خالد محمد ابوخرج فريق
المزاج : غاضب من اجل فلسطين تاريخ التسجيل : 24/03/2009 الابراج : الأبراج الصينية : عدد الرسائل : 1141 الموقع : https://fateh83.yoo7.com العمل/الترفيه : سياسى
بطاقة الشخصية فتح: 50
| موضوع: الصراع الوجودي العربي ـ الاسرائيلي الثلاثاء مايو 19, 2009 4:31 pm | |
| قدمت مأساة غزة برهانا، ليس الاول ولا الاخير، على ان الصراع العربي ـ الاسرائيلي هو صراع وجودي يتخذ طابعا إفنائيا ولاانسانيا بالمعنى الحرفي للكلمة: ـ فإما ان الفلسطينيين، واستطرادا العرب اجمعين، ليسوا "بشرا"، ولا يستحقون التعامل معهم كبشر، بل هم حشرات طفيلية ما قبل تاريخية ينبغي تخليص البشرية منهم!!؛ ـ وإما ان الامبرياليين الاميركيين وقادة الصهيونية العالمية والاسرائيليين السائرين في ركابهم هم وحوش بشرية يهددون الوجود الانساني على الارض العربية خاصة، وغير العربية كافة. والوحشية التي اظهرها الاسرائيليون وحلفاؤهم الستراتيجيون الاميركان ضد جماهير غزة المظلومة تدفع الى النظر في الجانب الوجودي ـ الانساني والتاريخي، للصراع، الى جانب وقبل كل الجوانب السياسية. ان الطبيعة الوجودية التي فطر عليها الانسان هي الطبيعة الايجابية، البناءة؛ طبيعة ائتلاف الناس وتكيّفهم مع بعضهم البعض وتكيّفهم مع الطبيعة المحيطة بهم وتكييفها مع اغراض حياتهم وتحسين وتطوير معيشتهم. وفي المفاهيم الدينية الاخلاقية الايجابية ان البشر اخوة وان الانسان خلق ليكون خيرا لبني جنسه ويكون سيدا وخيرا للارض التي وجد فيها. فكيف اذن ظهرت وترسخت ظاهرة الحرب العدوانية، بكل فظاعاتها وسلبياتها التدميرية، التي هي النقيض للطبيعة الفطرية السلمية ـ البنـّاءة للانسان؟ الطبيعة الفطرية للانسان: ان الناس (كمجتمع بشري)، ولاجل حياتهم ومعيشتهم، يدخلون في علاقة مزدوجة: مع الطبيعة التي هم جزء منها؛ ومع بعضهم البعض: كأفراد ضمن الجماعة الواحدة، وكجماعات بشرية مختلفة. وفي البدء عاش الناس متساوين كليا فيما بينهم، لا فرق بين كبير وصغير، بين قوي وضعيف، بين امرأة ورجل؛ وطبعا لم يكن هناك فقير وغني، لان المجتمع البدائي كان مجتمعا جماعيا، الكل يعيشون كعائلة واحدة في تعاطف ووئام، الكل يعمل ما يستطيع ويفيد الجماعة بما يستطيع، بدون اي انانية، وفي الاخير الكل يأخذ حاجته من ضمن ما يتيسر لدى الجماعة، دون تمييز بين فرد وفرد ودون تذمر من فرد تجاه فرد. وكان جميع القادرين يحملون السلاح بفخر لا للعدوان على بعضهم او على احد، بل لرد الخطر والعدوان اذا وجد. وكان اي فرد يرتكب اساءة او تعدٍ لا يغتفر يفصل من الجماعة، واكبر عار للشخص كان الفصل من الجماعة؛ وكان الاقوى والانشط والاذكى صحيا وجسديا وعقليا لا يستغل ميزاته للسيطرة على الاخرين، بل على العكس كان يتباهى بأنه اكثر افادة لجماعته، دون ان يدعي اي حقوق اضافية مقابل ذلك. ولا تزال بقايا هذه الاخلاق الفطرية النبيلة موجودة الى اليوم ضمن بعض الجماعات البدوية التي لم تفسدها "الحضارة" المزيفة العصرية. كما لا تزال موجودة بقوة ضمن الكتل الشعبية الفقيرة التي تتضامن وتتكافل فيما بينها على الضراء قبل السراء، في مواجهة الاضطهاد والظلم الاجتماعي، وخصوصا في ظروف الاحتلال والانظمة الدكتاتورية المعادية لشعوبها. وقد عاشت مختلف الجماعات البشرية في انسجام مع الطبيعة، ومع بعضها البعض، ردحا طويلا جدا من الزمن. وفي منشأ لغتنا العربية نجد ان المخاطبة بالأنا وانت لم تكن موجودة، وكانت مكانها المخاطبة بصيغة الجمع نحن وانتم، وكان افقر بدوي يترك النار مشتعلة امام خيمته حتى يراها عابر السبيل فيستقري عنده؛ وفي لغتنا العربية عبارة تقول "حفظ الزمام" وهي تدل على التعاضد والتعاون والوفاء، ومفادها انه اذا كان بدوي يريد ان يستقي من بئر فربط زمام ناقته او دابته بالدلو ودلاه في البئر ولكنه لم يصل الى الماء، فيجلس منتظرا مرور شخص آخر، ولو لم يكن احدهما يعرف الاخر، فيربطان الزمامين بعضهما ببعض ويدليان الدلاء ويستسقيان، وتنشأ بينهما صداقة "وجودية" يتناقلها الابناء عن الآباء، فاذا التقى بعض افراد العائلتين في اي وقت آخر ومكان آخر، فإنهما يستقبلان احدهما الاخر بترحاب خاص