نتائج الانتخابات التونسية ما بين الواقع والتطلعات
فوز النهضة لن يوقف نهضة تونس
فاز
حزب النهضة الإسلامي التونسي في الانتخابات التي جرت يوم 23/10/2011 وفاز فيها بـ 90
مقعداً من أصل 217 مقعداً للجمعية التأسيسية متقدماً على مجموع ما حصلت عليه الأحزاب
الليبرالية واليسارية الأربعة، التي لم تحصل على أكثر من 73 مقعداً، وفاجأ حزب
النهضة المسؤولين التونسيين انفسهم، لا سيما رئيس الوزراء الحالي الباجي السبسي
الذي كان قد صرح بان الحزب لن يحصل على اكثر من 20 في المئة.
هذه
النتائج وضعت حزب النهضة في قلب أول تجربة من نوعها في التاريخ العربي المعاصر،
ولم يكن فوز النهضة بهذه النسبة العالية هو المفاجأة الوحيدة، (فقدت فازت في
الانتخابات 49 امرأة و42 منهن على لائحة حزب النهضة)، والإقبال على التصويت تجاوز
80 في المئة، والمفاجأة الأخرى تمثلت في التقدم النسبي لتيارات الاعتدال العلماني
واليساري، ويرمز للأول حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بزعامة الدكتور المنصف
المرزوقي الذي حصل على 30 مقعداً كما مثل الثاني حزب التكتل من أجل العمل والحريات
بزعامة الدكتور مصطفى بن جعفر الذي حصل على 21 مقعداً، وحصل حزب العريضة الشعبية
على 19 مقعداً، ولكن لجنة الانتخابات استبعدته بعدما تبينت علاقته بحزب الرئيس بن
علي المنحل "التجمع الدستوري" وكانت المفاجأة في تدني عدد المقاعد التي
حصل عليها الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يقوده أحمد نجيب الشبابي، إذ فاز بـ 17
مقعداً، أما الحزب الديمقراطي الحداثي فلم يحصل إلا على 5 مقاعد فقط وحزب العمل
الشيوعي حصل على 3 مقاعد.
ما الذي تعنيه نتائج الانتخابات؟
لقد
صوتت الجماهير التونسية للاعتدال بشقيه الإسلامي والعلماني، ذلك أن تونس يحكمها
منذ الاستقلال عام 1956 نظام علماني متشدد، لم يقف عند حد محاربة مظاهر التدين وإغلاق
جامعة الزيتونة، وإنما عمد النظام التونسي الى ملاحقة الحركات الإسلامية، الأمر
الذي اضطر البعض للنزوح خارج البلاد، وهذه الأجواء لم تتغير كثيراً بعد ثورة 14
يناير، وعديدة هي أوجه التشابه بين الحالتين التونسية والمصرية، حيث الثورة
السلمية نجحت في البلدين، الجيش في مصر انحاز الى الثورة وشكل مجلساً عسكرياً لإدارة
البلاد ولكنه وقف محايداً في تونس وتولى السلطة بعد رئيس مجلس النواب طبقاً
للدستور.
وفي
تونس سلكوا بعد الثورة النهج نفسه الذي اتبعوه بعد إعلان الاستقلال عام 1956
فقرروا أولاً انتخاب جمعية تأسيسية تمثل القوى الحية في المجتمع لتتولى تعيين
الرئيس وتشكيل الحكومة وإصدار القوانين ووضع الدستور الجديد.
ويسلم
بعض قياديي حزب النهضية الإسلامي الفائز بأنه لم يبدأ من فراغ، من منطلق أن
التجربة التركية ستكون أساس تعاطيه السياسي مع مختلف الملفات، ولكنهم يعلنون بأنهم
سيكونون عامل بناء سياسي لا عامل هدم، وأن تجربتهم ستكون رائدة، وأنهم يبنون أملاً
على الشراكة التي تجمعهم مع أحزاب صاحبة رؤى متقاطعة.
