السينما الفلسطينية تودع المخرج مصطفى أبو علي

السينما الفلسطينية تودع

أحد روادها المخرج مصطفى أبو علي

موسى س . موسى

فقدت السينما الفلسطينية أحد أهم مؤسسيها المخرج – مصطفى أبو علي .
ففي بداية هذا الشهر ترجل فارس جديد من رواد صناعة السينما النضالية, والذي له شرف تأسيس أول قسم للسينما بالثورة الفلسطينية, وذلك إلى جانب عدد من السينمائيين الفلسطينيين .

[img:daf9]http://www.fatehmagazine.com/photos/photos/thumb_abouali[1].jpg[/img:daf9]

- البدايات
يقول المرحوم مصطفى أبو علي في إحدى مقابلاته الصحفية " كنا نفكر كمجموعة من السينمائيين الفلسطينيين , بأن هناك أحداثاً مصيرية تجري على الساحـة الفلسطينيـة والعربيـة , وكان يجب تسجيلها. فعرضنا الفكرة على قيادة حركة فتح والتي كنا ننتمي إليها, فوجدت عندهم القبول, فتم إنشاء أول قسم للتصوير الفوتوغرافي والسينمائي, وكان ذلك عام 1968م, وبعد معركة الكرامة مباشرة, وبإمكانيات محدودة جداً من المعدات بدأنا العمل, فلم يكن بحوزتنا كاميرا سينمائية أو أجهزة تسجيل صوت , ولم تكن تتوافر ميزانية لشراء الأفلام, لذلك كنا نستعير أحياناً كاميرات أو نسرق أفلاماً من التلفزيون الأردني حيث كنا نعمل, فكنا نصور الأحداث التي تقع, إلى أن أصبح لدينا أرشيف من الصور والأفلام السينمائية ".
وبرحيل المخرج مصطفى أبو علي, ينضم إلى قافلة من الشهداء الذين قدمتهم السينما الفلسطينية في ساحات النضال والمواجهة, فزميله ورفيق دربه المصور السينمائي هاني جوهرية والذي كان من المؤسسين للسينما الفلسطينية, كان قد سقط شهيداً في جبال عينطورة في لبنان في نيسان عام 1976م, حين مزقت قذيفة انعزالية جسده مع الكاميرا السينمائية التي كان يحملها, حين كان مع المقاتلين في الصفوف الأمامية, وفي هذا السياق نتذكر الشهيدين مطيع إبراهيم وعمر المختار وهما مصوران سينمائيان سقطا أثناء الاجتياح الصهيوني لجنوب لبنان في آذار عام 1978م, حيث كانا مع المقاتلين هناك يسجلان ذلك العدوان البربري .
وفي هذا المجال لا بد من الإشارة إلى المصورة السينمائية الفلسطينية الأخت سلافة مرسال والتي كانت أول فتاة عربية تتخرج في المعهد العالي للسينما, والتي كانت إلى جانب المخرج مصطفى أبو علي والمصور السينمائي هاني جوهرية من المؤسسين لقسم السينما والتصوير في حركة فتح, وكذلك لم تسلم هذه المصورة السينمائية حيث أصيبت أثناء معارك أيلول الأسود في الأردن بإصابة أقعدتها عن إكمال مسيرتها الفنية السينمائية .
وبالعودة إلى مخرجنا مصطفى أبو علي, فهو أول من طرح مسألة توحيد جهود كافة السينمائيين الفلسطينيين في مؤسسة عامة للسينما وقدم مشروعه هذا تحت عنوان " أفلام فلسطين " في بداية عام 1972م, وأثمرت هذه الجهود حين قامت حركة فتح بتجهيز قسم كامل للتصوير السينمائي والفوتوغرافي, وزودته ببعض التجهيزات الفنية من كاميرات وأجهزة طباعة صور, وألحقت به مجموعة من الكوادر ليصار إلى تدريبها لتكون على مقدرة للعمل في هذا المجال.
-أفلامه ...
من أول الأفلام الفلسطينية التي حققها المخرج مصطفى أبو علي فيلم " لا للحل السلمي " وهو من إنتاج عام 1968م, وهو يصور ردود الأفعال الجماهيرية الغاضبة تجاه الحلول السلمية, وبالتحديد " مشروع روجرز " الذي طُرح في تلك الأيام .
وفي عام 1971م, وبعد معارك أيلول في الأردن, قدم مصطفى أبو علي فيلمه الثاني والذي حمل عنوان " بالروح بالدم " وقد تناول فيه بشكل تحليلي الأحداث التي وقعت بين الثورة الفلسطينية وقوات السلطة في الأردن, وعلى أثر حرب الأيام الأربعة والتي جرت في منطقة العرقوب في جنوب لبنان , حين قامت قوات العدو الصهيوني بالإغارة ومهاجمة قوات الثورة في تلك المنطقة , حقق المخرج أبو علي فيلم " العرقوب " عام 1972م , وفي هذا الخصوص نذكر أن خمس عشرة دقيقة في الأفلام المصورة تلفت أثناء التحميض مما انعكس سلباً على نفسية المخرج وحماسته للفيلم .
