في اليمن "السعيد" صراع وتنافس على السلطة
والانتفاضة الشعبية "الديمقراطية" تم اختطافها
وسط
حالة الفوضى والصراع التي اجتاحت اليمن، يبدو أن هناك جملة من الحقائق أصبحت ثابتة
بعدما تبين أن اللاعب الأساسي في الصراع الدائر هناك، هو مجموعة من العوامل الإقليمية
والدولية يضاف إليها الحراك الأساسي وتعدد الأطراف الداخلية المتصارعة.
الرئيس
اليمني علي عبد الله صالح، كان قد وعد وأكّد مراراً أنه سيقبل بالخطة الأصلية التي
سُميت بالمبادرة الخليجية لتخليه عن السلطة لحكومة انتقالية، والتي تمنحه الحصانة
هو وعائلته، بينما الدعوة الجديدة التي يتبناها الحزب الحاكم هي "بقاء الرئيس
في منصبه حتى موعد إجراء "الانتخابات المبكرة".
وقد
اتسمت خطة التحول السياسي التي اقترحها مجلس التعاون الخليجي "المبادرة
الخليجية" بالغموض منذ البداية حيث تم وضعها لإيجاد وسيلة خروج آمن لصالح من
منصبه بعدما أخذت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في اليمن شكل مواجهات دامية، وقد
وافق الحزب الحاكم وكذلك الرئيس صالح، مبدئياً على نقل سلطة الرئاسة لنائب الرئيس
فور التوقيع على المبادرة، إلا أن الرئيس تراجع في اللحظة الأخيرة عن وعده بتوقيع
الاتفاقية.
ويحتدم
الجدل منذ ذلك الحين بين المعتدلين في الحكومة والمعارضة حول تفاصيل الخطة، التي
تم تعديلها عدة مرات بتوجيه من المجتمع الدولي والولايات المتحدة بشكل خاص.
ولكن
حتى الآن، لا يوجد أي تدبير يمكن أن يلبي طلب الرئيس صالح الأساسي، غير القابل
للتفاوض، إلا وجود خطة تضمن عدم وجود سبيل واضح لوصول المعارضة الى السلطة، ويبدو أن
مَن أعدّ الخطة أراد لها أن تأخذ وقتها الكافي وسط حالة الجدل المستمرة ريثما يتم
تأمين الخطط الأخرى التي تخدم المصالح الإقليمية لمعدي الخطة والموافقة الأميركية
عليها.
وحسب
مسؤول حكومي، فإن مخاوف الرئيس صالح الرئيسية تتمحور حول السلام، هل تعرفون ماذا
يعني التنحي بالنسبة له؟ إنه يعني الاستسلام لعلي محسن الأحمر وحميد الأحمر: الأول،
لواء انشق وانضم الى المعارضة والثاني ملياردير في مجال الاتصالات وسليل قبيلة الأحمر
ذات المكانة في البلاد.
الإنتفاضة الشعبية اختُطفت
ويعتقد
الكثيرون، أن الرجلين يستغلان الحركة الاحتجاجية للتنافس على السلطة وتحملها
الحكومة مسؤولية الهجوم بالقنابل على الرئيس وإصابته في حزيران الماضي.
لقد
كانت تكلفة الفشل في الوصول الى اتفاق باهظة التكاليف، حيث هزّت المظاهرات
المناهضة للحكومة المدن الكبرى في جميع أنحاء اليمن ودُمّر الاقتصاد وانتشرت أعمال
العنف، وخرجت المحافظات النائية عن سيطرة الحكومة التي سقطت في بعض الحالات بيد
المتشددين الإسلاميين الذين يرتبط بعضهم بتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.
