الإسلاميون يتقدّمون في الانتخابات
الحكم هو الإختبار
كادر:- في مصر يتحالف المجلس العسكري و"الإخوان المسلمون"
لتقاسم السلطة، الرئاسة مقابل البرلمان- ليس المهم الفوز في صناديق الاقتراع، إلا أن المحك الحقيقي
سيكون في مدى النجاح في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتخلص من المعاهدات
التي التزم بها النظام البائد مثل اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة وتحرير مصر من قيود
المساعدات الأميركية- شباب ميدان التحرير كان لهم السبق في إطلاق الشرارة
الأولى لثورة 25 يناير وسيكون دورهم كبيراً في رسم السياسات المصرية وهم رمز للنقاء
الثوري واكتسبوا الشرعية- عملية
تشكيل الحكومة ودستور جديد للبلاد وصلاحيات الرئيس القادم كلها استحقاقات لها أثقالها
الكبيرة، ومصر في فترة اختبار حتى نهاية كانون الثاني 2012، والصراع يدور بين
شرعية ميدان التحرير وما أسفرت عنه صناديق الاقتراع. أطلق شباب مصر العلمانيون والليبراليون والديمقراطيون
والجامعيون والمثقفون والإعلاميون ثورة 25 يناير "كانون الثاني من العام
2011" ويتطلع الشعب الى مصر عصرية تواكب الديمقراطية والتطور بشكل سليم وعبر
الإعلام الحر.
هلل الجميع للثورة، وقال العارفون: إن التغيير في مصر لن
يقف عند حدودها فقط، وعندما أخذت الثورة مداها وبعد التأكد من حتمية سقوط نظام
مبارك، قامت الأحزاب المصرية وعلى رأسها الإسلامية بركوب الوجه، وانضموا إليها واستغلوا
أهدافها ليروجوا الى أفكارهم وشعاراتهم ومع انضمامهم الى الثورة، بدأت تغيير
الرؤية حولها، وحول مسارها، والتغيير حصل لمصلحة الأحزاب الإسلامية، الحرية
والعدالة الإخواني، والنور السلفي، والكتلة المصرية وحزب الوسط وغيرها، فكانت فرصة
لهذه الأحزاب لأن تستغل الثورة تحت شعارات دينية من دون تقديم أي برنامج أو رؤية
مستقبلية لبناء مصر.
وقبل الانتخابات التي جرت في 28 و 29 تشرين الثاني، شعر
الشباب أن الثورة سُرِقت منهم، فعادوا بالنزول الى ميدان التحرير ليؤكدوا وجودهم،
وطالبوا بتأجيل الانتخابات، غير أن المجلس العسكري حاكم مصر الجديد والموقت، أصر
على إجراء الانتخابات في توقيتها المحدد.
اكتسح الإسلاميون الانتخابات في المرحلة وحصلوا على 65%
من الأصوات في المرحلة الأولى، مع السلفيين. ثم الأحزاب المدنية والليبرالية
والعلمانية.
لقد صوتت الأحزاب لمصلحة الإخوان ليس تفضيلاً لهم،
ولكنهم الأفضل مقارنة بما يطرحه نظرائهم السلفيين، وبذلك أصبح من الواضح، أن الإسلامينن
هم حكام مصر الجدد دون منازع ويشاركهم السلفيون في الحكم.
صحيفة "يديعوت أحرنوت" كانت قد نشرت لقاءً
خاصاً مع جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية قال فيه:" إن ادارة
الرئيس باراك أوباما تجري حوراً بناءً جرى التوصل الى تفاهمات بين الجانبين تقضي
بأن تحترم هذه الحركة اتفاق السلام مع "إسرائيل".
ويذكر أيضاً، أن الشيخ محمود عامر وسلفيين آخرين كانوا
من أشد المعارضين للثورة المصرية، وعبروا عن رفضهم الإطاحة بالرئيس مبارك، لأن ذلك،
وفقاً لآرائهم، يعد خروجاً عن الحاكم.
