الشخصيات
العسكرية المقربة من عرفات على مدى عشرات السنين من تاريخ الثورة الفلسطينية. ويرى مقربون من المجايدة أنه رجل مخضرم ويحظى بثقة تامة من عرفات، أما موسى عرفات والذي يعد عموماً من الشخصيات المثيرة للجدل في الساحة الفلسطينية، حيث لم يلق تعيينه مديراً لجهاز الأمن العام ارتياحاً خاصة من ((كتائب شهداء الأقصى)) التي وصفته بأنه ((رمز الفساد))، فهو من رجالات عرفات القليلين المتبقين، ويوصف أنه ورقة عرفات الأخيرة في غزة.
كيف يحارب دحلان حماس ولماذا؟
وما هي علاقته باغتيال الرنتيسي؟
قبل وصول ((العقيد)) محمد دحلان إلى منزل آل الرنتيسي، بعد أيام من استشهاد الدكتور عبد العزيز، ازدحم الشارع بعشرات رجال المرافقة والأمن مع سياراتهم، حيث انتشروا على طول الشارع تمهيداً لوصول القائد المنتظر.. لكن محمد دحلان لم يأتِ لتقديم واجب العزاء لعائلة الشهيد، بل أخذ يتحدث بعنجهية عن حركة حماس بعد استشهاد الشيخ والقائد ليقول: إن حماس أصبحت ضعيفة بعد اغتيالهما ويمكن القول أنها انتهت، مشيراً إلى تأخّر الرد القسامي على استشهادهما. لم يصدر هذا التحليل عن ((العقيد)) لأول مرة في هذا المكان، بل كثيراً ما صرّح به وتمنّاه ونصح به العدو
الصهيوني.
حقد على حماس
يرى محمد دحلان أن حركة حماس سوف تقف حجر عثرة في وجه مشاريعه وطموحاته إلى السلطة، وكان يتحضر دائماً للانقضاض على الحركة. وكثيراً ما حاول تفكيك هياكلها وأطرها التنظيمية والاعتداء على أعضائها وتعذيب وسجن عناصرها وقادتها، حتى تجرأ على وضع الشيخ الشهيد أحمد ياسين في الإقامة الجبرية، بعد مصادرة الحواسيب والبرامج والملفات من مكتبه. هذا عدا عن منع العمل الخيري في غزة وإقفال المؤسسات الخيرية، ضمن سياسة ((تجفيف الينابيع)) الأمريكية ضد الحركة. في الأحداث الأخيرة، والفوضى التي اجتاحت غزة، وجد دحلان نفسه أمام خيار انسحاب إسرائيلي وفراغ
سلطة (كما قال)، والتقف تصريح شارون الذي أبدى استعداده لتسليم غزة إلى أمثال دحلان.. وكان واضحاً من تصريحات الأخير أنه لن يقبل بمشاركة حماس في إدارة شؤون غزة، علماً أن حماس أعلنت أكثر من مرة رفضها المشاركة في السلطة وطرحت برنامج المشاركة في الإدارة. وكان هذا الموقف واضحاً في الاجتماع الأخير بين د. الرنتيسي ودحلان بخصوص الانسحاب الصهيوني من غزة. وقد صرّح دحلان لجريدة ((نيويورك تايمز)) محذراً من أن تصبح غزة مرتعاً للمتطرفين، وأعلن لمجلة نيوزويك (العدد الصادر في 3 آب/أغسطس 2004): ((إن غزة يمكن أن تكون مثل كابول ويمكن أن تكون مثل دبي. إن
علينا أن نغير كل شيء..)).
