التهديدات الأميركية والإسرائيلية
ضد إيران
عاصفة رملية أو دخانية في حرب
الإرادات
التسريبات الإعلامية في الكيان
الصهيوني، أشارت مؤخراً عن مناقشات داخلية تجري هناك حول إمكان توجيه ضربة عسكرية
لإيران وبرنامجها النووي، بالاعتماد على أن هناك مزيداً من الأدلة التي ستظهر عن
طابعه العسكري، خلافاً لما تؤكده طهران عن الطابع المدني والسلمي لبرنامجها
النووي، والمتتبع للنشاطات التدريبية والتجريبية التي تقوم بها المؤسسة العسكرية
الإسرائيلية يستنتج أمراً واحداً هو أن المواجهة العسكرية بين العدو الصهيوني وإيران
لم تعد بعيدة.
والسؤال، هل النقاش الداخلي في "إسرائيل"
في شأن توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية والتحضيرات التي يتم الحديث
عنها، وهل هي بمعزل عن موافقة أميركية وخطة معينة؟ وهل هناك اشتراك أميركي فعلي
بضربة كهذه؟ الجواب الطبيعي هو النفي، لأن "إسرائيل" غير قادرة على استيعاب
تداعيات العمل العسكري ضد إيران، وتحتاج الى التدخل الأميركي في مواجهة الرد الإيراني.
لا أحد يملك الأجوبة الجازمة، ولكن
مصادر دبلوماسية غربية تؤكد أن "إسرائيل" وعلى رغم التعبئة التي تقوم
بها لم تتخذ قراراً بعد بأمر مهم كهذا، لاعتقادها أن هدف التعبئة استنهاض الإسرائيليين
بعد العزلة الدولية المحيطة، أما أميركا فكانت ولا تزال ضد ضربة إسرائيلية لإيران
علماً بأن الخيار العسكري وضع منذ فترة بعيدة على طاولة البيت الأبيض ولايزال
عليها، وهو لن ينفذ إلا عندما تتهدّد المصالح الأميركية الحيوية والاستراتيجية في
الشرق الأوسط.
تشير المعطيات عن نمط التفكير الراهن
في الإدارة الأميركية وحسب المناقشات والتسريبات في واشنطن على المستويين
الديبلوماسي والسياسي، أو من خلال مراكز الأبحاث الأميركية القريبة من الإدارة
الأميركية، بأن الحرب مستبعدة ضمن المعطيات الحالية، وأن واشنطن لن تستطيع أن تسمح
لـ "إسرائيل" بمغامرة كهذه في ظل الصعوبات التي تواجهها الولايات
المتحدة اقتصادياً وعسكرياً في أفغانستان والعراق وسياسياً في مواجهة التضامن
الدولي مع طلب السلطة الفلسطينية الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة
فضلاً عن التداعيات المتوسطة والبعيدة المدى للأحداث والأزمات العاصفة في العالم
العربي وما يمكن أن تقود إليه في النهاية وتأثيرها على الموقف من "إسرائيل"
في عدد من الدول العربية التي كانت أنظمتها مجرد أدوات مطواعة لدى واشنطن ولمصلحة
"اسرائيل".
وهناك أيضاً، إيران القوة الإقليمية
القادرة والمؤهلة والتي تتابع حشر أميركا في العراق، حيث صار لها الكلمة الأفعل
هناك، على الرغم من عدم اكتمال انسحاب القوات الأميركية منه، والخوف الأميركي
تزداد وتيرته مع بدء العد العكسي للانسحاب من العراق، وهناك عامل واحد يجعل من
تهيؤ أميركا لخيار عسكري حيال إيران وارداً، بالتعاون مع "إسرائيل" وهو
تحرر القوات الأميركية من إمكان استهدافها وذلك بعد انسحابها.
