إنتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس
مجلس "متعدد الألوان" السياسية
23/10/2011
يوم تاريخي من أيام تونس الخضراء، إنه يوم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي حيث
اجتمعت أطياف كثيرة في يوم واحد في العاصمة وضواحيها وأنحاء البلاد، الثورة هناك
فتحت الأبواب أمام تعدد الرؤى وتنوعها في إطار بعيد عن الفوضى ومصادرة الرأي الآخر،
والشيء الوحيد المميز والذي يتردد على ألسنة الجميع هو اسم "حركة النهضة"
ورئيسها راشد الغنوشي لأن أفرادها هم أكثر من عانى في عهد بن علي، وهم يحصدون
النتائج.
شهدت
الانتخابات إقبالاً فاق كل التوقعات، وأعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة
للانتخابات أن نسبة المشاركة تقارب 80 % وبذلك يحتفل التونسيون بالثورة اليوم حيث
لم يتمكنوا في 14 كانون الثاني الماضي عند فرار الرئيس المخلوع بن علي، ولكنهم
يقومون بذلك من خلال التصويت بكثافة، ودعي أكثر من سبعة ملايين ناخب لاختيار 217
عضواً في مجلس تأسيسي من بين أكثر من 11 ألف مرشح موزعين على 1517 قائمة تمثل
ثمانين حزباً سياسياً ومستقلين، تعود بانتخابهم الشرعية لمؤسسات الدولة ولوضع
دستور جديد "للجمهورية الثانية"، في تاريخ تونس المستقلة ليحل محل ذلك
الذي تلاعب به بن علي لترسيخ سلطته وتشكيل حكومة مؤقتة وإجراء انتخابات رئاسية
وبرلمانية جديدة.
وتظهر
غالبية المؤشرات أن "حزب النهضة" تقدم على الأحزاب الأخرى بحصوله على
نحو 40% من مقاعد المجلس ولكنه لم يحصل على ما يكفي من المقاعد للحصول على غالبية
في المجلس التأسيسي، مما سيجبره على الدخول في ائتلاف يؤدي الى تقلص نفوذ الإسلاميين
في حكومة وحدة وطنية.
لقد
وصفت الدائرة الانتخابية الثانية في العاصمة التونسية بأنها "دائرة
الموت" في انتخابات المجلس التأسيسي التاريخية التي جرت معركة الكبار فيها من
قادة مختلف القوى السياسية، ويتنافس في هذه الدائرة، كل من نجيب الشابي "الحزب
الديمقراطي التقدمي" وأحمد ابراهيم "القطب الحداثي الديمقراطي"
وعبد الفتاح مورو "احد مؤسسي النهضة" (قائمة مستقلة) وسعاد عبد الرحيم "النهضة"
وراضية النصراوي "قائمة البديل الثوري" المدعومة من حزب العمال الشيوعي
وخليل الزاوية "التكتل الديمقراطي".
ومن
أبرز الأحزاب المتنافسة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.
حزب
النهضة: وهو حزب إسلامي فاز بأوفر حظ، ويرأس الحزب الباحث الإسلامي راشد الغنوشي
وقد اسسه عام 1981 مع مجموعة من المفكرين الذين استلهموا فكر جماعة الإخوان
المسلمين، وأقام الغنوشي 22 عاماً في المنفى في لندن بعدما حظرت تونس الحزب وسجنت
آلافاً من أعضائه.
الحزب
الديمقراطي التقدمي: الأبرز بين مجموعة من الأحزاب التي تطرح نفسها بديلاً
علمانياً لحزب النهضة وأسس الحزب نجيب الشابي وهو محام قناعاته تنتمي ليسار الوسط.
حزب
التكتل: حزب اشتراكي أسسه عام 1994 مصطفى جعفر وهو طبيب، ومثل الشابي كان ضمن
معارضي بن علي، حظي حزبه بوضع قانوني في عام 2002 ولكن الحكومة أعاقت حركته.
التجديد:
يرأسه
أحمد ابراهيم وهو منبثق عن الحزب الشيوعي، وقد فاز بثلاثة مقاعد فقط في انتخابات
سابقة وكان وزيراً للتعليم العالي.
المؤتمر
من أجل الديمقراطية: يرأسه مصطفى المرزوقي وهو طبيب علماني يساري، وتأسس
المؤتمر من أجل الجمهورية في عام 2001 وحظر بعد وقت قصير من قيامه.
ومن
مهام المجلس الوطني التأسيسي:
المهمة
الرئيسية لأعضاء المجلس التأسيسي هي صياغة دستور جديد هو الثاني في تاريخ تونس
المستقلة عام 1956 وإقامة سلطات تنفيذية جديدة والاضطلاع بمهام التشريع خلال
الفترة الانتقالية التي ستمتد حتى تنظيم انتخابات عامة وفق الدستور الجديد.
وأثارت
فترة عمل المجلس التأسيسي الكثير من الجدل في تونس، وعبّر الأطراف عن القلق من
احتمال استمرار سيطرة المجلس المنتخب المطلق السيادة لسنوات على البلاد، وفي منتصف
أيلول الماضي وقّع 11 حزباً سياسياً تونسياً وثيقة تشدد على أن ولاية المجلس لا
يجب أن تزيد عن عام على أقصى تقدير، غير أن فقهاء القانون الدستوري يؤكدون أنه لا
يمكن تقييد مجلس وطني تأسيسي منتخب بأي نص وأنه سيد قراره بموجب تجسيده سلطة
الشعب.
وبالإضافة
الى مهمة وضع دستور جديد ونظام جديد لتونس، فسيكون على المجلس الوطني تولي مهام
التشريع وتحديد سلطات تنفيذية جديدة، ويمكن أن يختار المجلس رئيساً من بين أعضائه
أو من خارج المجلس، وسيتولى الرئيس الجديد تعيين رئيس وزراء لتشكيل حكومة
انتقالية.
وكان
زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس راشد الغنوشي، قد تعهد بدعم قيم الحداثة
وتعزيز حرية المرأة وإقامة علاقات جيدة مع الغرب وخاصة علاقات اقتصادية مميزة، وهو
يعتبر النموذج التركي هو أقرب نموذج لحركة النهضة مشيراً الى أن هناك نقاط تشابه
كثيراً بين "النهضة"و"حزب العدالة والتنمية" وقال: لا غرابة
في هذا التشابه مع تركيا فكتبي هي من أبرز مراجع حزب "العدالة والتنمية.
نتائج
الانتخابات تؤكّد، أن أولى استحقاقات الديمقراطية التونسية أسفرت عن ولادة مجلس
تأسيسي "متعدد الألوان" وإن بصبغة إسلامية، لأن حركة النهضة الإسلامية
حققت فوزاً هاماً في تلك الانتخابات وستكون الحكومة التي ستشكلها انتقالية في
انتظار اعتماد الدستور الجديد.
المفاجأة
حضرت بخسارة ساحقة لـ "الحزب الديمقراطي التقدمي". ومن الفائزين
البارزين: حزب المؤتمر من أجل الجمهورية لأمينه العام منصف المرزوقي (يسار وسط).
بان كي
مون الأمين العام للأمم المتحدة قال: "هذه الانتخابات هي تقدم كبير في عملية
الانتقال الديمقراطي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط"، أما وزير الخارجية
البريطاني وليام هيغ رأى أن نجاح الربيع العربي سيقاس الى حد كبير بما سيحدث في
تونس.
نبيل مرعي