نتائج الانتخابات العراقية تفكّك التكتلات الطائفية والعرقية
والمعركة الآن تحالفات لتشكيل الحكومة
العراق ما زال محتلاً وبنيه متفرقون، وهو في أقسى أيام محنته الوطنية وشعبه المقسم، بالأمر يستدعى الى صناديق الاقتراع لينتخب نوابه لمرحلة ما بعد الاحتلال كما أشاعوا، وما يجري بإشراف القوات الأميركية وتحت رعايتها المباشرة سياسياً وأمنياً وعسكرياً، وإن استُخدمت الأجهزة الأمنية العراقية وأبقيت في الواجهة، حرصاً على شكليات السيادة ولتأكيد الديمقراطية في العملية الانتخابية.وبعد الانتخابات سيكون المسار السياسي العراقي حاسماً بالنسبة لخطط الرئيس الأميركي باراك أوباما لخفض مستويات قوات الاحتلال الى حوالي خمسين ألفاً في آب المقبل كمقدمة لسحبها بحلول نهاية 2011. القوات الأميركية بقيت في الخلفية لتبرير صورة المشهد أولاً وثانياً لتخفيف الكلفة ولإعطاء مؤشر يُظهر تراجع الدور الأميركي في العراق، وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما "أكنّ احتراماً عظيماً لملايين العراقيين الذين رفضوا الإذعان لأعمال العنف والذين مارسوا حقهم في التصويت، وأن مشاركتهم تظهر أن الشعب العراقي قد اختار أن يصوغ مستقبله من خلال العملية السياسية".ودعي حوالي 19 مليون ناخب لاختيار برلمان مكون من 325 نائباً لمدة أربع سنوات، وفي يوم الاقتراع السابع من آذار 2010، انتشر مئات الالآف من عناصر الشرطة والجيش لحماية 46 ألف مكتب اقتراع ويتنافس 6200 مرشح من 165 كياناً سياسياً ينتمون الى 12 ائتلافاً على المقاعد النيابية، كما أغلقت مكاتب الاقتراع في 16 دولة أجنبية وعربية بينها لبنان وسورية بعدما أتمت عملية الاقتراع.وتشير الأرقام الى نسبة مشاركة عالية في كافة المناطق تجاوزت 62% من عدد الناخبين في عموم البلاد.الانتخابات في جوهرها، هي ضبط للعنف وتحويل التناقضات من حلبة التناحر الى ساحة التنافس، وفي العراق خصوصية لا مثيل لها، الاحتلال يتواصل، بعد أن دمر دولة وما يحيط بها من مؤسسات وأجهزة مدنية وعسكرية، وخلف بلد برمته نهباً للخراب والفوضى والعنف الأعمى. ويمكن فهم تلوث هذه اللعبة من خلال قراءة الواقع بشكل موضوعي، وفي ظل الاحتلال، والعصي على الفهم لدى الكثيرين، ومزاعم الحرص على الدستور وهو مفصّل على مقياس كل النخب، والسؤال الذي يتكرر، ما الذي يخيف التكتل الحاكم والذي تجري العملية الانتخابية تحت سيطرته ورقابته، بما في ذلك غربلة المرشحين، من الاحتكام الى صناديق الانتخابات على نحو حيادي نزيه وخاضع للقانون الذي وضعه هو؟ وأليس العودة الى جذر المسألة أمراً بالغ الأهمية، وتوافق ما بعد الاحتلال "المتعاونون معه طوعاً أو كرهاً" هو اتفاق عملي، من حيث المصلحة النهائية، على إضعاف العراق ودوره الإقليمي، أيا كان المسمى، وقد تراوح ذلك بين زعزعة وحدته الجغرافية والبشرية وصولاً الى تقسيمه على أسس مذهبية إثنية.وبالعودة الى الانتخابات السابقة التي جرت في العام 2005 وما أفرزته، وأربع سنوات لم تقدم أي مؤشر إيجابي، تمّ مصادرة تطلعات الناس وحاجاتهم الحيوية، بل مصالحهم، وهنا يمكن الرعب الصارخ لأولئك الأوصياء، ولا يمكن فهم التحكم بصناديق الاقتراع تحت أي ذريعة إلا بوصفه، احتكاراً للسلطة، أي تدميراً للدولة، جوهر الديمقراطية فصل مؤسسات الدولة عن السلطة، عدا ذلك ستكون مجرد وسيلة وآلية لإعادة إنتاج التسلط والاستبداد.