عام
1920 بمدينة نابلس الفلسطينية ولدت فكرة المقاطعة العربية لإسرائيل من رحم
الصراع مع اليهود، كان ذلك في مؤتمر الجمعية الإسلامية المسيحية الذي دعا
فيه وجهاء فلسطين ومزارعوها إلى 'مقاطعة اليهود مقاطعة تامة'؛ وذلك ردًّ
على مقاطعة اليهود لمنتجات العرب من ناحية، ولعزلهم عن المجتمع الفلسطيني
من ناحية أخرى، وامتدت هذه المقاطعة وتطورت لتشمل كثيرًا من جوانب
العلاقات الاقتصادية والتجارية وتشغيل اليد العاملة، إضافة إلى الامتناع
عن بيع الأراضي والعقارات.
واتخذت المقاطعة بعدًا إقليميا لأول
مرة عندما أقسم مندوبون عرب من سوريا وشرق الأردن ولبنان وفلسطين في
اجتماع لهم بالقدس [27/11/1929] على منع بيع الأراضي لليهود، ومقاطعة
المصنوعات والمتاجر اليهودية.
التطور الأهم في مسألة المقاطعة
وقع خلال ثورة فلسطين الكبرى [1936- 1939] والتي شهدت صراعًا مسلحًا ضد
الانتداب البريطاني، حيث تشكلت لجان مقاطعة في سوريا والأردن ولبنان لمنع
إرسال البضائع والسلع إلى فلسطين، ما لم تكن مقترنة بموافقة اللجان
القومية التي كانت تقود حركة الإضراب والعصيان العام في فلسطين؛ خوفًا من
تسلل البضائع والسلع العربية إلى أيدي اليهود في فلسطين.
وتبع
ذلك عقد المؤتمر القومي العربي في 'بلودان' بسوريا عام 1937 بحضور مندوبين
من سوريا والعراق والأردن ولبنان والعربية السعودية ومصر وفلسطين، والذي
وسع حدود المقاطعة لتأخذ بُعدها العربي خارج فلسطين، ولتشمل -إضافة إلى
مقاطعة يهود فلسطين- مقاطعة بضائع الدول الأجنبية التي تدعم مشروع
الاستيطان اليهودي في فلسطين.
ثم كان التحول الثاني في موضوع
المقاطعة العربية بانتقاله من المستوى الشعبي إلى المستوى الرسمي، عندما
تبنت الجامعة العربية المقاطعة، حيث قرر مجلس الجامعة في جلسته الثانية
[2/12/1945] مقاطعة المنتجات والمصنوعات اليهودية في فلسطين، وشكّل لجنة
دائمة للإشراف على التنفيذ، ثم تقرر تشكيل مكتب دائم لذلك، ولجان في جميع
الدول العربية مهمتها العمل على متابعة سياسة المقاطعة للمنتجات اليهودية
في فلسطين وتنفيذها.
-
تزايد حالة التفكك العربي وضعف التنسيق في مجال المقاطعة، وتراجع العديد
من الدول العربية عن تطبيق تعليمات المقاطعة تحت تأثير الضغوط الغربية
عمومًا والأمريكية خصوصًا.
ولا شك أن هذه الظروف العربية تَغُلّ
يد المقاطعة العربية، وتجعلها تتحرك بتحسب خوفًا من ردود الأفعال
العالمية، ومن تعطل بعض المصالح للدول العربية نفسها، ولكن يمكن القول: إن
هذه الظروف الدولية والعربية رغم تأثيرها على المقاطعة العربية لإسرائيل
فإنها لا تفقد هذا السلاح العربي فاعليته، ولا تجعله عديم التأثير على
الاقتصاد الإسرائيلي وفرص الازدهار الاقتصادي والحربي الإسرائيلي، وفي
أسوأ الظروف فإنها تضع على كاهل الدول العربية مزيدًا من الجهد والأعباء
لاستخدام هذا السلاح مقارنة بالماضي، ويبقى سلاح المقاطعة العربية
لإسرائيل سلاح فعَّال ومهم، وتأتي أهميته من أنه يقع في المنتصف بين
خيارين:
الحرب أو السلام، فليس هناك إجماع عربي على خيار إعلان
الحرب على إسرائيل، وليس هناك اقتناع إسرائيلي وتوجه حقيقي نحو السلام،
ومن ثَم يبقي خيار المقاطعة العربية لإسرائيل البديل المطروح والذي سيلقى
إجماعًا عربيًّا، وسيكون له نتائج ملموسة بشرط أن تأخذ الدول العربية
جميعًا بمبادئ مقاطعة مشددة على إسرائيل، وتعيد النظر في توجهاتها
الاقتصادية تجاه إسرائيل وأمريكا على وجه الخصوص.