ابو ابراهيم الاحمد عميد
المزاج : غاضب من اجل فلسطين تاريخ التسجيل : 22/01/2009 الابراج : الأبراج الصينية : عدد الرسائل : 826 الموقع : https://fateh83.yoo7.com العمل/الترفيه : الرياضه
بطاقة الشخصية فتح: 50
| موضوع: بعض المجهول في تاريخ "القدس" القديم الجمعة أكتوبر 09, 2009 10:34 pm | |
| بعض المجهول في تاريخ "القدس" القديم
|
| د.جمال الدين الخضور | |
إن تاريخ بلاد الشام عموماً، وفلسطين خصوصاً، والقدس في القلب منها هو التعبير الحقيقي عن السياق والمسار العروبيين، والعربيين بشكل عام. فالقدس هي التاريخ الحقيقي للعرب. لأن وجودها المكاني والزماني (الزمكاني) متواشجٌ ومتصلٌ ومؤتلف ومنسجم منذ أكثر من ستة آلاف عام، وإذا ربطنا تاريخ موقعها وما حولها في المرحلة النطوفية، فإن ذلك التاريخ
|
|
سيمتدّ إلى أكثر من عشرة آلاف عام. وهذا ما يميزها عن الحضارات العروبية الأخرى النهرية الجليلة في بلاد النيل وبلاد الرافدين. إن الحضارة النيلية والرافدينية خضعت بمراحل ظهورها الأولى لتأثير البيئة والطبيعة والطوفان، وامتداد العصر الدفيء الأخير، الذي حدّد لحظة انبثاق البُنى الحضارية مع استقرار الواقع المائي (النهري والبحري) لما هو عليه الآن، فامتدت حضاراتهما في الآلاف الستة الأخيرة في السنين. أما البنية الحضارية الشامية، والقدس في مركزها، فيمتدُّ تاريخها إلى ظهور الإنسان العاقل الحالي فالباليوليت بمراحله المتعدّدة فالمزوليت، ونهايةً في النيوليت، أي مرحلة الاستقرار وإتمام التدجين الحيواني والنباتي، والذي يمتدُّ من الألف العاشر حتى السابق قبل الميلاد. فإذا كانت أريحا =مدينة يرح = مدينة الإله القمر، هي عاصمة المرحلة النطوفية من الحضارة العروبية، وسمّيت بذلك نسبةً إلى وادي نطوف قرب أريحا الحالية، وكانت عاصمة الثورة الزراعية (الحداثة الزراعية) النيوليتية، بما حملت من استقرار وتدجين نباتي وحيواني وتطوّر فنون الزراعة والتشكيل والنحت والدفن والثقافة، وميزّها كل ذلك ذلك بمعقوليتها وموضوعيتها ومجتمعيتها (حسب تعبير المفكر العربي الكبير مرقص). بمعقوليتها، لأنها أكدت أن أجدادنا حول القدس ومنذ عشرة آلاف عام يتعاملون مع المكان والزمان بمقولة الـ (هوَ)، وقادرون على قراءة العنصرين المذكورين بموضوعية فكرية عميقة، دفعت بهم إلى الانتقال عبر مسار ذلك التطور، من التذرير، في مرحلة لاقط الثمار والصيد إلى التجمع في مساكن خاصة تمتهن الزراعة. مما أدّى إلى الانتقال من البيت الدائري إلى البيت القائم الزوايا (المستطيل والمربع) والذي يسمح بزيادة عددها إلى جانب بعضها في حال زواج الإبن أو الشقيق. وكانت تلك مرتبطة حتماً بظهور مفهوم (البنوّة)، وبسياقها مفهوم الجماعة والذي انع** بتجمعات سكنية منظمة، انتظمت فيها البيوت قائمة الزوايا في صفوف منسَّقة تدلف على شوارع وأزقة تصبُّ جميعها في ساحة مركزية مما يشير إلى وجود الواقع الميداني المجتمعي. ويظهر