وقد يرى البعض في إنجاز الانتخابات شهادة تزكية للاحتلال الأميركي، لكنها في حقيقة الأمر تعكس تشوق العراقيين الى العودة الى حياة طبيعية، كشعب واحد، حاضره واحد، ومستقبله واحد، ومصيره واحد، وإن تعددت الأديان والطوائف والعناصر المكونة لبلاده التاريخية.وحتى مواجهة الاحتلال والتحرر منه يحتاجان الى هذه الوحدة كشرط لا بديل عنه، فلا يمكّن الاحتلال ويديمه إلاّ الاختلاف الداخلي الذي يسهل إخراجه من ميدان الصراع السياسي الى الاقتتال الأهلي عبر تحوير طبيعته ليصير صراعاً بين الطوائف والمذاهب والعناصر على السلطة ومواقع القرار فيها. خريطة التحالفات
تدخل العملية السياسية في العراق مرحلة نوعية جديدة مفتوحة على كافة الاحتمالات، ويتوقع البعض أن تقود الى فراغ سياسي ودستوري، والمشهد يمكن معاينته في المؤسسات الناشئة ذات القابلية للاختراقات وخاصة في غياب المصالحة الوطنية، الأمر الذي يترجم في أن كل طرف يسعى الى تقديم التنازلات لسلطات الاحتلال بما يغري ويدفعها الى مساندته في محاولته الحصول على نصيب أكبر من السلطة، والصراع يدور حول الملفات الأمنية بقدر ما يدور حول مستقبل السلطة في المحافظات ذات النقاء السكاني، أي المحافظات الشمالية والجنوبية ومحافظات الوسط، ولذلك فالعملية السياسية في ظل الاحتلال هشة للغاية والاحتلال يمسك بجميع خيوط اللعبة، والسؤال كيف يمكن توصيف الخريطة الانتخابية في ضوء هذه التوزعات؟هناك أولاً: الائتلاف الوطني العراقي، وهو وارث الائتلاف العراقي الموحد، الذي كان يهيمن على الحكومة منذ انتخابات كانون الأول 2005، والفارق الرئيسي هو أن حزب الدعوة ليس جزءاً من الائتلاف، في أعقاب قرار رئيس الوزراء نوري المالكي تشكيل ائتلافه "دولة القانون"، ومع ذلك لاتزال احتمالات التكامل بين الائتلافين قائمة ولا سيما بعد الانتخابات وحسابات المصالح المشتركة.وهناك ائتلاف "دولة القانون"، وهو تجسيد لاستراتيجية رئيس الوزراء نوري المالكي في إعادة صياغة نفسه بصفته زعيماً علمانياً وطنياً يمثل كل العراق، وقد نجحت الاستراتيجية بالنسبة الى المالكي في انتخابات العام 2009 المحلية، لكن فرص نجاح التحالف على الصعيد الوطني غير مؤكدة بعد لاعتبارات عديدة، ويبدو هذا الائتلاف غير متوازن ويهمين عليه المالكي.وثالثاً: "الحركة الوطنية العراقية"، هذه الحركة تعتبر نفسها الحركة السياسية العلمانية الكبيرة غير الطائفية في العراق، وفي الواقع، تقوم الحركة على تحالف من شخصيات سياسية قوية، بدلاً من الاعتماد على قوة آلة سياسية لجذب الناخبين، ويشكّل إياد علاوي والقائمة العراقية الوطنية التابعة والجبهة العراقية للحوار "صالح المطلك" وحزب التجديد "طارق الهاشمي" جوهر التحالف.ولا بد من الإشارة الى أن الرهان كبير على إياد علاوي لتولي رئاسة الحكومة العراقية المقبلة.