ويرى المراقبون إذا كان الانسحاب الأميركي
في المنطقة يسهل الحركة العسكرية لواشنطن ضد إيران، إلا أن هذه الحجة لها ما
يقابلها في استبعاد الخيار العسكري، لأن الانسحاب الأميركي من العراق يأتي في سياق
تراجعي لسياسة واشنطن في المنطقة لا في سياق هجومي، وهو انسحاب سيؤدي عملياً الى
التسليم بنفوذ طهران في العراق والمنطقة عموماً، وباتجاه إيران نحو إحكام إمساكها
بخيوط اللعبة من بغداد الى دمشق وبيروت وغزة وبالتالي فإن واشنطن ستكون أكثر ميلاً
للتفاوض رغم الضجيج المفتعل في أكثر من مكان، وهو ضجيج استعراضي، ولكن الأمر الذي
يثير الريبة والتساؤلات هو موقف الجامعة "العربية" الذي اتخذ قراراً
بتعليق عضوية سوريا في الجامعة، ومثل هذا القرار وتوقيته لا ينفصل عما يجري في
المنطقة من أحداث جسام، وهو يؤشر الى أي مدى وصل اليه "عرب" أميركا في تقديم
الخدمات المجانية لسيدهم الأميركي، مثل هذا القرار يفتح النار على منظومة المقاومة
في الأمة العربية، ويؤشر لمرحلة جديدة من الصراع، ويلقي الضوء على المسار المحتمل
للتطورات التي تجري في المنطقة.
وهنا تفسير آخر للعبة قرع طبول الحرب
الإسرائيلية – الأميركية وهي تعني تصدير الأزمات الداخلية الاقتصادية والمعيشية في
الكيان الصهيوني ومحاولة اختراق جدار العزلة الدولية جراء الاعتراف الدولي
المتنامي بالدولة الفلسطينية وبحقوق الشعب الفلسطيني.
إنه مجرد عاصفة رملية أو دخانية يثيرها
الأميركيون والإسرائيليون، من أجل تغطية الانسحاب الأميركي من العراق، والذي يراد
له أن يتم بأقل قدر ممكن من التهديد الأمني، وليس صدفة أن يتحول التهديد الإسرائيلي
بالحرب على إيران الى هوس جماعي، والمؤكد أن العلنية تسحب من خيار، الحرب وظيفته
وجدواه، وهي تحرم عنصر المفاجأة في حكومة مترددة خائفة، وإلا كانت شنت الحرب دون أن
تسأل الجمهور رأيه، لا فرق إذا كان النقاش حول الحرب فُتِح في تل أبيب أو واشنطن،
وفي هذا السياق جاء تقرير صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، عن إعادة توزيع القوات الأميركية
المقاتلة في مختلف دول الخليج وفي مواقع مقابلة لإيران وجاهزة لضرب أهداف إيرانية أو
لمنع قوات إيرانية من التقدم نحو سد الفراغ الأميركي المرتقب في العراق، وهي عملية
بدأت بالفعل ويشارك فيها كما يبدو الجيش الإسرائيلي الذي وضع في حالة استعداد
لاحتمال الحرب على إيران، ما استدعى فتح النقاش العلني العام في "إسرائيل".
لقد وقفت إيران الى جانب العراق في
محنته وخلقت الظروف المناسبة التي جعلت الاحتلال الأميركي بكلفة عالية، هي دعمت
المقاومة وشكلت كابوساً لكل محتل، العراق اليوم يعاني من جراحه، وإيران تستعد
لليوم التالي وهي أكثر عزيمة وإصراراً وغير آبهة بالتهديدات الأميركية والإسرائيلية
التي تحذر طهران، تلك التهديدات خائبة مندحرة خائفة لدرجة القلق من يوم النصر الإيراني
والعراقي، وهنا نقول، الصراع يحتمل اندلاع الحرب ولكن مؤشراته واضحة، وشبه مباشرة،
الخيار العسكري قائم ومحط نقاش إسرائيلي، مع بعض الإيحاءات بإمكان استخدامه، وما
يعزز ذلك الخروج الأميركي من العراق، وفشل الرهان على إسقاط النظام السوري المتسلّح
بإرداة وعزيمة والمتمسك بخيار المقاومة والذي يشكل النواة الصلبة في منظومة
المقاومة في المنطقة.
