الصحافة اليوم الاثنين 4/3/2013 لبنان والمنطقة في عين العاصفة
رصدت الصحف اللبنانية الصادرة في العاصمة بيروت آخر التطورات على المستوى الداخلي وابرزها تحركات هيئة التنسيق النقابية وما تشهده صيدا من تحركات مترافقة مع انتشار امني مكثف. وكان للصحف تغطية لآخر التطورات على الساحتين الاقليمية والدولية، لا سيّما زيارة وزير الخارجية الامريكي جون كيري الى المنطقة.
السفير
صيـدا تحمـي هويتـها .. وطرابلـس قلقـة
الفتنة «تجول» تحت أنظار الدولة
إذا كانت الانتخابات البلدية الفرعية التي جرت في عدد من المناطق أمس، قد عكست جهوزية لوجستية لدى وزارة الداخلية، إلا أن مفاعيل هذه «البروفة» توقفت عند حدود قانون الانتخاب الذي لا يزال عصيا على كل محاولات التوافق أو الاختراق، فيما برزت اجتهادات متعارضة لدى أهل السلطة في تفسير المهلة الدستورية لدعوة الهيئات الناخبة وكيفية التعامل معها.
ومع أن أمن الانتخابات الفرعية كان ممسوكا الى حد كبير، إلا أن الأمن الوطني ظل مهزوزا وهشا على إيقاع سباق محموم بين «الفتنة المستيقظة» وبين القوى الامنية والعسكرية التي تحاول، بما تيسر من غطاء سياسي، منع الانفجار او تأخيره على الاقل.
وأمام تصاعد خطر الانجرار الى اقتتال داخلي، يكاد ملف الانتخابات النيابية يصبح ثانويا من حيث الأهمية، ذلك أن صناديق السلاح متى فُتحت على مصراعيها لن تترك مجالا امام صناديق الاقتراع.
والأسوأ من ذلك، أن أداء الطرفين في الموالاة والمعارضة ـ الذي يتسم بعجز سياسي متماد ـ هو المسؤول الأول عن تعزيز أدوار المحرّضين على الصراع المذهبي، ومنحهم الفرصة لملء «الفراغ» وتصدر الصفوف الأمامية، مستفيدين من ميوعة أفرقاء الدولة واستغراقهم في حساباتهم الخاصة.
«هيئة التنسيق»
ولئن كان البعض قد اختار أن يقيم في الشارع لتفتيته وتعبئته مذهبيا، فإن «هيئة التنسيق النقابية» قررت تمديد تحركها في الشارع ذاته، وإنما دفاعا عن المصالح الواحدة التي تجمع شريحة واسعة من اللبنانيين العاملين في القطاعين العام والخاص، تحت سقف رفض مماطلة الحكومة في إحالة سلسلة الرتب والرواتب الى مجلس النواب.
فقد قررت «الهيئة» مواصلة الاعتصامات المتنقلة والاضراب المفتوح في القطاع العام، بعد فشل اجتماع السبت المنـصرم مع الرئيس نجيب ميقاتي، فيما ارتأت نقابة المعلمين في المدارس الخاصة التمايز في اسلوب التحرك، من دون أن تنسحب منه، بحـيث من المقرر أن تُسـتأنف الدراسة في تلك المدارس اليوم، على أن يشارك المعلمون في أي تحـــرك بعد الظهر.
الواقع الامني
وبالعودة الى الواقع الميداني، شهدت صيدا أمس، فصلا جديدا من الكر والفر، أضعف الإنجاز الأمني الذي تحقق أمس الأول، وأعاد طرح تساؤلات حول مدى قدرة الاجراءات المتخذة على احتواء الحالات الشاذة ومواجهتها.
وكادت الامور تخرج عن السيطرة، إثر المطاردات التي جرت بين الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي من جهة، وبين امام «مسجد بلال بن رباح» الشيخ احمد الاسير وانصاره من جهة ثانية، الى أن ظهر الأسير قرابة الرابعة عصرا في ساحة النجمة ونفّذ وأنصاره اعتصاما لبعض الوقت، مسجلا على القوى الأمنية أنه تمكّن من مغادرة «مربعه الامني» في عبرا، قبل أن يخلي الساحة مع وصول تعزيزات الجيش وقوى الأمن.
لكن وجها آخر لصيدا، هو وجهها الحقيقي والأصيل، ظهر أمس، من خلال المسيرة ـ الرسالة التي نظّمها «التنظيم الشعبي الناصري» لمناسبة ذكرى استشهاد المناضل معروف سعد، بمشاركة تلاوين سياسية متنوعة، وحشد شعبي هو الأضخم منذ سنوات، نجح في استعادة المبادرة وحصر الظواهر الشاذة في نطاقها الضيق، بعدما حاولت أن تصادر صوت المدينة وصورتها.
أما في طرابلس، فيتعاظم الخوف من الآتي، مع عودة معزوفة «القنابل اللقيطة» التي انفجر منها اثنتان ليل أمس، من أصل خمس. وما يزيد القلق ارتفاع منسوب الخطاب السياسي المتوتر الذي يعكس احتقانا مذهبيا متناميا بلغ حد التهديد بإصدار فتاوى جهادية وفرز الجيش على اساس مذهبي ومناطقي.
بري وجنبلاط وشربل
وفي المواقف، قال الرئيس نبيه بري لـ«السفير» إن الوضع الأمني مقلق جدا، والفتنة تطل برأسها المتفجر من كل مكان، منبها الى ان الغبار العربي، الذي يسميه البعض ربيعا، يتجمع في سماء لبنان، ويهدد بعاصفة هوجاء ما لم تتدارك القوى السياسية على اختلاف انتماءاتها هذا الخطر الداهم.
وتابع: لا يكلمني أحد بالانتخابات وقانونها الآن، فالأولوية بالنسبة إليَّ حاليا هي للأمن، إذ يجب ان يبقى البلد أولا حتى ننظم الانتخابات، لكن للأسف يبدو ان الجميع لا همّ لهم سوى التفكير بها، وكل شيء يقرّشونه انتخابيا.
واعتبر ان ما يحصل يستنزف صورة الدولة وهيبتها، لافتا الانتباه الى ان التعامل الأمني مع بعض الظواهر بات يشبه لعبة القط والفأر، في حين ان دقة الوضع تتطلب حزما في التعاطي.
وفيما دعا النائب وليد جنبلاط عبر «السفير» الى تجنب الوقوع في مأزق سيدفع الجميع ثمنه من دون استثناء، رافضا «اي تحرّك يؤدي الى فلتان امني ويمس بالاستقرار»، أبلغ وزير الداخلية مروان شربل «السفير» انه يشعر بأن هناك توافقا سياسيا، أكبر من ذي قبل، على ضبط الوضع الأمني، ما أتاح للأجهزة الأمنية ان تنفذ واجباتها بفعالية أكبر. وأضاف: متى وجدنا ان الحكمة لا تنفع في المعالجة، فإن القانون سيطبق بكل الوسائل المتاحة.