ويقول المحلل العسكري المصري صفوت الزيات: إن الانتخابات
الأخيرة والاحتجاجات العنيفة ضد المجلس العسكري التي سبقتها "هزت اتفاقاً
مستتراً بين جماعة الإخوان والمجلس العسكري الذي يتصور نقل السلطة لمدنيين ربما في
العام 2013 بمباركة أميركية"، "ولكن احتجاجات ميدان التحرير لعبت دوراً
محورياً في إجبار المجلس على التراجع وتحديد موعد نقل السلطة في أوائل تموز
2012".
ومن المتوقع أن يطالب البرلمان الجديد بدور كبير في وضع
الدستور الجديد الذي يفترض أن توضع مسودته ويطرح للاستفتاء قبل الموعد المقرر
لانتخابات الرئاسة في حزيران المقبل، وهناك من يرى أن البرلمان سيكون قوياً
وحازماً يتحدى سيطرة الجيش على السياسة، وأن إحدى النقاط المحتمل أن تثير خلافات
ستكون رغبة الإخوان في تحويل نظام الحكم في مصر الى النظام البرلماني بدلاً من
النظام الرئاسي الذي يفضله الجيش وبعض الليبراليين بسبب الخوف المشترك من الإسلاميين
وهذا لن يكون في مصلحة الديمقراطية في مصر.
نتائج الانتخابات مفاجئة للبعض لأنها أتاحت الفوز لإسلاميين
لم يطلقوا الثورة ولم يشاركوا فيها إلا في أيامها الأخيرة، بعدما رأوا في الشارع
المشايخ الشباب من الأزهر يتظاهرون ويهتفون بإسقاط مبارك، قبل ذلك كانت الثورة
بالنسبة إليهم أشبه بمؤامرة خارجية تتعرض لها مصر من قبل شبان وشابات مستوردين
لثقافة أخرى، ولعل بعض الإسلاميين ولا سيما من حركة الإخوان، اعتقدوا أن الثورة أعادت
العسكر الى السلطة ولا بد من التفاهم معهم، وما حصده التيار الليبرالي واليساري
الذي يمثل طليعة ثوار 25 يناير، كان واقعياً الى حد بعيد، ويقول البعض إن النتائج
كانت متقدمة بالنسبة الى تيار تشكل في خلال تسعة أشهر ويفتقر الى التنظيم والتمويل
والقيادة وحتى الخطط التنفيذية، ونسبة 35 % التي حصل عليها فاقت توقعات كثيرين، من
هنا يمكن القول إن موعد مصر مع الديمقراطية بمعناها الفعلي، أرجئ حتى يكتشف الناخب
المصري الحقيقة ومن يقف عائقاً أمام قيام الدولة العصرية والاقتصاد المستقر.
وهناك من يرى علاقة وثيقة بين ثورات ما يسمى "الربيع
العربي" وصعود تيار الإسلام السياسي من المحيط الى الخليج، ويشهد على ذلك حزب
النهضة التونسي الذي يتزعمه راشد الغنوشي الذي حصل على 89 مقعداً في انتخابات
المجلس التأسيسي التي جرت في 23 تشرين الأول الماضي أي أنه حصل على غالبية الأصوات.
وفي مؤشرات صعود تيار الإسلام السياسي حصول حزب
"الحرية والعدالة" الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر على
40 % من الأصوات في المرحلة الأولى وتلاه حزب "النور" السلفي.
وكذلك الأمر في المغرب حيث نجح حزب "العدالة
والتنمية"، "إخوان المغرب" في السيطرة على البرلمان بحصوله على 107
مقاعد في الانتخابات التشريعية التي جرت في 25 تشرين الثاني الماضي.