نتائج
الانتخابات التونسية هي الأولى في الأحداث العربية التي خلقت انطباعاً عاماً بأن
المستقبل القريب قد يكشف عن تقدم واضح للحركات الإسلامية التي تدعمها الولايات
المتحدة الأميركية والدول الغربية، ومثل هذه الحركات ستكون مقطوعة الصلة بالإسلام
الجهادي، ودليل ذلك التسابق بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزيرة خارجيته من أجل
الترويج لهذه الحركات، ويتم الترويج لفوز الإسلاميين المعتدلين، في الانتخابات عبر
بيانات رسمية لدول غربية عديدة.
إن
موجة الترحيب الدولي بفوز حزب النهضة الإسلامي لا تتعامل مع تاريخه النضالي بل هي
تفترض أن فترة زمنية من النفي وإعادة التثقيف والتعرف الى ديمقراطية الغرب، كانت
كافية لتدجينه بحيث يغادر التطرف الى الديمقراطية، أي على حساب وطنيته وعروبته
وقضايا أمته، ولذلك لم نسمع كلمة "العروبة" تنطلق بها حناجر الجماهير
الثائرة لتؤكّد حتمية التلاقي، ولم نرى أعلام العروبة ترفرف في الميادين ومن
الملاحظ أن فلسطين كانت غائبة عن أفكار الثوار وعن أجهزة التواصل الالكتروني فيما
بينهم.
لقد لعب
المال دوره في المعركة الانتخابية (رصدت النهضة 30 مليون دولار) وبعد التفسير نجده
في قانون الانتخابات، الذي اعتمد الدائرة النسبية، ولم يعتمد تونس دائرة واحدة،
مما حرم الأحزاب الصغيرة (في معظمها يسارية وليبرالية) من الأصوات التي لم تصل الى
عتبة الحسم.
وبينما
التقطت النهضية الحلقة المركزية في هموم الشباب، وركزت على الجانب الاقتصادي لتقدم
إجابات لمسألة البطالة والتخلف وغياب التنمية المتوازنة جهوياً واجتماعياً، وراشد
الغنوشي ذهب الى أبعد من ذلك حيث زعم أن تجربة رجب طيب أردوغان هي التطبيق العملي
لأفكار "النهضة" وإذا كان التلميذ (أردوغان) قد نجح في صنع ما صنعه
(اقتصاد متنوع من سياحة وصناعة وزراعة ونمو وازدهار وموقع إقليمي لبلاده) فكيف
سيكون عليه الحال حين يتولى إدارة الدفة المعلم نفسه؟.
إن
وصول حزب "النهضة" الى موقع متقدم في المشهد السياسي التونسي هو مرحلة،
وفوز النهضة في تونس لن يوقف نهضتها، وستليها مراحل عدة، لدى القوى السياسية
المختلفة القدرة على التأثير إذا استفادت من تجاربها السابقة وراجعت حساباتها.
ما
يمكن قوله: لقد تمّ الاتفاق بين أطراف التحالف الثلاثي الذي يحظى بغالبية المقاعد
في المجلس التأسيسي، بعد التوافق على تنظيم السلطات، وتشكيل حكومة ائتلافية تعد
لانتخابات بعد مدة لا تتجاوز السنة، إضافة لتوزيع المناصب الرئاسية الثلاثة بين
أحزاب "النهضة" و"المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل
الديمقراطي من أجل العمل والحريات" واتفق ممثلو الأحزاب الثلاثة على
"مقترح" مشروع يتعلق بالتنظيم المؤقت للسلطات العمومية في المرحلة
المقبلة ويتمّ عرضه على المجلس التأسيسي على أن يتولى زعيم "التكتل"
مصطفى بن جعفر رئاسة المجلس التأسيسي، وزعيم "المؤتمر" منصف المرزوقي
لرئاسة الجمهورية، والأمين العام "للنهضة" حمادي الجبالي لرئاسة
الحكومة، ومن أهداف الحكومة الائتلافية تحقيق أهداف الثورة وفي مقدمة أولوياتها
القضايا العاجلة وإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وأن ينجز المجلس التأسيسي
دستوراً جديداً خلال عام.
أدهم محمود