مرسي يطبّع علاقاته مع العدو الإسرائيلي
ويجدّد إعتراف نظام "الإخوان المسلمين" به
يخطىء مَن يظن أن النزاع الداخلي في مصر قد حُسم لمصلحة الإخوان المسلمين في شكل نهائي، ووفق الظروف والمعطيات الحالية ووسائل معالجة الملفات الشائكة وحل القضايا الساخنة وإزالة حقول الألغام من طريق مسيرة صعبة ومعقدة تحدد مستقبل مصر لسنوات طويلة.
المتاح اليوم لأطراف النزاع أن بإمكانها تسجيل نقاط وليس حسم الأمور ويرى بعض المراقبين بأن الرئيس محمد مرسي ربما نجح في مقاربة الأمور بالطريقة التي يرغبها الحلفاء وتتمثل بإعطاء دور ما لمصر خلال هذه المرحلة، والقول بأن مصر بدأت تفرض كلمتها في المحافل الدولية، أي استعادة مصر لدورها المفصلي في قضايا المنطقة وفي لعبة الأمم ولا أحد ينكر الغطاء الأميركي الذي سمح للسلطة الحاكمة الجديدة في مصر إدارة البلاد دون عوائق، والواقع أن الرئيس مرسي ربح معركة ولم يربح الحرب في نزاعه مع القوى التي حملت راية ثورة 25 يناير وقدمت التضحيات، وفي المعادلات الجديدة أن الشعب قد يطلب تدخل الجيش المنقذ ويرحب به على عكس ما كان سيحدث لو تدخل المجلس العسكري المنحل بقيادة المشير طنطاوي، إذ أنه كان سيقابل بعاصفة من الشجب لإشعال نار ثورة ثانية تطالب بإسقاطه.
التحديات مازالت ماثلة أمام السلطة الجديدة في مصر في ظل وقائع مثيرة، ومؤسسات النظام لم يحصل فيها أي تعديل دستوري فعلي وعميق حتى الآن، كانت المؤسسة العسكرية هي الطرف الذي يحرك السلطة السياسية خلف الواجهة ولأنها تسيطر على ثلث فعاليات الاقتصاد المصري ومرافقه، ثم جاء التحدي الاقتصادي الاجتماعي الموروث وما استجد بعفل الفوضى أو التخريب المتعمد الذي تمارسه القوى الاقتصادية بهدف تطويع الإرادة السياسية، وتم الاحتفاظ بالدعم الأميركي السنوي وقيل إن هذا الدعم يخص المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، أما لمعالجة المديونية فتم التوجه الى دول الخليج وكان على السلطة الجديدة أن تقدم سلفاً موقفاً مؤيداً لسياسة الخليج الإقليمية وتأكيد مشروعية تحركاتها، وكذلك قامت "إسرائيل" بامتحان الموقف المصري، وهذا أكّد التزامه بالاتفاقيات الدولية والإقليمية في إشارة واضحة الى اتفاقية كامب ديفيد، وفي الاتجاه نفسه يراقب الأميركيون حركة النظام ولا يحكمون عليها حكماً نهائياً وحتى حين تتقاطع مع سياستهم.
