سوريا المستنزفة بحرب الدول عليها:
الحل لأزمتها من صناعتها والإبراهيمي يساهم في صياغته
تتكاثر الأسئلة التي تتعلق بالأزمة السورية، والجدل يدور حول النتائج المتوقعة لنهاية هذه الأزمة وكيف يمكن الانتهاء من تداعياتها اللاحقة على مكانة سوريا ودورها في المنطقة؟ الصراع على أشده وبلغ الذروة، والجهات المتآمركة غربية كانت أم "عربية" مازالت تقوم بدورها المرسوم بإحكام عبر إرسال وسائل القتل والدمار وكل ما شأنه استمرار الأزمة، وهذا ما يصب في مصلحة أعداء سوريا وأعداء الأمة بأسرها.لم يترك الأعداء مجالاً يسبب الضرر إلا واتبعوه، حاولوا عن طريق مجلس الأمن وفشلوا، وعقدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اجتماعات دورية لمجموعة أعداء سوريا تحدثت عن الأزمة الإنسانية ونسيت أن الأزمة صناعة أميركية بامتياز مع أدوات "عربية" مأجورة، واستخدموا اسم الجامعة العربية والأمم المتحدة ليحتالوا على العالم والتباكي في حرصهم على الشعب العربي السوري وهم الذين أشعلوا الحرائق والفتن والمؤامرات. لا جديد في الأزمة السورية، والمراوحة هي سيد الموقف الى حين طالما النزيف يستمر في الجسد السوري والهدف إضعافه واستنزافه، والمفارقة اليوم هو التنسيق القائم بين جامعة الدول العربية وبين الأمم المتحدة لإيجاد حل للأزمة.وفي حقيقة الأمر، ومن خلال توصيف الواقع القائم، وكما يقول دبلوماسيون وخبراء، المأزق تام والنزاع لا أحد يملك مفتاح الحل فيه، وبالتأكيد، لأن المؤامرة فشلت، كانت تستهدف إخضاع سوريا واستسلامها وإلحاقها بركب المساومين على عروبتهم وإدخالها في حظيرة الراعي الأميركي المتصهين.جاء المراقبون العرب وذهبوا، ثم أطل الوسيط الدولي كوفي أنان وعاد، واليوم يطل الوسيط العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي، وكما يقال، المهمة بالغة الصعوبة، وكيف لا، هذه سوريا العروبة قلب الأمة، وهي لا تقبل الهوان والإستسلام وهي مركز الثقل في لعبة الأوزان والمعادلات الدولية الجديدة.المجتمع الدولي لا يقدّم أي حل للأزمة السورية
البعض يتحدث عن المصالح الجيواستراتيجية المعقدة في المنطقة، وعن سياسة واقعية دولية مخيفة، سفير الجامعة العربية في فرنسا لخص الوضع بقوله: "إن النزاع السوري هو كمبنى من طوابق عدة هناك أولاَ الحرب الداخلية ثم جميع المواجهات الجيواستراتيجية".وفي هذه الأثناء تتكاثر المبادرات والتصريحات بين فرض عقوبات اقتصادية على سوريا ولقاءات في كل الاتجاهات وإنشاء مجموعات اتصال حول سوريا، وكذلك أطلقت دعوات وأفكار ولدت ميتة مثل قيام مناطق عازلة تحت ذريعة الوضع الإنساني، واعتبر بيتر هارلينغ المتخصص بشؤون سوريا في مجموعات الأزمات الدولية "في الأساس فإن المجتمع الدولي لا يقوم سوى بتكرار أفكار ليعطي الانطباع بأنه يبحث عن حلول لا يؤمن بها في الحقيقة"، والعقوبات الاقتصادية وانشقاق شخصيات لا تنتمي الى النواة الصلبة، لا تؤثر كثيراً في نظام قوي له قاعدته الشعبية المتراصة".بعض المؤشرات صدرت عن لقاء المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي مع المعارضة الداخلية السورية، حيث قال الناطق باسم هيئة التنسيق للتغيير الوطني والديمقراطي التي تضم أحزاباً عربية وكردية واشتراكية وماركسية، أن وفداً من المعارضة التقى الإبراهيمي لإطلاعه على وجهة نظر الهيئة ووسائل حل الأزمة السورية، وقال: "نؤيد تكليف الإبراهيمي المنتدب من الجامعة العربية والأمم المتحدة لحل الأزمة المركبة والمعقدة في سوريا ونحاول أن نتعاون معه لحلها"، وقال عن لقاء الإبراهيمي "إنه هام ومفيد ومثمر، وهناك تطوير لخطة أنان، وخطة الإبراهيمي لن تكون تكراراً لخطة أنان وستكون هناك أفكار وخطوات جديدة"، وأن هيئة التنسيق تؤيد جهود هذا المبعثوث الأممي في حل الأزمة في سوريا، وأكد أن الأزمة في سوريا لن تحل إلا بتوافق عربي وإقليمي ودولي، وطالبنا الأخضر الإبراهيمي بإشراك كل الدول والأطراف في حل الأزمة، وقلنا بضرورة تأمين التوافق واستمع الإبراهيمي للمعارضة والمسؤولين ويبلور أفكاراً ورؤية وخطة تكون قابلة للنجاح.