"إسرائيل" هي الدولة النووية
الوحيدة في الشرق الأوسط، وهي تريد أن تبقى كذلك مهما كلفها ذلك، وبخاصة مهما كلف
ذلك الأميركي وغيره، ولكنها تبدو اليوم خائفة ومذعورة من مشروع إيران النووي لأن
هذا المشروع سيخلق في الشرق الأوسط توازناً نووياً يستحيل معه أن يصبح بالإمكان
استخدام هذا السلاح من جانب أي طرف، وفي وقت تحتفظ فيه إيران بكامل قوتها العسكرية
فيما وراء هذا الهدف، هنا ستبدو الحرب في بدايتها، عندما تصل "إسرائيل"
الى نقطة إقناع الولايات المتحدة بفشل قدرة إيران العسكرية عن طريق استخدام السلاح
النووي ضد إيران.
ويضاف الى ذلك مخاوف "إسرائيل"
من التطورات المحتملة في المنطقة وما يمكن أن تتمخض عنه وهي ستحاول القيام بإجراء
استباقي وتظهر قدرتها الرادعة، لقد أطلق بنيامين نتنياهو رئيس وزراء العدو،
تصريحاً عبر فيه عن نواياه:"إن "إسرائيل" تنتهج الآن استراتيجية أن
تكون قاتلة أو مقتولة"، وهذا يعني أن "إسرائيل" لا ترى أي احتمال
في الوضع الراهن لأن تتخلى عن أهدافها البعيدة، فهي لا ترى أبداً إمكانية لأن تعيش
دون أن تكون قاتلة أو مقتولة.
إن "إسرائيل" الحالية، حتى وهي
تحتل مساحات كبيرة من الأرض العربية، ليست "إسرائيل" النهائية، وإن
المشروع الإسرائيلي لدولة صهيونية ينطوي على توسعات تتجاوز الحدود الراهنة بكثير،
بل إن صورة المنطقة التي تسيطر عليها سياسياً واستراتيجياً لا تحتمل وجود نوايا أو
حتى أحلاماً عربية تتعلق بالتحرر والوحدة.
الخطر النووي الإسرائيلي موجه اليوم
صوب إيران ولكنه لا يقصد إيران وحدها، إنما يقصد إخضاع المنطقة العربية بأكملها
لقبول خطط "إسرائيل" المدعومة أميركيا. إن ارتكاب "إسرائيل"
لهذه الجريمة، إذا وقعت سينطوي على أخطار جسيمة، وبنفس الوقت سيحيط منطقة الشرق
الأوسط بحريق هائل يغيّر ملامحها وتكوينها.
ما الذي يعنيه تقرير وكالة
الطاقة الذرية؟
إن تقرير وكالة الطاقة الذرية الذي صدر
مؤخراً، أشار الى وجود مؤشرات "واضحة" تدل على أن البرنامج الإيراني
يحمل بعداً عسكرياً، وهو ما رفضته إيران في رد فعل سريع، أكدت أن برنامجها أغراضه
سلمية بحتة، وأن للوكالة الدولية جدول أعمال موال للولايات المتحدة، وأكّد الرئيس
الإيراني محمود أحمدي نجاد، "أن إيران لا تحتاج الى القنبلة النووية"
لمواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، وأن الولايات المتحدة تمتلك 5 آلاف قنبلة ذرية
وتتهمنا بإنتاج السلاح النووي، لكن يجب أن يعرفوا أننا إذا أردنا قطع اليد التي أطالوها
على العالم، فلن نحتاج الى القنبلة النووية"، وقال الرئيس نجاد، "إن
المدير العام للوكالة يوكيا أمانو، ينتهك قواعد الوكالة وهو دمية في يد أميركا، فهو
لم ينشر تقارير عن ترسانات الأسلحة في الولايات المتحدة وحلفائها.
