سرقة كردية – تركية مزدوجة لنفط العراق
تحالف مشبوه بين أنقرة وكردستان العراق تستهدف طهران وبغداد ودمشق
في زحمة الأحداث والنزاعات و"الثورات" يتم خلط الأوراق، تُسلّط الأضواء على الأزمة السورية ومشروع إيران النووي ويجري التعتيم عما يجري في مناطق أخرى من المنطقة، ويتم إهمال ملف كبير وهام قد يخلف أثراً لا يستهان به في جملة التطورات في منطقة الشرق الأوسط، فحكومة إقليم كردستان العراق وتركيا أبرمتا اتفاقاً تمُد بموجبه خطوط أنابيب تنقل النفط والغاز مباشرة الى تركيا، ومنها الى العالم، والى وقت قريب كان استثمار حكومة إقليم كردستان ثروتها من النفط والغاز رهن التصدير عبر خطوط الأنابيب التي تسيطر عليها الحكومة المركزية في بغداد، وكانت حكومة الإقليم قد أبرمت نحو 40 عقداً، على رغم اعتراض الحكومة المركزية، وردت بغداد على هذه الخطوات، وحظرت على الشركات المتعاملة مع كردستان المشاركة في مناقصات الحقول الكبيرة في جنوب العراق، وحجزت الأموال العائدة الى الشركات الأجنبية المشغلة لحقول الطاقة في الإقليم الكردي.
النزاع النفطي هو واحد من فصول قضية لا يستهان بأهميتها، الجدل مستمر ولم يحسم الى اليوم ذاك الصراع الدائر في تلك المنطقة الهامة في شمال العراق، لأن هناك عدة عوامل تضامرت للإبقاء على نوع من حالة عدم الاستقرار، وتأتي التطورات في عالمنا العربي لتكون أحد العوامل التي تؤجج الصراع على النفط والغاز والى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، والبعض يرى بأن هناك فرصة ذهبية لتحقيق المكاسب، أنقرة تحركت في الوقت المشبوه وهي تحاول اللعب على التناقضات وتلعب على أكثر الحبال اهتراءً.
وترغب حكومة إقليم كردستان كما تدعي الى تحقيق المزيد من الاستقلال والرغبة في الانعتاق السياسي والاقتصادي من قبضة الحكم المركزي بحجة الحصول على فرص متكافئة من الأرباح واستثمارات النفط والغاز العراقي تتناسب مع عدد سكان الإقليم الذي يبلغ نحو 17 % من مجموع سكان العراق، وواقع الحال يؤشر الى لعبة دولية تقودها الولايات المتحدة ودوائر الغرب الاستعماري.
بداية اضطر الأكراد في عام 2003 وبعد الاحتلال الأميركي للأراضي العراقية، الى القبول بالوقائع السياسية التي فرضها وجود الاحتلال ووافقوا على الانخراط في مشروع عراق موحد ينحو الى الفيدرالية، ويقيد سلطات بغداد دستورياً ويقر بالحكم الذاتي في إقليم كردستان، وفي ضوء الوقائع الجديدة والتطورات المتلاحقة في المنطقة وكثرة اللاعبين في هذه المنطقة، فإن رؤية بغداد الى مشروع العراق الموحد مختلفة، فرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي سعى الى إحياء دولة مركزية قوية تمسك بالمقاليد السياسية والاقتصادية والأمنية، ويرى المالكي أن عقود إقليم كردستان تقوّض الدولة العراقية، إذ تضعف الحكومة المركزية، وتخالف سياسات الطاقة المركزية، وتعبّد الطريق أمام استقلال إقليم كردستان وهذا ما يصيب العراق بالضرر في أكثر الأماكن تهديداً للأمن والسؤال، هل هناك سيناريو معين لمحاولة إضعاف العراق في هذا الوقت ومنعه من استرداد عافيته.
التباين بين رؤى الحكومة المركزية والحكومة الإقليمية قد يؤدي الى سلسلة من المشكلات مع دخول تركيا على خط المشاكل وتحاول الاستفادة القصوى وتحقيق مكاسب بعيدة المدى مستفيدة من اللحظة الراهنة، وانشغال المنطقة بأسرها بالأزمة السورية وحالة الخلل والوهن التي تصيب الجسد العربي.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من العراق في كانون الأول من العام الماضي بدأ الأكراد في الشمال وغيرهم من العراقيين ينظرون بعين الريبة تجاه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والهدف افتعال المشاكل وتنفيذ بعض الأجندات المشبوهة، ووجد هؤلاء ضالتهم أيضاً في الحراك الدائر في المنطقة، فوجهوا سهامهم صوب الحكومة المركزية.