تلك النتائج أثارت القلق عند الليبراليين والقوميين واليساريين
والأقليات خشية من أن لا يؤدي "الربيع العربي" الى التحرر الوطني
والاستقلال والسيادة والكرامة والعدالة والتنمية والديمقراطية، وإنما الى دولة
دينية تتحكم فيها أحزاب توظف الدين لتحقيق أغراضها السياسية، وبالرغم من التطمينات
التي أرسلها قادة إسلاميين، مثل راشد الغنوشي في تونس، وبن كيران في المغرب
والدكتور محمد بديع وعدد من القادة الإسلاميين في مصر، وليس المهم ما يقوله بعض
القادة الإسلاميين الأكثر تنوراً وانفتاحاً وإنما ما يقوله قادة آخرون مثل
السلفيون في مصر الذين حصلوا على 20 % من الأصوات.
وفي جميع الأحوال ليس المهم في الفوز في صناديق الاقتراع
ووصول الأحزاب الإسلامية الى السلطة في كل من تونس ومصر والمغرب، إلا أن المحك
الحقيقي سيكون في مدى نجاحها في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
الجسيمة السائدة في هذه البلاد، والتخلص من النفوذ الأجنبي الذي يتحكم بمفاصل أساسية
في الاقتصاد والسياسة وفي معاهدات علنية وسرية تنتقص من قيمة الحرية الحقيقية
والتي هي حرية الوطن والمواطن ومدى الالتزام بقضايا الأمة الأساسية المركزية ومنها
قضية فلسطين، من هنا يمكن القول أيضاً بأن الممارسة العملية هي التي ستثبت مدى صدق
الشعارات الإسلامية المرفوعة.
لكن الحقائق تقول: إن "الإخوان" في ورطة جراء
هذا الانتصار الانتخابي، فأمامهم ثلاثة ملفات تمثل مأزقاً حقيقياً وهي معاهدة كامب
ديفيد والاقتصاد والسلفيون، لقد بنى "الإخوان" شرعيتهم بمعاداة نظام
كامب ديفيد وأدواته وهم اليوم وجهاً لوجه أمام "المعاهدة" وعليهم أن
يثبتوا الآن بالأفعال، إن كانوا يريدون إلغاء تلك "المعاهدة" وإن لم
يجرؤوا على المس بها، ما يعني، أنهم لم يأتوا بجديد؟
والمأزق الآخر، هو الوضع الاقتصادي الذي بات في كارثة
حقيقية، ومصر ليست دولة نفطية، والسياحة تتطلب مزيداً من الانفتاح والحريات
ونظاماً اقتصادياً قابلاً للتعامل مع النظام المالي العالمي.
وهناك السلفيّون وعملية تشكيل الحكومة والدستور وصلاحيات
الرئيس القادم، وكلها استحقاقات لها أثقالها الكبيرة، والسؤال ما هي حقيقة
"الصفقة" بين المجلس العسكري و"الإخوان"، "الرئاسة مقابل
البرلمان"، مصر مازالت في فترة اختبار حتى نهاية كانون الثاني
"يناير" ونهاية المرحلة الثالثة والأخيرة للانتخابات، وهل تعود مصر الى أجواء
ثورة 25 يناير في الاحتفال بمرور عام على الثورة؟ وخصوصاً إذا ما حدث استقطاب في
المجتمع بين شرعية الميدان وشرعية الانتخابات.
كادر: وفي المغرب فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات وستكون
مهمة الحكومة الجديدة رفع مستوى معيشة المواطن وإنعاش المناطق الريفية وحل مشكلة
البطالة وتشجيع السياحة، أي مشاريع تنموية دون أن يطال ذلك الأسس التي يقوم عليها
النظام في المغرب إن "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي
في الانتخابات التي جرت في 25 /11/2011 وحصوله على 107 مقاعد ( ربع مقاعد المجلس
من أصل 395 عدد مقاعد البرلمان) يحتم عليه بناء تحالفات برلمانية مع القوى
اليسارية، كي يتسنى له أن ينجح في تشكيل الحكومة الجديدة تطبيقاً للدستور المعدل، إن
الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد هو الذي يتولى تشكيل الحكومة"، لذلك يتطلع
المراقبون الى طبيعة التحالفات التي يتوجب على الأمين العام للحزب "عبد الإله
بن كيران" أن ينجح في إنجازها.