محاضرة ((رجال الأعمال))
مقتل العقيد راجح أبو لحية في غزة (تشرين الأول/أكتوبر 2002) تبعه توتّر أمني ملحوظ ساهم فيه الأمن الوقائي، وأراد دحلان منه تحويل الاغتيال من عملية ثأر عائلية إلى معركة يجرّ حماس إلى أتونها؛ بل إلى حرب أهلية. وقد عبّر عن موقفه في محاضرة داخلية لرجال الأعمال في غزة، تم تسريبها إلى الصحافة، حيث هدّد بالحرب الأهلية إذا لم ترضخ حماس لمطالبه، وهدّد بحرق كل مراكز حماس إذا تم تحرق أي مركز للشرطة (وذلك إثر المظاهرات الشعبية المنددة بتجاوزات الشرطة)، وكان مما قاله: ((إذا لم تستجب حماس (وتسلّم عماد عقل المتهم بقتل أبو لحية) فليكن ما يكن))، أضاف ((أي
حرق لمركز شرطة، سنقوم بحرق كل مراكز حماس، لدينا بلطجية كما لديهم، وأتوقع مزيداً من التوتّر، وإذا لم نشعر أن حماس جدية، سنبدأ حملة الاعتقالات في صفوف القتلة..)).
وفي إشارة معبّرة تستبق ما جرى مؤخراً في غزة.. صرّح دحلان في اجتماع رجال الأعمال نفسه ((إذا لم تستجب السلطة وتسير خلفنا في حركة فتح سيكون إجراء جدي من الحركة (فتح) غصباً عن السلطة..)).. كما تم توزيع تعميم داخلي يومها في حركة فتح على كوادرها يزعم أن ((الكثير لهم ثأر عند حماس، فلا يتمارون في الثأر))، وأشار التعميم نفسه إلى أن اغتيال النقراشي رئيس وزراء مصر عام 1948 كان سبباً في اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا، وهذه تعتبر تهديدات مبطّنة لقيادات حركة حماس.
علاقته بالشهيد الرنتيسي
لم يتلكأ الدكتور عبد العزيز الرنتيسي بعد نجاته من محاولة الاغتيال الأولى في حزيران/ يونيو 2003 من توجيه أصابع الاتهام إلى أولئك الذين شاركوا في الاجتماع الأمني مع العدو الصهيوني. ذلك الاجتماع الشهير الذي عُقد قبل عشرة أيام من قمّة العقبة، والذي ضمّ عن الجانب الصهيوني شاؤول موفاز وأرييل شارون وعن جانب السلطة أبو مازن ودحلان، دار فيه حوار طويل أشبه بسيناريوهات المافيا والاغتيالات. يومها طرح شارون قتل القادة السياسيين لفصائل المقاومة الفلسطينية وسمّى: عبد العزيز الرنتيسي وعبد الله الشامي ومحمود الزهار وإسماعيل هنية ومحمد الهندي
ونافذ عزام وجميل المجدلاوي. واعترض أبو مازن على ذلك، إلا أن دحلان طلب مساعدة الإسرائيليين له عبر اغتيال القادة. وقال: (إذا كان لا بد لكم من مساعدتنا ميدانياً، فأنا أؤيد قتل الرنتيسي والشامي، لأن هؤلاء إن قُتلوا فسنُحدث إرباكاً وفراغاً كبيراً في صفوف حماس والجهاد الإسلامي، لأن هؤلاء هم القادة الفعليين)).
في تحليل نفسي سريع لشخصية دحلان، يتأكد للمُعاين أن خلاف دحلان مع د. الرنتيسي ليس فقط نتيجة لاختلاف المواقف السياسية والمناهج الفكرية. بل إن حقد دحلان على الشهيد الدكتور يعود لعوامل نفسية تأصلت وتجذرت وشكلت عقداً في حياة دحلان.
ولمن لا يعرف، فإن دحلان وُلد في بيت ملاصق لبيت آل الرنتيسي في مخيم خان يونس – جورة القاد، وذلك في 29/9/1961، وكانت العائلتان مترابطتين جداً.. (وهذا ما دفع والدة دحلان إلى تأنيبه بعد اقتحامها السجن لإخراج صلاح الرنتيسي منه صارخة في وجه السجانين: هذا ابني!).
