الآحادية القطبية يسقطها "الفيتو الروسي والصيني"
سوريا تتقدّم نحو الإصلاح والخروج من الأزمة وتواجه الإرهاب باعتراف أميركي
بعد 12 شهراً من الأزمة التي عصفت في سوريا وهددت حاضرها ومستقبلها، يتبين اليوم أن المخطط المبيت هو اكبر من كل التقديرات والتحليلات التي واكبت الأزمة منذ بدايتها قبل عام، وإذا ما حاولنا البحث في جذور تلك الأزمة والأسباب التي أدت لتفاقهما، لرأينا أن تغيير الأوضاع في كل من مصر وتونس، كان سبباً مباشراً ومقنعاً لدى دول الغرب الاستعماري وخاصة الولايات المتحدة للتحرك حيث تم ركوب موجة ما حدث هناك خوفاً من التداعيات المتوقعة، وتم ضبط إيقاعه حماية للمصالح الاستعمارية في المنطقة العربية، ورغم ذلك رأت تلك الاوساط المعادية أن خللاً كبيراً أصاب اسراتيجيتهم ولا بد من توجيه الأنظار الى مكان آخر لإحداث ثغرة في جدار محور المقاومة والممانعة تعوض ما خسروه وتمهد الطريق لترتيب أوضاع المنطقة قبل الخروج الأميركي المذل من العراق وتقويض تطلعات جماهيرنا، ومنع التلاقي بين القاهرة ودمشق، وهنا تم الإيعاز لكل العملاء والمأجورين في عالمنا العربي، وتم كشف أوراقهم بوضوح تام من خلال الدور الذي قاموا بتنفيذه.
كانت سوريا قبل تلك الأحداث تعيش حالة استقرار ونسجت شبكة جديدة من العلاقات ضمن محيطها وانفتحت على العالم في حوار وتبادل مصالح في سعيها الى تحسين مستوى عيش كل السوريين وشهد اقتصادها نقلة نوعية في حجم التقدم وزيادة مستوى الدخل القومي وتم تدشين العديد من المشاريع ووضعت خططاً عاجلة لمحاربة البطالة ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي مجال الضمان الصحي والتعليم والإسكان، ومحاربة الفساد بكافة أشكاله.
لم تبدأ الأحداث صدفة، من خلال حادث هنا، أو هناك، وليس صحيحاً إلقاء التهم على محافظات سوريا بعينها، بأنها كانت السبب في اندلاع شرارة الأزمة، لأن ما تم كشفه لاحقاً يعطي مؤشرات وأرقام عن حجم التآمر الخارجي الذي أعد مسبقاً، وعندما حانت الفرصة انقضّ المتربصون، وحاولوا أن ينالوا من سوريا وشعبها الأبي، لكن أملهم خاب بسبب صمود سوريا وحكمة قيادتها والتفاف الشعب حولها.
بعد عام من محاولات الأعداء وأتباعهم استهداف سوريا، اقتنع العالم بأن الوضع فيها أكثر قوة وصلابة مما توقع القادة الغربيون، لم تنفع نصائح رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان الوكيل في فعل فعلها في سوريا وشعبها، وبعد أن زاد صراخه وعويله، فهو اليوم يصمت صمت أهل الكهف بعد أن دفن مشروعه الامبراطوري الذي أراده على حساب دم السوريين.
ويبدو واضحاً اليوم، لا التدخل العسكري المباشر ممكن، ولا إزالة النظام بالقوة قابلة للتنفيذ، ذهب الأعداء والوكلاء معاً الى مجلس الأمن وفشلوا، وبعد أن نجح حمد قطر في إيصال الملف الى مجلس الأمن، نال الثناء من الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين ولكنه فشل، جرجر حمد "العرب" خلفه الى مجلس الأمن، بهدف تدويل الأزمة وقبلها كان "العرب" يؤكدون أن لا تدويل.
نجحت روسيا والصين وأصبحتا محور الاهتمام الاول في مجلس الأمن، وبات الغرب والعرب يخطبون ودها لاستدرار قرار مشترك، وفشلوا جميعاً في حملها عن تغيير موقفها المبدئي ووقوفها الى جانب الحق.