وأكد ان قرار مجلس الدفاع الأعلى بمنع قطع الطرق والمظاهر المسلحة في صيدا، وأي مكان آخر، لا يزال ساري المفعول، وبالتالي ممنوع على الشيخ أحمد الأسير ان يقوم بأي تجمع يتجاوز حدود مسجد بلال بن رباح، وإذا كان قد نجح بالأمس في الوصول الى ساحة النجمة، فإن القوى العسكرية والأمنية لم تسمح له بالبقاء طويلا هناك.
وأوضح ان الاسير مستدعى الى مخفر صيدا للاستماع إلى إفادته، ولكن ليس كمطلوب بمذكرة توقيف، وإذا ظل ممتنعا عن الحضور فإن القضاء هو المعني بأن يحدد كيف يتصرف معه، ويمكن ان يصدر بحقه مذكرة جلب أو أي إجراء آخر يراه مناسبا.
السنيورة
وكان الرئيس فؤاد السنيورة قد اكد أن الذين ينفخون في نار الشقاق والفتنة كثر، ورفض قطع الطرق العامة أو تهديد حرية الحركة للمارّة، والمواطنين والعابرين والزوار، «كما اننا لا نوافق على التهــجم على أي مجـــموعة أو فئة تسكن صيدا، وفي المقابل لا نوافق على التهديدات والتلميحات التي أطلقها ويطلقها البعضُ باتّجاه المدينة مباشرةً أو عبر وسطاء».
وطالبت «الجماعة الاسلامية» في صيدا القوى الصيداوية بالتمسك بثوابت المدينة بعيشها المشترك وسلمها الأهلي وتاريخها المقاوم الرافض لكل اشكال الظلم وحرصها على علاقاتها المميزة مع جنوبها وشرقها.
السنيورة و«الجماعة» يرفضان لغة التهديد والاتهامات
صيدا: أحد أمني يخترقه الأسير من قلب ساحة النجمة
محمد صالح
عاشت صيدا بدءا من الساعة الثانية من بعد ظهر امس يوما امنيا عصيبا جدا وكادت الامور تخرج عن سيطرة المرجعيات السياسية والأمنية، في ضوء المطاردات التي جرت بين الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي من جهة، وبين امام «مسجد بلال بن رباح» الشيخ احمد الاسير وانصاره من جهة ثانية، الى ان ظهر الاسير قرابة الرابعة عصرا في ساحة النجمة ونفذ وأنصاره اعتصاما لبعض الوقت، مسجلا على القوى الأمنية انه تمكن من مغادرة «مربعه الامني» في عبرا... وصولا الى ساحة النجمة.
وفي التفاصيل، تحولت أجزاء واسعة من صيدا، أمس، الى ثكنات عسكرية قطعت اوصالها بناقلات الجند وحواجز وظيفتها منع الشيخ الاسير من التوجه الى «دوار مكسر العبد» على بوليفار نزيه البزري (الأوتوستراد الشرقي) والتجمع هناك عند الساعة الرابعة من بعد ظهر امس، لتلاوة الفاتحة على ضريحي لبنان العزي وعلي سمهون (اللذين دفنا وسط الساحة التي صار اسمها «دوار الكرامة»)، وفق ما كان قد اعلن الاسير، امس الاول، بعدما تم منعه من الاعتصام امام شقق «حزب الله» في عبرا او «مجمع السيدة فاطمة الزهراء»، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الفرعي في الجنوب.
وقد اقفل الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي، صباح أمس، الطرق الرئيسية والفرعية المؤدية الى بلدة عبرا، بما فيها طريق صيدا ـ جزين فضلا عن تطويق مستديرة «مكسر العبد» على بوليفار البزري وتعزيز القوة الامنية المنتشرة فيها بملالات عسكرية وسيارات إطفاء وعناصر مكافحة الشغب، وصولا الى إقفال البوليفار بشكل كامل وتحويل السير الى البوليفار البحري غربا.
الا ان الشيخ الاسير لم يستكن لإجراءات الجيش وطلب من انصاره التوجه سيرا على الأقدام الى «مستديرة مكسر العبد» وفعلا توجه البعض منهم الى هناك الا ان الجيش منعهم من الاقتراب من المستديرة. في هذا الوقت، علم ان الاسير كان موجودا في «مسجد البزري» في منطقة البستان الكبير الذي يخضع له والقى كلمة بين انصاره وطلب ممن منعتهم القوى الأمنية والعسكرية من الوصول الى «مستديرة مكسر العبد» التوجه الى مسجد البزري نفسه، ومن هناك دعاهم الى التقدم بمسيرة الى ساحة النجمة وسط صيدا، وكانت الساعة تقارب الرابعة والنصف، وتبين أن الساحة غير مشمولة بالاجرءات الامنية نهائيا.
والقى الأسير كلمة شن فيها هجوما على اجراءات الجيش وعلى ايران و«حزب الله» واكد مواصلة تحركه، وذلك وسط هتافات ضد السيد حسن نصرالله وايران.
وعلى الفور، وصلت تعزيزات الجيش وقوى الامن الى الساحة وطوقت الاعتصام، فأخلى الأسير وأنصاره الساحة وتوجهوا إلى عبرا.
يذكر ان إشكالا وقع بين انصار الاسير وانصار «التنظيم الشعبي الناصري» عندما عمد انصار الاسير الى تمزيق لافتات وشعارات يضعها «التنظيم» سنويا في مناسبة ذكرى استشهاد معروف سعد، فوقع عراك بالايدي بعد ان عمد انصار الاسير الى نزع علم «التنظيم» ووضعوا مكانه راية تابعة لهم، فتدخل الشيخ الاسير وطلب من احد معاونيه حل الإشكال بشكل ايجابي وأعاد علم «التنظيم» إلى مكانه وانزل الراية التابعة لهم وانتهى الإشكال.
وقالت مصادر أمنية لـ«السفير» إن الأسير «قد خرج من مربعه صباح امس، قاصدا مسجد البزري قبل ان تتخذ الاجراءات في محيط مربعه الأمني، واقام فيه حتى الموعد المحدد للتحرك الى «مستديرة مكسر العبد»، اي الرابعة عصرا. واشارت الى ان القرار المتخذ من قبل الجيش والقوى الامنية «هو منع الاسير من التقدم على رأس مجموعة او تظاهره او مسيرة باتجاه الاهداف المحدده من قبله (الشقق ومجمع الزهراء)».
السنيورة يتراجع
وكان رئيس «كتلة المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة قد اكد في ندوة اقيمت في ثانوية رفيق الحريري في صيدا لمناسبة ذكرى تحرير صيدا من الاحتلال الاسرائيلي، «اننا نختلف بالموقف السياسي مع قوى سياسية وحزبية، ولكننا نرفض من يحاول تحويل الاختلاف إلى خلاف يؤدي بالمحصلة إلى الفتنة والاقتتال بين الاخوة في الوطن والدين، لاننا مع ادارة الامور بالحكمة والصلابة لا بالتهور والتوتير، وعلينا ان نفوِّتَ على المصطادين بالماء العكِر الفرصةَ لكي لا تُستغلَّ الأوضاعُ الحالية وبعضُ التصرفات للنَيل من صيدا. وينبغي علينا ان نجنب مدينتنا التحول من مدينة للقاء والتضامن والتفاعل الوطني الى مدينة للمواجهة بين المحاور والأطماع الاقليمية والدولية، وهي المواجهة التي تستولد مخاطر تتعدى حدود مدينة صيدا وحدود لبنان».