لقد أكد الرئيس بشار الأسد، الالتزام الكامل لدمشق بالتعاون مع أي جهود صادقة لحل الأزمة السورية، ودعا الى حوار سوري يرتكز على رغبات جميع السوريين، وصرح المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي بعد محادثاته في دمشق: "أن الحكومة السورية والرئيس الأسد سيدعمونه في أداء عمله على أكمل وجه، وسنحاول جهدنا أن نتقدم بأفكار وأن نجند ما يحتاجه الوضع من إمكانات وطاقة لمساعدة الشعب السوري على الخروج من هذه المحنة".أما وزير الخارجية السوري وليد المعلم فقد أكد التزام دمشق بالتعاون مع مهمة الإبراهيمي، موضحاً أن نجاح المبعوث الأممي في مساعيه الحميدة متوقف على مدى جدية بعض الدول التي منحته التفويض في مهمته وصدقيتها في مساعدة سوريا، وضرورة توقف الدول التي تأوي وتسلح وتدرب المجموعات الإرهابية في بلاده عن القيام بذلك، وقال المعلم إن "بوصلة التحرك الأساسية في أي مبادرة هي مصلحة الشعب السوري وقراره المستقل دون أي تدخل خارجي".من جهته شدد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على أن طريق الخروج من الأزمة الحالية يكمن في جلوس السوريين "بمختلف أطيافهم الى طاولة الحوار كي يقرروا بأنفسهم ما يريدون من دون أي تدخل خارجي وعرض ما توصلوا إليه في استفتاء على كل أبناء الشعب حتى يحدد في النهاية مستقبل سوريا وغدها.وفي هذا الشأن دعا ممثلون عن نحو عشرين حزباً وهيئة سورية من "معارضة الداخل" في ختام مؤتمر عقد في دمشق في 23 أيلول وحضر افتتاحه سفيرا روسيا وإيران ودبلوماسي صيني، الى عقد مؤتمر دولي حول سوريا لبحث أفضل السبل السياسية لبدء "مرحلة انتقالية تضمن الانتقال الى نظام ديمقراطي تعددي"، مشددين على ضرورة "وقف العنف فوراً" من جانب السلطة و"التزام" المعارضة ذلك "تحت رقابة عربية ودولية مناسبة".كذلك عُقد في دمشق مؤتمراً جديداً للمعارضة الوطنية يوم 26 أيلول ضمّ 30 تياراًَ وحزباً بين أحزاب خرجت الى العلن بموجب قانون الأحزاب الجديد وقوى لها وجود تاريخي في البلاد، مثل الشيوعيين والقوميين السوريين، بالإضافة الى قوى تطالب بالتغيير السلمي.وبعد الإنجازات الكبيرة التي حققها الجيش العربي السوري ونجاحه في توجيه ضربات قوية لفلول العصابات الإرهابية في المدن والقرى السورية، قامت مجموعة إرهابية مسلحة باستهداف مبنى هيئة الأركان السورية بعبوتين ناسفتين إحداهما بسيارة مفخخة، أوقعت خسائر مادية وعدد من الإصابات، وتزامن هذا الاستهداف مع اجتماع كان مقرراً للمؤتمر الوطني المعارض الذي يشارك بعض قيادته في الحكومة السورية الحالية من أجل التباحث في سبل الخروج من الأزمة.ورأى مراقبون، في توقيت الهجمة محاولة يائسة من عصابات الإرهاب لإثبات حضورهم بعد الضربات الأخيرة التي تلقوها ووصولهم الى طريق مسدود أمام حائط الصمود العربي وإلتفاف الشعب خلف قيادته الحكيمة. الدور المصري في مجموعة الإتصال الإقليمي يخضع للضغوط الخارجية ولا يراهن عليه
ومن ناحية أخرى، اعتبرت دمشق، أن تصريحات الرئيس المصري محمد مرسي الأخيرة عن الأزمة السورية قضت على اقتراحه تشكيل مجموعة اتصال إقليمية تهدف لإيجاد حل النزاع الدائر في سوريا، محملة إياه مسؤولية سفك الدم السوري، وبالتالي إن انحياز مرسي للإرهاب والقتل والتخريب في سوريا، قضى على أي جهود أو مبادرات يمكن أن تكون مصر طرفاً فيها، لأن أي مبادرة تطرح أو جهد يبذل لا يمكنه النجاح ما لم ينطلق من رؤية موضوعية ومنطقية لحقيقة ما تشهده سوريا، وكذلك فإن موقف مرسي ليس مرتبطاً فقط بالضغوط الخارجية التي مورست على حكومته، بل أيضاً من تعاطفه مع أحد التنظيمات التي تمارس القتل والتخريب في سوريا وتحمل اسم الجماعة التي ينتمي إليها في إشارة الى "جماعة الإخوان المسلمين".روسيا تملك تصوراً للحل ودول الغرب تناور
