تأتي الأسئلة أولاً فتتلوها الأجوبة، من هنا فالأسئلة أحياناً أهم، وربما أصعب، و أحياناً تغني عن أجوبتها. فأنت إن وفقت في طرح سؤال حتام سيقودك تساؤلك إلى جواب أو هذا هو ما يترتب على الأغلب.
في الأسئلة التي طرحتها شعائرية احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية هذا العام، وهذا العام تحديداً، ما يمكن وضعها في خانة الأسئلة التي تغني عن أجوبتها، بل والتي تفضحها سلفاً، والأمرَّ من ما فضحته، مثلاً:
وأية قدس يحتفلون بتنصيبها عاصمة للثقافة العربية؟
أهي المحتلة منذ ما قبل ستين حولاً، أم المحتل مما تبقى منها منذ ما قبل اثنتين وأربعين سنة؟!
أقبل شبه التهويد الكامل لها الذي شارف على الإتمام، أم بعده الذي لا تنقصه إلا استكمال قوائم هدم ما تبقى من بيوت المرابطين من أهلها المقدسيين، وطرد من لا زال لم يطرد منهم بعد؟!
القدس التي لا زالت هي أولى القبلتين، وفيها ثالث الحرمين الشريفين، أم هذه التي ستطيح الحفريات بأقصاها، وتستبدل قبة صخرتها بالهيكل الثالث، أو هذا المبيّت المزعوم الذي قد أتموا بالفعل بناء انموذجه في غربها منذ سنوات؟!
أو ليس هم، ونعني المحتفين بعاصمة محرمة عليهم، يحتفلون اليوم سلفاً بعبرنتها، أو التسليم بمسيرة هذه العملية التي شارفت أمام أعينهم على النجوز؟!
وعليه، أوليس من الواقعية، والصراحة، والشجاعة، والصدق مع النفس، تعديل هذا الشعار الاحتفالي العتيد ليغدو" القدس المحتلة عاصمة للثقافة العربية"... أو إن شئنا الدقة أكثر، والابتعاد عن خداع الذات... أوليس الحري بنا أن نعدله ليغدو "القدس المهوّدة عاصمة لثقافة الإنهزامية العربية"؟!
وقد لا ينقطع حبل تساؤلاتنا المرّة هذه حول المغتصبة المحتفى بها إلى أن يدفعنا بؤس الحال إلى حيث نصل إلى أمرّها، وهو، ومتى تغدو في أدبياتنا... صحفنا، وكتبنا، وفضائياتنا، وخطابنا الرسمي، قبل الثقافي أو بعده، "أورشليم"، أو حتى "أورشلايم"، كما حدث وأن حلت إسرائيل المعترف بها بديلاً عن الكيان الصهيوني قبل الاعتراف، في هذه الأدبيات، وغدت ضيفة مسطّرة بالعربي الفصيح على صفحة خارطة الوطن العربي، الذي أصبح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا... مسطرة عليها بدلاً من فلسطين، ويومياً تطل علينا بوقاحة عبر شاشات بعض فضائياتنا؟!
... قبل أقل من عام استمعت لشاعر من رام الله يتلو قصيدته التي مطلعها كان: على بوابة أوشليم...!
بقلم الاخ...عبد اللطيف مهنا