وقال إن الذين ينفخون في نار الشقاق والفتنة كثر، «ولذلك علينا أن نتبصر لا أن نتهور»، مشددا على ان الدولة اللبنانية ومؤسساتِها هي المسؤولة عن حفظ الامن والاستقرار وليس لأحد أن يقتضي حقه بيده.
وقال: «نحن لا نوافق على قطع الطرق العامة أو تهديد حرية الحركة للمارّة والمواطنين والعابرين والزوار، كما اننا لا نوافق على التهجم على أي مجموعة أو فئة تسكن المدينة لأن الجميع هم أهلُها وسكانُها طالما يلتزمون بالقوانين. كما اننا لا نوافق على التهجم على مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية ورموزها بطريقةٍ تخرُجُ عن الأُصول».
اضاف السنيورة: «في المقابل نحن لا نوافق على التهديدات والتلميحات التي أطلقها ويطلقها البعضُ باتّجاه المدينة مباشرةً أو عبر وسطاء، لأننا نرفض القبول بمنطق القوة والإرغام والتهويل والتهديد والإرهاب. وليس مقبولاً حملُ السلاح في المدينة والتهديد باستعماله، ومدينة صيدا التي لطالما كانت رمزاً للانفتاح والاعتدال، هي الواحة التي تحتضن وتستوعب جميعَ الآراء والاتجاهات ووجهات النظر، وليس لأحدٍ الحقُّ في ادعاء احتكار الحقيقة أو المعرفة أو الوطنية».
واعتبر انه من واجب الدولة «أن تحزِمَ أمرها، وتطبق القانون على الجميع، لأن ترددها وعجزها وغض النظر عمن يسلب هيبتها تؤدي إلى تَسَيُّب الاوضاع وازدياد الفُرقة بين أبنائها. كما أن عليها ان تقبض على المجرمين الذين اطلقوا النار على الشابين من أبناء المدينة وهما علي سمهون ولبنان العزي والمواطن المصري علي شربيني، لان استمرار التلكؤ في تطبيق القانون يساهم في شحن روح الاستقواء لدى البعض، مما يفاقم التوتر ويزيد من حدة المخاطر وهو الأمر الذي لا مصلحة للبنان فيه».
كما طالب السنيورة الدولة بمؤسساتها ومسؤوليها والأطراف جميعاً إلى أن تعمل انطلاقاً من صيدا على منع حمل السلاح والظهور به في المدينة وإقفال المراكز المسلحة. وخلص للقول: «من يريد قطع الطرق، وتهديد حرية الحركة والتنقل في المدينة، إنما يساهم في تخريب مدينة صيدا، عن قصد او غير قصد. وانا أدعو السلطات الرسمية والأجهزة الأمنية أن تعملَ لمنع التجاوزات من أي طرفٍ كان».
وفد فلسطيني يؤكد الثوابت
وكان وفد من «حركة فتح» وفصائل «منظمة التحرير الفلسطينية» برئاسة امين سرها فتحي ابو العردات قد التقى كلا من أمين عام التنظيم الشعبي الناصري الدكتور أسامة سعد في مكتبه والنائبة بهية الحريري في دارتها في مجدليون ورئيس بلدية صيدا السابق الدكتور عبد الرحمن البزري في منزله في صيدا.
وشدد أبو العردات على استمرار اتباع سياسة الحياد الايجابي «وان نكون عامل استقرار». وقال ان امن صيدا هو جزء من امن المخيمات.
واكد البزري أن صيدا لا يمكن ان تكون خنجرا يطعن المقاومة في ظهرها تحت اي شعار، والمدينة ليست حكرا لا على شخص ولا على طرف ولا على قوى معينة.
«الجماعة الإسلامية»
وطالبت «الجماعة الاسلامية» في صيدا القوى الصيداوية بالتمسك بثوابت المدينة وبعيشها المشترك وسلمها الاهلي وتاريخها المقاوم الرافض لكل أشكال الظلم، والحرص على علاقاتها المميزة مع جنوبها وشرقها، وتبنيها للقضية الفلسطينية واحتضانها لاكبر مخيمات اللجوء، وتبنيها لحقوق الشعب الفلسطيني المقيم في لبنان. ودعت الجميع للترفع عن السجالات الاعلامية والتخفيف من حدة الخطابات والاتهامات والاهانات والشتائم، والارتقاء بالخطاب الى مستوى يليق بأبناء المدينة وأخلاقهم وقيمهم التي لطالما حافظوا عليها في اشد الظروف وأعقدها، والعمل سوياً للوصول إلى قواسم مشتركة نجنب من خلالها المدينة كل أشكال الظلم والفلتان الأمني والتجاوزات.
ماذا تعني سيطرة الجيش السوري على «طريق البادية» إلى حلب؟
زياد حيدر
حقق الجيش السوري تقدما ميدانيا مهما، أمس الأول، بسيطرته الكاملة على الطريق المؤدي إلى حلب الذي يتيح لقوى الجيش وقواعده في المدينة الحصول على تعزيزات مباشرة وسريعة، في معركة حلب المستمرة منذ ثمانية أشهر.
وأعلنت قيادة الجيش، للمرة الأولى منذ أشهر، تمكنها من السيطرة على كامل الطريق الممتد لمطار حلب الدولي، وذلك بعد معارك استمرت عدة أسابيع، وتركزت في القرى الأقرب للمطار وعلى الطريق الدولي كالسفيرة.
ووفقا لبيان قيادة الأركان فإن «رجال جيشنا العربي السوري، بالتعاون مع الأهالي الشرفاء قاموا بعمليات نوعية أعادوا من خلالها الأمن والاستقرار إلى القرى الموجودة على الطرق الدولية، وهي سلمية وأثريا وخناصر والمزرعة ورسم النقل وأم عامود صغير وأم عامود وجنيد وقبتين وخريرش وجلاغيم والسفيرة ومؤسسة معامل الدفاع ومراكز البحوث العلمية وباشكوى وتل عابور وتركان وتل شغيب والنيرب ومخيم النيرب ومطار حلب الدولي». وتقع هذه القرى والبلدات على ما يعرف بـ«طريق البادية» الذي يصل السلمية في حماه بمطار حلب الدولي.
ودعا البيان، الذي نشرته وكالة الأنباء السورية (سانا) أمس الأول، «كل من غُرِّر بهم من أبناء سوريا للعودة إلى جادة الصواب، فالفرصة لا تزال سانحة لإلقاء السلاح والعودة إلى حضن الوطن الذي يتسع لجميع أبنائه».