وبدوره أعلن الرئيس الروسي ديمتري
ميدفيديف أن التهديدات الإسرائيلية بمهاجمة المواقع النووية الإيرانية تنطوي على
"نبرة بالغة الخطورة" ويمكن أن تؤدي الى كارثة في الشرق الأوسط.
وتلقفت "إسرائيل" تقرير
الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتواصل من خلاله الحملة التي تشنها لإعادة الموضوع
الإيراني الى صدارة الأحداث الدولية، وأحد المعلقين الإسرائيليين أشار الى أن
الكرة في ملعب المجتمع الدولي، في ظل تشكيل بجدوى العقوبات، وفي موازاة الترحيب
الإسرائيلي بمضمون التقرير، رأى الكثير من المعلقين في "إسرائيل": "أن
المعضلة النووية الإيرانية لاتزال مطروحة على طاولة المستوى السياسي الإسرائيلي،
معتبراً انتصار الموقف الإسرائيلي محبط للغاية، لأن المسدس يُدخن، لكن من المشكوك
فيه أن يطلق النار".
وهاجم وزير الدفاع الإسرائيلي من وصفهم
"زارعي الخوف" في إشارة الى إحدى الصحف الأساسية التي تحدثت عن خراب
"إسرائيل"، وأن المقابر لن تتسع للأموات في "إسرائيل"، ويأمل
باراك أن يسارع ما سماه المجتمع الدولي لفرض "عقوبات قاتلة" ضد إيران،
ولكنه في نفس الوقت عبّر عن خيبة أمله بقوله: "إن موقف المجتمع الدولي لا
يبعث على التفاؤل"، وقال وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان: "إن
عدم مبادرة الولايات المتحدة الأميركية على تشديد العقوبات على إيران" يعني أنها
ودول الغرب تسلّم بكون إيران دولة نووية".
وفي ذات السياق قال مسؤول أميركي:
"إن إيران أكبر تهديد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط" وقال المرشح
الرئاسي الجمهوري ريك بيري: "إنه إذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة فسيؤيد
ضربة جوية إسرائيلية الى إيران إذا كانت هناك أدلة على أن طهران تقترب من امتلاك
سلاح نووي".
ما الهدف
"الإسرائيلي" من رفع وتيرة التهديدات ضد إيران؟
والسؤال ما الذي يدعو قادة "إسرائيل"
الى إطلاق التصريحات الحربية ضد إيران في الآونة الأخيرة علماً بأن الفرق ما بين
الأقوال والأفعال مايزال شاسعاً كما يبدو؟ يرى المراقبون أن تزامن التهديدات الإسرائيلية
مع اقتراب انسحاب القوات الأميركية من العراق، يعني أن أميركا تسعى لحرمان إيران
من استغلال الفراغ الناشئ عن الانسحاب لتوسيع نفوذها الإقليمي وخصوصاً في العراق
والخليج، وليس غريباً ما صرح به رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، بأن الانسحاب
الأميركي من العراق يشكل تهديداً لأمن "إسرائيل"، وكذلك فإن إعادة
التصويب على إيران تتعدى الموضوع العراقي ومنها ما يتعلق بالحركات الاحتجاجية التي
تنهش الكيان الصهيوني من داخله وفشل ما سمي عملية المفاوضات والتغطية على رد الفعل
الهستيري الأميركي على منظمة الأونيسكو عقاباً لها على قبول فلسطين عضواً كاملاً
فيها، وفي طليعة الاهتمام الإسرائيلي التصويب على إيران لاستعادة الثابت في السياسة
الصهيونية وهو استبدال الأعداء، بتحوير العداء العربي من عداء للدولة الصهيونية
الى عداء للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
كل المؤشرات والدلائل تؤكد، ليس هناك
ما يدل على وجود قرار أميركي بصدد توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، ولعل
السبب الرئيسي هو التشكيك في جدوى النتائج قياساً الى كلفة المغامرة بجوانبها
المتعددة.
