أميركا تنسحب منه بعد نهب ثرواته
العراق يعود الى جواره الطبيعي
في
اللحظة السياسية المضطربة في المنطقة عموماً تتفاوت المواقف بين طرف وآخر وتبدو
عملية تبادل الأدوار وقد اهتزت هي الأخرى مع اقتراب موعد الإنسحاب المقرر للقوات
الأميركية من العراق، الكل يدلي بدلوه في هذه اللحظة الحرجة.
لا
تبدو الأمور عادية، لأن العراق تم احتلاله عام 2003 من قبل القوات الأميركية في أبشع
عملية غزو في العصر الحديث.
حالة
الجدل التي تفاعلت في الآونة الأخيرة وتصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي
حول موضوع الانسحاب الأميركي ورفضه التمديد لقوة أميركية على أراضي العراق،
وتأكيداته القاطعة والحازمة، أنه لن يبقى على أرض العراق أي جندي أميركي بعد
الموعد المتفق عليه سلفاً لجلاء القوات الأميركية عن بلاد الرافدين نهاية السنة
الجارية هي رسائل واضحة وفي أكثر من اتجاه.
وفي
زمن الأحداث والحراك المتواصل في عالمنا العربي يحتاج المتابع لتطورات المشهد في
الساحة العراقية أن يلحظ تداعيات ما يحصل في المنطقة عموماً على واقع الحال في
العراق.
الإدارة
الأميركية سعت منذ فترة وجيزة وعبرت مراراً وبأشكال وسبل متعددة عن تمنياتها بأن
تبادر الحكومة العراقية الى توجيه طلب رسمي إليها تطلب فيه أن تبقي على جزء ولو محدود
مما تبقى من عسكرها في العراق في فترة ما بعد مطلع العام المقبل.
وإيران
من جهتها تريد أن ترى العراق وقد تخلص نهائياً من الاحتلال الأميركي، وهي تبذل
جهودها باقتدار، وتحاول أن تعكس رغبتها الى واقع من خلال علاقاتها الوثيقة مع العراق
وهذا لا يتقاطع مع الرغبات الأميركية، لأن رؤية طهران بعيدة المدى وحساباتها ذات
طبيعة استراتيجية تختلف عن الحسابات الأميركية ومن محدداتها ورغبتها رؤية العراق
وقد صار قراره الوطني مستقلاً والوضع فيه مستقراً.
والأمر
الأهم والعامل الموضوعي الجديد الذي فرض نفسه على واقع الأحداث في المنطقة، الأزمة
السورية الناشئة والموقف العراقي الذي ينظر إليهما باهتمام كبير وكل المؤشرات
العملية تؤكد بأن العراق يقف الى جانب سوريا وبقوة من أجل أن تتجاوز الأزمة، لأن
ما يحدث في سوريا ينعكس على العراق بطريقة ما، وخاصة أن الوضع في العراق مايزال
هشاً في بلد أرهقته الحرب واستنزفت قدراته وأشعلت نار الفتنة بين مكوناته، وهناك
مخاوف عراقية، من أن يستغل أحد الأطراف هشاشة الوضع في العراق ويحول العراق الى
ساحة خلفية بالنسبة لأحد فرقاء النزاع في الساحة السورية، وهذا ليس في مصلحة
الاستقرار في العراق، بسبب الانقسامات الحادة المتجذرة هناك.
من
هنا، فإن الأنظار ستظل شاخصة باتجاه الساحة العراقية بشكل أكبر من ذي قبل في ضوء
التطورات والمستجدات وخاصة كلام المالكي ورفضه القاطع بقاء أي جندي أميركي على أرض
العراق بعد الموعد المحدد لخروج الأميركيين نهاية السنة الجارية.