ورغم أن عملية استعادة الطريق الدولي استغرقت وقتا طويلا، إلا أنها تعتبر تغيرا مهما في المجرى الميداني، باعتبار أن تشتت السيطرة على الطريق كانت تعيق وصول إمدادات لوجستية لقوى الجيش التي تقاتل في حلب، الأمر الذي كان يتطلب الاستعانة بسلاح الطيران بشكل دائم.
ورغم أن الطريق لم ينقطع تماما أمام حركة الشاحنات والمواطنين، إلا أنه كان مقسما إلى مناطق نفوذ للجيش السوري ومسلحي المعارضة، ما كان يتطلب وقوفا مستمرا على حواجز للطرفين في المسافة التي تزيد عن 200 كيلومتر. ولا يعني التطور الميداني الأخير أن تلك المناطق لن تشهد معارك بعد الآن، إلا انه يؤكد تعزيز سيطرة الحكومة السورية على تلك المناطق، وذلك في الوقت الذي يجتمع فيه «ممثلون عن المجتمع المحلي» في مدينة غازي عنتاب التركية لتأسيس «مجلس محافظة حلب» لإدارة المدينة «بعد تحريرها». واللافت أن الاجتماع يجري في تركيا، ويشارك فيه قادة عسكريون ومدنيون، اتفقوا مبدئيا على تقسيم المحافظة التي ما زالت تشهد معارك ضارية إلى «خمس دوائر انتخابية، وهي: مدينة - ريف شمالي - ريف جنوبي - ريف شرقي - ريف غربي» وذلك بغرض إقامة انتخابات بلدية... مستقبلا.
التقدم الميداني الأخير دفع كتائب المعارضة المختلفة لتحويل معركتها إلى حلب بهجوم مركز على مدرسة الشرطة في منطقة خان العسل، وذلك بعد حصار استمر عدة أسابيع. وحتى الآن لم تؤكد مصادر رسمية سقوط المدرسة، وإن أشارت إلى أن معارك شرسة تجري في المنطقة، وذلك فيما أشاعت مصادر المعارضة استيلاء قواتها على بعض مباني المدرسة منذ أمس. ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان فإن حصيلة المعارك كانت 200 قتيل من الطرفين، وذلك من دون الإشارة لتطور لاحق جرى أمس تمثل بسقوط صاروخ «سكود» على الجزء الذي تستولي عليه المعارضة في تلك المنطقة، وفقا لمصادر إعلامية متفرقة.
وفي هذا السياق، قال مصدر مسؤول إن وحدات الجيش «نفذت سلسلة من العمليات في بلدات منغ ومنبج ودير جمال وحريتان ورتيان والبرقوم والمنصورة وكفر انطون وحيان وتل عذار والنيرب وجسر عسان والعزيزة واورم الكبرى وقراصي»، مشيرا إلى أن العملية أسفرت عن تدمير «أوكار» المستهدفين «وأردت العديد من القتلى والمصابين بين صفوفهم».
وفي دمشق، قال مصدر مسؤول إن وحدات من الجيش أوقعت عدداً من المسلحين بين قتلى ومصابين، بينهم من يتزعم مجموعات مسلحة ينتمون إلى «لواء الإسلام» في مزارع العب والحجر الأسود والسبينة في ريف العاصمة، ودمرت أوكاراً وتجمعات لهم. وأوضح أن وحدة من الجيش قضت على أربعة من متزعمي المجموعات المسلحة في مزارع العب بالقرب من دوما، وذلك فيما سقطت قذائف هاون في وسط دمشق، قرب مبنى هيئة الأركان العامة في ساحة الأمويين وقرب المنطقة الحرة في البرامكة. وكان سبق لقذائف هاون أن سقطت في منطقة برزة أيضا، وأدت إلى مقتل رجل وجرح طفل.
وقالت مصادر محلية إن عملية إزالة بعض المباني في منطقة داريا التي لا تزال تشهد معارك بدأت باعتبارها «ضمن حرم مطار المزة العسكري». وهي عملية تجري تحت ذات العنوان في محيط مطار دمشق الدولي أيضا، وهو المحاذي لمناطق اشتباك متشتتة في بساتين الغوطة الشرقية. وتشهد المعركة في داريا تقدما بطيئا لمصلحة قوى الجيش التي تحكم حصارها على بعض أحياء البلدة التي يتمركز مسلحون فيها.
كما قامت قوى الجيش في ريف اللاذقية الشمالي بعملية عسكرية من عدة محاور باتجاه مناطق تمركز وتحصن المسلحين، ولا سيما في «المناطق الممتدة على طول المحور (الفاصل) بين قوات الجيش السوري وأماكن تواجد الميليشيات من الحدود التركية وصولاً إلى آخر نقطة لأماكن تواجدهم، وهي منطقة غمام»، حيث أشار المصدر إلى أن «الاشتباكات لا تزال مستمرة وبقوة».
وذكرت «سانا» أمس إن «وحدات من القوات المسلحة تصدت السبت لمجموعات إرهابية مسلحة تقوم بأعمال اعتداء وتخريب في بعض المواقع في محيط مدينة الرقة الشمالي الشرقي وأوقعت بها خسائر كبيرة». ونقلت عن مصدر مسؤول قوله إن هذه المجموعات «حاولت الاعتداء على حواجز للجيش قرب سجن الرقة المركزي ومدينة الفروسية».
وعلى الحدود السورية ـ العراقية، تمكن الجيش السوري من إعادة سيطرته على معبر اليعربية الحدودي مع العراق بعد أقل من 24 ساعة من سيطرة مقاتلين إسلاميين متشددين من «جبهة النصرة» و«الفاروق» و«أحرار الشام» وكتائب أخرى عليه. وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الجيش تمكن أيضا «من السيطرة على أكثر من نصف مدينة اليعربية المجاورة للمعبر».
وقالت مصادر في الجيش العراقي إن «السلطات العراقية أصدرت أمرا بغلق منفذ ربيعة الحدودي حتى إشعار آخر وذلك بسبب فقدان سيطرة الحكومة السورية على الجانب الآخر من المعبر». وأطلق الجيش العراقي طلقات تحذيرية في الهواء يوم الجمعة في الوقت الذي كان يخوض فيه مقاتلو المعارضة السورية معركة مع القوات الحكومية في بلدة اليعربية السورية وسيطروا على النقطة الحدودية في نهاية الأمر. وقال مسؤول عسكري إنه تم تسليم أكثر من 20 جنديا سوريا للاستخبارات العسكرية بعد أن فروا من القتال إلى العراق وإنهم أرسلوا إلى بغداد.
وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية الفريق محمد العسكري أعلن، أمس الأول، ان أربعة جنود من الجيش السوري نقلوا إلى مستشفى في شمال العراق بعد إصابتهم في اشتباكات مع مسلحين، طالت نيرانها الأراضي العراقية.
الاخبار
الحرب المتواصلة على الدولة!