الجامعة "العربية" والدور المشبوه
مواقف الجامعة العربية كإطار جامع لمصالح العرب أصبح موضع شك وأقل ما يمكن أن يقال عنه، إنه دور مشبوه، وهذا الوصف لا يطلق جزافاً، والتساؤلات كثيرة، لماذا صُدِمت الجامعة بأحداث تونس وارتبكت أمام ما حصل في مصر، ألم يكن هذا الموقف يتطابق تماماً مع الإرادة الأميركية والغربية عموماً في بداية تلك الأحداث قبل ركوب موجتها وتوجيه دفتها! والسؤال أيضاً، لماذا فرّطت الجامعة العربية بليبيا، وقدمتها لقمة سائغة لقوات "الناتو"، أدت لمقتل وجرح أكثر من 140 ألف ليبي، لمصلحة من شرعنت الجامعة التدخل الأجنبي، ألم يكن لتحقيق مصالح تلك الدول التي استهدفت ليبيا.
وفي الأزمة السورية، تدخلت الجامعة العربية بشكل سلبي وفاضح، وهي تمارس التفريط بكافة أنواعه، ولا تقول الحقائق وهي تبدو مربكة أحياناً ومتناقضة أحياناً أخرى، وفي محاولتها حل الأزمة أو المساعدة على حلها، قالت كلاماً وفعلت ما هو عكسه تماماً؟ بعد أن حذرت من خطورة التدخل العسكري في سوريا، جرها حمد الى مجلس الأمن ثم الى الجمعية العامة، وأغلب الظن سيأخذها الى حتفها، لقد تحولت الجامعة الى أداة وألعوبة بيد الأجنبي، وهي تتخبط في الفشل، علّقت عضوية سوريا واستمرت في الحوار معها، وهي تقوم بتقديم مشاريع وخطوات، وهي مقتنعة بعدم جدواها، وهذا يقودنا الى القول بأن الجامعة "العربية" أصبحت مفلسة في العمل السياسي لأنها تعمل لغير صالح الدول العربية، وبذلك جعلت الجامعة من العمل العربي المشترك مجرد شعار أجوف، بعد أن استعذب البعض التدخل الأجنبي في شؤونهم وأصبحوا عاجزين عن التفكير بما هو في مصلحتهم وقضاياهم.
تم التفت الجامعة على تقرير بعثة المراقبين العرب الذي لم يعجب أصحاب مخطط أعداء سوريا الذين يحاولون رسم مستقبلها بعيداً عن إرادة شعبها وهذا ما ينطبق عليه القول "فاقد الشيء لا يعطيه".
ومن هنا يمكن القول إن الموقف العربي خرج من أيدي أصحابه، فضلاً عن أن الجامعة العربية أصبحت أداة لتسهيل مشروع تجهل أبعاده ونتائجه على أقل تقدير، والغرب ليس جمعية خيرية.
أما مشروع مجموعة ما يسمى "أصدقاء الشعب السوري" التي تشمل 13 عضواً من مجلس الأمن، إضافة الى الجامعة العربية والدول الداعمة للمشروع "العربي"، تبدو للوهلة الأولى بأنها محاولة ومخرجاً من حصار "الفيتو الروسي والصيني" ومظلة "شرعية" لاتخاذ موقف فاعل ضد سوريا، لكن هذه المظلة ستكرس الانقسام الدولي حول سوريا، وبالتالي فإن انخراط العرب في هذا المشروع من دون موقف واضح من قضية التدخل العسكري، ليس بريئاً مثل هذا الموقف يعني المشاركة في العدوان على سوريا.
وفي هذا السياق صرح رئيس الأركان المشتركة للجيوش الأميركية الجنرال مارتن دمبسي لشبكة الـ "سي. أن. أن" الأميركية، أن "التدخل في سوريا سيكون صعباً للغاية، وأعتقد أن الطريق المتبع حالياً الذي يقضي بالعمل لإيجاد توافق دولي (ضد سوريا) هو الطريق الصحيح، وليس قراراً بالتدخل من طرف واحد، وسيكون خطأ كبيراً اذا اعتقدنا أن هذه ليبيا أخرى، وموضحاً أن الجيش السوري "مؤهل جيداً ولديه نظام دفاع جوي متطور ومتكامل، بالإضافة الى أسلحة كيميائية وبيولوجية".