لقد كان "الإخوان " ضد العلاقة مع "إسرائيل" وضد كامب ديفيد وهم اليوم في قمة السلطة يتحدثون عن احترام المواثيق والمعاهدات، والسؤال، كيف سيتعامل هؤلاء مع مسائل حساسة وساخنة، منها العلاقة المصرية – الأميركية، والعلاقة مع "إسرائيل" في ضوء اتفاية كامب ديفيد المشؤومة؟ وهناك الملفات الداخلية ومنها الاقتصاد والأمن والاستقرار فضلاً عن تحقيق متطلبات الثورة الأربعة وهي العيش والحريات والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
الإخوان والهيمنة على الجمعية التأسيسية للدستور
القضاء المصري منح الجمعية التأسيسية للدستور التي يهيمن عليها الإسلاميون من جهة وقوى ليبرالية ويسارية من جهة أخرى، وتطالب قوى أبرزها "حزب الدستور الذي يقوده محمد البرادعي" والتيار الشعبي الذي يقوده المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي وحركة 6 إبريل واتحاد شباب الثورة وحزب التحالف الشعبي والحزب الديمقراطي الاجتماعي والجمعية الوطنية للتغيير" بـ "صياغة دستور توافقي يعبر عن المصريين بلا تفرقة أو تمييز، عن طريق إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لتعبر عن كل الطيف المجتمعي وإطلاق سراح المعتقلين من شباب الثورة وتكريم أسر الشهداء، ومحاكمة المسؤولين عن قتل وتعذيب وإصابة الآلاف من الشباب الثائر منذ الثورة وحتى الآن، وتطهير مؤسسات الدولة وخصوصاً مؤسسات الأمن والإعلام من العناصر الفاسدة والمتلوثة وحماية النسيج الوطني المصري التاريخي من الإرهاب والتعصب ووضع سياسة متكاملة لفرض السيادة الوطنية الكاملة على سيناء".
إن "البدائل الإسلامية" في مصر وتونس واليمن وليبيا خرجت عن سقف السياسات الدولية، وهي لم تشكل البديل المناسب الذي ينهض بالأمة ويقوي عزيمتها ويضع دعائم أساسية من أجل التغيير نحو الأفضل والالتزام بالقضايا الوطنية والقومية، وهذه "البدائل" لم تطرح فكرة تشكيل منظومة سياسية إقليمية جديدة توحي بإمكان نشوء كتلة مصالح سياسية واقتصادية وأمنية متمايزة، وبدلاً من ذلك فقد ذهبت بعيداً لإنجاز كل ما من شأنه طمأنة الأميركي والغرب المتصهين بأن مصالحه مضمونة في عالمنا العربي، وإذا كان الرئيس المصري محمد مرسي قد أوحى بأن نظامه سيكتفي بالحد الأدنى من العلاقات مع "إسرائيل" الذي يفرضه اتفاق "السلام" في ظل تعهد مرسي وحكومته باحترامه، إلا أن العبارات الودية للغاية التي حملها خطاب اعتماد عاطف سالم أول سفير لمصر في "إسرائيل" بعد تنصيب مرسي رئيساً، الذي طبّع علاقاته مع العدو الإسرائيلي، وقد أثارت تساؤلات عن مستقبل هذه العلاقة، خصوصاً في ظل مراوغة جماعة "الإخوان المسلمين" ومحاولاتها نفي علاقتها بالسلطة وكأن مرشحها لم يفز بالرئاسة وتاكيد موقفها الثابت من "إسرائيل" واعتبارها عدواً، وكان في خطاب الاعتماد عبارات إطراء لافتة، وخاطب مرسي بيريز في الخطاب بوصفه "صاحب الفخامة رئيس دولة "إسرائيل" عزيزي وصديقي العظيم"، ومعرباً في متن الخطاب عن رغبته الشديدة في تطوير "علاقات المحبة التي تربط لحسن الحظ بلدينا" ومتمنياً أن يكون السفير الجديد "أهلاً لعطف فخامتكم" وفي ثناء لافت أضاف مرسي لبيريز "لي شرف أن أعرب لفخامتكم عما أتمناه لشخصكم من السعادة ولبلادكم من الرغد" وذيل الرئيس المصري خطابه ممهوراً بعبارة "صديقك الوفي محمد مرسي".
إن مثل هذه الصياغة أعطت "إسرائيل" اعترافاً جديداً من نظام سياسي مصري قائم على فكرة الإسلام السياسي، وهو أمر يسعد "إسرائيل" كثيراً، فهل هذا ما ابتغاه الرئيس مرسي؟
نبيل مرعي
كادر:
الرئيس المصري محمد مرسي في نزاعه مع القوى التي حملت راية ثورة يناير ربح جولة "البدائل الإسلامية" لم تطرح فكرة تشكيل منظومة وطنية وقومية؟