البنك الدولي: تمويل كلفة السلسلة بالضرائب ليس «كارثة»
الحرب الدائرة اليوم في لبنان هي حول موقع «الدولة»، فالمعترضون على تصحيح الأجور والرواتب والرافضون لتعديل النظام الضريبي يعلنون بوضوح: الدولة التي نريدها هي القائمة الآن، والتي يتشارك فيها «المقاطعجية» مع «أصحاب الرساميل» من دون أيّ اعتبار للناس
محمد زبيب
ليس دقيقاً ما يُنقل عن رأي البنك الدولي في شأن تأثيرات سلسلة الرتب والرواتب. صحيح أن رأيه ليس مرغوباً من غالبية المتضررين أينما حلّ، ولكن مع ذلك لا ينقل المعنيون هنا ما قاله بأمانة. في الواقع، هم لا يريدون في هذه المرحلة أن يسمعوا أي رأي يتناقض مع مصالحهم الظرفية وعشقهم للمياومة. فهؤلاء، وزراء وأصحاب رساميل، لم يلجأوا الى البنك الدولي إلا لاستخدامه في تركيب «شائعة» (سبق استخدامها مرّات كثيرة) يتلطّون خلفها للقول إنه هو الذي حذّرهم من «كارثة» في حال تصحيح رواتب العاملين والعاملات في القطاع العام! فهل صحيح أن البنك الدولي أبدى مثل هذا الرأي؟ وكيف؟ وما الذي خلص إليه حقيقة؟
لا رأي للبنك الدولي
لم يقل البنك الدولي رأيه بهذه الطريقة المشاعة أبداً، بل هو أصرّ على التوضيح، على متن الصفحات الأربع التي أعدّها وسلّمها الى المعنيين، أن الخبراء لديه نفّذوا محاكاة لأثر تعديل السلسلة على المالية العامّة والوضع النقدي والاقتصاد الكلي وفقاً لثلاثة سيناريوهات مختلفة، وذلك بناءً على طلب من الحكومة اللبنانية (وتحديداً من وزارة الاقتصاد والتجارة ووفقاً لمعطياتها)، إذ طُلب الى مكتب البنك في بيروت المساعدة في إعداد نموذج يتناول الأثر في حال اعتماد التمويل على الضرائب كلياً (سيناريو 1) أو جزئياً (سيناريو 2) أو من دون أي ضرائب (سيناريو 3) ومقارنتها مع السيناريو الأساسي، أي في حال عدم تعديل السلسلة، وبالتالي كان حرصه واضحاً على التشديد بأن ما خلص إليه «لا يعكس أي موقف رسمي أو بيان رأي من البنك الدولي».
هذا التوضيح كاف لنفي «الشائعة» من أصلها، ولا سيما أن مصادر البنك أفادت «الأخبار» بأنه بصدد إعداد رأيه لنشره قريباً للعموم، وسيضمّنه نصائحه في كيفية التعامل مع مؤشرات ومتغيرات كثيرة، وليس فقط «السلسلة»، وهو سيستند الى رأي سابق نشره في عام 2012، تحت عنوان «استعمال تحويلات الرساميل الكبيرة الواردة الى لبنان لتحفيز النمو الشامل والمستدام على المدى الطويل»، وكذلك سيستند الى خلاصات مهمّة تتعلق بالاقتصاد الكلي وسوق العمل، توصّل إليها من خلال برنامج «MILES»، والتي دعم نشرها في أواخر عام 2011 طروحات وزير العمل السابق شربل نحاس لتصحيح الأجور في القطاعين العام والخاص وتحصينها وتبنّي مفهوم الأجر الاجتماعي (ولا سيما مشروع التغطية الصحية الشاملة) وزيادة الاستثمار في البنى التحتية والخدمات الأساسية وإدخال تعديلات جوهرية على بنية النظام الضريبي.
ولكن، على الرغم من هذا التوضيح الذي يرفع مسؤولية البنك الدولي، جاءت نتائج النموذج الذي أعدّه «غب الطلب» مختلفة كثيراً عن «الشائعة»، فهي لم تحذّر من «كارثة» في كل السيناريوهات، بل إن نتائج السيناريو الأول (الذي يفترض تطبيق جميع الإجراءات لزيادة الإيرادات وفقاً للمعطيات التي قدّمتها وزارة الاقتصاد والتجارة نفسها، وهي لا تتضمن إصلاحات واسعة في النظام الضريبي) جاءت قريبة جدّاً من نتائج السيناريو الأساسي (الذي يفترض بقاء الوضع على ما هو عليه، أي تنفيذ الاستثمارات المقررة من دون زيادة الأجور ومن دون إيرادات إضافية مرتبطة بها)... علماً بأن السيناريو الثاني (تمويل جزئي بالضرائب يصل الى 50%) ينطوي على مخاطر أقلّ من مخاطر السيناريو الثالث (لا تمويل بالضرائب الإضافية)، وهذا السيناريو الأخير الذي تلتزم به الحكومة ويطالب به أصحاب الرساميل هو الذي يمكن وصفه بـ«الكارثي»، طبعاً من دون أن يستخدم البنك الدولي هذا التعبير إطلاقاً.
التمويل بالضرائب ليس كارثة
لنترك «الشائعة» جانباً، فما توصل إليه البنك الدولي في النموذج المطلوب يمكن تلخيصه بالأرقام كالآتي:
ــ سيبلغ معدّل نموّ الناتج المحلي في عام 2005 وفقاً للسيناريو الأساسي نحو 5.1%، ولن يتراجع إلا قليلاً وفقاً للسيناريو الأول (التمويل بالضرائب)، إذ سيبقى عند 4.9%، وسيتراجع وفقاً للسيناريو الثاني (نصف التمويل من الضرائب) والثالث (لا تمويل بالضرائب) إلى 4.7% و4.5%.
ــ سيرتفع التضخم 2.8% وفقاً للسيناريو الأساسي وسيناريو التمويل بالضرائب (أي لا تضخم إضافياً)، لكنه سيرتفع إلى 3.2% و3.3% وفقاً للسيناريو الثاني والثالث.
ــ سيبقى مؤشر سعر الصرف الحقيقي كما هو في السيناريو الأساسي والأول (107.7)، لكنه سيرتفع الى 108.5 و108.8 في السيناريو الثاني والثالث.
ــ ستتراجع الاستثمارات الإجمالية من 28.7% إلى 27.1% من الناتج في السيناريو الأول، لكنها ستتراجع أكثر إلى 25.6% و24.1% في السيناريو الثاني والثالث.
ــ سترتفع الإيرادات (ضمنها الهبات) من 23.4% من الناتج في السيناريو الأساسي إلى 29.7% في السيناريو الأول وإلى 26.5% في السيناريو الثاني، وستبقى كما هي في السيناريو الثالث. وهنا بيت القصيد، إذ إن المؤشرات اللاحقة ستتغيّر وفقاً لهذا المؤشّر تحديداً.
ــ سيرتفع الإنفاق الإجمالي والاقتراض الصافي من 31.9% من الناتج الى 39.2% في السيناريو الأول و39.7% في السيناريو الثاني و40.3% في السيناريو الثالث.
ــ سيرتفع العجز من 8.5% من الناتج في السيناريو الأساسي الى 9.5% في السيناريو الأول و13.2% في السيناريو الثاني و16.9% في السيناريو الثالث.