واعتبر دمبسي أنه "من المبكر اتخاذ قرار بتسليح المعارضة في سوريا وأنا أتحدى أياً كان أن يحدد لي بوضوح هوية المعارضة السورية حالياً، وهناك معلومات تفيد بأن القاعدة متورطة وتسعى الى دعم المعارضة، ما أريد قوله إن هناك أطرافاً عدة تتدخل وكل طرف يحاول تعزيز موقعه".
الرئيس بشار الأسد، أكد أن "ما تتعرض له سوريا يهدف بشكل أساسي الى تقسيمها وضرب موقعها الجيوسياسي ودورها التاريخي في المنطقة، وسوريا ماضية في مسيرة الإصلاح السياسي وفق خطة واحدة وجداول زمنية محددة".
تدخل سافر في شؤون سوريا واستخدام عصابات إرهابية
وظاهرة التسلح من قبل فئات ارتبطت بالخارج أصبحت واضحة ويدعمها في ذلك إعلام خليجي يتحمل المسؤولية بشكل أساسي في تأجيج الأوضاع في سوريا وبعض الأطراف المعارضة تحاول بينع الأوهام للسوريين.
"المعارض" المقيم في باريس ورئيس ما يسمى هيئة التنسيق الوطنية السورية في المهجر، هيثم مناع، تحدث بتشاؤم من عواقب مسألة التسلح في الأزمة السورية، وانتقد مناع دولاً عربية تقف خلف الظاهرة، وقال: هناك خطة لدى بعض الدول العربية في تناولها، وكأنها تظن أنه بالإمكان فعل كل شيء أو استنساخ التجربة الليبية في سوريا، وأشار الى مهمة المراقبين العرب في سوريا، حيث تم الاستغناء بشطبة قلم عن مسألة المراقبين العرب، لأنها تعني تخلٍّ عربي من المسؤولية ووضعها على عاتق مجلس الأمن مهما كانت عواقب ذلك.
ويرى مناع، "إن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي دعم قرارات الجامعة العربية ورؤيتها للحل في سوريا، أحيط بإمكانية استخدامه بديلاً عن مجلس الأمن لتشريع تدخل خارجي" وذلك عبر مبدأ الحماية الدولية أو التدخل الإنساني، ولكنه نفى إمكانية حدوث تدخل عسكري بناء على قرار الجمعية العامة، ولم يحصل في التاريخ المعاصر تدخل عسكري على أساس قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويسخر من بعض المعارضين السوريين "الذين يظنون أنه اذا استقبلهم رئيس الوزراء وزير خارجية قطر حمد بن جاسم، فقد صار مجلس الأمن تحت إبطة" ودعوتهم للتدخل العسكري الأجنبي ليست صبيانية ولا مراهقة سياسية فقط، إنها أمنية سياسية بكل معنى الكلمة.
وحول ما يسمى "الجيش الحر" يقول: "ليس مضموناً هذا، وهو جسم من دون رأس وفيه كل شيء من العسكري الذي ترك الجيش الى الكويتي الهارب ليقوم بجهاد عندنا".
وبالنسبة لتجهيز مخيمات اللاجئين السوريين في الدول المجاورة قال مناع: "إنه مع تبعثر قوى المعارضة وارتهان بعضها لقرار خارجي، هناك من يشجع على النزوح، وهذا لا يسبب إلا المآسي، والحديث عن مخيمات لدواعي "إنسانية" كما يقال، ما هو إلا وضع لسيناريو كارثي، وهو بالتأكيد ليس سلمياً بل مواجهات عسكرية، وهم بذلك يضحكون على الناس في موضوع المساعدات الإنسانية، ويقولون لهم إذا صرتم لاجئين سنساعدكم مثلما ساعدوا السوريين في مخيم "لواء اسكندورن"!، ولا يستبعد استخدام مسألة المساعدات الإنسانية لتحقيق "مكسب مادي"، ومن هنا فإن مشاكل السوريين هي مصيبة يخلقها ويشجع عليها غير السوريين.
المتآمرون يدورون في دوامة القرارات التي تدين سوريا، حيث يظنون أن سعيهم الدائم الى استصدارها من جامعة الدول العربية، ومن منظمة الأمم المتحدة ومن الجمعية العمومية فيها، ستهزم سوريا بعد أن عجزوا عبر جماعاتهم الإرهابية المتطرفة التي أمدوها بالمال والسلاح وعبر "مجلس اسطنبولي" متآمر، لجعل سوريا تحت سيطرتهم المأمولة.