من هنا يرى المراقبون أن بنكيران بات ملزماً، ولأسباب
موضوعية أن يتوجه الى أحزاب "كتلة الديمقراطية" المشكلة من ثلاثة أحزاب
يسارية هي:
- حزب الاستقلال: ويتزعمه رئيس الحكومة السابق عباس
الفاسي، وقد حاز حزبه على 60 مقعداً واحتل بذلك الموقع الثاني.
- حزب الاتحاد الاشتراكي: للقوات الشعبية، ويتزعمه عبد
الواحد الراضي رئيس مجلس النواب الحالي والذي انتهت ولايته بانتخاب مجلس جديد وقد
حاز على 29 مقعداً.
- حزب
التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقاً) وحاز على 18 مقعداً.
وفي المغرب ستكون مهمة الحكومة الجديدة قيادة البلاد في
الميادين المختلفة وبهدف رئيس هو رفع مستوى معيشة المواطن وإنعاش المناطق الريفية،
وتشجيع صناعة السياحة، وحل مشاكل البطالة، أي طرح مشاريع تنموية عامة، تنتقل
بالبلاد الى محطة جديدة، دون أن يطال ذلك الأسس التي يقوم عليها النظام أو آليات
عمله المضبوطة بدستور معدل حديثاً.
كادر: وفي تونس فاز حزب
النهضة الإسلامي، تم انتخاب مجلس تأسيسي في أعقاب الثورة وظيفته تقف في منعطف
تاريخي، وعليه أن يعيد صياغة النظام السياسي باعتماد دستور جديد وقوانين جديدة
تنظم الحياة السياسية في البلاد وهناك من يحاول رفع الشورى الإسلامية الى مستوى
الليبرالية السياسية الغربية لكي يوظفها لدعم أطروحاته السياسية لبناء الدولة
المدنية وهناك من يتحدث عن الخلافة الراشدة، فإلى أين ستمضي الأمور؟وتم انتخاب مجلس
تأسيسي في تونس في أعقاب ثورة شعبية، وظيفة المجلس تقف في منعطف تاريخي، ستكون أبعاده
المتعددة على مستقبل البلاد. إن إضفاء الطابع
الليبرالي التحديثي على مضمون الحركة الإسلامية في تونس في تصور الشيخ راشد
الغنوشي هو في الجوهر الأعم، يمثل استلهاماً وتمثلاً لتجربة حزب التنمية والعدالة
الحاكم في تركيا، وهكذا فإن انتقاده للممارسات الأصولية، وباحتمائه بالسلطة
المرجعية للحركة الإسلامية الحاكمة في تركيا ذات الطابع الإصلاحي الليبرالي، يحاول
أن يرفع الشورى الإسلامية التي تعتبر ركيزة أساسية في تصور الحركة الإسلامية الأصولية
في الحكم، الى مستوى الليبرالية السياسية الغربية لكي يوظفها في تدعيم طروحاته
السياسية لبناء الدولية المدنية، فهل سيلتزم حماد الجبالي الأمين العام لحزب
النهضة بهذا النهج الليبرالي، أم أنه سيوظف الديمقراطية التي عبدت الطريق لوصول
النهضة الى السلطة لينقلب عليها لاحقاً، وهو الذي قال في سوسة مسقط رأسه في الساحل
الشرقي التونسي مخاطباً أنصار حزبه: "يا إخواني أنتم الآن أمام لحظة تاريخية أمام
لحظة ربانية في دورة حضارية جديدة إن شاء الله في الخلافة الراشدة السادسة،
مسؤولية كبيرة أمامنا والشعب قدم لنا ثقته، ليس لنحكم لكن لنخدمه".