ــ لن يرتفع العجز في الحساب الجاري (ميزان العلاقات مع الخارج بما فيها الاحتياطات الإجمالية) بين السيناريو الأساسي والسيناريو الأول (17.9% من الناتج)، لكنه سيبلغ نسبة 19.5% و21% في السيناريو الثاني والثالث.
ــ ستزيد نسبة الدين العام من الناتج قليلاً من 126.8% إلى 128% بين السيناريو الأساسي والسيناريو الأول، لكنها سترتفع كثيراً الى 136% و144.1% في السيناريو الثاني والثالث.
ــ ستزيد خدمة الدين كنسبة من الناتج من 8.2% الى 9.4% و10% و10.6% على التوالي، بحسب السيناريوهات المطلوبة.
هذه النتائج تعني أمرين أساسيين: الأول، أن تمويل السلسلة من الضرائب لن يغيّر كثيراً في الواقع «الكارثي» أصلاً، بل يحافظ عليه كما هو. والثاني، أن التمويل بالضرائب إذا ترافق مع إصلاحات جوهرية للنظام الضريبي (ولا سيما استهداف الريوع بضرائب كبيرة) وإصلاحات جوهرية أخرى في بنية الإنفاق العام واتجاهاته (ولا سيما الاستثمار في البنى التحتية وشبكات الحماية الاجتماعية) سيؤدّي الى فرصة مهمّة لتحسين الأوضاع القائمة، وليس العكس.
بحسب خبراء البنك الدولي، فإن «الموقف من تعديل سلسلة الرواتب يجب أن يقترن بنظرة محددة الى موقع القطاع العام (الدولة)، وعلى أساسها يتم تغيير الشروط المرجعية واتخاذ القرارات». يعني ذلك أن المسألة كلّها تتعلق الآن بموقع الدولة ودورها وقوّتها، فرفع حصّة الأجور والرواتب في الإنفاق العام يستوجب تعديلات في النظرة السائدة الى الدولة لكي يكون ممكناً استيعابه من دون مشاكل تُذكر.
تنقسم المواقف المعلنة اليوم من موضوع تعديل سلسلة الرواتب الى ثلاثة أقسام:
ــ موقف هيئة التنسيق النقابية ومن معها أو يؤيّدها أو يتضامن مع مطالبها، وهؤلاء ينطلقون في مطالبتهم بتعديل السلسلة من نظرة الى الدولة بوصفها يجب أن تكون ضامنة لحقوقهم الأساسية ومستوى عيشهم وأمنهم وحرّيتهم... دولة تشعرهم بالاطمئنان ولا تبقيهم رهائن لمصالح تبدو لهم متناقضة مع مصالحهم وتساهم في إفقارهم وتضييق فرص العمل والسكن أمامهم.
ــ موقف أصحاب الرساميل، ولهم تمثيل قوي في الحكومة ومجلس النواب ويرتبطون بشبكة علاقات وثيقة مع غالبية القوى السياسية والزعامات المسيطرة والقضاء والإعلام والصحافة وبعض الجمعيات غير الحكومية، وهؤلاء ينطلقون في رفضهم لتعديل السلسلة من نظرة مختلفة للدولة... دولة تخدمهم، بمعنى أنها تسمح لهم بجني أعلى مستوى ممكن من الأرباح من استثماراتهم وتوظيفاتهم وعقودهم ورخصهم وامتيازاتهم، يحاججون بأن هذا واجب على الدولة، بل هو دورها حصراً. هؤلاء لا يحبون الضرائب، يعتبرونها تدخلاً سافراً من قبل الدولة في شؤونهم الخاصّة، ولذلك لا يحبّون الإنفاق العام عموماً، وهم مضطرون إلى قبوله في مجالات معينة تضمن لهم بيئة صالحة وآمنة للقيام بـ«الأعمال»، بما فيها «الأعمال» التي تجعل قسماً مهمّاً من هذا الإنفاق يعود إليهم بالأرباح أيضاً. ليس مصادفة الآن أن أصحاب هذا الموقف يسعون اليوم إلى تخفيض كلفة نظام التقاعد، بحجّة أنه مكلف على الخزينة العامّة ويطالبون في الوقت نفسه بتنفيذ مشاريع البنى التحتية وتشغيلها وإدارتها وجني ريوعها بالشراكة معهم وعبرهم!
ــ موقف بعض القوى السياسية ذات التمثيل المهم في الحكومة ومجلس النواب ينطلق من نظرة الى الدولة أقرب الى نظرة «المقاطعجية»... دولة تسمح لهم باستمرار السيطرة عليها ومحاصصتها واستخدامها كأداة توزيعية وظيفتها ضمان قدرة كل «شريك» على تطويع جماعة تحمي حصّته وتزيدها عند المقدرة، وبهذا يستوي موقف تيار المستقبل وحركة أمل والتيار الوطني الحر والمردة والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الطاشناق... هؤلاء لا يمانعون بزيادة الإنفاق العام عادة طالما أنه يقوم بهذه الوظيفة، أي طالما أنه استهلاكي يزيد من ارتهان الجماعة لزعيمها، ولا يساهم في تحريرها، إلا أن هذه النظرة للدولة ينتج منها مفاعيل كثيرة، أهمّها مفاعيل تركّز الثروة في أيدي قلّة قادرة على التحكّم بالدولة والاقتصاد في آن، وهذا ما شجع على توسيع دائرة الشراكة بين الزعامات السياسية وأصحاب الرساميل طيلة الفترة الماضية... هناك قوى سياسية أخرى تتشارك مع القوى المذكورة في «دولتها»، لكنها لا تمتلك النظرة نفسها إليها، فحزب الله لا يزال ينظر الى الدولة باعتبارها أمراً لا مفرّ من التعامل معه لتحقيق أهداف أعلى شأناً وأهم بكثير، وبالتالي يتعامل بفوقية في نظرته الى الدولة وموقعها، فالحزب ما انفك يردد أنه مستعد للقبول بأي صيغة جديدة للدولة، لكنه لا يقول أي صيغة يريدها هو ويناضل من أجل تحقيقها. والقوات اللبنانية التي لا تزال تخبّئ في خلفية نظرتها الى الدولة صيغاً ملتبسة تفضّل الانتقال الى درجة أعلى من «الفيدرالية». والحزب القومي السوري الاجتماعي لا يفعل شيئاً ينسجم مع خطابه العلماني صاحب البعد الاجتماعي!
ليس اختراعاً للبارود
لن يخترع البنك الدولي البارود، وإنما سيبدي رأياً بديهياً جداً، فزيادة حصّة الأجور والرواتب من الإنفاق العام الى الثلث في ظل النظرة السائدة الى «الدولة» اليوم، التي تكوّنت في الحرب وتظهّرت في اتفاق الطائف وترسخت في السلوكيات خلال العقدين الماضيين، لا بد أن ينتج منها مشكلة كبيرة. فالحكومات المتعاقبة نجحت في تخريب الإدارة العامّة وتهميش دورها وإضعاف قدراتها وتقسيمها إقطاعيات، وبالتالي رفعت كلفتها كثيراً قياساً الى إنتاجيتها وموقعها. النتيجة يمكن تلخيصها بأن الحجّة الأقوى المطروحة الآن لتبرير الحماسة الى توسيع قاعدة مشاركة أصحاب الرساميل في عمل «الإدارة» هو أن هذه «الإدارة» باتت عاجزة عن القيام بهذا العمل بكفاءة «القطاع الخاص». كان هذا هدفاً من الأهداف التي حتّمت السياسات المعتمدة منذ نهاية الحرب.
