ميللييت" فكرت بيلا، أن حزب العمال الكردستاني يهدف بعملياته الكبيرة الى تشتيت القوة العسكرية التركية التي احتشدت على الحدود السورية، وهذه العمليات تدخل أنقرة من جديد في مرحلة جديدة من المسألة الكردية في تركيا، وحزب العمال الكردستاني يريد أن يقول إن "الربيع العربي" وصل الى تركيا.
ويقول أحد الكتاب الإسلاميين، إن تركيا محرومة من سياسة خارجية سليمة، وأن الثمن الذي ستدفعه تركيا نتيجة قطع علاقاتها مع الجميع سيكون باهظاً، وبخلاف ما تظن تركيا فليست هي التي تعيد رسم الحدود التي رسمها الاستعمار بعد انهيار الدولة العثمانية، وتركيا تعيش تناقضاً بين قوتها الفعلية وقوتها الوهمية.
وزيارة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الى إقليم كردستان كما مدينة كركوك، أثارت علامات استفهام متعددة، خصوصاً أن زيارة كركوك تمت من دون أخذ إذن بغداد وانتهاكه للسيادة العراقية.
وهذا ما دفع رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو الى القول، "إن لقاءات داود أوغلو مع البارزاني هي محل انتقاد، وما الذي قدمه البارزاني الى تركيا، وزير الخارجية يثير للنقد، لكن فليقل لنا أين نجح؟ هل في سوريا أم العراق أم ايران أم الدرع الصاروخي في ملاطيا أم في حقول التنقيب عن النفط والغاز مع قبرص اليونانية، كلها فشل تلو الفشل وتحتها توقيع أحمد داود أوغلو.
إن السياسة الخارجية التركية خرجت من أن تكون سياية وطنية وتحولت الى أداة بيد القوى الخارجية وصارت تركيا ملكية أكثر من الملك، وأن سياسة تركيا تحولت الى التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
لقد عرفنا لماذا أسقطت الطائرة، لكن لم نعرف بعد كيف أسقطت، لقد تعرضت تركيا لخسارة ثقة دول المنطقة بها وتراجعت صورتها، وأصبحت تركيا مثل فأر الحقول الذي يمر ويترك وراءه ممراً فارغاً من الخراب".
وكذلك الامر يقول كيليتشدار أوغلو: "الصورة التي نشرها البيت الأبيض بالذات للرئيس الأميركي باراك أوباما وهو يرد على مكالمة هاتفية من رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان وهو (أوباما) يحمل بيده اليسرى سماعة التلفون وباليمين عصا لعبة البيسبول، وقد أثارت الصورة تعليقات واسعة ومتهكمة في الصحف التركية وفسّرت على أنها تهديد لتركيا بألا تفعل أي شيء من دون موافقة أميركا تجاه سوريا، وقال كيليتشدار، إنها إهانة لتركيا وأنه كان يمكن لأوباما أن يضع بجانبه ليس عصا فقط بل أيضاً أكياساً فارغة وذلك إشارة الى تلبيس جنود أميركيين في العام 2003 رؤوس جنود أتراك في السليمان في العراق (أكياساً فارغة)، وأن أوباما بذلك يقول لأردوغان "لا تذهب بعيداً وإلا فالعصا جاهزة"، وهذا يعني أن تركيا تقوم بدور مشبوه في المنطقة علها تكسب رضا الغرب المتصهين ودور ما في المشروع الأميركي الأكبر الذي يستهدف سوريا والمنطقة بأكملها.
أدهم محمود
كادر:
يسعى حزب الاتحاد الديقمراطي للسيطرة المحكمة على المجتمع الكردي السوري وخياراته السياسة، ويشكل سنداً ورافعة لمسألته المركزية، قضية الأكراد في تركيا، لذلك يسعى لتأسيس مؤسسات مجتمعية وثقافية وشبابية وأمنية شعبية محكمة، من مختلف مناطق الوجود الكردي ولجان للحماية الشعبية ومؤسسات تراتبية يغلب عليها القضاء السيمائي لأفكار حزب العمال الكردستاني، وزعيمه عبد الله أوجلان.
ويتموضع حزب الاتحاد الديمقراطي كما حزب العمال الكردستاني في المعادلة الإقليمية مع المحور السوري – الإيراني من خلال الاستفادة من التباين بين الطرفين السوري والتركي.