لقد كانت الانتخابات
التونسية الأخيرة بمثابة المختبر الأول لقياس درجة الوثوق والإيمان بإمكانية
التحول الديمقراطي، والتمسك به من جميع القوى والتيارات التي أصرت على إنجاح
التجربة، حيث حصل حزب النهضة الذي يرأسه راشد الغنوشي على أعلى الأصوات والمقاعد
الانتخابية، ثم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وهو حزب ديمقراطي علماني يرأسه
الدكتور منصف المرزوقي وهو رئيس سابق للرابطة التونسية لحقوق الإنسان وقد جاء
بالمرتبة الثانية، أما التيار الثالث فهو حزب العريضة الشعبية المستقلة الذي
يرأسها الإعلامي التونسي محمد الهامشي الحامدي، أما التيار الرابع فهو التكتل من أجل
العمل والحريات ويرأسه اليساري مصطفى بن جعفر، وهو يمثل تياراً علمانياً، وشكل
اليسار العلماني تياراً انتخابياً خامساً ضم في صفوفه الحزب الشيوعي التونسي والذي
أبدل اسمه الى حركة التجديد، وكان هناك الحزب الديمقراطي التقدمي بزعامة أحمد نجيب
الشابي التيار الأكثر تشدداً ضد الاتجاهات الدينية.
ويمكن القول إن
الدرس التونسي أفرز جملة من الحقائق، منها ظهور التيار الإسلامي بثقل كبير في
المجتمع التونسي، حيث قدم حزب النهضة خطاباً تطمينياً حول الحفاظ على مكاسب المرأة
وحقوقها وعلى التمسك بالتعاون مع جميع القوى باستثناء العريضة الشعبية بسبب خلافات سابقة، والمفاجأة كانت في الفوز
الهام لتيار العريضة الشعبية أو"حركة المحرومين" الذي بدا كاسحاً وإن لم
تكتمل أدوات العريضة بعد، حين برع التيار في طرح وبلورة شعارات شعبوية حيث دعا الى
دستور ديمقراطي وعلى المستوى الاجتماعي تقديم منحة بطالة للعاطلين عن العمل والى
ضمان مجاني وغيرها، أن فوز تيار العريضة كان في المناطق الأكثر فقراً وحرماناً،
وهي المناطق التي انطلقت منها الثورة مثل مدينة سيدي بو زيد.
إن مسألة العدالة
الاجتماعية لا سيما للمناطق المهمشة، تشكل محور الصراع الاجتماعي والاقتصادي
والسياسي لا في تونس فحسب، بل في عموم عالمنا العربي، وكذلك فإن سيادة خطاب
الاعتدال والوسطية كان من أسباب فوز القوى التي حصلت على مقاعد انتخابية كبيرة،
حيث كانت هذه القوى بشكل عام تحمل خطاباً توفيقياً ويقول المراقبون: "إن
الحفاظ على هذا المستوى من الأداء والإتيان بدستور ديمقراطي من خلال المجلس
التأسيسي، والتحضير لانتخابات برلمانية جديدة سيكون من أهم وأخطر التحديات للتحول
الديمقراطي في تونس، وهو ما سينعكس على معظم البلدان العربية التي عليها أن تراجع
مسارها على مستوى التيارات والحركات السياسية الإسلامية والعلمانية، وكذلك الأمر
ينظر الى مسيرة التحول الديمقراطي في مصر بكل اهتمام في عالمنا العربي، ورغم ذلك
فإن حالة الجدل ماتزال قائمة حول الدوافع والظروف التي انطلقت بتأثيرها الأحداث في
عالمنا العربي بين مؤيد ومشكك في مسار الأحداث، وهناك من يؤكد أن قوى خارجية
وداخلية كانت جاهزة تماماً لركوب موجة الأحداث و"الثورات" وقدمت إمكانياتها
الكبيرة لمصادرة هذا التحول الديمقراطي حيث عمدت الى خلط الأوراق في أكثر من مكان
في لعبة مكشوفة لتحقيق مكاسب استراتيجية بعيدة المدى.