ويتعاونان لانهما "يحفظان الزمام" في الاستسقاء المشترك يوما ما. ولكن نقطة ضعف المجتمع البدائي الجماعي هو ان الجماعة البدائية كانت تستهلك كل ما تنتجه، بحيث لم يكن يبق شيء لتوظيفه في اعادة الانتاج وزيادته. وهذا ما ادى الى ضعف الحماسة للنظام المشاعي البدائي، وبداية ظهور الحسد والغيرة والانانية بين الافراد والجماعات. ومع بداية تقسيم العمل بين الجماعات والافراد، وبالتزاوج مع ظواهر الحسد والغيرة والانانية، ظهرت بالتدريج الملكية الخاصة على حساب الملكية المشاعية العامة، للاشياء وللحيوانات الاليفة وللارض. وبدأ التمييز بين البشر: هذا لي وهذا لك. الحرب كظاهرة تمييز اجتماعي وعنصري: وبناء على هذا التمييز الاولي بدأ ظهور الطمع وحب الاستيلاء على ممتلكات الغير، والسرقة والغزو وقطع الطريق والنهب والسلب واخيرا القتل بدافع السلب. وفيما كنا نعيش في اخلاقيات "حفظ الزمام"، في عهد الملكية الجماعية المشاعية، ففي عهد الملكية الخاصة، اصبحت الجماعة القوية تحاول منع الماء والكلأ عن الجماعات الاضعف منها، للاستئثار بالخيرات الطبيعية التي خلقها الله لكل البشر. وفيما كنا نعيش في اخلاقيات "كبير القوم خادمهم" و"الخلق كلهم عيال الله، واقربهم الى الله انفعهم لعياله"، في عهد الملكية الجماعية المشاعية، انتقلنا الى عصر التمييز الطبقي والقومي والديني والمذهبي و"معك قرش بتسوى قرش"، و"ما اغتنى غني الا بفقر فقير"، و"شعب الله المختار" والاغيار، والاستبداد والطغيان والنزاعات والحروب بين مختلف الجماعات البشرية وفي داخل الجماعة البشرية الواحدة. وهكذا ظهرت الحرب في البدء كنتيجة من نتائج ظهور الملكية الخاصة التي ميزت بين البشر، افرادا وجماعات. وبالتدريج، مع زيادة اغتناء المجتمع البشري، وزيادة عناصر القوة الحربية فيه، تحولت الحرب الى اهم اداة او وسيلة للاغتناء والاثراء، البعض على حساب البعض الاخر. اي انها اصبحت الوسيلة التمييزية الرئيسية بين البشر. فالاغنياء والاقوياء يستغلون غناهم وقوتهم لاخضاع الاضعف والافقر منهم، ونهب خيراتهم، وتشغيلهم لحسابهم. والفقراء والضعفاء يرضون مكرهين بالحالة المزرية التي أوصلوا اليها، بسبب الخوف من الفظائع والتدمير التي تصيبهم بها الحرب، ماديا ونفسيا وروحيا. وبسيادة المجتمعات الطبقية القائمة على التمييز بين البشر، وعلى الاستغلال والانانية والاثراء غير المبرر، مقابل الاجحاف والظلم والحرمان؛ ترسخت على مستوى الافراد "مهنة انتاجية!!" هي السرقة والنصب والاحتيال والسلب والنهب والقتل في سبيل السلب الخ؛ وترسخت على مستوى الجماعات والدول "وظيفة اقتصادية!!" هي الغزو والحرب والابادة الجماعية في سبيل الاستيلاء على اراضي وثروات الجماعات والشعوب والدول الاخرى. ومع كل البنيان الاخلاقي للانسانية؛ فللاسف الشديد ان المجتمع الطبقي القائم على التمييز بكل اشكاله، قد بلغ من الانحطاط دركا أفرز معه تبريرا "دينيا" للتمييز بين البشر، وللاستعمار والاستيطان والابادة الجماعية. وهو ما يتمثل في الديانة اليهودية. فـ"التوراة اليهودية" (ولا ندري بوجود توراة غيرها) تدعو صراحة الى قتل وابادة جميع الفلسطينيين (الكنعانيين والحويين واليبوسيين والعموريين وكل اهالي ما يسمى "ارض الميعاد") والاستيلاء على ارضهم ومدنهم وقراهم؛ والافظع من ذلك انها تدعو الى تنصيب القتلة انفسهم بوصفهم "شعب الله المختار!!". وللاسف الاشد ان المجتمع البشري، بصيغه وبناه "الحقوقية" و"السياسية" و"الدينية"، كدول وهيئات دولية ومؤسسات دينية، لا يزال يعترف بهذه التوراة ككتاب "مقدس!!"، ويعترف باليهودية كديانة "سماوية!!" و"الهية!!". اي ان المجتمع البشري "الرسمي" ـ الذي يسمى احيانا المجتمع الدولي ـ لا يزال يعترف بالاستعمار والغزو الاستعماري والاحتلال والعنصرية والابادة الجماعية، بوصفها ممارسات "مشروعة!!" تجسد "الارادة الالهية!!". وهذا ما يفسر لنا "عجز!!" المجتمع الدولي عن ان يضع حدا للعدوانية الامبريالية ـ الصهيونية التي تهدد وجود لا الشعب الفلسطيني والامة العربية فقط، بل الوجود الانساني بأسره ايضا وبالاساسظاهرة الحرب الاستعمارية والابادة الجماعية جورج حداد | |
|