باحث في الشؤون العسكرية و الاستراتيجية العميد أمين حطيط
ينقسم العالم اليوم حول ما يجري في سوريا بشكل يتجاوز كل انقسام حول أي من الحركات المطلبية او الاعتراضية او التمردية في دول عربية أخرى ، و الانقسام يتميز حتى في موقف الشخص الواحد بين ما يبطنه من رغبة و ما يخشاه من نتائج ، و في العمق نستطيع أن نتبين من المواقف 3 أساسية :
- موقف رافض كليا للمس بموقع سوريا الفومي و المشرقي و يتمسك بها ركنا رئيسيا في جبهة المقاومة و الممانعة ، و يخشى من أي تصدع لهذا الموقع لانه سيؤثر على مسار الصراع كله في منطقة الشرق الاوسط و يفتح المجال أمام صراع شيعي سني و عربي فارسي من غير أي ضوابط . يرى هذا الفريق أن زعزعة الوضع السوري ستؤدي و ببساطة كلية الى تعويض هزيمة 2006 و فتح الطريق أمام شرق أوسط أميركي صهيوني يعيد انتاج النظام الاستعماري بحلة جديدة .
- موقف ضاغط لاستبدال النظام و اقتلاعه من جبهة المقاومة و الممانعة و الحاقه بجماعة التبعية العربية ذات الوجه السني الوهابي و اتخاذه الركن البديل للقلعة المصرية التي حررها الشعب المصري بطرد أكبر حليف استراتيجي في المنطقة لاسرائيل الرئيس المخلوع حسني بارك . و يعول هذا الفريق على تغيير النظام السوري العلماني بنظام اسلامي شكلي تابع للغرب من اجل اسقاط المقاومة في لبنان بمحاصرتها اسوة بالحصار الذي نفذه حسني مبارك لقطاع غزة ، و من ثم استعادة لبنان و استئناف تحويله الى مشيخة حريرية برعاية سعودية و تبعية و وصاية اميركية .
- و موقف ثالث وسطي بين السابقين و يبنى على ترويض النظام اولاً و السعي لمنع سوريا من متابعة دورها في جبهة المقاومة و الممانعة و منعها من احتلال فضاء استراتيجي يفوق حجمها ، مع رفض المس بالنظام العلماني أو تحوله الى نظام إسلامي أصولي أو شكلي . يبني هذا التيار موقفه على مصالحه التي تفرض وجود سوريا في حدود جغرافيتها مع بعض العلاقات الاقليمية التي لا تؤثر على التوسع الاستراتيجي الحيوي لذاك الفريق خاصة و أن المستقبل يحمل إرهاصات استعادة مصر لدور قومي مشرقي على الاقل ، فاذا تلاقت القدرات المصرية مع القدرات السورية القوية فان مهمة الفريق هذا تتعقد في سعيه للقيادة الاقليمية .
و بسبب وجود هذه التيارات الثلاثة ، و استثمارا البيئة احدثتها الحركة الاحتجاجية العربية على الانظمة الاستبدادية الهرمة ، أصبحت سوريا ميدان صراع لامس الدموية في بعض الحالات ، صراع فرز الشعب السوري الى ثلاث فئات كما يلي :
- جمهور مدني مسالم يطالب باصلاحات سياسية و اجتماعية ، جوهرها الديمقراطية و الحرية و العدالة الاجتماعية و المساواة و تكافؤ الفرص بين المواطنين ، و يمثل الاغلبية الساحقة من الذين خرجوا الى الشارع سعيا و راء مطالبهم ( 95% من المتظاهرين )
- فريق من جماعات مسلحة نظمت في الخارج و التحقت بجماعات في الداخل و تقصد القتل و التخريب و استدارج القوات المسلحة لاستعمال الاسلحة النارية و ارتكاب "المجازر بحق المدنيين " ما يمكن قادة الفريق هذا من اللجوء الى الاروقة الدولية لملاحقة النظام و رجاله على غرار الحالة اليغوسلافية او السودانية او العراقية قبل الاحتلال و حاليا الليبية .
- اما بقية المواطنين السوريين فهم كما يبدو لا زالوا يثقون بالنظام و رئيسه ، و يرفضون الانزلاق الى قتنة في الشارع أو حرب أهلية و يراهنون على وعود الحكومة و استعداد ات الرئيس للاصلاح . و تشكل الفئة هذه الاغلبية الساحقة من الشعب الذي لم ينزل الى الشارع و يرفض باي شكل من الاشكال رفع السلاح بوجه الدولة و مواطنيها . اما بالنسب فان هؤلاء يتعدون في نسبتهم 80% من الشعب السوري .
