فساد وأزمة مالية واجتماعية واستدعاء حماية خارجية
النظام الأردني يرفض التطبيع مع مطالب شعبه
وقّعت المملكة الأردنية الهاشمية معاهدة وادي عربة مع الكيان الصهيوني في 26 تشرين الأول 1994، وتنص المعاهدة، على فتح علاقات تطبيعية اقتصادية بين الطرفين، من خلال تعزيز التعاون، ليس بينهما وحسب، وإنما ضمن إطار أوسع وخطط مدروسة تشمل التعاون الاقتصادي الإقليمي، وهذا يعني أن يكون الاردن مدخلاً وبوابة لعبور السلع الإسرائيلية الى عدة أطراف ترتبط بالكيان بعلاقات سرية أو تمثيلية عن طريق فتح مكاتب وتحت عناوين متعددة، واستفاد الكيان من ما سمي عملية السلام لإحداث اختراق حقيقي وإقامة علاقات تطبيعية مع العديد من الدول "العربية" منها دول الخليج وخاصة قطر والمملكة السعودية.
وكان محسوباً من قبل الدوائر الصهيونية، أن العلاقات "الأردنية – الإسرائيلية" يمكن لها أن تتطور بمبادئ الانسياب الحر الذي لا يعترض شيء سبيله.
لم تكن اتفاقية "معاهدة وادي عربية" أمراً عادياً، لأن مفاعيلها لم تتعلق بلحظة معينة وإنما هي جزء من مشروع أكبر له ارتباطاته بمشاريع الدول الاستعمارية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والتي كانت الراعية لـ "عملية السلام المزعوم" ويقابلها اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة التي عقدها النظام المصري في عهد أنور السادات، حيث شكلت كلتا الاتفاقيتين جسر عبور نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، ولاحقاً أدت تلك الاتفاقيات الى خنوع النظامين الى الإرادة الاميركية، عن طريق المساعدات السنوية التي يتلقاها النظام الأردني بواقع 300 مليون دولار وملياري دولار للنظام المصري، وأضيف الى تلك المنح جملة من الشروط الاقتصادية بحيث تجعل من تلك المساعدات مجرد مدخل لاستنزاف اقتصاد البلدين لعقود لاحقة، فضلاً عن الشروط السياسية التي ربطت مشيئة الشعبين في الأردن ومصر بأوضاع لا تتناسب والتطلعات الوطنية ومصالح الأمة.
وعلى الصعيد الاقتصادي للاتفاقية خلال سنوات، بلغت حصة الأردن من مجمل التصدير الإسرائيلي أقل من 5% (نصف في المائة) وحصة العدو من الصادرات الأردنية لا تتعدى 1.5% وذلك على الرغم من الاندفاع الإسرائيلي مدعوماً بدفع مماثل من قبل السلطات الاردنية، فإن حجم التبادل لا يذكر فهو لم يتجاوز 50 مليون دولار عام 2010، أي التطبيع الاقتصادي محدود للغاية، ولكن هناك مجال آخر هو تجارة الترانزيت الإقليمية وخاصة نحو الخليج.
ويحاول العدو الصهيوني أن يدفع بشكل كبير نحو تفعيل العلاقة التطبيعية مع المملكة الاردنية كونها المعبر الى دول "عربية" أخرى، وهذه جزء من سياسته الاستراتيجية، ولكن الرفض الشعبي في الاردن قلص مفاعيل كل اتفاقيات الذل والتطبيع.
ويشهد الأردن هذه الأيام حراكاً شعبياً يعبر عن غضب الشارع من خلال تظاهرات عدة أبرزها ما قام به ائتلاف الإصلاح والتغيير في السلطة احتجاجاً على إساءة وجّهها الأمير الحسن بن طلال في مقابلته مع التلفزيون الأردني عندما وصف الحراك في الشارع الأردني بالمستفز طاعناً بكينونتهم وإرثهم، وجرت اعتصامات طالبت المذكور بالاعتذار، ومطالب تتعلق بالإصلاح ومكافحة الفساد، وإعادة المؤسسات والشركات الوطنية التي استبيحت بحجة الاستثمار والخصخصة، وطالبت بإعادة تأميمها باسم الشعب الأردني وخصوصاً أنها كانت تشكل الرديف الرئيسي لموازنة الدولة، وإعادة أراضي خزينة الدولة والأملاك العشائرية والتي استولى عليها المتنفذون والملك الأردني.
هل من دور جديد يقوم به النظام الأردني؟
والسؤال ما هو الدور الجديد الذي يرسم اليوم الى الأردن، في ظل الأزمات التي تعصف بالمنطقة ككل والتي يقف خلفها من يؤجهها ويصادرها لحساب مشاريعه في المنطقة، حيث تمكنت الولايات المتحدة ودول الغرب الاستعماري من ركوب موجة الأحداث و"الثورات" في عالمنا العربي، لتحقيق اهداف مبيتة لم تستطع تحقيقها خلال عقود طويلة، وفي ظل المقاومة والممانعة في أمتنا وصمود سوريا بوجه المؤامرة وادواتها الإقليمية والمحلية، هل سيكون الأردن معبراً لتأجيج الأزمة في سوريا؟ هناك بعض المؤشرات التي تدل على توجهات لدى "عرب" الخليج، تبدأ بالعمل على مشروع جديد يتمثل في ضم الأردن الى مجلس التعاون الخليجي وإعطائه دور ما في المنطقة عبر الدعم المالي والتغطية الأميركية والصهيونية، وهل تذكر هؤلاء فجأة أهمية الأردن بالنسبة للأمن القومي العربي وهبوا لنجدته ودعمه كونه يمثل أطول جبهة مع فلسطين المحتلة (650 كيلومتر)؟! أم هب هؤلاء لتأمين أمن الكيان الصهيوني واستقراره، عارضين بذلك خدماتهم إرضاء لمشيئة أسيادهم في البيت الأبيض الأميركي، أو هل يراد للأردن أن يتسلح بدعم من دول الخليج وإشعال فتنة جديدة في المنطقة، ليشكل بنغازي جديدة في المشرق العربي تمهيداً للانقضاض على سوريا بعد أن تم إفشال جميع المشاريع والخطط الاستعمارية.