ما الذي يريده الأعداء وأدواتهم؟
إن هدف المخطط الأميركي هو السيطرة على المنطقة العربية بأسرها وثرواتها من الغاز والنفط وعلى منافذ البحار بكاملها، من دون تمييز بين دولة وأخرى، إلا أن قادة المؤامرة على سوريا يريدون المزيد من الخراب والدمار والقتل، بهدف إسقاط النظام، لتسهيل عملية السيطرة على المنطقة، إلا أن صمود الشعب السوري أفشل المؤامرة طيلة الـ 12 شهراً الماضية، وهو سيسقط هذه المؤامرة التي تريد النيل من سوريا.
الحرب العالمية على سوريا كشفت الكثير من أوراق خطة احتواء الفشل التي رسمها ديفيد بترايوس قبل تسلمه مهام رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية والهادفة لتقويض خصوم الهيمنة الأميركية في العالم، والشرق الأوسط على وجه الخصوص، والمأزق الذي يواجه الأطراف المتواطئة وحربهم على سوريا، يتمثل في الاستعصاء الدولي الذي ولده الفيتو الروسي - الصيني المزدوج، والموقف الروسي الصلب الذي وصل حد توجيه الإنذارات رسمياً الى الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها والتعهد بالشراكة مع سوريا وحلفائها في التصدي لأي مغامرة عسكرية وهناك حصانة الموقع السوري ومعادلة الردع التي تملكها أطراف منظومة المقاومة في المنطقة والأحجام الأميركي والأوروبي عن التجاوب مع إلحاح بعض الدول الخليجية على مساندة قرار مجلس الجامعة العربية بطلب إرسال قوات حفظ سلام أممية – عربية الى سوريا هو حصيلة فعلية لمخاوف دول الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأميركية على مصير "إسرائيل" لأن كل تحد عسكري يثار ضد سوريا مرشح للتحول الى حرب إقليمية كبرى ستخوضها سوريا ضد "إسرائيل"، ولن تكون إيران بعيدة عن جبهاتها وهذا ما بلغته القيادة الإيرانية لكل من يعنيهم الأمر، بذلك، وعلى هذا النحو تتحول الحرب على سوريا الى حرب عالمية بالواسطة تحشد فيها قدرات مالية وعسكرية ضخمة وترفع درجة الضغوط الى أقصى حد ممكن على أمل إضعاف سوريا.
وأفادت المعلومات من أكثر من جهة سياسية وإعلامية، أن تنظيم "القاعدة" اوفد مئات من عناصره لتشارك في الحرب ضد سوريا، وكذلك فإن إعلان أيمن الظواهري بعد أشهر من مشاركة "القاعدة" في الحرب، جاء تتويجاً لتفاهمات عقدتها الاستخبارات الأميركية مع القاعدة، وبعد بدء مفاوضات بين الإدارة الأميركية وحركة طالبان تحت الرعاية الأميركية.
ويقول بعض الخبراء، إن الأميركي في حربه المتعثرة على سوريا رمى بكل أوراقه، وينظر هؤلاء الخبراء الى التوتر الشديد المسيطر على بعض حكومات "الاعتدال العربي" على أنه نتيجة لتقدم عمليات الحسم التي تخوضها القوات العربية السورية في الميدان، والتي تنذر بتدمير البنية التحتية الأساسية للعصابات الإرهابية الممولة من الخارج والتي تمثل آخر احتياطي يمكن التعويل عليه لاستنزاف الدولة السورية وموقفها المقاوم الذي يحلم به بعض الحكام "العرب" بالتخلص من أعبائه وإحراجه الذي منعهم من تمرير خطة تصفية القضية الفلسطينية وشطبها من جدول الأعمال العربي، والانتقال الى أوسع العلاقات العلنية مع "إسرائيل".
الموقف الروسي والصيني من الأزمة السورية
منذ بداية الأزمة قبل 12 شهراً حاول الروس، تكثيف اللقاءات الهادفة لإيجاد حل ما للأزمة السورية، فتحوا الأبواب أكثر من مرة علانية أو في السر للمعارضة، وتقاربوا كثيراً مع بعض أعضاء "هيئة التنسيق" وحاولوا فتح خط مع ما يسمى "المجلس الوطني" وتبيّن لاحقاً أن الضغوط الغربية والخليجية أقوى من كل محاولاتهم، كان المطلوب من هذه الأطراف إسقاط النظام، كانت كلمة السر عند قطر وأنقرة، لكن التنسيق السعودي القطري لاحقاً دفع الدوحة للعب الدور الأخطر، بينما بقيت الرياض تحرك خيوطاً خلف الكواليس.