وحول الخطوات التي تتخذها الولايات
المتحدة إزاء النشاط النووي الإيراني في ظل أجواء التهديد بشن هجوم عسكري إسرائيلي
ضد إيران، مصادر الخارجية الأميركية: "في ظل غياب الشفافية وامتثال إيران
للالتزامات الدولية فإننا سوف نستمر في التشاور والعمل مع شركائنا لاعتماد قرار
مجلس الأمن رقم 1929 وغيرها من التدابير المتعددة الأطراف لعزل إيران وفرض نظام
العقوبات المدمر عليها".
وثمة من يرى في "إسرائيل" أن
عملية تسريب خبر الإعداد لهجوم عسكري على إيران، كان الهدف منه عودة التهويل بهجوم
عسكري سيكون له تأثير رادع على الإيرانيين وربما دفعهم الى تعليق مشروعهم، مما
يجعل الكلام عن الهجوم مجرد "حرب نفسية"، وكذلك فإن عودة الجدل حول إيران
تتعلق أيضاً بعملية إعادة التقويم الاستراتيجية التي يجريها المسؤولون في "إسرائيل"
لوضع بلدهم في ظل المتغيرات الكبيرة التي قلبت موازين القوى في المنطقة وتحديداً في
مصر، رغم الحالة الضبابية الراهنة السائدة هناك بفعل الضغوط الأميركية والغربية
للمحافظة على قواعد اللعبة ذاتها.
ولهذا كانت تصريحات وزير الدفاع
الأميركي ليون بانيتا حذرة عندما أشار الى: "أن أي نشاط لوقف البرنامج النووي
الإيراني يجب أن يتم بالتوافق والتنسيق مع المجتمع الدولي وأن أي خطوة إسرائيلية
يجب أن تكون منسقة مع دول المنطقة"، وكذلك كان وزير الدفاع الأميركي السابق
روبرت غيتس قد صرح مراراً، بأنه يعارض هجوماً إسرائيلياً ضد المنشآت النووية الإيرانية،
مشدداً على أن لهجوم كهذا عواقب خطيرة، ومن جهة ثانية أوضح الأدميرال مايكل مولن
الذي أنهى مهماته رئيساً للأركان المشتركة للجيش الأميركي، أن الولايات المتحدة
تعارض شن هجوم على إيران، وأبلغ القيادة الإسرائيلية بوضوح، أن أميركا لا تمنحها "ضوءًا
أخضراً" لشن هجوم.
ويدور الجدل في "إسرائيل" حول ما إذا كانت قد قررت
مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وهناك من يرى بأن خروج النقاش الى العلن يحقق
غايات داخلية أو خارجية مزدوجة، ولكن هناك أصواتٍ تتعالى وتتحدث بذعر وتؤكّد:
"أن الهجوم على إيران يلحق بـ "إسرائيل" ضرراً لا يمكن
إصلاحه".
والمخاطر التي ستلحق بـ "إسرائيل" ستكون كبيرة، وأي
ضربة جوية لن تلغي الخبرات التي راكمتها إيران في هذا الشأن، ولا يقل أهمية أن
إيران سوف ترد أولاً بالخروج من نظام الرقابة الدولية لمشروعها النووي وستعمل على
الوفاء بتهديداتها بالرد على "إسرائيل"،
ومعروف أن إيران لا تمتلك فقط قدرات صاروخية بل هي جزء من منظومة متكاملة في
المنطقة تؤمن بخيار المقاومة في مواجهة المشاريع الاستعمارية التي تستهدف المنطقة.
