حماس تقف وراء زيادة الحقد والغل ضد مصر منذ توليها السلطة". "عندما شاهدت الحجارة تلقى على المصريين من غزة ظننت أنني في كابوس، ثم هالني قيام قناص من حماس بإطلاق الرصاص على جندي مصري مهمته حراسة الحدود". "جورج غالاوي رجل مشبوه وتاريخه معروف حيث تقلب كثيراً بين جهات مختلفة". الفتاوى التي ترفض الجدار غريبة وتأتي من "أناس يقبضون من دول أخرى".
تلك كانت بعض كلمات الممثل المصري الشهير عادل إمام في الوقفة الاحتجاجية التي نظمها مساء السبت من أجل دعم الحكومة المصرية في قرارها بناء الجدار، واستنكار الأحداث التي وقعت على هامش مرور قافلة شريان الحياة إلى قطاع غزة، ومن حسن الحظ أن الفنانين المصريين المعروفين لم يلبوا دعوته باستثناء محمد هنيدي ولبلبة والكاتب يوسف معاطي والفنان التشكيلي إبراهيم عبدالملاك.
ليست هذه المرة الأولى التي يقف فيها عادل إمام ضد توجهات الشارع المصري، فهو منذ سنوات يفعل ذلك، بل إنه بحسب الكاتب المصري الساخر سليم عزوز، متخصص في دعم التوريث، والتأكيد على أن جمال مبارك هو الأفضل لحكم مصر.
عادل إمام لا يتدخل في السياسة فقط، بل يفتي في الدين والأفكار والقضايا الإستراتيجية، وهو لا يظهر على فضائية إلا ويثير السخرية من بؤس الآراء التي يتبناها، والتي يعتقد أن شهرته كفنان تمنحه فرصة ترويجها على الناس، مع العلم أنه أفلس حتى كممثل، وسائر أفلامه الأخيرة لا تحظى بقيمة تذكر من الناحية الفنية، فيما هو مصر على أنه فنان كل العصور وأنه سيواصل الظهور على الشاشة حتى يأذن الله بأخذ سره كما يقول إخوتنا المصريون.
ما يعنينا في وقفة عادل إمام الاحتجاجية هو عدم قدرته على إقناع أيّ من الفنانين المعتبرين بقيمة ما فعل ويفعل، رغم استثارته للحمية المصرية في تبرير الوقفة، وبالطبع من خلال الحديث عن الجندي المصري الذي استشهد في المواجهات التي وقعت في مدينة رفح، مع العلم أن شواهد كثيرة تدل على أن الرصاصتين اللتين أصابتاه لم تنطلقا من الجانب الفلسطيني، ولو كانت له وقفاته التضامنية مع الجنود الذين قتلهم الإسرائيليون "بطريق الخطأ"، أو الاستخفاف بتعبير أدق، لاستجاب له الفنانون، لكنهم يدركون تمام الإدراك حقيقة دوافعه.
هذا الموقف من الفنانين يؤكد أن عملية التجييش ضد الفلسطينيين التي مارسها الإعلام المصري لم تنجح، رغم استخدام كل الوسائل، بما فيها إصدار الأوامر إلى جميع خطباء المساجد بالحديث عن قضية الجندي والتحريض ضد قطاع غزة وحماس والفلسطينيين.
كل ذلك يؤكد حجم الأزمة التي يعيشها النظام بسبب ممارساته المتعلقة بالملف الفلسطيني، والتي استخدم من أجل التخفيف من حدة ردود الفعل الرافضة لها جميع الوسائل الممكنة، وحين يصل الحال حد الاستنجاد بعادل إمام، وبالطبع بعد الفتاوى البائسة من الأزهر، فإن ذلك يؤكد إحساسه بصعوبة المعركة التي يخوض.
لم يقل لنا عادل إمام بالطبع ما هو التاريخ المعروف لجورج غالاوي، أو الشبهات التي عليه، وبالطبع مقابل مواقفه هو المشهودة، والتي تتلخص في دعم المواقف الرسمية على مختلف الصعد، لا سيما الموقف من الظاهرة الإسلامية بكل تجلياتها، وليس الجزء العنيف منها، لأنه في نقده لم يوفر الإخوان ولا سائر المتدينين، فضلاً عن جماعات العنف التي صورها بطريقة تنطوي على الكثير من الابتذال.
الفنان، مثل الشيخ والكاتب والمثقف، ما أن يضع نفسه في خدمة السلطان حتى يغدو بلا قيمة في الوعي الجمعي للناس، بينما يكون وضعه غير ذلك عندما يستقل بفكره، ويندمج مع جماهير شعبه وأمته في قضاياها المصيرية، وعندما ينحاز عادل إمام وأمثاله لمسارات الفساد والاستبداد والقمع والتوريث، فلن يجدوا من الناس سوى المزيد من السخرية والازدراء.