المفصل الهام كان في مؤتمر الطاقة في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، حيث كشف وزير النفط في الإقليم، وهو يقف الى جانب نظيره التركي، عن مشروع قيد الإنشاء ينتهي في 2013 ويسمح بنقل مليون برميل من النفط يومياً من الآبار الواقعة تحت سيطرة الأكراد الى الموانئ والمصافي التركية، وعائدات عملية التصدير المباشر الى تركيا تصب في خزينة إقليم كردستان الذي سيقتطع حصته منها وإرسال الباقي الى بغداد كما يدعي، ضارباً بكل الالتزامات السابقة عرض الحائط وفي محاولة لتحقيق خطوة جديدة باتجاه الإنفصال.
ويفترض أن ينال الأكراد نحو 17 % من موازنة العراق، أي نحو 10 بلايين دولار سنوياً، وصفقة الطاقة مع تركيا تدر على خزينة الإقليم ثلاثة أضعاف حصتها السنوية من الموازنة، وتحررها من التزاماتها الاقتصادية تجاه الحكومة المركزية في بغداد وترسي نموذجاً مالياً يشد عود استقلال الإقليم الكردي ويفسج المجال أمام تشجيع تركي وأميركي وربما صهيوني حسب بعض المراقبين للقيام بخطوة ما تقود الى إضعاف الحكومة المركزية في بغداد.
وفي الصراع الدائر بين القوى الكبرى في العالم وحسابات الربح المتوقعة تحاول تركيا استيراد النقط من إقليم كردستان وتقليص كمية استيرادها النفط من إيران، وأنقرة تتوقع أن تغلق أبواب النظام المالي الأميركي إذا لم تنفذ ما يطلب منها.
عدم استيراد النفط من إيران، وفي الحالة الراهنة وكما يبدو، فإن كردستان العراق هو البديل الأمثل، والاتفاق مع الإقليم العراقي يعبّد الطريق أمام ارتقاء أنقرة محوراً دولياً لنقل الغاز والنفط الى أوروبا، وهذا ما سيزعج روسيا أيضاً، وتركيا اليوم تعول على دور الإقليم في تذليل عثرة "حزب العمال الكردستاني" وفي المساهمة في نزع مشروعية عملياته وتعبّد الطريق أمام حل سياسي أو كسب الوقت على أقل التقديرات.
إن تعاظم المنافسة بين أنقرة وطهران في المنطقة وسوريا، ساهم في التقارب التركي مع كردستان العرق، وتدور الحرب الباردة بين البلدين على الجبهة السورية والجبهة العراقية.
وليس صدفة أن تتعاظم حدة الاتهامات بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس الوزراء التركي أردوغان ويبدو التحالف بين أنقرة وكردستان العراق بات حيوياً بعد تدهور العلاقات بين سوريا وتركيا بعد محاولة الأخيرة التدخل في الشأن السوري وتأمين المأوى للعصابات الإجرامية تحت حجة الدفاع عن "المعارضة السورية".
ويرى خبراء كثر، أن التقارب التركي – الكردستاني العراقي هو ثمرة أعوام من المفاوضات والمناقشات شارك فيها أردوغان عن كثب والاتفاق هو فاتحة حلف راسخ، والهدف خلق بؤرة جديدة للصراع في تلك المنطقة تسمح للدول الطامعة بالتدخل بحجج وذرائع واهية مثل الدفاع عن حقوق الإنسان وحق تقرير المصير والديمقراطية بينما الحقيقة هي خلط الأوراق هناك والسيطرة على تلك المنطقة الهامة.
إن إعلان الحكومة التركية، البدء باستيراد النفط الخام بواسطة الشاحنات من إقليم كردستان، أثار الحكومة المركزية في بغداد، التي اعتبرت ذلك تعدياً على الدستور العراقي، ووجهت اتهامات الى تركيا بالمساهمة في تهريب النفط من إقليم كردستان.
وأفاد نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، أن موافقة تركيا على استيراد النفط الخام من إقليم كردستان ستضر بالعلاقات الثنائية، وخاصة الاقتصادية بين البلدين، وأكد أن عدم تسليم إقليم كردستان النفط الخام الى الحكومة الاتحادية، تسبب بخسارة ثمانية بلايين و500 مليون دولار، وبلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا عام 2011 أكثر من 14 بليون دولار، وسط توقعات بأن ترتفع نهاية هذا العام الى 20 بليون دولار.
كل هذه المزايا لم تقنع أنقرة، فهي جزء من منظومة حلف الأطلسي والحسابات الآن هي حسابات استراتيجية، ومن هنا فإن تركيا الآن تتحوّل الى أداة فاشلة بيد الولايات المتحدة ودول الغرب الاستعماري...
والصراع مستمر!
أدهم محمود