واللافت
أيضاً تصريحات المالكي وتحذيره من الفتنة الطائفية التي اعتبرها سلاحاً في يد
"الاستكبار العالمي" أو "دول الاستكبار"، وهذا التعبير يحمل
في طياته وسائل سياسية واضحة، وحدد حاجة العراقيين الى مدربين أميركيين فقط على
استخدام السلاح الذي "اشتراه" العراق من الأميركيين أو الذي سيقدم
"كهدية" بعد الانسحاب الأميركي، والحديث الآن عن موضوع حصانة المدربين أو
عدمه والأمر سيبحث في أعلى مستوى من القيادات الرسمية والسياسية وكل المؤشرات تدل
على أن هناك حزماً عراقياً في منع الحصانة عن الجنود الأميركيين في العراق، في حين
يتحدث الأميركيون أن هنالك اتفاقاً غير معلن، تم التوصل إليه يضمن الموافقة على ما
هو أبعد من الحصانة، وربما يكون فوق إرادة السلطات العراقية كما يقول المراقبون.
العراق ومرحلة ما بعد الإنسحاب الأميركي
تزداد
التساؤلات حول مستقبل العلاقات الأمنية العراقية – الأميركية في المرحلة المقبلة،
مع اقتراب موعد انتهاء اتفاقية وضع القوات الأميركية في العراق نهاية 2011، وبموجب
الاتفاقية التي وقعها العراق مع الولايات المتحدة عام 2008، يجب سحب كل القوات الأميركية
من العراق بنهاية العام الحالي، بينما اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تم توقيعها
في الوقت نفسه، تنص على علاقات استراتيجية وأمنية بعيدة الأمد بين البلدين.
السفير
الأميركي لدى بغداد جيمس جيفري، أوضح "التفكير وراء إبقاء أي قوات أميركية في
العراق، إنها ستقدم التدريب العسكري الأبعد للعراق، والتنسيق والتعاون بين القوات
العسكرية العراقية وأن جوهر المحادثات مع المسؤولين العراقيين حالياً تتعلق
بالامتيازات والحصانات الخاصة لأية قوات عسكرية أميركية".
وبعد أن
أرسل الأميركيون عدة رسائل توحي بالرغبة على إبقاء ما بين (20 – 30) الف جندي في
العراق، تراجعوا عن هذه المواقف مع تصاعد الحديث بدلاً من ذلك عن مدربين أميركيين
لتدريب الجيش العراقي على استخدام أسلحة أميركية وعن قوات مسلحة ضخمة لحماية
السفارة الأميركية.
من
الواضح أن تراجعهم كان مرتبطاً بإيحاءات عراقية غير راغبة للتمديد لعدد كبير من
الجنود، وضغط قوي من التيارات الرافضة لأي وجود أميركي في العراق بعد 2011 لا سيما
التيار الصدري.
وفي
النظر الى الاحتمالات السياسية الناتجة عن الانسحاب وفي الكيفية التي ستجري عليها
الأمور في العراق ما بعد الانسحاب، هذا الانسحاب سيترجم من الأطراف الخارجية
والداخلية بوصفه غياباً سياسياً، مما قد يدفع الى السطح مشكلات جديدة كانت في حالة
احتواء، مثل مشكلة الأراضي المتنازع عليها بين حكومة إقليم كردستان من جانب وحكومة
المركز وبعض المحافظات من جانب آخر، والبعض يحذّر من أن الغياب الأميركي قد يدفع
الفرقاء السياسيين الى تصعيد صراعاتهم وتجاوز سقوفها السابقة وهذا ما يؤشر الى نسف
العملية السياسية التي تم ترتيبها في ظل الاحتلال، وهناك خشية أيضاً أن تلجأ بعض
الأطراف الى زعزعة الاستقرار، وفي المقابل هناك من ينظر بتفاؤل أكبر الى خروج
القوات الأميركية من العراق الذي من شأنه خلق أجواء تصالحية بين العراقيين.
وبعض
المراقبين لديه قراءة لمستقبل العراق تراوح ما بين الغموض والتشاؤم، فالوضع الأمني
ومنذ أكثر من ثلاثة شهور آخذ بالتدهور، مع وجود القوات الأميركية، ومثال ذلك مجزرة
النخيب في وسط العراق الذي ذهب ضحيتها 22 شخصاً كانوا في عداد قافلة متوجهة من كربلاء
الى زيارة العتبات المقدسة في سوريا والتداعيات الخطيرة للحدث، جسدت الى حد كبير
واقع الحال السياسي والأمني في العراق مع اقتراب الجلاء الأميركي.
