سوريا ليست ملعباً للغزاة ومسرحاً للفتنة
"الفيتو" الروسي والصيني يعطّل المؤامرة عليها
شكّلت
سوريا بموقعها وعقيدتها ودورها منذ عقود، قاعدة للتوازنات وبات استقرار المنطقة يُعقد
عليها، والأهم أنها بقيت متمسكة بكل ما يقوي مناعة الأمة ويعزز خيار الصمود
والمقاومة والممانعة، وبقيت بوابة العبور الى النصر ومواجهة مشاريع الهيمنة
الاستعمارية خلال تاريخها الطويل.
لقد
كان هدف الغزاة ومايزال استهداف هذه القلعة الشامخة من الداخل بعدما عجزوا من
خرقها من الخارج، لقد تعرضت الساحة السورية لكل أشكال الاستهداف المعادي من أجل زعزعة
البيئة الداخلية، وتعرضت سوريا للحصار ومحاولة فرض العزلة عليها بهدف تغيير سلوك
النظام ومحاولة إجبارها على التخلي عن ثوابتها الوطنية والقومية وتحالفاتها
الوطيدة مع منظومة محور المقاومة في هذه الأمة ممثلاً بإيران ولبنان المقاوم
والعراق وفلسطين.
ويحاول
الأعداء اليوم استهداف سوريا المقاومة التي هي ملامة ومحارية على سياساتها بدعم
خيار المقاومة، لقد أصبح هؤلاء أكثر انكشافاً بعد الأوضاع الجديدة والحراك في
عالمنا العربي، جاء أردوغان لإلقاء الدروس والمواعظ والنصائح وخطباً بالديمقراطية
والحرية، وتحدثوا عن حقوق الإنسان بذات الطريقة الأميركية والغربية وينسون أنفسهم
وما اقترفته أفعالهم في أكثر من مكان وفي بلدانهم من مجازر وأزمات وحروب مدمرة.
سقطت الفتنة وانتصرت سوريا
وفي
خضم التطورات وما قبلها سعت القيادة الحكيمة في سوريا العروبة الى جملة من مشاريع
الإصلاح التنموي في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وانطلاقاً من
رؤية وطنية صائبة، تضع مصالح الشعب والوطن بأكمله في أولوية الاهتمام، وكان هناك
العديد من المراسيم والمراجعة الدستورية وتوسيع مجال الحريات وترسيخ الطابع
التعددي للمجتمع السوري وتعزيز آليات مكافحة الفساد والى ما هناك من إجراءات، لكن
الأعداء لا يريدون ذلك في حقيقة الأمر، فالمطلوب لديهم رأس سوريا المقاومة، وتمزيق
جسدها الى مناطق طائفية وعرقية وتدمير حضارة الشعب السوري كما فعلوا بالعراق
وصولاً الى رأس المقاومة في لبنان وفلسطين وأخيراً إيران عمق أمتنا وسندها وسيفها
في مواجهة الطغاة والمستكبرين.
سوريا
تُستهدف بمؤامرة تُحاك في العلن، أمام سمع وبصر العالم أجمع، وهذه ليست تهمة، بل
هي يقين واضح، وتكفي ملاحظة التصريحات التي يدلي بها (أردوغان وأوباما وساركوزي
وغيرهم) ومَن يدور في فلكهم من (عرب) باعوا أنفسهم للشيطان، ويحاول هؤلاء قتل
الأمن والأمان وزعزعة الاستقرار، بهدف رسم تاريخ جديد للمنطقة العربية الممتدة من
الخليج الى المحيط، حاولوا عبر القتل المتعمّد لمجد سوريا وأتباع سياسة التهديد والوعيد
بعقوبات تطاول لقمة عيش الشعب السوري بهدف إفقاره وتفكيك وحدته.
انهزم
المحتل الأميركي في العراق ويستعد للانسحاب الى غير رجعة، ونقل مهمته في المنطقة
الى الوكيل أردوغان بعد أن أغري بحكم الشرق المتوسطي، عبر عثمنة أحبطها سابقاً
شهداء سوريا ولبنان الذين عُلقوا على خشبة في ساحات الحرية، ودعوا بخلافة عثمانية
جديدة، رفعوا شعار الإصلاح تزويراً وكانت ممارساتهم في أعمال التخريب مشهودة
للعيان.
