تنياهو يؤلف حكومة حرب
تدمير العرب وتهجير الفلسطينيين
تشكلت الحكومة الأكبر والأشد يمينية منذ قيام الكيان الصهيوني، وهي تجمع في صفوفها تشكيلة غريبة من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، وهذا ليس صدفة، فالكيان الصهيوني المسخ، هذه البذرة الخبيثة لا تنمو الا وسط الجرائم وسفك الدماء على حساب العرب وحقوقهم، وهذا ما تعنيه تشكيلة الحكومة الصهيونية.
وبنيامين نتنياهو الذي طالما انتقد الحكومات الكبيرة العدد، التي تشكل أعباء ونفقات على المجتمع الصهيوني، فقد شكل الحكومة الاكبر، ثلاثين وزيراً وسبعة نواب وزراء
والسؤال، ما الذي يعنيه تعيين افيغدور ليبرمان (اسرائيل بيتنا) وزيراً للخارجية ونائب رئيس الحكومة، فهذا العنصري الذي فاز في الانتخابات بفضل شعاره "لا مواطنة من دون ولاء" العنصري الموجه ضد العرب، ليبرمان هذا صاحب المهمات القذرة، وصاحب الافكار العنصرية ومواقفه المتطرفة، أدت أدواراً كبيرة في منحه بطاقة الدخول الى قائمة "نادي الزعماء الصهاينة"، وهو الذي بنى شهرته الاساسية على حساب دعواته المتكررة لتهجير فلسطينيي عام 1948، وهو الذي دعا الى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة في مطلع العام الجاري، وكثيراً ما هاجم مصر في الآونة الأخيرة، ولا ينسى أحد تلويحه بتدمير سدّها العالي، وهو الذي دعا الى تدمير سوريا عندما كان وزيراً للشؤون الاستراتيجية وقال حينها "يجب ضرب معامل التكرير، والبنى التحتية القومية، والمطار، والمباني الحكومية، وألا يكون شيء محصناً من الضربات الاسرائيلية".
أما وزير الدفاع ايهود باراك ونائب رئيس الحكومة (حزب العمل)، فيرى ان المصلحة الاسرائيلية تتطلب حروباً وضربات قوية، لتحقيق الردع وتعزيزه، وهو يقول ان "الحروب توفر هامشاً زمنياً مريحاً، لان الدولة العبرية تنمو وتزدهر بين الهوامش الزمنية للحروب، وهنا يمكن النظر الى كلمات باراك، على انها ستكون بوصلة توجهاته وزيراً للدفاع في الحكومة الجديدة، وهو يرى أن قدرات حزب الله العسكرية المتعاظمة تمثل تهديداً حقيقياً حيال الدولة العبرية، ورغم ذلك ينصح باراك (سيد الامن هذا)، "ان على المواطنين الاسرائيليين ألا يخدعوا انفسهم بأن لديهم القدرة على توجيه ضربة خاطفة (للحزب) تؤدي الى اختفاء كل تهديداته".
ويرى باراك أن "التحالف السوري ـ الايراني مع حزب الله والفصائل الفلسطينية المقاومة له انعكاسات بعيدة المدى على اسرائيل بكل المستويات، بدءاً من تقليص المناورة والانفراد بالمفاوض الفلسطيني والضغط عليه لإجباره على تقديم التنازلات، وصولاً الى تحجيم الدور الايراني في المنطقة".
وباراك الذي فشل في فرض شروطه على المقاومين في غزة وهزيمته هناك، يحاول الآن الوصول الى اتفاق تهدئة "بشروط اكثر راحة"، وهو يدعو الى الفصل مع الفلسطينيين كإطار عام للتسوية، خصوصاً في أعقاب فشل قمة "كامب ديفيد" الثانية مع الراحل ياسر عرفات عام 2000، وعن طبيعة هذا الفصل، يدعو الى ان يكون الفصل أحادي الجانب، يقوم على رسم حدود الكتل الاستيطانية التي ستبقى تحت "السيادة الاسرائيلية" وإقامة منطقة أمنية واسعة على الحدود مع الاردن، تشمل مواقع سيطرة وإنذار مبكر على السفوح الجبلية والوسطى، ويكون بإمكان إسرائيل الدخول الى المستوطنات المعزولة الى داخل الحدود.
