ابوعصام عبدالهادي المدير العام
تاريخ التسجيل : 23/11/2008 عدد الرسائل : 2346
بطاقة الشخصية فتح: 50
| موضوع: تهمة الدكتور عبد الستار قاسم لم تكن سوى مقالة له انتقد فيها فصل إدارة جامعة النجاح لأربعة طلاب رغم تبرئة القضاء الخميس سبتمبر 08, 2011 4:00 am | |
|
ماتعرض له البروفيسور عبد الستار قاسم من اعتقال من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة في الضفة الغربية، وإيقاف عن العمل في جامعة النجاح الوطنية من قبل إدارة الجامعة يدق جرس الإنذار في المجتمع الفلسطيني ..
تهمة الدكتور عبد الستار قاسم لم تكن سوى مقالة له انتقد فيها فصل إدارة جامعة النجاح لأربعة طلاب رغم تبرئة القضاء الفلسطيني لهم من تهمة إثارة الشغب التي وجهت لهم، وعدم مبالاة هذه الإدارة بالقرارات القضائية ربما لأن هؤلاء الطلاب من أبناء المقاطيع وليس من أبناء السادة..
لم يغفر للدكتور عبد الستار قاسم سنه الذي جاوز الستين، ولم تغفر له سنوات خدمته الطويلة لقضيته ولشعبه بقلمه وبموقعه الجامعي، وبما يحظى به من مكانة اجتماعية وسياسية..
كل هذه الاعتبارات لم تعد ذات قيمة في ميزان السلطة، ما دام الرجل قد تجرأ على قول كلمة الحق التي جبن عن قولها كثيرون، وانتقد ممارسات السلطة وفسادها السياسي والمالي والإداري، وقدم أنموذجاً متميزاً للدور الحقيقي للمثقف في إصلاح مجتمعه، وفي عدم المبالاة بسطوة أصحاب السلطة والنفوذ.. أقاوم بالكاد شعوراً يراودني وأنا أرى حال الضفة الغربية بأنها قد خلت من رجال مثل الدكتور عبد الستار قاسم في قوة مواقفه ، فهذا الرجل تميز عن غيره من المثقفين بأنه لا يهادن في قول كلمة الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم، ولا يعرف الكلمات العائمة ولا التعبيرات الفضفاضة التي تميع الحقائق، والرجل قد تحرر من الداء الذي أصاب كثيراً من الفلسطينيين وهو داء الاستقطاب الحزبي، فهو ينتقد الجميع حين يرى أن هناك ما يستحق النقد، ولم يرهن قلمه لاتجاه بعينه، ولو أنه كان كذلك لما انتقد إدارة الجامعة التي يتقاضى منها راتبه وتمثل مصدر عيشه..
هل يستحق هذا الرجل المجاهد بكلمته بعد كل ذلك أن يعاقب بالإيقاف عن عمله وبأن يودع السجن، وربما كان السجان الذي يحتجزه هو أحد التلاميذ الفاشلين الذين سبق له أن درسهم في الجامعة.. إن معاقبة رجل بوزن البروفيسور عبد الستار قاسم هو إدانة لنا جميعاً، وعار يلحق بنا فلا خير في شعب لا يقدر قيمة كنوزه، ولا يحترم كباره..
تلخص محنة الدكتور عبد الستار قاسم مأساة المثقف الفلسطيني والعربي بوجه عام، ونقصد هنا المثقف الحقيقي وليس المزيف، ذلك المثقف الذي يعيش هموم وطنه وأمته، ويؤدي دوره بكل أمانة وصدق دون أن يأبه بوسائل الترهيب أو الترغيب، مثل هذا المثقف تنبع محنته من كونه يعيش في وسط اجتماعي فاقد للوعي لا يحترم العلم أو العلماء ولا يحب الناصحين الذين ينبهونه إلى أخطائه ويحذرونه من التباطؤ في معالجتها..
حين يكون المجتمع مغيباً فإنه لن يدرك أهمية وجود مثل الدكتور عبد الستار قاسم بين ظهرانيه، ولن يدرك أن وجود هؤلاء المثقفين هو سياج يحميه من الهلاك وهم علامة الحياة، وضمانة البقاء، لأن انعدام الصوت المعارض للسلبيات يؤدي إلى تفاقم هذه السلبيات بشكل مخيف ومتسارع، ويعجل خطى المجتمع نحو الهاوية، والفرق بين مجتمع يوجد فيه من يصدع بكلمة الحق، وبين مجتمع خانع ساكت هو الفرق بين الحي والميت..
إن معاقبة الدكتور عبد الستار قاسم على مواقفه الأخلاقية يذكرنا بمنهج الأقوام السابقة في مواجهة دعوات أنبيائهم بالرجم أو الطرد أو السجن "أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون"، ولا غرابة فهذا هو حال المجتمعات حين تدخل مرحلة الموت الفكري فإنها تضيق بكل صاحب فكر حر، وتحارب كل من ينبهها إلى عمايتها ويحاول أن يأخذ بيدها إلى الطريق الصحيح..
حين ندافع عن الدكتور عبد الستار قاسم فإننا ندافع عن أنفسنا، لأننا بدفاعنا عنه نريد أن نرفع نسبة الحساسية الأخلاقية في المجتمع حتى لا يستسهل أحد ارتكاب مثل هذه الجريمة بحق المفكرين، فنمنع تكرارها أو ارتكاب جرائم أكبر منها، كما أننا بدفاعنا المتواضع نريد أن نقدم الشهادة العملية بأن المجتمع لا يزال فيه بقية حياة..
تستهدف هذه الجريمة بحق البروفيسور عبد الستار قاسم تعزيز ثقافة الخوف والجبن في المجتمع وقتل أي صوت صادع بكلمة الحق، لذا فإن مساندة البروفيسور عبدالستار قاسم هو واجب أخلاقي وديني ووطني متحتم على كل مكونات المجتمع من كتاب وشخصيات بارزة وفصائل سياسية..
إن عاقبة الصمت على هذه الجريمة وخيمة على المجتمع الفلسطيني والسماح بمرورها ببساطة سيمثل انتكاسةً اجتماعيةً خطيرةً لأنه سيعزز ثقافة الصمت والخنوع ويقضي على ما تبقى من صوت حر فينا..
أستغرب من ردة فعل الفصائل الباهتة تجاه هذه الجريمة، فباستثناء بعض بيانات الإدانة، وبعض الزيارات الشخصية لمنزل الدكتور عبد الستار قاسم لم نر وقفةً داعمةً من قبل هذه الفصائل لموقف البروفيسور عبد الستار قاسم..ولا أدري إن كانت الحسابات الفصائلية الضيقة المتعفنة قد أثرت فينا إلى هذا الحد حتى قتلت فينا النخوة والكرامة والحس الوطني، ولم نعد نستثار إلا حين يتعلق الأمر بفصيلنا السياسي..
في المقالة التي سجنت صاحبها ينقل الدكتور عبد الستار قاسم كلمةً عقب بها أستاذ أمريكي على فصل الطلاب الأربعة وهي أن من يفعل ذلك لا يستحق الدولة، ونحن نقول قياساً على هذه الكلمة إن من يهن أساتذته ومفكريه ولا يعرف الفضل لهم لا يستحق الحياة أصلاً..
| |
|