انكشف
هؤلاء وفشلوا في تحقيق ما خططوا لتنفيذه من إخضاع سوريا لشروطهم المتصهينة عبر
تفتيت وحدة الشعب والنظام بعد أن سوقوا عبر الإعلام المرتهن، أن ما يجري في سوريا
ثورة شعبية لا مؤامرة، ركبوا الصور وزيّفوا الحقيقة وهرّبوا السلاح واشتروا
الضمائر الرخيصة وأرهبوا الناس وأخرجوهم من بيوتهم وبلداتهم الآمنة وأباحوا القتل
والتخريب وتدمير المنشآت الرسمية والاعتداء على المؤسسات والناس وعزل الأبرياء
ورجال الأمن، رتبوا بعقلهم المزيف الفوضى الخلاقة، وحاولوا النيل من كرامة سوريا
وفشلوا.
أوعزوا
لعملائهم من (عرب) الاعتلال والردة بالطاعة العمياء والصمت المطبق صمت الخانعين، وأطلق
هؤلاء بيانات الإصلاح وشعارات الديمقراطية المفقودة في دولهم، وأمروهم بالتعتيم
على تأييد شعوبهم لسوريا في مواقفها الداعمة للقضايا العربية في فلسطين والعراق
ولبنان.
وفشلوا
أيضاً، واختلقوا معارضة تدين بالولاء لهم من دعاة الثقافة والفكر الذين شوّهوا
القيم الثقافية بعد أن استخدموا أقلاماً أميركية الصنع وباعوا ضمائرهم وفرح أبنائهم.
حاول أردوغان
وعربه زعزعة الصمود والمقاومة في الأمة العربية عبر استهداف سوريا وإنشاء ما سمي
"المجلس الوطني" في تركيا، المؤطر بتوصيات لا تستبعد تدخلاً أجنبياً،
وهيأوا لهم المنابر والطائرات تنقلهم من بلد الى آخر، علّ لغتهم الطافحة بالحقد
والضغينة تحرك بعضاً من جماهير الشعب السوري وفشلوا.
سخروا
كل إمكانياتهم وإغراءاتهم وحيلهم لجر العالم في مجلس الأمن الى اتخاذ قرارات تدين
سوريا وفشلوا بعد أن ضغطوا على روسيا والصين بمختلف الوسائل والشعارات الزائفة وأساليب
الخداع والمكر، وبتزوير الحقائق بهدف عدم استعمال الفيتو ضد مؤامراتهم وفشلوا،
والسؤال، أين هم من العدالة والحرية والديموقراطية والإصلاحات المعلبة التي
يطالبون سوريا بها، ويحرمونها على شعوبهم المستاءة من تسلط الأغنياء على حقوق
الفقراء.
الهدف
الأكبر من التحركات الأميركية والأوروبية والتركية ومن يدور في فلكها القضاء على
المقاومة في الأمة العربية وحماية الكيان الصهيوني، ولكنهم نسوا أن المقاومة في
لبنان وفلسطين هزمت "إسرائيل" في جنوب لبنان وغزة وكانت سوريا الداعم
الأساسي لكل مقاومة في وجه العدو ومعاهداته ونسي هؤلاء الدرس في أفغانستان
والعراق.
لقد أقفل
الفيتو الروسي والصيني الطريق ومنع المغامرة الغربية، وانتفى التدخل الأجنبي في
المدى المنظور، ويمكن القول لا أحد يجرؤ الآن على التدخل في الشأن الداخلي السوري.
لأن المنطقة برمتها ستشتعل من الخليج الى غزة والجولان.
أما
"المجلس الوطني السوري" الذي تم تأليفه في تركيا (اسطنبول) فهذا المجلس
جاء تلبية لحاجة تركية وكرأس حربة في المشروع
الأميركي والغربي، هذا المجلس فرط باستقلالية الحراك السوري الداخلي عندما أعلن
على لسان قادته رفضهم الخجول للتدخل الأجنبي، عندما تحدث عن الردع وحظر الطيران، أليس
هكذا بدأت مأساة ليبيا، قبل أن يتدخل الناتو، ألم يطالب رياض الشقفة "إخواناً
مسلمين" في رسم التسهيلات للتدخل العسكري بأن يتدخل طيران (الناتو) لإسكات
المدفعية السورية والدبابات رغم عدم إطلاق أي قذيفة من هذه الأنواع في ملاحقة فلول
المخربين، وقد خرج بعض آخر من المجلس الوطني ليطالب صراحة الأمم المتحدة والقوى
الدولية اتخاذ ما يلزم من إجراءات رادعة ضد النظام سواء كان ذلك بشكل مالي أو
عسكري إذا تطلب الأمر.