وعن "التهديد النووي الايراني" يجزم باراك بأنه "لا نية لدينا في السماح لإيران بالوصول الى الطاقة النووية" ويقول: "اننا لا نستثني أي خيار في اطار مساعينا لإحباط برنامج ايران النووي، فالوقت يركض أمامنا ويتسلل بين الأصابع" وما بين الحلم والواقع وعجز كيانه من القيام بهذا الدور، يحاول ان يسوق للعالم ان "إيران تمثل تهديداً دولياً، وبالتالي فإن كل دول العالم معنية بإحباط مساعيها".
الحكومة الاسرائيلية الجديدة هي حكومة حرب بامتياز، وليس صدفة ان يعلن نائب وزير الدفاع الاسرائيلي متان فيلنائي، عن اعتقاده "بأن الحرب ستندلع بين "اسرائيل" وجيرانها في المستقبل، وان الدولة العبرية تستعد لوضع يكون فيه كل كيانها ضمن مرمى الصواريخ".
وكذلك فإن جهات في الائتلاف الحكومي الجديد، تسعى لتعميق السيطرة على القدس الشرقية، عبر مطالبها بتنفيذ خطة استيطانية كانت قد جُمدّت في الماضي لأسباب تكتيكية، وصفت يومها بمعارضة واشنطن، وهذه الجهات المتطرفة التي أوصلت اليمين الاكثر تطرفاً لمثل هذه الحكومة الحالية، تستعد لإلزام نتنياهو بتنفيذ الخطة الكبرى (اي -1) القاضية ببناء (3500) وحدة سكنية لخلق استمرارية وتواصل يهودي بين مستوطنة معاليه ادوميم (في الضفة الغربية) والقدس المحتلة.
"اسرائيل" تحاول ان تكسب الوقت، وهي تقول للعالم، انها ستحتاج الى وقت كاف لبلورة أفكار ومواقف جدية وجديدة، وتلوح بفكرة "السلام الاقتصادي" التي أطلقها بنيامين نتنياهو، ولكنه يحاول بهذا إخفاء الوجه البشع للكيان الغاصب، وهو بهذا يحاول ان يحقق المكاسب ويشترط اعترافاً فلسطينياً بـ"دولة يهودية"، وأعرب الوزير ايلي يشاي وزير الداخلية (شاس) عن معارضته لحل الدولتين وقال "ان الصيغة السياسية التي ينبغي العمل على أساسها هي اقتصادان لشعبين، لا دولتان للشعبين" وقال وزير المواصلات يسرائيل كاتس، ان "الحكومة تعترض على فكرة الدولتين، لقد فشل مسار انابوليس وهو اتفاق غير ملزم".
وإزاء هذه التصريحات الصهيونية، فإن الادارة الاميركية الجديدة برئاسة باراك اوباما، بدأت تتحدث عن خطة للسلام الاقليمي، تقوم على أساس مبادرة السلام العربية، مضافة اليها ضمانات دولية لإسرائيل، وبموجب هذه الخطة تتقدم الدول العربية في التطبيع مع اسرائيل بالتدرج مع تقدم المفاوضات التي ستدار مع الفلسطينيين، وتحاول الادارة الاميركية إقناع اسرائيل بأن تقدم المسيرة بروح مبادرة السلام العربية سيساعد المساعي لكبح جماح التسلح الايراني بالسلاح النووي، وتؤكد الادارة انها ملتزمة قواعد الرباعية والاعتراف بحل الدولتين هو شرط للاتصالات مع حكومة فلسطينية بمشاركة "حماس".