والسؤال أيضاً، هل يملك الأردن قدرات مالية للتسلح وهو يعيش على المساعدات الأميركية، وهنا نشير، أن صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية كانت قد ذكرت أن خبيراً أمنياً أوروبياً صرح لها، أن الأردن تنوي نشر أربع بطاريات صواريخ "باتريوت" للدفاع الجوي، بادعاء الدفاع من هجوم جوي سوري؟! ويقول الخبير: إن لـ "إسرائيل" مصلحة في نصب بطاريات الصواريخ، حيث يمكنها اعتراض الصواريخ في سماء الأردن قبل أن تضرب فلسطين المحتلة، وبحسبه فإن الصواريخ سيتم نصبها قرب مدينة أربد الأردنية في حال تم التوصل الى اتفاق؟
حراك شعبي ومحاربة التطبيع
في الأردن اليوم بداية حراك شعبي بدأت مؤشراته في أكثر من مجال، انتفاضة طلبة الجامعة الأردنية على خلفية استقبال إدارة الجامعة لطبيبين صهيونيين في مؤتمر اكاديمي، وتطور الاحتجاج ليتحول الى انتفاضة للطلبة على هذا التصرف التطبيعي، ما أدى الى تهريب الصهاينة من البوابة الخارجية للجامعة، وهذا مؤشر علقت عليه صحيفة العدو "يديعوت أحرونوت" بقولها: "بعد طرد محاضر "إسرائيلي" من عمان – السلام قد يكون على الورق.
وطالبت حملة "ذبحتونا" واللجنة الوطنية لمجابهة التطبيع، بمحاسبة ومساءلة عميد الكلية ورئيس الجامعة، كما دعت نقابة الأطباء الأردنية الى أخذ إجراءاتها بما يتناسب مقرارات هيئتها العامة التي تعاقب بالفصل كل من يقوم بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وكشف وتعرية كل من يحاول التطبيع مع الكيان الغاصب.
ولكن لجنة مجابهة التطبيع الأردنية تعاني في هذه الأيام أزمات كبيرة بعد المحاولات للسيطرة عليها من قبل الإخوان المسلمين الذين أقاموا تسوية ضمنية مع النظام الأردني برعاية أميركية – إسرائيلية لتصبح اليوم لجنة مجابهة التطبيع وحماية الوطن تمنح صكوك غفران للمطبعين، وهذا يؤشر الى أي دور يُرسم الى الأردن كشعب، وكذلك وبعد بث التصريحات التطبيعية لـ "غنوشي" تونس والتي كان آخرها لقاؤه مع المنظمة الصهيونية – الأميركية "إيباك" قام رئيس لجنة مجابهة التطبيع حمزة منصور مستغلاً غياب الأكثرية من أعضاء اللجنة، وأصدر بياناً اكتفى فيه برأي جبهة العمل الإسلامي المؤيد لسياسة الغنوشي! وتصريحاته المتعلقة بالدولة الفلسطينية بعيداً عن رأي اللجنة.
وفي المجال المعيشي
أحزاب المعارضة الأردنية وتنسقية المعارضة، حذرت من سياسة رفع الأسعار التي تنتهجها الحكومة لمعالجة الأزمة المالية. والمواطن الأردني لم يعد قادراً على القيام بالأعباء المترتبة عليه نظراً لضآلة الدخل والتوسع في الضرائب غير المباشرة، ورفع تعرفة الكهرباء وإعلان الحكومة عن رفم الدعم عن المحروقات، وهذا سيعكس أثاره على مختلف السلع والخدمات، ما يوسع شريحة الفقر ويعرض الأمن المجتمعي لهزة كبيرة غير مأمونة العواقب.
ودعت أحزاب التنسيقية الحكومة الى "إعادة النظر في سياستها الاقتصادية بما لا يمس الشرائح الفقيرة، وطالبت باستعادة أموال الخزينة التي عبث بها الفاسدون خلال الأعوام الماضية".
في الأردن اليوم، مسيرات تطالب بالإصلاح رغم محاولات عديدة من الأجهزة الأمنية والحكومية لوقف الحراكات في جميع المحفاظات الأردنية.
يبدو أن حراكاً شعبياً في طريقه الى التصعيد، والأردن اليوم يغلي في ظل الأحداث والأزمات في العالم العربي، وهناك من يحاول أن يرسم للأردن دوراً جديداً بعيداً عن تطلعات الأردنيين، لكن إرادة أبناء الأمة الواحدة ستكون أكثر قوة وعزيمة في مواجهة مخططات الأعداء ومشاريعهم.
أدهم محمود