وهناك رابعاً: جبهة التوافق العراقي وهي اسم وارث "جبهة التوافق العراقية"، أو التوافق، الذي يصف نفسه تحالفاً علمانياً، رغم الحقيقة القائلة بأن العنصر الرئيسي فيه هو الحزب الإسلامي العراقي، وأبرز وجوه هذا التوافق أسامة التكريتي وإياد السامرائي.وخامساً: "ائتلاف وحدة العراق"، وهو تجمع غير طائفي من الأحزاب والأفراد الذين يطرحون أنفسهم على أنهم من الوطنيين العلمانيين، والأعضاء الرئيسيون في الائتلاف هم وزير الداخلية جواد البولاني وأحمد أبو ريشة.وهناك سادساً: "الأحزاب والتجمعات الكردية": هذه الأحزاب لم تبد أي رغبة في الانضمام الى تحالفات غير طائفية في انتخابات العام 2010 البرلمانية، وعلى عكس كل تجمع انتخابي آخر، لا يسعى الأكراد الى إقامة واجهة متعددة الأعراق والمذاهب، وثمة ثلاثة أحزاب كردية رئيسية هي: الحزب الديمقراطي الكردستاني "مسعود البرزاني" وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني "جلال طالباني"، ويشكّل الحزبان معاً التحالف الوطني الديمقراطي الكردستاني ولهما تمثيل في البرلمان العراقي، كما أنهما يسيطران على حكومة كردستان المحلية، وهناك الحركة من أجل التغيير كردستان العراق "نوشراون مصطفى"، لكن المراقبين يفترضون أنها ستتعاون معهما في وقت لاحق من أجل الحفاظ على صوت كردي قوي في السياسية الوطنية.ويمكن القول، أن هناك 165 كياناً سياسياً عراقياً خاضت المعركة من خلال قائمة أو ائتلاف، و55 منفردة من دون أي تحالف مع حزب آخر، والفترة التي سبقت الانتخابات كانت صعبة، والفترة التي تليها قد تكون أصعب.وأهمية انتخابات 2010، هي مفصلية لأسباب عديدة، أولها أنها ستكون آخر الانتخابات في ظل الاحتلال الأميركي المباشر، وثانيها أنها ستحدد ملمحاً من ملامح وجوه المنطقة، بما أنها ستحكم مصير دولة تتقاطع فيها مصالح دول الجوار والغرب والشرق، وثالثها أن الانسحاب الأميركي النهائي المقرر من العراق في أواخر 2011 سيحسم من ناحية الشريك العراقي الذي سيؤلف الحكومة المقبلة، وتنفيذ البنود الأخرى من الاتفاقية الأمنية الأميركية – العراقية "صوفا" التي دخلت حيز التنفيذ فور التصديق عليها من خلال انسحاب قوات الاحتلال من المدن العراقية في حزيران الماضي وتطبيق الولاية القانونية على الجنود الأميركيين.مترتبات الانتخابات العراقية التي جرت في 7 آذار 2010 كانت كبيرة وحاسمة على العراقيين والسياسة الأميركية، ولعل أبرزها تشكيل حكومة جديدة، ويبدو أن نتائج الانتخابات لن تذلل العنف، وإذا انزلق العراق الى دوامة جديدة، سيجد باراك أوباما نفسه أمام تحدٍّ جديد وأقله الإخلال بالالتزام الذي قطعه خلال حملته الانتخابية، إنهاء الحرب في العراق والى الإبقاء على عشرات ألاف الجنود في العراق في الأعوام القادمة.ومن جانبها اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الانتخابات العراقية بأنها اختبار حقيقي لمستقبل العراق والمالكي معاً، واستبعدت نجاح المالكي في ولاية ثانية لأسباب عزتها الى فشل المالكي في بناء تحالف سياسي كبير يمثل جميع الأطياف والعرقيات ومثل هذه الفكرة وجدت طريقها لدى أكبر منافسيه إياد علاوي التي نفّذها.وتشير الصحيفة أيضاً الى أن المالكي، باعتباره رئيساً للحكومة يواجه انتقادات بسبب جملة من أوجه القصور الحكومية مثل الافتقار الى التنمية والوظائف وتفشي الفقر والفساد.