لنمعن قليلاً بما حصل طيلة الفترة السابقة: في عام 1996 جرى آخر تصحيح دوري للأجور في القطاع الخاص، وحينها أيضاً جرى آخر تصحيح لسلسلة الرواتب لموظفي «الدولة» التي أقرّها مجلس النواب في عام 2008 مذيّلة بعبارة «بانتظار توفّر التمويل». هذه العبارة جاءت بمثابة إعلان صريح عن أن «الدولة» تضع المواطنين في مرتبة أدنى من مرتبة أصحاب الرساميل، لم يكن الأمر خافياً قبل ذلك، لكنه كان يحتاج الى دليل، فقانون السلسلة يومها جاهر بتعليق حقوق قانونية لأن مشكلة عجز الخزينة العامّة انفجرت وباتت تستوجب إعطاء الأولوية المطلقة لخدمة الدين العام والاستهلاك عبر الارتهان التام للتدفقات الخارجية وليس للإنتاج. ففي الوقت نفسه، تم وضع قانون آخر يفرض تخصيص كل ما ينتج مما يسمى الفائض الأولي (والخصخصة) لخدمة الدين العام وذلك بذريعة أن ذلك يساهم في تخفيض نمو الدين فإذا تحقق الفائض الأولي تقل حاجة الخزينة إلى الاستدانة. هذه الذريعة سمحت بإفلات شياطين كثيرة من صندوقة باندورا، إذ بحجة السعي إلى تحقيق أعلى فائض أولي جرى اتخاذ قرارات كثيرة بالغة الأهمية، منها قرار ضمني بتجميد الأجور وآخر معلن لتجميد التوظيف وثالث تم تنفيذه تدريجياً وقضى بتجميد الاستثمار في البنى التحتية والخدمات العامّة. جاءت هذه القرارات لتعلن أفول مرحلة الوعود الربيعية وانكشاف وجهها الحقيقي المتمثّل بتلاقي نظرتي «المقاطعجية» و«أصحاب الرساميل» للدولة وسحق النظرة الأخرى. فبدلاً من إعادة توزيع الأكلاف المترتبة على المرحلة السابقة، جرى العكس تماماً، أي تحويل هذه الأكلاف الى مغانم للبعض ومغارم للأكثرية. الحصيلة تحويل المليارات من جيوب الفقراء الى جيوب الأثرياء (انظر مقال غسان ديبة).
الحرب اليوم هي في هذا الميدان تحديداً، ولذلك لا يمكن تركها لهيئة التنسيق النقابية وحدها... هناك مسؤوليات سياسية يجب أن يتحمّلها الجميع.
________________________________________
تكتلات المصالح
يقول البنك الدولي في تقرير سابق له (كانون الثاني 2012) «إن اقتصاد لبنان السياسي يتميّز بنظامه السياسي الطائفي وبوجود تكتلات مصالح قوية في القطاعات الاقتصادية الرئيسية. ويؤدي هذا المزيج الى نزاعات متكررة بين القادة السياسيين من مختلف الطوائف، والى السيطرة على القرار في مجالات السياسات الاقتصادية والاجتماعية. وتتواجد اقوى تكتلات المصالح في القطاعين المصرفي والعقاري. ونتيجة الاستقطاب الطائفي للنظام، أدت المساومات والزبائنية والريع السياسي الى صقل عمل المؤسسات العامة ضمن شكل معين. ومن جهة اخرى، تؤثر الخلافات السياسية الداخلية والمصالح الخاصة المكتسبة في العملية القانونية والتشريعية التي تنظم الحياة الاجتماعية والاقتصادية. اخيراً، يؤدي النظام الانتخابي دوراً بارزاً في تأييد الهيمنة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وفي هذه التركيبة، لا يبقى المجال واسعاً امام الشباب المستقلين والمهرة من اصحاب الاختصاص والمبادرات».
يجري توزيع الريوع والحصص ضمن القطاع العام طبقاً لتوازن سياسي دقيق. ونتيجة لذلك، لن يكون اجراء الاصلاحات ممكناً في اي قطاع إذا أدى ذلك الى تقليص الريوع السياسية لاحد قادة الطوائف، فيما يحتفظ القادة الاخرون بريوعهم في القطاعات الاخرى. وغالباً ما يجري تأخير الاصلاحات الهيكلية والقطاعية الرئيسية والمماطلة في اجرائها بسبب الاختلالات المحتملة التي قد تحدثها في توازن الحصص الريعية والسياسية. وحتى داخل القطاع الواحد، يجب الأخذ في الاعتبار المصالح السياسية والطائفية المتباينة عند النظر في خيارات الاصلاح. وعلى الرغم من صعوبة التحدي، يمكن تصميم آلية التعويض الملائمة وتعزيز التوجه نحو حزمة اصلاحات شاملة أن يحدثا توازناً جديداً في النظام. في المقابل، من المفيد بذلك الجهد تظهير حقيقة ان الاصلاح ليس عملية تحسين مواقع على حساب مواقع اخرى تكون نتيجتها الاجمالية صفراً، بل إن الربح سيكون أكبر للجميع، ولا سيما حين ترتفع وتيرة النمو الاقتصادي».
سوريا | نجاد يرى «الحل عبر برنامج الرئيس»... والخطيب في ريف حلب
الأسد: لا حوار مع الإرهابيين
الرئيس بشار الأسد منفتح على الحوار، وبالشروط التي وضعها سابقاً. لم يختلف حديثه، أمس، عن آخر خطاب له: «المشكلة ليست في شخص الرئيس، ابحثوا عن الدول الداعمة للتسليح»
حافظ الرئيس السوري بشار الأسد على «أساسات» خطابه الأخير. نعم للحوار، ولضرب الإرهاب. حلّ الأزمة عند الدول الداعمة للمسلحين، برأي الأسد. أما وزير الخارجية وليد المعلم فقد تلقى جرعة دعم سياسية من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ونظيره علي أكبر صالحي.
وأكّد الرئيس الأسد استعداده للتفاوض حول إنهاء الأزمة في بلاده مع المعارضين «الذين يسلمون سلاحهم». ورأى في مقابلة مع صحيفة «صنداي تايمز» أنّ «من العبث القول إنّ النزاع يدور حول الرئيس ومستقبله»، قائلاً «إذا صح هذا القول، فسيوقف رحيلي القتال. من الواضح أن هذا الكلام مناف للعقل. السوابق الأخيرة في ليبيا واليمن ومصر تشهد بهذا».