فوز حزب العدالة
والتنمية الإسلامي في الانتخابات الأخيرة في المغرب يأتي بعد فوز نظيره حزب النهضة
في تونس، وفوز "الإخوان المسلمين" في مصر، كلها مؤشرات تشير الى المرحلة
القادمة في المنطقة العربية سوف تتميز بوجود الإسلاميين في السلطة بشكل أو بآخر،
وهناك توقعات بفوز مشابه للإسلاميين في اليمن والأردن والجزائر.
إن تجربة الإسلاميين
في الجزائر والسودان وغزة قادت الى مشاكل كبيرة ومنيت بالفشل بسبب العوامل
الخارجية، والسؤال: ما الذي في تغيّر المعادلات الدولية؟ يقول كثير من الإسلاميين إن
دورهم قد جاء ومن حقهم أن يحكموا بعد أن حكم القوميون والليبراليون والاشتراكيون
في البلدان العربية، ويجب أن لا يجادل أحد في ذلك الحق ما دام يأتي عن طريق
الديمقراطية والانتخابات، لكن ما يظل خاضعاً للنقاش والجدل والتخوف العميق والمبرر
هو منسوب ترسخ اعتقاد الإسلاميين بالديقمراطية وبمضامينها الواسعة والكلية،
وخضوعهم لمنطق تداول السلطة وعدم التمسك بها، وحقيقة موقفهم من قضايا الصراع في
المنطقة وخاصة قضية الشعب الفلسطيني، ومدى استعدادهم لتقديم أنفسهم بصورة أكثر قوة
وتمسكاً بقضايا الأمة وعدم الخضوع للإملاءات الخارجية في سبيل الحصول على الرضا
الأميركي والتركي والغربي عموما!.
وهناك من المراقبين
من يقول: "لا تغييرات سياسية حادة لمدى فوز الإسلاميين بالأغلبية على تشكيل
السياسة الخارجية لمصر، ولا سيما في ظل تصاعد مخاوف الغرب "وإسرائيل"، وإن
الإسلاميين لن يحدثوا تغييرات في السياسة الخارجية المصرية، لأن سياسة الدول تتحدد
حسب المصالح، وليس وفقاً للإديولوجيات والولايات المتحدة عندما كانت تدعم الأنظمة
في السابق، فإن كل ذلك نابعاً من إيمانها بضرورة تحالفها مع أنظمة قوية لديها القدرة
على حماية مصالحها في "الشرق الأوسط، وبالتالي فإن التيارات الإسلامية مجبرة
على النزول من علياء التفوق الأخلاقي الى أرضية الواقع السياسي.
إن ميدان التحرير في
القاهرة سيلعب دوراً في رسم السياسة المصرية على المستويين الإقليمي والدولي، وهذا
الميدان اكتسب شرعية الطلقة الأولى وله فضل السبق في الفعل الجماهيري الثوري فيما
يخص ثورة 25 يناير، لكن هناك تيارات سياسية أخرى لعبت دوراً بارزاً في حماية
الثورة، والوصول بها الى اللحظة التي أسقطت مبارك في 11 شباط الماضي، وهذه القوى
تلعب دوراً سياسياً واضحا، عندما تمكن شبان وشابات ميدان التحرير إطلاق شرارة
الموجة الثانية من الثورة في 19 تشرين الثاني الماضي، لكن المجلس العسكري
والتيارات الإسلامية ولا سيما الإخوان استطاعوا إجهاضها، لأن المجلس العسكري يملك
زمام السلطة، والتيارات الإسلامية منظمة وتدرك جيداً دروب ومسالك العمل السياسي، أما
المعتصمون في ميدان التحرير فهم يتسمون بالنقاء الثوري والتمسك بمبادئ الثورة
السامية، وبدون أغراض حزبية أو سياسية ولكن ينقصهم الخبرة والسياسة والدعم، وهذا
يعني أن الثورة مستمرة حتى إحداث التغيير الحقيقي المنشود.
نبيل
مرعي