أما منافسة إياد علاوي الذي لم يكن غائباً عن الانتخابات الماضية، لكن حضوره اليوم يبدو أقوى بكثير، بعد مروحة التحالفات التي ألفها تحت مظلة قائمة "العراقية"، التي تسعى الى طرح فكر ليبرالي غير طائفي، وتحظى بفرص مرتفعة جداً للمنافسة على رئاسة الحكومة بعد النتائج الباهرة التي حققتها في الانتخابات والتي توازي حظوظ المالكي في الحسابات الموضوعية، وتتفوق عليه في المزايا التي يتمتع بها الرجل، بسبب علاقته الوثيقة بلندن وواشنطن وصناع القرار في العاصمتين الغربيتين، وعلاوي استطاع جمع أكبر الأسماء العراقية في لائحته، ووقف ضد قرار منع بعض مرشحي لائحته من الترشيح، ويعد ائتلافه "العراقية" رقماً صعباً في المعادلة السياسية العراقية الجديدة، وأعضاء كتلة هم الأكثر انسجاماً، ويحاولون الابتعاد عن النهج الطائفي، ويطرحون بجرأة كلمة "علمانية" بعد انحسار المد الديني السياسي نسبياً.إن معظم التوقعات لا تتفق على اسم رئيس الحكومة المقبل في العراق، ولكنها تتفق في أغلبيتها على أن المالكي لن يعود ثانية الى سدة رئاسة الحكومة في بغداد، فالكل في العراق يراهن على مشهد سياسي مختلف، وبأن الكثير من الوجوه السياسية التي قدر لها أن تملأ الشاشات في الأعوام الماضية ستختفي وتنطفئ ولا سيما وأن فرصة المحاسبة أمام الناخب العراقي متاحة وأن من خلال نافذة القائمة المفتوحة، إضافة الى أن المرحلة ستفرض على الجميع الدخول في تحالفات بعد أن ظهرت نتائج الانتخابات. إن غياب كتلة نيابية تحظى بغالبية واضحة في العراق أو تساوي نتائج الانتخابات لكتلتين سيفرض تحالفات ويطيل فترة تأليف حكومة جديدة، الأمر الذي سيساهم في تعقيد الأمور بدرجة كبيرة.إن عدم وجود كتلة قادرة على تحقيق غالبية الثلثين 216 مقعداً من أصل 325 مقعداً في مجلس النواب، واللازمة لتأليف الحكومة، الأمر الذي يعني أن الكتلة المكلفة بتأليف الحكومة ستكون بحاجة ماسة الى التحالف مع كتلتين إضافيتين على أقل تقدير لتأليف الحكومة في ظل التعقيد القائم في علاقات مختلف الكتل، مما يعزز توقعات امتداد فترة تأليف الحكومة ستة أشهر أو أكثر، وتالياً مساهمة ذلك في تعريض البلاد الى تحديات خطيرة.ويتيح الدستور العراقي للكتلة أو الائتلاف الفائز بأكبر عدد من المقاعد تأليف الحكومة، وهنا يمكن القول، ليس أمام المالكي أو علاوي سوى السعي الى التحالف مع كتلتين لضمان تمرير التصويت على رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، وهذا يعني أن أفضل خيارات المالكي ستكون غاية في المرارة، ذلك أنه سيكون مضطراً للانفتاح على بقية الكتل، أما علاوي فلديه فرص أكبر بسبب نجاحه في إقامة علاقات متوازنة مع الجميع ولو حاول ائتلاف المالكي "دولة القانون" مثلاً، التحالف مع شركائه السابقين في الائتلاف الوطني العراقي، لواجهته معضلة منصب رئاسة الوزراء الذي تصر قوى داخل الائتلاف العراقي وخصوصاً الكتلة الصدرية على حرمان المالكي إياه.أما تحالف المالكي مع القائمة "العراقية" بزعامة علاوي، فالأمر لا يقل تعقيداً عن التحالف مع الائتلاف الوطني.