كابوس الضربة الإسرائيلية على إيران يرهق الرئيس الأميركي باراك
أوباما، رغم أن المعركة مازالت على مستوى التصريحات وربما ستبقى كذلك، بحسب ما يرى
أيوين ماكاشيل، الكاتب في صحيفة "الغارديان"، وذلك نظراً لكون
"الحرب مع إيران آخر ما قد يحتاجه باراك أوباما على مشارف انتخابات رئاسية
مقررة العام المقبل، فيما يظهر الاقتصاد الأميركي في مأزق كبير، عاجزاً عن تغطية
حرب قد تحمل الرقم 4 خلال عقد من الزمن، ربما سيدعو أوباما الى عقوبات اقتصادية
مهما اشتدت وطأتها على الخصم الإيراني، وذلك لتجنب أي فعل عسكري، غير أنه سيكون
صعباً عليه الوقوف خارجاً في ما لو سبقه الإسرائيليون الى الحرب.
اعتبرت التقارير الغربية، أن تهرب واشنطن من الضربة العسكرية
التي قد تكون موجعة لها أكثر من طرف آخر ظهر جلياًَ في تعاطي الإدارة الأميركية مع
ما سمي بـ "المؤامرة الإيرانية" لاغتيال السفير السعودي في واشنطن قبل
عدة أسابيع، إذ لم يستغل الأميركيون الأمر ولم يلبوا رغبة "إسرائيل"
ورغبة السعودية أيضاً التي لطالما دعت لضربة عسكرية ضد إيران حسب وثائق
"ويكيليكس" المسربة، وظهر لاحقاً أن استراتيجية أوباما تجاه إيران تتكئ
على تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أثارت الجدل وبقوة حول الملف النووي
الإيراني.
ويرى المراقبون في "إسرائيل"، أنه في الوقت الراهن
ليس هناك قراراً بمهاجمة إيران، ليس فقط بسبب معارضة الوزراء وقادة المؤسسة
الأمنية، بل أيضاً بسبب معارضة الولايات المتحدة التي تخشى من تبعات الرد الإيراني
على حلفائها في الخليج، ما قد يؤدي الى زعزعة استقرارهم، إضافة الى تعريض إنتاج
النفط ونقله للخطر، واستهداف الجنود الأميركيين ومواطنيها في المنطقة"، ورأى
أن لـ "إسرائيل"مصلحة واضحة في إعادة وضع الموضوع الإيراني على رأس جدول
الأهمال الدولية، بعد أن أزيح عن الواجهة بفعل الأحداث في المنطقة، ولهذا هناك
استعراض للقوة من جانب "إسرائيل" من خلال تدريبات عسكرية خارجية وداخلية
وحديث عن قرار اتّخِذ وأن الهجوم على إيران قادم وأن المسألة مسألة وقت.
وبعد صدور تقرير الوكالة الدولية
للطاقة الذرية، الذي أشار الى بعد عسكري للمشروع النووي الإيراني، ظل الاهتمام
الإسرائيلي منصبّاً على السبا الآيلة الى وقف هذا المشروع، في ضوء خيبة الأمل التي
أصيبت بها المستويات السياسية والأمنية في الدولة العبرية جراء ردود الفعل
"المعتدلة" للمجتمع الدولي، وعاد الحديث عن السيناريوات المحتملة
والمتاحة أم الصهاينة لمواجهة المشروع النووي الإيراني.
ويظهر من هذه السيناريوات عمق المعضلة
التي تواجهها "إسرائيل" في محاولتها التصدي للمشروع النووي الإيراني
بسبب كثرة التعقيدات التي تنطوي عليها وتدني معقولية تحقيقها، وهي تتحدث عن
"عقوبات شالّة" بحيث تخسر إيران مصدر دخلها الرئيس، النفط، وتشديد
العقوبات على إيران من مجلس الأمن، وسيناريو هجوم إسرائيلي منفرد على المنشآت
النووية الإيرانية ثم انضمام الولايات المتحدة وبريطانيا الى هذا الهجوم، وهناك
سيناريو العودة الى المفاوضات مع إيران بعد التأكّد من فشل الخيارات الأخرى، ولأن
روسيا والصين طلبت استئناف المفاوضات.