ذلك جلياً، حول القدس في مواقع "شقبة" و"أبو سيف" و"أم الزويتينة" حولت أنظار لما بعد نطوفيين لاحقاً إلى موقع القدس الراهن. فقد اكتشفوا أن أريحا كعاصمة نطوفية، مفتوحةٌ جغرافياً تماماً على كل الجهات، وعاجزةٌ عن تأمين عناصر الحماية الذاتية. ومع وصول طلائع اليبوسيين والعموريين مع نهاية الألف الخامس قبل الميلاد، كان لا بد من البحث عن موقع جديد للعاصمة المقبلة تستطيع وبعناصر وجودها الجغرافية والتضاريسية تأمين حماية أبنائها فكان اختيار هضبة القدس الحالية موقعاً استراتيجياً، يعبر عن عناصر المعقولية والموضوعية التي تمت بها الحداثة الزراعية، فعبّروا بذلك عن الامتلاك الفضائي للمكان. فاختاروها على هضبة متعرجة التضاريس، ارتفاعها بين 680-800م، ذات موقع استراتيجي بالنسبة للمنطقة الداخلية من فلسطين، بعلاقة هضبتها بشبكة الطرق الواصلة بين الشمال والجنوب، والغرب حتى الساحل الشامي، والشرق باتجاه الامتداد الطبيعي نحو وادي الأردن. كما أن المدقق في خارطة الشرق العربي يدرك الأهمية الإستراتيجية للقدس على المدى الأوسع، فالممرّ البرّي الجغرافي الوحيد الذي يصل (غرب قارة آسيا) –المشرق العربي-بلاد الشام، بالقارة الأفريقية، يمر من فلسطين باتجاه سيناء، فالشمال النيلي. وهنا لا بد من عبور أحد طريقين، إما الساحلي أو الداخلي. والمدقق بخارطة فلسطين يلاحظ أن الطريق الداخلي يمتد محاذياً لنهر الأردن والغور باتجاه الساحل الغربي للبحر الميت، فبريّة عربة ثم وادي عربة باتجاه وادي الملح المنخفض من وادي عربة أو باتجاه صحراء النقب. وبالتالي، فإن القراءة الإستراتيجية التاريخية للطريق الداخلي تعني أن عابره ميتٌ بالضرورة بالاتجاه المذكور، بحيث لا بد له من الاتجاه غرباً باتجاه المناطق الداخلية الغربية من فلسطين. وهنا لا بدّ من ملاحظة البنية الجغرافية الهامة، والتي قدّرها أجدادنا منذ المراحل الأولى لتوضع اليبوسيين (طلائع الكنعانيين)، وهي أن سلسلة الجبال متواصلة تقريباً من حيفا أولاً وحتى جنوب القدس، حيث تمتد جبال الخليل المتداخلة مع جبال نابلس شمالها، موازية للبحر الميت حتى نهايته جنوباً تقريباً. ترتفع جبال نابلس عن سطح البحر بما يقارب 900م تقريباً، بينما يتجاوز الألف متر بالنسبة لجبال الخليل، وتستمر السلسلة شمالاً بامتداد جبل الكرمل وتنحرف قليلاً نحو الغرب وصولاً إلى حيفا برأس الكرمل. فكان لا بد من الانتقال إلى العاصمة الثانية مع نهاية الألف الخامس قبل الميلاد، إلى القدس=يبوس=إيلياء=علياء=مدينة الشمس، حيث تتوفرّ عناصر الحماية الذاتية جغرافية، وعناصر السيطرة على الممر الشرقي البري، وعناصر الإمداد والسيطرة أيضاً باتجاه الغرب حتى ساحل يافا، وباتجاه الشمال الغربي حتى رأس الكرمل ومدينة حيفا. مع الأخذ بعين الاعتبار أن العاصمة الجديدة تقع في الوسط من منابع نهر "العوجاء" شمالاً وطوله 26كم وينبع من رأس العين في جبال نابلس باتجاه سهول