وعلاوة
على ذلك فإن خيبة أمل المعارضة السياسية في الرئيس صالح قد ازدادت، على الرغم من أنهم
قد أبدوا استعدادهم للتفاوض مع الحكومة، وخلافاً للمتظاهرين في الشوارع، فإن القوى
السياسية، مثل الحكومة مدججة بالسلاح ومستعدة للقتال ولكن الرئيس مايزال متشبثاً
بمنصبه، على الرغم من خطر الحرب الأهلية، حتى لا يترك البلاد لقمة سائغة لمنافسيه
كما يعتقد، وقد تراجع حزبه عن التنازلات التي كان على استعداد لتقديمها عندما كان
الرئيس في السعودية بعد عودته.
ويقول
تحالف المعارضة السياسي في اليمن والمعروف بـ "أحزاب اللقاء المشترك" أن
عودة صالح كان لها أثر سلبي على محاولة التوصل الى حل سياسي.
لقد
قدم الرئيس علي عبد الله صالح تنازلات شفهية كثيرة خلال الاحتجاجات التي بدأت في
كانون الثاني الماضي، منها وعد بالتنحي مقابل منحه حصانه من الملاحقة القضائية،
ووافقت المعارضة على خطة سلام توسطت فيها دول مجلس التعاون الخليجي ولم توافق بعدها
على أي خطة، وتراجع مرات من اللحظة الأخيرة عن توقيع اتفاق، وأطلق في أيار الشرارة
لاقتتال بشوارع صنعاء بين قواته واتحاد قبائل حاشد القوي.
وأجبر
القتال آلاف السكان على الفرار من صنعاء وزاد من احتمالات الفوضى وهو ما يفيد
تنظيم "القاعدة" ويهدد السعودية التي ترغب وهي مصدر تمويل رئيسي للحكومة
اليمنية في السيطرة على عملية الخلافة مثله تماماً، وصالح كان ملتزماً باتفاق مع
السعودية لتسليم السلطة.
لقد أتقن
الرئيس صالح لعبة وسياسة حافة الهاوية حيث أمضى وقت الأزمة وهو يعلن مراراً
وتكراراً أنه على وشك التنحي، وقال مؤخراً:"أنا أرفض السلطة وسأرفضها في الأيام
المقبلة، سأتخلى عنها" ولكنه كرر شرطه، أنه لن يتخلى عن السلطة لمنافسيه من أحزاب
المعارضة الذين يقول عنهم، "اختطفوا احتجاج نشطاء الشباب ويهدفون الى هدم
العملية الدستورية".
وترى
المعارضة اليمنية "اللقاء المشترك"، أن كلام صالح عن التنحي هو التفاف
على مشاورات مجلس الأمن لإنهاء حالة الجمود، ولكن أنصاره يؤكدون: "أنه أظهر
التزامه بالخطة ولكن لا توجد نية للاستقالة أو نقل الصلاحيات قبل الموافقة على
اتفاق والتوقيع عليه، حتى لا تسقط البلاد في حالة من الفوضى أو الحرب".
يعيش
اليمن حالياً أوضاعاً سياسية شبه منهارة وأوضاعاً أمنية وإدارية شبه مغيبة وظروفاً
معيشية معطلة الى حد كبير، فضلاً عن واقع المجتمع المسلح، وقد خابت توقعات
المراقبين في الداخل والخارج عندما تحول الوضع من ثورة سلمية شبابية ديمقراطية الى
مواجهة من العنف والثأر وسط انقسام اجتماعي في البلاد.