يؤكد نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين الى الشرق الأوسط، أنه لن يتخلى عن إتفاق جنيف، ولأن الوثيقة ترقى لدى ميخائيل يوغد انوف الى مستوى المقدس بسبب الإجماع الذي ساد حولها، هذا الإتفاق الذي انعقدت عراه في الثلاثين من حزيران الماضي، جعل ممكناً للمرة الأولى، بنظر الروس إحداث اختراق في الأزمة السورية، لنصه على مرحلة انتقالية تفتح الباب على مصراعيه أمام تغيير سلمي للخروج من الأزمة في سوريا، لكن الفرصة التي لاحت تاريخية، لم تدم طويلاً بسبب انقلاب الغربيين والعرب على الإتفاق، وتخلى الغربيون عما بدا قراءة موحدة للاتفاق، أي هيئة تنفيذية تقود البلاد خلال المرحلة الإنتقالية والمفاوضات. روسيا تملك تصوراً للحل في سوريا وهي ترى أن النظام لا يزال صلباً، كما أن نهاية النزاع لا ترتبط بتغيير ميزان القوى العسكرية حيث يعمل التسليح الغربي والعربي للمعارضة، وكذلك فالروسي يغريه ايضاً الطائف اللبناني والصيغة اللبنانية التي أنهت 16 عاماً من الحرب الأهلية "فليجتمع كل ممثلي تيارات المعارضة وقوى النظام في موسكو أو أي مكان آخر مع ممثلي مختلف الطوائف وغيرهم وليتفقوا كيف ينظمون مستقبل بلادهم".فشل مشاريع الأعداء وحل الأزمة السورية يكون من خلال الحوار الوطني
إن الحرب الدولية التي تشن ضد سوريا، تهدف الى "فرط القوى السياسية الوطنية القائمة، وإعادة تشكيلها من جديد، بل قد تكون إعادة التشكيل هذه سبب انفراط الدولة الوطنية نفسها وتفتتها، أو إحلال كيانات جديدة محلها"، هذا ما يخطط له ضد سوريا من خلال ما يقوم به الأعداء من تحشيد هوية فرعية مذهبية تعتمد كوسيلة للتعبئة، تطهير الهويات الفرعية الأخرى وإقصائها بالدعم الدولي الغربي والتمويل الخليجي والدينامية التدخلية من خلال تحشيد المرتبطين بالاستخبارات الدولية وحركة الإخوان المسلمين ومن المقيمين عادة في الغرب والخليج وهي ليست مصادفة". ولا بد من الإشارة الى العوامل الداخلية التي فتحت ثغراً في جدار الدولة الوطنية السورية وأهمها السياسات الاقتصادية التي طبقت في العقد الأخير، ومعظمها جاءت كتوصيات صندوق النقد الدولي، وأدت الى انفكاك جماهير الأرياف عن المركز، وتكوّن الاستعداد لديها للتفاعل مع التحشيد المذهبي، حيث وقع فلاحو الأرياف في قبضة المقاولين المحليين للحرب الدولية، وهذا الميل هو الذي وقف وراء تشجيع سياسات الانفتاح على الإمارات وقطر وتركيا، واللهاث وراء استرضاء الدول العربية المتأمركة والتي تتبع ما تمليه عليها مصالحه الضيقة على حساب قضايا الأمة، وهذه الفئات هي التي شكلت حاضنة للإختراقات الأمنية.ما دعت إليه بعض الأحزاب والقوى السياسية الى مؤتمر شامل للمعارضة قد يشكل أحد المداخل الهامة لتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف داخل المعارضة وهذه الخطوة إذا تمت دون عراقيل خارجية من شأنها أن تفتح فوهة نور في جدار الأزمة السورية، والبيان الذي وزع باسم 24 حزباً وتياراً وتجمعاً وتكتلاً ولجان الحراك السلمي، وسط انطلاق المبادرات، يظهر الحوار كمساحة داخل الأزمة السورية، من شأنه تهيئة بيئة سياسية تستطيع رسم رؤية لسوريا تتجاوز الأزمة وما خلفته من أجواء سلبية وتحقق المصلحة السورية التي تعتبر غاية أي حوار، والبناء على ما تم إنجازه خلال المرحلة الماضية من مراسيم وإصلاحات كبيرة والانتقال الى مرحلة لاحقة أكثر تقدماً والحل السياسي السلمي للأزمة ورفض التدخل الخارجي بكافة أشكاله والحفاظ على السيادة الوطنية وسيادة الدولة السورية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، كما تضمنت المبادئ أن لا شرط على الحوار إلا بما يحقق مصالح الوطن.محمود صالح