لكن
المطالبين بالتدخل الأجنبي، نسوا أو تناسوا أن سوريا ليست ملعباً أو مسرحاً يمكن أن
يصول ويجول فيه أي غازٍ أو دخيل مهما بلغت قوته، ألم تقف سوريا بقوة وصلابة في دعم
المقاومة العراقية غداة الغزو الأميركي ووقفت الى جانب المقاومة في لبنان وفلسطين
وتحالفت بعمق مع إيران، ألم يدركوا أن أسلوب التهديد والوعيد الاستعماري لا يجدي
نفعاً أمام إرادة المقاومة التي تمثل سوريا عنوانها في المنطقة، وسوريا ليست وحدها
وهي جزء من منظومة متكاملة لقوى المقاومة والممانعة في الأمة العربية، هذه هي
سوريا اليوم فعلى ماذا يراهنون؟
أهمية "الفيتو" الروسي والصيني
[/center]
حاولت
الولايات المتحدة في فترة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر أيلول الماضي
إجراء اتصالات مكثفة وشارك فيها أكثر من مسؤول (عربي) قدموا الإغراءات الى روسيا،
شملت عقوداً بمليارات الدولارات في مجالات عدة مقابل عدم استخدام (الفيتو) ضد قرار
في مجلس الأمن الدولي لإدانة سوريا، ولم يقتنع الروس ولا الصينيون بما عرضته
الولايات المتحدة من خلال مجموعة "المحفزات الاقتصادية" لأن هذا العمل
سيحدث خللاً مؤكداً في ميزان القوى على مستوى الشرق الأوسط برمته، وبالتالي فإن
مجموعة المنح الموعودة لن تعوض ما يمكن أن تخسره الدولتان الكبيرتان على الصعيدين
السياسي والاقتصادي، لأن روسيا أجرت حسابات دقيقة لموازين القوى، وخصوصاً في ظل
التحول الكبير الذي طرأ على الموقف التركي، والذي ينذر بتداعيات خطيرة في المنطقة،
وآخرها المناورات التركية على الحدود مع سوريا، وكذلك فإن سوريا لن تسكت لا هي ولا
حلفاؤها على أي انتهاكات تمس بسيادتها، في حين الموقف التركي يبدو مستنداً الى دعم
أوروبي وأميركي كما يحظى بتأييد (عربي) ربما يكون مدخلاً لمشكلة كبرى في المنطقة.
من هنا
يتضح السبب الحقيقي الذي يقف خلف الفيتو الروسي والصيني في هذه المرحلة، هو الشعور
بأن خطوة واحدة إضافية ستتسبب بكارثة فعلية، إذ أنها ستؤدي الى توترات وربما حروب
لن يسلم منها العالم نتيجة ارتداداتها الأمنية.
روسيا
راهنت وكان لها موقف واضح وقد استنتجت بأن سوريا قوية وهي تمسك بجميع الخيوط وزمام
الأمور بيدها، وستخرج منتصرة وأكثر قوة وبأبعاد استراتيجية أوسع من الماضي، ولذلك
استخدمت (الفيتو)، والسفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أوضح وأصر أن "شرعية
الحكم في دمشق ليست في يد واشنطن ولندن وباريس، وأن استخدام الفيتو لم يكن بسبب نص
مشروع القرار، بكلمة هنا أوهناك، وإنما قرار سياسي ولأسباب استراتيجية".
ما الذي يريده الحلف المعادي؟
أنشئ
ما يسمى "المجلس الوطني السوري" في أيلول الماضي في اسطنبول، ويتألف من
140 شخصية يعيش نصفهم في سوريا ولم يكشف عن أسماء (المعارضين) في الداخل، وكانت
تركيا وراء إعلان تشكيل "المجلس"، والاهداف واضحة، وهي التي تقف خلف
المشروع، بانتظار اللحظة المناسبة للإنقضاض كرأس حربة لمشاريع الهيمنة الاستعمارية
الجديدة.
سوريا
بدورها أوضحت وبلسان وزير خارجيتها وليد المعلم، أن لا شرعية لهذا المجلس، وحذر أي
دولة سوف تعترف به، حيث سيتم اتخاذ إجراءات مشددة ضدها.
وخطوة
إعلان "المعارضة" تأسيس "المجلس الوطني" إطاراً لها تزامنت مع
ما كان يعد له في مجلس الأمن من مشرع قرار اصطدم بالفيتو الروسي والصيني وسقط،
وخطوة (المعارضة) ترمي الى الحصول على اعتراف دولي بوجود بديل عن النظام من ذات
الدول التي تتآمر على سوريا، ولكن عجز تلك الدول دفعها للمراوحة، وأحجمت عن
الاعتراف بالمجلس المذكور كما فعل الاتحاد الأوروبي.
وبعد
الفيتو الروسي والصيني، لا بد من العودة الى الحوار الوطني في سوريا، بعد أن أغلق
الطريق أمام التدخل الأجنبي في سوريا.
محمود صالح