ويبدو واضحاً ان ولاية الرئيس باراك اوباما، ستكون ميداناً للتجارب، من دون أي ضمان مسبق بإمكان نجاحه حيث أخفق غيره، ورغم إرسال المبعوث الاميركي جورج ميتشل الى المنطقة، والاهمية الخاصة لهذه المهمة، والاستماع الى موقفي نتنياهو وليبرمان وبقية الاطراف في المنطقة، وبهدف بلورة سياسة الادارة الاميركية، إلا ان المراقبين يرون أن اوباما يعرض نياته الطيبة حيال شؤون الشرق الاوسط، والمصالح الاميركية تحتم القيام بهذا الدور، وان اسرائيل قادرة على تخريب اية مبادرة سلام لا تتفق مع مشاريع كيانها وأحلامه، وخصوصاً بعدما اكد اركان حكومة "نتنياهو" عندما كانت قدما "أوباما" تطآن ارض تركيا، ان اسرائيل ليست ولاية من ولايات اميركا، وانها لا تتلقى الاوامر من البيت الابيض، وانها اذا كانت اسرائيل تتحدث عن السلام مع الفلسطينيين والعرب، فهي تتحدث عن سلامها هي، لا عن سلام الدولتين وتفكيك المستوطنات والتخلي ولو عن جزء من القدس، ولا عن سلام إعادة الجولان الى سوريا والاعتراف بحق العودة، ولا عن تناسي نمو القدرات النووية لدى ايران.
ومن هنا كان من الواضح حرص الرئيس الاميركي وقادة دولة فاعلة في اوروبا، من خلال اجتماعات لندن وباريس وبروكسيل، على الاكتفاء بالاستماع الى الآراء، وإغراق الوعود من دون الاقتراب من نطاق الوعد بالتعامل مع التعنت الاسرائيلي باعتماد اساليب العقوبات والردع والعداء والمقاطعة، ومثل هذه الامور هي مجرد "أحلام تائهة" فالوقائع والممارسات على الارض تختلف كلياً، وان حديث نتنياهو عن استعداده للبحث في تحقيق السلام هو مجرد محاولة لامتصاص ضغوط المرحلة، ليس الا، وتجميل الوجه الحقيقي البشع لمشاريعه التوسعية المقبلة، وان ما يختفي وراء أحاديثه الدعائية، مخططات تهدف الى طي ملف الدولة الفلسطينية، وتقطيع أوصال الاراضي الفلسطينية اكثر، واحتواء القدس والجولان الى الابد، وتكرار تجارب الحروب مع لبنان، وتفعيل مخططات مشروع تقسيم المنطقة الى دويلات، وتهجير الآلاف من فلسطينيي الداخل الى الدول المجاورة، وجر المنطقة الى حروب مع ايران، وهذا يعني ان اسرائيل ستحاول تمرير ولاية "اوباما" بسنواتها الأربع من دون تمكينه من الوصول بالمنطقة الى أي حل جذري لمشاكلها.
واسرائيل التي تقول بوضوح ان نتائج مؤتمر مدريد ومؤتمر انابوليس وما بينهما نصوص بالية غير قابلة للحياة، بما فيها دور اللجنة الرباعية الدولية، وخارطة الطريق، وصولاً الى المس حتى بالمعاهدات السيئة الصيت وصولاً الى الأسوأ، ولهذا لم يتورع افيغدور ليبرمان عن نعي كل ما اتفق عليه في السابق مع مشاريع الحلول، التي استنفدت الغرض المطلوب منها.
لذلك فإن رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو أوضح للمبعوث الاميركي جورج ميتشل، انه يضع شرطين لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين: الاول، الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، والثاني إسقاط حق العودة بموجب قرار مجلس الامن الدولي 194 لعام 1949، أما وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان فأكد ان المفاوضات منذ اتفاق اوسلو تنتقل من فشل الى فشل والمطلوب الآن البحث عن حلول مختلفة، وان اسرائيل معنية بالتنسيق مع الولايات المتحدة في هذه الحلول، ولا تنوي القيام بخطوات مفاجئة.
الكيان الصهيوني الذي زرع على ارض فلسطين كقاعدة استعمارية متقدمة، هو كيان غاصب قام على القتل والتدمير، وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، هذا الكيان لا يستهدف فلسطين وحدها، بل الأمة العربية بأسرها، وهو الطامع الى نهب خيراتها ومواردها، وهو يستهدف الانسان العربي من أجل إخضاعه وترويضه، والمعركة ضد هذا الكيان الغاصب، هي معركة دفاع عن الوجود وبكل أبعادها.
من هنا فإن مواجهة هذا الكيان هي مسؤولية الأمة العربية بأسرها، وهذا ما أوضحته الوقائع يوماً بعد يوم، فهل أعددنا العدة لمواجهة الكيان الغاصب ودحره وتحرير الارض وصون الكرامة العربية.