وعلاقات
اليمن مع الخارج وخاصة الولايات المتحدة يسودها التوتر والسبب تنامي خلاف حول
كيفية محاربة فرع تنظيم القاعدة في اليمن، وفي حين ينسب كل طرف الفضل إليه في
عملية قتل رجل الدين الأميركي المولد أنور العولقي بهجوم لطائرة أميركية من دون
طيار، نجدهما يتجادلان بشأن أولويات مختلفة، ويتهم مسؤولون يمنيون الولايات
المتحدة بعدم مساعدة القوات الحكومية في محاربتها المعارضين داخل اليمن، ويقولون إن
الكثير منهم متمردون مرتبطون بتنظيم "القاعدة" وينوون مهاجمة الغرب، وفي
المقابل لا يبدي مسؤولون أميركيون اهتماماً كبيراً بالتمرد داخل اليمن، ويرفضون
جذب الولايات المتحدة الى فوضى داخل اليمن، ويظهر الخلاف معضلة تواجه إدارة أوباما،
على الرغم من أنها تعتمد على تعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع حكومة صالح لاستهداف
زعماء تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية الذي يتخذ من اليمن مقراً
له، فإنها ترغب في استقالة صالح في إطار ما يسمى "الربيع العربي" المؤيد
للديقمراطية، وهذا يعني أن هناك حالة من الجدل والخصام، أيضاً على الرغم من مزاعم أميركية،
بأن العلاقات قوية وقائمة على التعاون، ويقول أحد المقربين من الرئيس صالح "إن
الجانب الأميركي يهتم بالوضع السياسي أكثر من اهتمامه بمحاربة الإرهاب".
خطة مجلس التعاون الخليجي المعروض الوحيد
وتأتي
التوترات مع تحول الثورة الشعبية اليمنية التي بلغت أكثر من تسعة أشهر الى العنف،
بينما تتقاتل قوات عسكرية متنافسة وميليشيات قبلية ضد بعضها داخل العاصمة صنعاء
وفي مدن أخرى، وقد فشلت مساع ديبلوماسية في إقناع الرئيس اليمني بالتوقيع على
اتفاق لنقل السلطة صاغة جيران اليمن في منطقة الخليج "مجلس التعاون"
ودعمته الولايات المتحدة وأوروبا، ونجد أن الاضطراب أضعف من سيطرة الحكومة على
الكثير من اليمن، ولا سيما في الجنوب، حيث سيطرة مسلحون إسلاميون، الكثير منهم
مرتبط بتنظيم "القاعدة"، على مساحة كبيرة وخاصة في محافظة أبين، ويخشى
الكثير من اليمنيين والدبلوماسيين أن هذه الدولة الفقيرة على شفا انزلاق الى معترك
حرب أهلية وانهيار اقتصادي.
إن ملف
"القاعدة" ومواجهة هذا التنظيم من قبل الولايات المتحدة بهدف الحيلولة
دون تفاقم خطورته، في دولة يزداد تفككها يوماً بعد يوم وتفقد الكثير من سيطرتها عن
بعض المناطق، يشكل عاملاً رئيساً لتحديد التوجهات السياسية الأميركية في اليمن وأسلوب
تعاطيها مع الثورة وموقفها منها، ومن طرفي الأزمة في السلطة والمعارضة، ولذلك اتسم
الموقف الأميركي تجاه ما يحدث في اليمن، وبالتقلب حيناً وعدم الوضوح حيناً آخر،
والقيام بدور الوسيط المحايد الذي يسعى دون انهيار البلاد، ويعتقد مراقبون "أن
استقرار اليمن يهم واشنطن، وأنها تعمل حتى لا يتجه الى الحرب الأهلية، ولكنها لم
تاخذ موقفاً واضحاً لمخاوفها من تنظيم "القاعدة" وشكوكها في السلطة وعدم
ثقتها بالمعارضة والقوات الداعمة للثورة.
ولأن الرئيس
صالح يعرف حجم المخاوف الأميركية والغربية، من هذا التنظيم فقد عمل على تعزيزها،
ويؤكد خبراء، أن المواجهات الأخيرة في محافظة أبين (جنوب البلاد) بين مسلحي "القاعدة"
وقوات اللواء 25 ميكا المستمرة منذ أواخر شهر أيار الماضي وحتى اللحظة، كشفت
الكثير من الحقائق بتوظيف الرئيس اليمني لملف "القاعدة" بهدق التأثير في
الموقف الأميركي والسعودي من الأحداث التي تشهدها البلاد.
