ربيع الأعراب وياسمين دمشق
تعيش سوريا هذه الأيام فصول أحداثٍ لم تعرف المنطقة لها
مثيل. المشاهد التمهيدية بدأت في تونس ومصر وسقط المشهدين المذكورين كل من بن علي
واللامبارك... وللوهلة الأولى صفقنا جميعاً للحدث واستبشرنا خيراً في ما أسموه
الربيع العربي! وما هي إلا أشهر قليلة حتى بدأنا نعيد قراءتنا للأمور: هل أن ما
جرى في تونس ومصر ثورة حقيقية؟ أم انقلاب على النظام؟!
لم نستعجل إطلاق الأحكام المبرمة للإجابة على التساؤلات
السابقة، فدماء الشهداء التي أُريقت في البلدين غالية علينا وهي بكل تأكيد لم تُرق
عبثاً وقد أثمرت سقوطاً مدوياً للطاغيتين، لكن تقييمنا لما جرى أن أحلام الشباب
حوصرت مبكراً مما حال بينهم وبين استكمال رسالتهم التي آمنوا بها ووطدّوا نفوسهم
على حملها مهما غَلَت التضحيات، وما توالي الصيحات في البلدين مطالبة الشباب
بالعودة الى أعمالهم وترك ميادين السياسة لأصحابها إلا وجه من وجوه هذا الحصار
الذي توجته الانتخابات التشريعية في تونس ومصر بخروج الشباب منهما كما كان متوقعاً
ولسان حالهم يقول:
تأبى الرجولة أن نمُد جسومنا جسراً فقل لشيوخنا أن يعبروا
عاد شيوخ السياسة وأساتذتها بعد أن غابوا أو غُيّبوا لسنوات
طويلة عن دهاليز السياسة وكراسي الحكم وأُقصِي شباب التغيير في البلدين عن
المشاركة في صنع القرار الذي استشهدوا وعُذّبوا من أجله، وها هم يعودون من جديد
ليطلبوا ممن اعتلى سدة الحكم بأسمهم استكمال الثورة وعملية التغيير رغم اقتناعهم
أن التغيير الذي فشلوا هم في تحقيقه لن يكون سهلاً على شيوخ السياسة تبنّيه
والاستمرار فيه نظراً للفجوة الواسعة بين الطرفين لجهة الطموحات والأحلام
المختلفة. هذه حقيقة ما جرى في تونس ومصر وهي القاعدة التي اعتمد عليها مشايخ وأمراء
التغيير في تبرير ما يجري في سوريا من أعمال قتل وترويع للآمنين وتخريب لممتلكاتهم
وأرزاقهم، في تحليلاتهم. فمقتل الآلاف في سوريا ثمن زهيد مقابل تغيير النظام وجرّ
سوريا الى مستنقعهم حيث طأطأة الرؤوس وانحناء الهامات وسط العهر والفجور والبذخ
الذي لا يدانيه بذخ حتى في أسفه وأحط العصور...!!
أما في تحليلاتنا فمجدهم الموهوم والمنتفخ من عائدات
النفط زائل لا محالة والذين يوفرون لهم الحماية والرعاية اليوم ما كان لهم أن
يقوموا بذلك لولا أنهم يعتبرون أنفسهم الورثة الحقيقيون لكل عائدات النفط العربي،
يسلبونه منهم تارة عن طريق تزويدهم بأطنان الأسلحة التي بالكاد يُحسنون استخدامها
وطوراً عن طريق تموضع جيوشهم حول آبار النفط بذريعة حمايتها من عدوهم الإيراني
المزعوم!!؟
وفي الحالتين فمصير إماراتهم وممالكهم رهن إرادة الأجنبي
الذي إن شاء أبقى عليهم خدماً لسياسته وإن غضب فمآلهم الى النسيان والبدائل جاهزة على طريقة "شُبيك،
لُبيك، عبدك بين يديك"!!