ما الذي يميّز قائمة "العراقية"؟
إن هذه القائمة تمثل أقرب قائمة الى الوصفة العربية، بمعنى أنها قائمة تناسب تمنيات المحيط العربي بسبب أنها تجمع شخصيات من طوائف متعددة، وهذه القائمة ستتمسك بحقها في رئاسة الوزراء وهي تعتقد أنها ستخلص البلاد من حكم الأحزاب الدينية، والتخلص من شبح إقامة حكومة إسلامية وعودة العراق الى محيطه العربي، وهذه الأسباب وغيرها مجتمعة توحي بصعوبة التوصل الى اتفاق تأليف الحكومة المقبلة بيسر وسهولة. الموقف التفاوضي للأكراد
ربما تلجأ قائمة "العراقية" بزعامة علاوي أو ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي الى التحالف مع الأكراد في حال تعثر الحل أمامها لتأليف الحكومة، ويبدو أن الموقف الأكثر خدمة للأكراد هو أن يظهروا أنفسهم حليفاً مناسباً لجميع الائتلافات العربية.وموقف التفاوض للأكراد هذه المرة أضعف بكثير من موقفهم في الدورة الانتخابية السابقة وهم لا يمثلون بيضة القبان هذه المرة كما كانوا في المعادلة السياسية العراقية في السابق، لأن مجموع أصوات الأكراد لن يمكنهم من احتلال المركز الثاني كما حصل في انتخابات 2005 (رصيد 54 من أصل 275) بعد الائتلاف الوطني الموحد الذي حصل آنذاك على 154 مقعداً في حينه، الأمر الذي يعني أن موقفهم التفاوضي سيكون أضعف بكثير من الماضي، وفي حال اتفاق القوى العربية على حرمان الأكراد منصب رئاسة الجمهورية فإنها قادرة بذلك بسهولة هذه المرة بخلاف المرة السابقة. هل من فرصة أمام المالكي؟
السؤال هل من فرصة أمام المالكي لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة؟ تظهر النتائج أنه قد تتاح لرئيس الوزراء نوري المالكي الفرصة لتشكيل حكومة جديدة لكن هذا الاحتمال أمامه عقبات عدة ومساومات في ظل انقسام المشهد السياسي العراقي والذي يرجح تزايد حدة الانقسامات.وكان المالكي قد بنى حملته الانتخابية لولاية ثانية جزئياً على تحسن الأوضاع الأمنية بعد أعمال العنف الطائفية التي عصفت بالبلاد بين عامي 2006 و 2007 وعلى خطط لإعادة الإعمار تمول من صفقات نفطية وقعتها حكومته مع مؤسسات أجنبية للاستفادة من ثروة العراق النفطية الهائلة، وهذه الخطوة كان لها أثر إيجابي عند الكثير من الناخبين، إلاّ أن دعم المالكي لخطوة اتخذت قبل الانتخابات لمنع مئات المرشحين من خوضها ومستخدماً حجج وذرائع لا تمت للواقع الحالي بصلة، جعل الكثير من العراقيين ينظرون إليه بارتياب كبير، ومن الواضح أن حملة اجتثاث البعث قللت من قدرته على السمو فوق الطائفية والتصرف كزعيم وطني، وتكهن توبي دودج خبير الشؤون العراقية في جامعة كوني ماري في لندن بأن يعول المالكي على دعم حلفائه السابقين لتشكيل ائتلاف يتيح له البقاء في الحكم وليس على شكل من أشكال القومية التي تنضوي تحت لوائها طوائف مختلفة. حقائق أساسية فرضتها نتائج الانتخابات
السجال السياسي في العراق مازال مستمراً منذ العام 2003 حول أطر الدولة العراقية التي وقعت تحت الاحتلال الأميركي، والانتخابات التي جرت في السابع من آذار 2010 أفرزت 4 كتل سياسية شاركت في التأسيس للعملية السياسية العراقية.وهذه الانتخابات عكست نمطاً مختلفاً من الاستقطاب الطائفي لمصلحة تفتيت القوى التي ارتكزت على المنظومة المذهبية والقومية في التأسيس لوجودها، والإشكالية الجديدة هي استحالة الموازنة بين ضمان التمثيل الطائفي وإنهاء المحاصصة الطائفية، وبالتالي فإن الدفع مجدداً الى حضن المحاصصة، يمكن وصفه بفشل الطبقة السياسية العراقية في إدراك قيمة الرسالة التي وجهها العراقيون يوم السابع من آذار.