رئيس
الوزراء العراقي نوري المالكي حذّر من أن العراق لا يزال في "الدائرة الحمراء"
ودعا جميع شركائه السياسيين الى مواجهة ذلك والتصدي له، وقال: "إن الطريق ما
زال طويلاً أمامنا ويحتاج الى عمل إصلاحي تعبوي مستمر بالشكل الذي يضمن عدم العودة
الى الوراء".
القوات الأميركية سرقت أموال العراقيين
ينطر
الأميركي الى العراق بعد الانسحاب على أنه مصدر هام لتغذية الخزينة الأميركية عبر
عقود النفط وربط العراق باتفاقيات اقتصادية ملزمة، وينظر الى العراق على أنه أحد
حلفاء الولايات المتحدة وكقوة جيدة نسبياً في الشرق الأوسط، كما يقوم العراق بشراء
أسلحة أميركية بمقدار 12 مليار دولار، كذلك طلب باستمرار وجود قوات تدريب أميركية
في البلاد حتى العام القادم، والأميركي (يرى في العراق نموذجاً للشرق الأوسط، وأن
كل ذلك حدث لأن الولايات المتحدة غزت دولة).
لقد
سرقت القوات الأميركية أموال الشعب العراقي، والسلطات العراقية شكلت مؤخراً لجنة
خاصة لمتابعة اختفاء 17 مليار دولار من أموال صندوق إعادة إعمار العراق الذي تشرف
عليه سلطة الائتلاف المؤقتة برئاسة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر.
أقامت
القوات الأميركية في العراق "مشاريع وهمية" وإنجاز أمور كلها حبر على
ورق، وقالت مصادر عراقية، إن الولايات المتحدة بدأت التدخل لغلق ملفات الفساد،
ولكن لجنة النزاهة في البرلمان العراقي وجهت رسالة الى مكتب الأمم المتحدة في
العراق في 11 أيار الماضي وقالت اللجنة، إن مؤسسات الولايات المتحدة "قوات
الاحتلال" التي تعمل في العراق ارتكبت فساداً مالياً وسرقت أموال الشعب
العراقي التي كانت مخصصة للتنمية في العراق.
ولم
تكتف قوات الاحتلال بسرقة الأموال المخصصة للتنمية في العراق، بل قام الحاكم
المدني الأميركي في العراق بريمر والإدارة الأميركية بـ "إفساد السياسيين
العراقيين من خلال ضخ كميات كبيرة من الأموال والإنفاق على عقود بملايين الدولارات
لم ينتج عنها سوى الفساد"، وإن أبرز ما قام به بريمر لإفساد السياسيين
والرؤساء هو تخصيص رواتب عالية جداً لهم واختراع ما يسمى بالمنافع الاجتماعية لإفساد
العراقيين".
إن
آلية الصراع السياسي الداخلي القائم راهناً في البلاد سببها الاحتلال الأميركي
الذي يعمل لإدارة العملية السياسية حتى بعد رحيله المفترض، وهو الآن يحاول فتح
مسارات صغيرة لإضعاف تفاقمات الصراعات ومحاولة استخدامها منصة مؤقتة لمرحلة
انتقالية مطلوبة تشمل فترة الانسحاب العسكري الأميركي والبقاء السياسي له ولأعوانه
في الإقليم والعناصر المزكاة من النخب السياسية والمتنفذة في الحكومة.
السلطة
في المثال العراقي تعني تأمين سلطة تعني بالضبط تشييد الحد الأدنى من حكومة تحتكر
السلاح من أجل تصليب قوتها المركزية وفرض القانون ومنع الانفلات الاجتماعي
والسياسي ودحض فكرة عدم القدرة على تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد.
لا خوف
على العراق في المرحلة القادمة، لأن الجميع دخلوا من باب واحد وإدارة الصراع خلال
المرحلة السابقة تؤشر لخبرة كبيرة، وفي بلد النفط والمحاصصة السياسية، هناك حالة
انتظار لـ "القرار الدولي – الإقليمي" لإعادة تثبيت السكة للقطار
العراقي، وهنا تبدو حاجة العراق الى جواره وعمقه ونقصد سوريا وإيران ومنظومة
المقاومة في هذه الأمة.
أدهم
محمود