ابو ابراهيم الاحمد عميد
المزاج : غاضب من اجل فلسطين تاريخ التسجيل : 22/01/2009 الابراج : الأبراج الصينية : عدد الرسائل : 826 الموقع : https://fateh83.yoo7.com العمل/الترفيه : الرياضه
بطاقة الشخصية فتح: 50
| موضوع: حكاية مقدسية السبت مايو 30, 2009 11:55 pm | |
| حكاية مقدسية
|
| خيري الذهبي | |
ولد في نهايات القرن التاسع عشر، وكان المشهد الأول الذي رسخ طويلاً في ذاكرتهِ الطفلةِ، رؤية رجل ذي شاربين عملاقين وقبعة عالية يركب حصاناً ضخماً مدرعاً ومن حوله الحرس، وقالوا له يومها إنه الإمبراطور الألماني وقد جاء يزور القدس.
|
|
حين كبر الولد قليلاً وأنهى تعليمه الأولي والإعدادي أرسله أهله إلى استانبول ليصبح واحداً من القادة والإداريين في الدولة العثمانية. فقد درس في استانبول المرحلة الثانوية والجامعية، ثم حصل على شهادة في الإدارة والسياسة والاقتصاد في المكتب الملكي، ثم عين في ديوان الترجمة بوزارة الخارجية في استانبول، وكان يعرف الإنكليزية والألمانية، والتركية والفارسية وفيما بعد العبرية، وطبعاً ... لغته الأم العربية. وحين كان عمره اثنين وعشرين عاماً نشبت الحرب العالمية الأولى فسيق فيمن سيق إلى جبهة القفقاس حيث كانت الحرب بين إمبراطوريتين إقطاعيتين كانتا في طريقهما إلى الاختفاء عن المسرح السياسي إلى الأبد وهما الإمبراطوريتان الروسية، والعثمانية، وكان حظ صديقنا أن يؤسر ثم يحمل أسيراً إلى جهنم الأرضية سيبيريا ليقضي هناك أعواماً ثلاثة، ولنا أن نتخيل كيف قضى هذا الشاب الشامي القادم من أرض الاعتدال تلك الأعوام الثلاثة في سيبيريا القيصرية منفى الأحرار والمعارضين في الإمبراطورية الموسكوفية، ولكن حظه شاء أن تقوم الثورة الشيوعية وتنهار البنى الإمبراطورية فيهرب مع عدد من رفاقه الأسرى العرب عبر الصحارى الجليدية. ترى أية مراكب تزلج ركبوا، وأية قطارات اندسوا فيها، وما شكل الطرقات التي قطعوها، وكيف تواصلوا مع الناس حتى اجتازوا تلك الأراضي التي يعجز العتاة عن العيش فيها، وعلينا ألا ننسى أنَّا نتحدث عن بدايات القرن العشرين وعن سيبيريا.
كان يحلم بالانضمام إلى الثورة والثوار العرب ضد الإمبراطورية العثمانية، ولكن حظه شاء أن يصل بعد الهزيمة والهدنة وتقسيم الشام إلى مناطق يحتلها الإنكليز، ومناطق يحتلها الفرنسيون، ورفض جيل صديقنا هذا التقسيم، وكان وعد بلفور قد أُعلن فرفضه صديقنا المقدسي كما رفضه جيله من الشاميين والعرب. وكان من أشكال هذا الرفض مشاركته في إصدار جريدة (سورية الجنوبية) فلم يكن مصطلح فلسطين ككيان سياسي قد كرس، وسيحمل في هذه الجريدة على بريطانيا وعلى الوطن القومي اليهودي وسيشارك في أحداث عام 1920، وحين يطاردونه للقبض عليه سيهرب إلى دمشق حيث سينتخب ممثلاً في المؤتمر السوري، ثم ستتسارع الأحداث لتكون موقعة ميسلون ودخول غورو إلى دمشق، فيعود إلى فلسطين، ويتسلم بعض المسؤوليات الإدارية، ويصبح قائم مقام في جنين ونابلس وبيسان ويافا ثم يعهد إليه بإدارة بئر السبع فيقضي فيها عشرة أعوام يكتب خلالها كتابين هما (القضاء بين البدو) و(تاريخ بئر السبع وقبائلها) ثم ينقل إلى غزة فيمضي فيها أربعة أعوام يضع فيها كتابه (تاريخ غزة) وقبل انتهاء الحرب العالمية الثانية ينتقل ليصبح قائم مقام في رام الله، ثم مساعداً لحاكم لواء القدس، ويستمر في منصبه هذا حتى نهاية الانتداب. كان صديقنا يراقب ويكتب مذكراته عارفاً أن كثيراً مما يحدث سيتداوله الرواة ويغيرون فيه، وكان يشعر أن الكارثة قادمة، فكل المؤشرات تدل إليها، ولكنه كان يأمل في أنَّ العرب الآخرين، الملكيات والجمهوريات والشعوب ربما استطاعت إيقاف الكارثة أو منعها. وحين صدر قرار التقسيم أصيب بالصدمة، فلم يكن يتخيل أن يتآمر العالم كله على بلد صغير فيقدمه هدية لمجموعات لا يجمع بينها إلا أساطير دينية وأحلام ولكنه رأى فلسطين تضيع، فانشغل بالكتابة عن الفردوس الضائع، فوضع كتاب (الموجز في تاريخ عسقلان) و(تاريخ الحرم القدسي) و(المسيحية في القدس)، و(تاريخ قبة الصخرة والمسجد الأقصى)، و(المفصل في تاريخ القدس) وفيلمه الوثائقي الذي اختصره في صور في كتاب أسماه (النكبة في صور). هذا الرجل كان اسمه عارف العارف، هذا الاسم الذي قد يتبدى اسماً روائياً ولكنه اسم حقيقي لكاتب ومناضل وشاهد على ضياع مدينة هي ثانية مقدسات المسلمين: القدس أو بيت المقدس، والذي كان حظه أن يعيش حتى عام 1973 لميلاد المسيح الفلسطيني فيعيش بعض الفرح بعد كثير من المآسي، وكان حظه طيباً أنه لم يعش حتى يرى ما حصل ويحصل في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ليس في العراق فحسب، بل في فلسطين تحت الاحتلال أيضاً.
|
|
| |
|