لذلك فهم خائفون من فشل مؤامرتهم في سوريا بعد أن كادوا
يستنفذون كل أوراقهم وبعد أن أوهموا أسيادهم في واشنطن وتل أبيب ومن يدور في فلكها
أن سقوط النظام في سوريا قاب قوسين أو أدنى وأن المنطقة العربية كلها ستكون بعد
ذلك طوع بنانهم ورهن إرادتهم وأن خروجهم من العراق سيتلوه عودة مظفرة ودائمة الى
ساحة الشرق أوسطية برمتها خالية من كل مظاهر المقاومة والممانعة تغيب عنها العروبة
بكل عناوينها ويسقط من جنباتها الحلم الفلسطيني والى غير رجعة!!
ولأننا كفلسطينيين أحد أهم العناوين المستهدفة من تآمرهم
على سوريا، فإنه من الطبيعي أن يكون موقفنا واضحاً وحازماً في مقاربته للأمور،
فسوريا كانت على الدوام الحضن الدافئ لثورتنا والملجأ الآمن لشعبنا، وسوريا ما
كانت لتشهد هذا الإجماع الدولي والعربي على محاصرتها لولا أنها شكلت في المراحل
التاريخية الصعبة العقبة الكأداء التي أحبطت مشاريعهم وأذلّت غطرستهم في لبنان
والعراق وفلسطين وألحقت بهم الهزائم المتتالية والخسائر الفادحة في رجالهم وعتادهم
واقتصادياتهم التي شارفت على الإفلاس بفعل نهجهم العدواني ضد الشعوب الآمنة
والمسالمة في أوطانها.
لأجل ذلك استجمعوا كل كيدهم وحقدهم ووجّهوه صوب سوريا العروبة
وفي ظنهم أنهم قادرون بعد أن جندوا معهم أكثر الأعراب على النيل من وحدة هذا البلد
وصموده وصولاً الى إسقاط النظام الممانع فيه وعزله عن محيطه العربي والإسلامي
المقاوم.
لكن صمود سوريا وحكمة قيادتها وتماسك الجيش والشعب فيها
والتفاف قوى المقاومة والممانعة حولها وتضامن الحكومات والشعوب الصديقة معها أفشل أهداف
المتآمرين وحملهم على البحث عن بدائل جديدة علهم يصلون بواسطتها الى ما فشلوا في
الوصول إليه من خلال عمليات التحريض الإعلامي والتقتيل والتخريب. فكان أن لجأوا
الى إرسال المراقبين العرب الى سوريا في محاولة لإرباك النظام وتعريته أمام العالم
من خلال تقارير هؤلاء المراقبين، إلا أن السحر ما لبث أن بدأ ينقلب على الساحر بعد
أن شرع المراقبون العرب في إرسال تقاريرهم الأولية التي أظهرت بوضوح الدور
التخريبي والإجرامي لعصابات القتل في المدن السورية المختلفة ما حمل أمير قطر
مؤخراً على اتهام المراقبين بالعجز مطالباً بإرسال قوات عربية الى سوريا. المؤامرة
في أذهان أصحابها لم تنته إذن بعد، والمتآمرون مصرّون على الذهاب بعيداً في تآمرهم
لكنهم حتماً سيدركون عاجلاً أم آجلاً أن صمود سوريا سيُفشل كل مخططاتهم ولن ينجحوا
في كسر إرادة السوريين في المقاومة وفك عرى التلاحم بين سوريا ومنظومة المقاومة
والممانعة في أمتنا وسيندم المتآمرون الذين استبدلوا سماحة دينهم بفجور دعاتهم
فخانوا أماناتهم وتنكروا لمبادئ إسلامهم الحنيف وتناسوا أن هدم الكعبة أهون على
الله من قتل مسلم برئ.
وستخرج سوريا بياسمينها الدمشقي أكثر نضارة ونقاءً ويعود
الربيع العربي ليأخذ من لون ياسمينها لوناً لعباءته، ومن أريجها عطراً يزيل به
روائح خطاياهم وأوزارهم التي أثقلوه بها.
وإن غداً لناظره قريب.
حسن زيدان
[/right]