يافا، ومجموعة الينابيع الغزيرة في جبال نابلس التي تشكّل أنهاراً صغيرة تتجه نحو الساحل، ولذلك أهمية خاصة لما بعد الاستقرار الذي أحدثته الثورة الزراعية الفلسطينية. أما بالنسبة للموقع الميداني الموضوعي لمدينة يبوس، وبدون الدخول بالتفصيلات، فالجميع يعرف أنها محاطة بسوارين (الأول وتشكله حلقة من الوديان المتصلة، والسوار الثاني وتشكله سلسلة من الجبال المتصلة المشكلة لحلقة شبه مكتملة) والسواران مع بعضهما المحيطان بمدينة يبوس يشكلان محاور رؤية وحيدة الجانب، بحيث يستطيع من هو في داخل المدينة أن يرى بوضوح وعلى مسافات بعيدة القادمين إليها، في حين لا يستطيع القادم من رؤية ما وراء الجبل أولاً، وخلف الوديان ثانياً وداخل السور الذي بناه اليبوسيون ثالثاً. وأضافوا للسور اليبوسي-العموري-الكنعاني، القلعة السيبوسية المعروفة إلى الجنوب الغربي في قمة جبل صهيون. بهذا الموقع المحصّن طبيعياً وصناعياً تسيطر يبوس=القدس،على الممر الإجباري للقادمين إما من الشمال الشامي على الضفة الغربية للأردن، أو المهاجمين من شرق الأردن، شمال البحر الميت. وبنفس الوقت تستطيع السيطرة على الطرق-الشريط الساحلي- في حال استطاع المهاجمون القادمون اجتياز ممر رأس الكرمل من الشمال باتجاه الشريط الساحلي. ومن الواضح لقارئ التاريخ النقدي بمرحلتيه الما قبل كتابية، حتى ظهور المسمارية والهيروغليفية، ما بعد مرحلة الثورة الزراعية النيوليتية بموضوعيتها وعقلانيتها ومجتمعيتها، والكتابية الموثقة بألواحها ورقمها، ورقمها، من السومرية والأكادية، ومكتبة نينوى، وألواح حضارة عبلة /إيبلا/ الغنية، ووثائق تل العمارنة، إن القدس وعبر مراحل تطورها التي تمتد منذ بداية الألف الخامس قبل الميلاد وحتى الآن، شكلت موقعاً استراتيجياً لكل شخوص-المدن في حراكها، ومحوراً مركزياً في آليات الصراع الداخلية خلال الجولان الطبيعي للجماعات العروبية سابقاً والعربية لاحقاً، أو الخارجية لمن قدموا لاحقاً من خارج المنطقة. وشكلت مع بداية العصر الكتابي مركزاً دينياً هاماً، لآلة التوحيد، ومجمعه الملائكي، وقدّس اليبوسيون الصخرة المقدّسة التي انطلق منها الرسول العربي العظيم محمد (ص) في معراجه نحو سدرة المنتهى. ولا يمكننا أن نهمل أن يبوس =القدس=مدينة سالم كانت محرق كل الأعمال التوحيدية، ومركز اللجوء لكل الأنبياء. ومن الجدير ذكره أن عين جيحون التي شكلت مصدر الماء المعيشي والمقدَّس على امتداد خمسة آلاف عام، تركت قداسة مائها لعين سلوان الذي سمي الوادي الذي تقع فيه باسمها، خصوصاً بعد الرسالة الإسلامية، فيروي خالد بن معدان عن النبي محمد (ص) قوله: [زمزم وعين سلوان التي ببيت المقدس من الجنة]. ومنه قول أبي العلاء المعري: وبعين سلوان التي في قدسها طعم يوهم أنَه من زمزم. ولكل فقرة من الحديث السابق محاور هامة وتحتاج لعدة كتب وأبحاث، لكن ما يهم التذكير به أن مدينة القدس/ التاريخ الحقيقي للعرب. |
|
| |
|