الحرب الأهلية ... الخطر القادم
تقول
مصادر ديبلوماسية غربية في صنعاء: إن واشنطن تعمل على أن لا تنجر اليمن الى حرب أهلية
من خلال الوساطة والضغوط التي تمارسها على طرفي الأزمة في اليمن، لأن الانفجار في
مثل هذه الحرب، قد يجعل اليمن يغرق في الفوضى، ما سيتيح لتنظيم "القاعدة"
الفرصة المواتية للعمل على تعزيز تواجده وتنفيذ مخططاته.
وتؤكد
الولايات المتحدة التزامها بالمبادرة الخليجية، وترى فيها الطريق الأسرع لإرسال إشارة
قوية بأن اليمن يفتح صفحة جديدة هي التوقيع على الوثيقة ثم اتفاق بمجرد التوقيع
حول كيفية التحول الديمقراطي.
في هذا
الوقت يؤكد الرئيس صالح التزامه أيضاً واستعداده للتنازل على شرط ألا يكون ذلك في
صورة "انقلاب عسكري" ضده وقال المراقبون: إن الخارجية الأميركية تريد من
المعارضة وضع اعتبار لشروط صالح، ومجلس الأمن دعا بدوره الرئيس صالح الى توقيع
المبادرة الخليجية من أجل انتقال سلمي للسلطة، وأعلنت الحكومة اليمنية ترحيبها
بقرار مجلس الأمن، ورغم الترحيب اندلعت اشتباكات عنيفة في صنعاء بين أنصار صالح ومناوئيه
خصوصاً أتباع الزعيم القبلي صادق الأحمر.
الانتفاضة
الشعبية التي اندلعت منذ أشهر ورفعت لواء الديمقراطية اختطفها الصراع والتنافس
للسيطرة على الحكم من قبل فصائل نخبوية وزادت الأمور تعقيداً عودة الرئيس علي عبد الله
صالح.
موجات
العنف الأخيرة هي الحلقة الأحدث في المسلسل الطويل وهي انطلقت من صراع داخلي على
السلطة يتعاظم منذ سنوات عدة.
وخلال
فترة نقاهة الرئيس صالح، فإن أحمد صالح الذي كان مرشحاً لوالده وهو خصم قديم للواء
الأحمر، شن الحرس الجمهوري بقيادته العديد من الهجمات التي استهدفت المتظاهرين،
وأدت المعارك الضارية بين النخب ممثلة "باللواء محسن الأحمر الذي انشق عن
الجيش وكان مؤتمناً على أسرار الرئيس من قبل، وحميد الأحمر، ونجل صالح الأكبر أحمد،
الى تقويض التحالف للشباب والناشطين الذين مارست تظاهراتهم في البداية ضغوطاً على
صالح وتسببت بتهميش الأحزاب السياسية والبرلمان، وهي هيئات تعاني أصلاً من الضعف
لكنها تعمل، وكذلك تهميش المجتمع المدني المتسم بطواعيته، مع العلم أن هذه
المجموعات الثلاث تشكل ركائز محتملة لبناء يمن ديمقراطي جديد، كما شكل التناحر
الداخلي تحدياً إضافياً للسلطة المركزية في بلد حيث سلطة القانون فيه ضعيفة أصلاً
وحيث وجد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ملاذاً آمناً.
اليمن
يسير بسرعة على خطى الصومال في الجهة الأخرى من خليج عدن حيث فرض المسلحون الإسلاميون
حكماً على مساحات شاسعة من البلاد، وتحصد المجاعة والقتال عدداً كبيراً من
الضحايا. سيناريو من هذا النوع ينتظر اليمن إذا لم تسارع قوى وازنة للمساعدة في إيجاد
حل ما، يوقف الفوضى ويعود جميع الأطراف الى العقل وتحمل مسؤولياتهم في حماية البلد
من الخراب، وإلا فالوقت يمر بسرعة نحو خيارات مفتوحة على كل الاحتمالات الحالكة
السواد.
نبيل مرعي