و في ظل هذه الخريطة السياسية الداخلية و الخارجية نجد ان بيد النظام القائم في سوريا اليوم اوراق كبيرة يلعبها ، تمنع دعاة اسقاطه بالقوة من تحقيق اهدافهم نذكر اهمها كالتلي :
- الورقة الشعبية : ان اكثرية السوريين الساحقة تخشى من الاهتزاز و التصدع و الحرب الاهلية في سوريا لانهم يعلمون ان مثل هذه الحرب ستؤدي اولا الى الاطاحة بموقع الاقليات من مسيحية و سواها و قد تؤدي الى تهجيرهم كما حصل في سوريا خاصة و ان النظام التكقيري المتبلس زورا بالاسلام هو نظام رفض الاخر و هدر دمه فضلا عن عدم الاقرار له باي حق في معتقد او كرامة ( لينظر ما تفعله القوات الخليجية في البحرين و قبه في المنطقة الشرقية في السعودية و قبلها ما فعلته القاعدة بمسيحيي العراق ) ، و اضافة الى الخطر على الاقليات فان هناك خطر على وحدة البلاد و تقسيمها حسب المشروع الصهيواميركي الى اربع دول ( علوية في الساحل و سنية في الوسط و كردية في الشمال و درزية في الجنوب ) و السنة انفسهم سيكونون المتضرر الكبير من نجاح خطة التقسيم .
- الورقة السياسية : و تمارس عبر اجراء اصلاحات حقيقية جدية تسحب من يد المحتجين ذريعة الاصلاح و تكشف الفريق المسلح و تعزله ما يسهل من ضربه و اجتثاثه .
- الورقة العسكرية : ان القوات المسلحة السورية من جيش و جيش شعبي و قوى امن تنهاز في مجموعها مع ما يمكن تحشيده باستدعاء الاحتياط ، تنهاز ال مليوني و نصف رجل اي بمعدل رجل امن لكل 16 شخص و هي نسبة عالية جدا يقل مثيلها في الدول ، فاذا عزل الارهابيون ، فان بمقدور القوات المسلحة السورية تطهير البلاد من خطرهم بمهل لا تزيد عن اشهر قليلة في اسوأ الحالات هذا ان لم نقل اسابيع .
- الورقة الاقليمية : و بشكل مباشر و سريع نشير الى المصالح التركية و العراقية و الايرانية و اللبنانية و الفلسطنية في عدم المس ببنية النظام القائم ، رغم ان احدا من هؤلاء لا يشجع صم الاذان عن طلبات الاصلاح بل ان الجميع يطالبون االقيادة السورية في الاسراع المدروس للاستجابة للحركة الاصلاحية و سحب الذرائع من يد من يريد بسوريا شرا . و هنا يكون مفيدا كيف كانت ردة فعل بعض الفئات و الدول المجاورة لسوريا عندما اشير لدورها في العمليات التخريبية .
- الورقة الاستراتيجية : و هنا قد لا نرى مفيدا ان نذكر كل تفاصيلها ، انما نكتفي بالاشارة الى عدة مسائل من مكوناتها حيث ان فرض حظر جوي على سوريا او وضعها عسكريا تحت الفصل السابع امر مستحيل بسبب حالة الحرب التي هي عليها و وجود ارض محتلة تخضع عملية استعادتها و تحريرها لمعايير معروفة لا يمكن خرقها ، و على جانب اخر ان سوريا لن تكون وحيدة في مواجهة تدخل اجنبي عسكري على ارضها ، ثم ماذا عن اسرائيل و الجبهة القابلة للاشتعال معها و اشعال كل المنطقة . نكتفي بهذا مع ان في العمق اكثر .
لكل هذا نقول أن الوضع في سوريا أكثر صعوبة و تعقيدا من أحلام المراهنيين على التغيير الجذري و إحداث التحول الاستراتيجي الكبير في المنطقة ، فسوريا ليست في دائرة الخطر كما يتوهمون ، لكنها بحاجة للعمل الجاد لمعالجة الحرب التي تشن عليها بكل شراسة حيث زج الاعلام و الارهاب بشكل غير مسبوق و خصصت الأموال الطائلة للكذب و التلفيق و القتل و التدمير ، هجوم معقد مركب فرض على سوريا اليوم أن تكون في دائرة القلق و الحذر و استدعى منها أقصى دراجات اليقظة و الشجاعة للمواجهة .
العميد الدكتور امين محمد حطيط