وإذا تركنا جانباً الحسابات حول عدد مقاعد كل كتلة فإن حقائق أساسية فرضتها النتائج على الواقع السياسي، وهناك غالبية كبيرة من سنة العراق انتخبوا إياد علاوي (الشيعي العلماني) آملا في التغيير السياسي، فيما غاب رئيس الحكومة الحالي نور المالكي عن المدن السنية على رغم أنه خاض الانتخابات فيها بمرشحين سنّة، وهنا لا بدّ من قراءة هذه النتيجة بإمعان ومن زاوية أكثر مسؤولية تظهر عجز الطبقات السياسية العراقية عن إنتاج التغيير، وهذا يوضح تجسيد الهوة بين الخيارات السياسية يجب أن يتم على أساس البرامج لا الانتماءات الإثنية والطائفية.ومن هنا يبدو منطقياً، أن تكون مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية شاقة، وأن تنتج تداعيات ارتدادية في ضوء غياب التوافق على شكل الحكم، ووصف الدولة باعتبارها دولة مواطنة أم دولة مكونات.سيناريوات تشكيل الحكومة الجديدة
يتكون البرلمان العراقي من 325 مقعداً، وسيكون عل البرلمان العراقي المقبل اختيار رئيس البرلمان ونائبيه ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحكومة، وجرى اختيار هذا النظام في عام 2006 حيث استمرت مفاوضات تشكيل الحكومة شهوراً عدة، وكانت تحتاج الى صفقة متكاملة لاختيار جميع تلك المناصب دفعة واحدة، بأسلوب تقاسم المناصب بين المكونات ما يشمل المناصب السيادية ثم الوزارات السيادية ثم الوزارات غير السيادية، وتحتاج تلك الصفقة اليوم الى غالبية من أعضاء البرلمان يمثلون ثلثيه.والغالبية المطلوبة بحسب النتائج تتطلب تحالف ثلاث قوى رئيسية على الأقل واجتذاب عدد من الشخصيات والأحزاب الصغيرة مع دفع القوة الرابعة الى المعارضة، أو تحالف القوى الأربع الكبيرة ودفع القوى الصغيرة الى المعارضة.وفي هذه الانتخابات على اللاعبين الكبار مواجهة التحدي الذي طُرِح عبر انتخاب إياد علاوي (شيعي – زعيماً للسنّة)والخيار الأقرب هو إعادة إنتاج سيناريو الحكم في عام 2006 هو تفتيت الكتلة "العراقية"، من الداخل واجتذاب القادة السنّة فيها الى تأسيس جبهة سنية داعمة ودفع المتبقي من كتلة علاوي والأحزاب الصغيرة الى المعارضة، ومثل هذا الخيار يبدو متاحاً نظرياً لكنه صعب التحقيق، وهو يعني تنصل المالكي من تعهداته بعدم الاشتراك في حكومة محاصصة، وقائمة "دولة القانون" التي توصف بأكثر تماسكاً، هي في واقعها من الكتل الهشة أيضا فهي لا تستطيع التماسك إلا في الحكم، لأنها تعتمد على "حزب الدعوة" كدائرة مغلقة يقف في قمتها المالكي شخصياً وعشرات الشخصيات التي لا يجمع الكثير منها بـ "الدعوة" رابط إيديولوجي ويسهل تنقلها بين الكتل.السيناريوهات الأخرى المطروحة التي تدفع مرة بالمالكي الى المعارضة ومرة بتحالف القوى الشيعية أو بالأكراد وجميعها تدور في الحلقة ذاتها، لكونها تتم وفق إشكالية في صميم فلسفة الاتفاق على الأسس في العراق، ما يفتح المجال لتخصيب دعوات تحويل مدن الجنوب الى إقليم للشيعة والشمال والغرب إقليم للسنّة على وقع الإحساس بالإقصاء السياسي.أما خيار تشكيل "حكومة وحدة وطنية" واسعة تبدو كأنها خيار أكثر أمناً، لكن مثل هذه الحكومة ستقوم على إشكالية كبيرة من التمثيل السياسي للمكونات وجود ممثلين للشيعة وممثل شيعي للسنّة "إياد علاوي".ومع معضلة التمثيل في خيار "حكومة الوحدة الوطنية"، يتم التداول على نطاق بعض النخب السياسية في إحياء مشروع حكومة التكنوقراط ومجلس الأمن السياسي، ومثل هذا الطرح يبدو بعيداً عن الواقعية السياسية كونه يطرح حكومة بلا تمثيل برلماني وحزبي يدعمها، ومثل هذا يحتاج الى اتفاق سياسي واسع النطاق غير متوافر في ظل تحديات داخلية خطيرة مثل تعديل الدستور ومشكلة كركوك وتوزيع النفط ومستقبل الأقاليم الفيدرالية. أدهم محمود