وقد ذكر الكاتب إبراهيم الأمين في صحيفة السفير اللبنانية غداة استشهاد د. الرنتيسي أن الأخير ضرب الفتى محمد دحلان بسبب ملاحقته الفتيات في الحارة (وتلطيشهنّ)، وعندما اشتكى لوالده، قال له: إذا كان عبد العزيز قد ضربك فلا بد أنك قد فعلت ما تستحقه منه.
ومما يذكره المقربون من د. الرنتيسي أن دحلان كان يسعى وينتظر بالساعات الرد على موعد يطلبه مع الدكتور الرنتيسي ثم يخرج في الفضائيات ليقول ((جاءني الرنتيسي، وهاتفني الرنتيسي)). ويذكر الأمين (جريدة السفير) أن زيارة الرنتيسي الأخيرة لمحمد دحلان قد تكون سبباً مباشراً في تسهيل عملية مراقبة الدكتور من قبل العدو الصهيوني، حيث كان الشهيد قد أجرى عملية جراحية لعينيه تخلى بعدها عن نظارته، وخفف لحيته كثيراً بقصد التمويه، بشكل ساهم في تغيير معالم وجهه.. ولم تمضِ أيام حتى اغتيل الدكتور الرنتيسي.
تهديداته للرنتيسي
كثرت التصريحات الصادرة عن دحلان والتي تهدد الرنتيسي بشكل مباشر أو غير مباشر. فبالإضافة إلى ما ذكرناه، كان يحرض رئيس سلطة الحكم الذاتي على الشهيد عبر رسائل متوالية استطاع أحد المقربين من حركة حماس تسريب إحدى هذه الرسائل الممهورة بتوقيع دحلان مرفقة بتقرير مفصّل، وهذا هو نصّها:
((الأخ الرئيس القائد العام.. تحية الوطن وبعد..
نرفق لسيادتكم مقابلة خاصة للدكتور الرنتيسي، وهي مقابلة حديثة، وسواء أنكر الرنتيسي ما جاء فيها أم لا، كما جاء في بيان حماس الذي ينفي المقابلة، فهي لم تأتِ من فراغ..)) إلى آخر الرسالة. عدا عن الرسائل والمناشير السرية والنشرات التي تهدف إلى شقّ صفّ حماس، والتي كانت تتلقى دعماً مباشراً من الأمن الوقائي، وادعاء الأسماء العديدة مثل ((تلاميذ المهندس)) و((كوادر حماس))، والتي كانت تهاجم الدكتور الرنتيسي زاعمة أنه يريد الاستحواذ والسيطرة على قاعدة حماس، وأنه يسمي نفسه ((أسد غزة))، وأنه يسعى إلى تحييد الشيخ أحمد ياسين عن قيادة الحركة ببطء
وتدرج تلقائي.
عدا عن كل ذلك فإن دحلان لم يُخفِ عداءه للرنتيسي، حيث هاجمه أكثر من مرة في تصريحاته، وقال عنه في الاجتماع الشهير لرجال الأعمال في غزة: الرنتيسي هذا الفتنة المتحركة، شخص جاهل وأميّ يظنّ نفسه الملا عمر (أمير حركة طالبان) – وهنا الإشارة الواضحة أيضاً في حقده بسبب أمور يتميز فيها الدكتور (العلم والقيادة).
ومما قاله أيضاً في محادثة هاتفية مع الصحافي جهاد الخازن نشرها في الصفحة الأخيرة ((عيون وآذان)) في تشرين الأول/أكتوبر 2002، أنه مستعد لإرسال عشرة رجال لقتل الدكتور عبد العزيز الرنتيسي ومن ثم يقوم باعتقالهم.
وقد أكذ الخازن في رد آخر في الصفحة نفسها في تموز/يوليو 2004 هذه المحادثة، وأن دحلان هدّد فعلاً بقتل الرنتيسي، وأنه رآه في القاهرة بعد النشر وعاتبه على ما نشر، فردّ يومها الخازن عليه مذكراً إياه أنه نشر نصف ما قاله ذلك اليوم.
.