ومن الأفلام الهامة التي أبدعها المخرج مصطفى أبو علي فيلم " عدوان صهيوني " عام 1972م , والذي صور فيه الغارات الصهيونية التي شنتها طائراته على مواقع الثورة الفلسطينية ومخيماتها في سوريا ولبنان, وردود الفعل الجماهيرية في الوطن العربي المؤكدة على الصمود ومقاومة العدوان .
ومن أهم الأفلام السياسية المتميزة والتي كان لها صدى كبير عندما عُرضت في المهرجانات فيلم " ليس لهم وجود " إنتاج عام 1974م , حيث قدم الفيلم عبر بناء سينمائي متميز ومتقن, مستنداً إلى فلسفة سياسية عميقة الدلالات إدانة للفاشية الصهيونية ومحاولاتها إبادة الشعب الفلسطيني , وبين هذا الشريط إصرار هذا الشعب على الاستمرار في ثورته المسلحة ونضاله المشروع لتحقيق النصر والعودة .
ومن الأفلام التي صنعها المخرج مصطفى أبو علي شريط " مشاهد من الاحتلال في غزة " عام 1973م , فيلم " تل الزعتر " بالاشتراك مع اللبناني جان شمعون والإيطالي أدريانو عام 1977م , فيلم " فلسطين في العين " عن المصـور هانـي جوهريـة , أنتـج عام 1977م , وفيلـم " على طريق النصر " عام 1979م .
لقد لقيت جميع الأفلام السينمائية التي حققها مصطفى أبو علي ورفاقه صدى إيجابياً في جميع المحافل والمهرجانات العربية والعالمية, فقد منحته هذه المهرجانات جوائزها وشهادات التقدير, فمن مهرجان دمشق السينمائي ومهرجان بغداد للأفـلام الوثائقيـة ومهرجـان قرطاج, ومهرجان لايبزيغ في ألمانيا كان دائماً المخرج مصطفى أبو علي احد المكرمين والمحتفين بهم بعد كل عمل سينمائي يقدمه .
وبعد سلسلة الأفلام الوثائقية التي قدمها أبو علي, وجد أن الوقت أصبح ملائماً لكي يبدأ خطواته الثانية باتجاه سينما روائية فلسطينية .
وقد وقع اختياره على رواية الأديب أميل حبيبي " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبو النحس المتشائل " ليحولها إلى سيناريو, ويقول مصطفى أبو علي عن هذا المشروع :- " كنت باستمرار كمخرج فلسطيني أرغب في عمل فيلم عن أوضاع العرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة, وعن الأساليب الوحشية ألتي يعامل بها المحتل شعبنا, ولحرصي على أن أقوم بتنفيذ هذا العمل, أبقيت عملي في السيناريو السينمائي سراً في أسراري الخاصة ولم أبح به حتى لأقرب أصدقائي " .
وكان من المفترض أن يتم إنتاج هذا الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين مؤسسة السينما الفلسطينيـة, والمؤسسة العامة للسينما في الجماهيرية الليبية, إلا أن ظروفاً كثيرة حالت دون تحقيق هذا المشروع .
وقد عاش المخرج مصطفى أبو علي إحباطات كثيرة, حيث لم يتم توفير الإمكانيات المادية المطلوبة لكي تكمل المؤسسة السينمائية الفلسطينية عملها .
وانكفأ فترة طويلة عن العمل نتيجة لتلك الظروف, وجاء خروج الثورة الفلسطينية بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982م ليقضي على الأمل المتبقي لوجود سينما فلسطينية, وما زاد الطين بلة ضياع وفقدان الأرشيف السينمائي الفلسطيني حيث كان موجوداً في إحدى أحياء بيروت في ذلك الوقت, وبعدها فقد أثر هذا الأرشيف الذي شكل بفقدانه ضياع أهم الوثائق والأفلام الفلسطينية, الذي دفع كثير من السينمائيين حياتهم في سبيل توثيقها .
وكان المرحوم مصطفى أبو علي قد شكل في عام 1996م في رام الله جماعة السينما الفلسطينية في محاولة منه لبعث الروح من جديد في حركة سينمائية فلسطينية, إلا أن هذه المحاولات لم تؤتِ أكلها .
وهكذا رحل أحد أهم مؤسسين السينما الفلسطينية, بعد أن قدم حياته في سبيل خلق سينما فلسطينية مناضلة, تخدم الثورة وجماهيرها. مؤمناً بأن الصورة تغني ألف بيان .
والجدير ذكره أن مصطفى أبو علي من مواليد قرية المالحـة 1940م, قضـاء القدس, درس السينما في بريطانيا وتخرج عام 1962م, ثم درس الهندسة في أمريكا قبل أن يعمل في التلفزيون الأردني, ومن ثَمّ التحق بصفوف الثـورة الفلسطينيـة عـام 1967م, وأسس قسم السينما في حركة فتح

رحمه الله وادخله فسيح جنانه