ومن هنا فأي عقوبات تُفرض سيكون دون
جدوى في ظل الإصرار الإيراني الحازم على دخول "نادي الذرّة" والمسألة
مسألة وقت، لأن فشل السياسة الهجومية للأطراف المعادية سيؤدي الى تآكل ردعها
المزعوم.
على الولايات المتحدة أن تفكر بعواقب مهاجمة إيران
تؤكّد الإدارة الأميركية على كافة مستوياتها على خيار العقوبات
والدبلوماسية، لكن احتمالات الضربة العسكرية فهي موضع نقاش، وفي هذا الشأن حدد
أرون ديفيد ميلر في موقع "فورين بوليسي" خمسة أسباب تكفي لجعل الولايات
المتحدة و"إسرائيل" تفكران مطولاً قبل توجيه أي ضربة استباقية لمنشآت
إيران النووية، ويرى ميلر: "أن "إسرائيل" قد تتخذ هذه الخطوة في
وقت لاحق وليس الآن، والرئيس الأميركي لن يكون في موقف يمكنه ثنيهم عنها، والسبب
الأول أن الضربة يمكنها تأجيل المسار النووي الإيراني لسنتين أو ثلاث سنوات فقط،
والبديل هو توجيه ضربة كل سنتين ما يترك المنطقة في حالة دائمة من المواجهة والسبب
الثاني هو أن أحداً لا يمكنه منع إيران من الحصول على سلاح نووي باستثناء إيران،
والسبب الثالث، أن هناك تكاليف شديدة التأثير على المصالح الأميركية على خلفية من
الركود الاقتصادي، والرابع أن هذه الضربة العسكرية ستعطي شرعية وستزيد شعبية إيران
في الشرق الأوسط، والسبب الخامس أنه، إذا ضربت "إسرائيل"، ستشارك
الولايات المتحدة بالضرورة، ورأى ميلر، أن هذا الأمر الواقع يترك خيارين لا ثالث
لهما، "عمل عسكري خطير، ويحتمل أن يكون كارثياً، أو تعلم العيش مع إيران
نووية يمكن أن تعيد بشكل كبير صياغة ميزان القوى في الشرق الأوسط".
الكونغرس الأميركي يضغط لعقوبات شاملة على إيران والإدارة
متريثة حتى الآن، والسيناتور الجمهوري مارك كيرك كتب: إذا لم يسع البيت الأبيض
لانهيار المصرف المركزي الإيراني، فإن الكونغرس سيتصرف، ووصف تعامل أوباما مع
تقرير وكالة الطاقة بأنه "إهمال للأمن القومي".
الحرب الأميركية – الإسرائيلية على إيران تكاد تكون مستحيلة،
الحرب تحتاج الى قدرات غير متوفرة، وهم لا يملكون الأدوات والوسائل ولا حتى
الإمكانات المالية لخوض صراع يتعدى الأسبوعين، إذا ما احتفظ الإيرانيون بإرادة
القتال وبعض أساليبه غير التقليدية، وثمة معادلة بسيطة تفيد بأن دول مفلسة أو
مهددة بالإفلاس لا تستطيع أن تخرج الى الحرب، إلا إذا كانت تضمن أنها ستحقق مكاسب
اقتصادية هائلة، وهو ما لاينطبق على إيران.