وكانت المعلومات الروسية والسورية، تؤكد أن السلاح، انتشر على نحو خطير، وتبين أن ثمة خططاً أمنية ستنفذ في مراحل متلاحقة وفي وقت واحد لإحداث بلبلة كبيرة، وتم العثور على أنواع من الأسلحة والمتفجرات معدة لعمليات واسعة، وظهر من تبادل المعلومات بين دمشق وموسكو وطهران، أن ما يحصل على الأرض ليس مجرد تمرد مسلح جزئي، وأصر الروس قبل الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن، إما أن يتم التوصل الى قرار خال من أي إشارة الى تنحية الأسد، والى حل عسكري يؤكد وجود سلاح ومسلحين، وإلا فإن الفيتو جاهز.
أدركت سوريا، أن القرار الروسي بدعمها، ليس أمراً عابراً بل هو جزء من استراتيجية روسية واسعة تحفظ مصالح روسيا بقدر ما تدعمها، وكانت سوريا قد أدركت أن هزيمة الولايات المتحدة في العراق والانهيارات الاقتصادية العالمية والخوف من القدرات العسكرية في المنطقة من إيران الى "حزب الله" لن تسمح للغرب بمغامرة عسكرية وكانت سوريا تدرك أن الموقف الروسي هو استراتيجي وليس تكتيكياً.
صمود سوريا وانتصارها بات يؤثر في القضايا الهامة والمصيرية في العالم وحتى في انتخابات الرئاسة الأميركية والفرنسية، وساركوزي وأوباما وعدا الناخبين منذ نيسان الماضي بأن النظام في دمشق سقط؟ من هنا كان لا بد من تكثيف الضغوط، وليس مقبولاً أي مبادرة تعزز صمود سوريا وانتصارها وتقوي محور "إيران - سوريا - "حزب الله"، الأمر خطير على الاستراتيجية الأميركية، أميركا خرجت مهزومة من العراق، ورئيس الحكومة العراقية نوري المالكي يستعيد زمام الكثير من أمور الحكم والحكومة ويبعث بإشارات مقلقة للأميركيين بشأن تحليق طائراتهم فوق أراضي العراق.
لم يكن مفاجئاً والحالة هذه، أن تتحرك آلة سحب السفراء، لم يكن غريباً أن يتزامن استدعاء سفراء أميركا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وإيطاليا وغيرها من دمشق، مع إقرار دول الخليج بطرد سفراء سوريا من أراضيها.
كل هذه التحركات ما هي إلا مؤشرات هامة وتعبير واضح عن خسارة حقيقية تعرض لها هؤلاء أمام الروسي والصيني في الملف السوري، في هستيريا كما وصفها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
إن الوقفة المشرفة لروسيا والصين ومعهما الدول الحرة، خذلت كل متآمر على سوريا، وعطلت الآحادية الكونية، وأعادت عملية توازن القوى العالمية من جديد الى مسيرة الحق والصواب، ولقد سجل مجلس الأمن سقوط القرار "العربي – العربي" الشنيع بالضربة القاضية، حيث خيل الى المتآمرين أنهم على أبواب النصر، حين يكثفون الضغوط على سوريا المقاومة.
سوريا تمضي في طريق الإصلاح، والحوار على كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعلى طريق بناء سوريا المقاومة والمنتصرة بإرادة شعبها وحكمة قيادتها، وكان يوم 26 شباط 2012 محطة أساسية هامة، حيث تم إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي نص على أن نظام الحكم في الدولة جمهوري، والتأكيد على التعددية السياسية بدلاً من المادة الثانية من الدستور القديم التي نصت أن حزب البعث الحاكم، هو القائد في المجتمع والدولة، ويشمل الدستور على 157 مادة وجاء في مقدمة الدستور، أن الجمهورية العربية السورية هي دولة ديمقراطية ذات سيادة تامة، غير قابلة للتجزية، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها، وهي جزء من الوطن العربي، وأن السيادة للشعب، ولا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها، وتقوم على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب.
محمود صالح