العنوان النووي مفتعل واستند الى تقرير الوكالة الدولية للطاقة
الذرية الى معلومات قديمة تعود الى ما قبل غزو العراق، وكان الرئيس محمود أحمدي
نجاد قد ذهب الى نيويورك في أيلول الماضي حاملاً رسالة علنية صريحة ومباشرة الى
الأميركيين ونشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" ومفادها، أن إيران مستعدة
لوقف تخصيب اليورانيوم نهائياً إذا ما توصلت الى صفقة لشراء اليورانيوم المخصب
لمفاعلاتها النووية، ولم تلق تلك الرسالة آذاناً مصغية من أميركا أو الغرب عامة،
حيث أثارت حالة من الجدل في إيران، وحققت أهم الأهداف الغربية من إطلاق حملة على
معسكر البرنامج النووي الإيراني من الداخل، وغاية الغرب أنه لا يريد أن يعطي
الانطباع بأن خروجه من العراق يمكن أن يوضع في خانة الانتصارات لإيران.
البشرية أمام مفترق طرق، فالتحضيرات الحربية لمهاجمة إيران بلغت
حالة متقدمة من الجاهزية، حيث تمّ نشر منظومات الأسلحة العالية التقنية على نحو
شامل، والولايات المتحدة وحلفاؤها يقرعون طبول الحرب كالعادة في ذروة كساد اقتصادي
عالمي الانتشار.
لقد أصبحت ثقافة القتل والعنف راسخة لدى دول الغرب الاستعماري
بوصفها جزءًا من المسار الاجتماعي: ينبغي حماية الوطن والدفاع عنه، وتؤيد
ديمقراطيات الغرب "العنف المشرعن"، والتعبئة العسكرية التي تقوم بها "إسرائيل"
والناتو والولايات المتحدة، ومن ضمنها التدريبات والمناورات التي لها صلة مباشرة
بالحرب المفترضة على إيران، وتشكّل هذه التهديدات المبطنة، وضمن ذلك تقويتها إشارة
واضحة للقوى السابقة في فترة الحرب الباردة بألا تتدخل بأي طريقة لإعاقة هجوم
تقوده الولايات المتحدة على إيران، والهدف الاستراتيجي في المدى المتوسط هو
استهداف إيران وتحييد حلفائها من خلال دبلوماسية القوة.
ومن هنا محاولة الولايات المتحدة الضغط على "عربها"
من السعودية ودول الخليج وتجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية وتغذية الفتنة
ومحاولة إضعاف سوريا وإشغالها في الأوضاع الداخلية، بهدف زعزعة منظومة المقاومة
والممانعة في المنطقة، وفي غضون ذلك أيضاً قرر البيت الأبيض تمديد حال الطوارئ
تجاه إيران لمدة سنة إضافية والتي كانت قد أعلنت في 14 تشرين الثاني 1979، وأعلن
الرئيس الأميركي حال طوارئ وطنية تجاه إيران، للتعامل مع التهديد الغريب
والاستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية واقتصاد الولايات المتحدة بسبب الوضع
في إيران.
إيران متمسكة ببرنامجها النووي، وهي لن تتراجع "قيد
أنملة" عن برنامجها، وهي حصلت على دعم قوي من روسيا التي عارضت تشديد
العقوبات عليها، وتوعد مساعد رئيس أركان القوات الإيرانية الجنرال مسعود جزايري
بتدمير "إسرائيل" إذا هوجمت بلاده، وقال إن محطة ديمونا "النووية
الإسرائيلية" هي أسهل موقع قد نستهدفه، ولايزال لدينا المزيد من القدرات،
وإذا حصل أدنى تحرك للكيان الإسرائيلي ضد إيران، فإننا سنشهد تدميره، ردنا على
هجوم لن يقتصر على الشرق الأوسط، بل لدينا مخططات جاهزة للتحرك.
بقي أن نذكر بأن المنظمة اليهودية
الأميركية كانت قد نشرت استطلاعاً للرأي في الولايات المتحدة تفيد نتائجه بأن
غالبية الأميركيين يؤيدون أن تقوم "إسرائيل" بتوجيه ضربة ضد إيران وهذا
ما دفع أحد المعلقين الإسرائيليين للقول ساخراً: "الأميركيون يحبوننا لدرجة
أنهم يشجعونا على الانتحار عوضاً عنهم".
محمود صالح