وقال الرئيس السوري «وحدهم السوريون يمكنهم أن يقولوا للرئيس ابق أو ارحل، تعال أو اذهب، ولا أحد غيرهم». وجدّد استعداده للتحاور مع المعارضين، وقال «نحن مستعدون للتفاوض مع أيّ كان، بمن فيهم المقاتلون الذين يسلمون سلاحهم»، مضيفاً «يمكننا بدء حوار مع المعارضة، لكن لا يمكننا إقامة حوار مع الإرهابيين».
وانتقد الرئيس السوري الدول الغربية، ولا سيما بريطانيا التي أعلنت تأييدها رفع الحظر عن تسليح المعارضين السوريين. وقال «بصراحة بريطانيا معروفة بلعب دور غير بنّاء في منطقتنا في عدد من القضايا منذ عقود، والبعض يقول منذ قرون». وقال «إذا كان أحد يريد بصدق، وأشدد على كلمة بصدق، أن يساعد سوريا وأن يساعد في وقف العنف في بلدنا فيمكنه القيام بأمر واحد هو الذهاب إلى تركيا والجلوس مع (رئيس وزرائها رجب طيب) أردوغان ويقول له: توقف عن تهريب الإرهابيين إلى سوريا، توقف عن إرسال الأسلحة وتأمين الدعم اللوجستي لأولئك الإرهابيين. وأن يذهب إلى قطر والسعودية، ويقول لهما توقفا عن تمويل الإرهابيين في سوريا». كما اتهم فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة بأنها «تدعم الإرهاب في سوريا بشكل مباشر أو غير مباشر، عسكرياً أو سياسياً».
وأوضح «أننا في سوريا، اتخذنا قرارين: القرار الأول إطلاق الحوار، والقرار الثاني محاربة الإرهاب». وقال إن «حزب الله، وإيران وروسيا يدعمون الشعب السوري في حربه ضد الإرهاب. دور روسيا بنّاء جداً، ودور إيران داعم جداً، ودور حزب الله هو الدفاع عن لبنان وليس الدفاع عن سوريا، ونحن بلد عدد سكانه 23 مليون نسمة، ولدينا جيش وطني وقوات شرطة قوية ولسنا بحاجة إلى مقاتلين أجانب يدافعون عن بلدنا. والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح هو حول دور البلدان الأخرى. وأضاف الأسد «لقد قلت مراراً إن سوريا هي بمثابة خط تماس جغرافياً وسياسياً، واجتماعياً، وأيديولوجياً، ولذلك فإن اللعب بهذا الخط سيكون له تداعيات خطيرة في سائر أنحاء الشرق الأوسط».
في موازاة ذلك، زار وزير الخارجية السوري وليد المعلم طهران التي كرّرت دعمها القوي للسلطات السورية. وقال الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، خلال لقائه المعلم، إنه «لا سبيل لحلّ الأزمة في سوريا إلا بوقف العنف وبالحوار الوطني عبر البرنامج السياسي الذي طرحه الرئيس بشار الأسد». وأضاف إنّ «إيران تقف إلى جانب سوريا في مواجهة الحرب الكونية التي تشهدها»، مشيراً إلى أنّ «سوريا دولة شقيقة».
بدوره، أوضح المعلم للرئيس الإيراني، «تطورات الأوضاع في سوريا، وشدّد على ضرورة وقف العنف وتجفيف مصادره بالضغط على الدول الداعمة له والمعروفة من أجل إيجاد مناخ من الأمن والاستقرار لإنجاح الحوار، الذي بدأته الحكومة بين السوريين ودون تدخل أجنبي تنفيذاً للبرنامج السياسي الذي قدمه الرئيس الأسد».
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع المعلم، قال وزير الخارجية علي صالحي إنّه «في الانتخابات المقبلة، الرئيس الأسد سيشارك (فيها) مثل غيره، ولينتخب الشعب السوري من يريد». وكرّر الوزير الإيراني «الموقف الرسمي لإيران، وهو أن الأسد سيبقى الرئيس الشرعي حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة» عام 2014.
في السياق، سلّم أعضاء لجنة متابعة الحوار الوطني السوري دعوة لمدير مكتب المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي في دمشق، لمشاركة ممثلين عن الأمم المتحدة في جولة جديدة للحوار، من المقرر عقدها في العاصمة السورية في 12 و13 آذار الجاري.
وعبّر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والإبراهيمي، أول من أمس، عن خيبة أملهما للفشل في إنهاء الصراع في سوريا. وقالا، في بيان مشترك، إنّ الأمم المتحدة مستعدة للقيام بدور في تسهيل محادثات السلام بين جانبي الصراع.
في سياق آخر، زار رئيس «الائتلاف» المعارض أحمد معاذ الخطيب، أمس، مناطق في ريف حلب، بحسب ما ذكر مسؤول في المجلس الوطني السوري. وقال المصدر، رافضاً كشف هويته، «دخل الخطيب سوريا للمرة الأولى منذ تعيينه، وزار مدينتي منبج وجرابلس لبضع ساعات، قبل أن يغادر». ونقل «الائتلاف» في صفحته على موقع «فيسبوك» أنّ الخطيب زار منبج وجرابلس «والتقى فيهما عدداً من وجهاء المدينة ونشطاء الثورة، ثمّ قابل رؤساء وأعضاء الهيئة الشرعية ومجلس القضاء، كما استطلع أحد معسكرات الجيش الحر».
وبعد عودته من جولته، أوضح الخطيب، من تركيا، أنّ «قصف النظام لمدينة حلب شمال سوريا بصواريخ «سكود»، جاء بعد إبدائه _ أي الخطيب _ الاستعداد للجلوس مع ممثلي النظام والتحاور معهم».
وجاء حديث الخطيب من مدينة غازي عين تاب، التي جاءها للمشاركة بانتخابات «الإدارة المحلية لمدينة حلب وريفها»، والتي تجرى بتنظيم من قبل الهيئة العامة لمحافظة حلب. وأضاف الخطيب إنه لم يتلق أي جواب من قبل النظام السوري، يتعلق بموافقته أو رفضه الحوار، مؤكّداً استعداده للجلوس مع ممثلي النظام السوري والتحاور معهم.
بهدوء | سوريا والمنطقة: جديد أميركي مضطرب
ناهض حتر
«هناك شيء جديد في السياسة الأميركية حيال منطقتنا»، يقول سياسي أردني عائد للتو من رحلة «عصف ذهني» في واشنطن. لكن، في جديدها ذاك، اضطراب، ولا سيما في القضية السورية. هنا بالذات مَن يقدر على إعطائنا جواباً شافياً حول التصور الأميركي لحل هذه القضية؟
لا أحد... لأن ذلك التصوّر غير متبلور أصلاً؛ فالولايات المتحدة توصلت إلى اقتناع بمخاطر تفكيك النظام والجيش السوريين، (لا تريد عراقاً آخر في سوريا) ولكنها لا تزال تريد تنحّي الرئيس بشار الأسد. وهاتان رغبتان متناقضتان، ولا يمكن تنفيذهما، في الواقع، معاً. وعلى خلفية هذه التناقض بالذات، هناك أرضية مشتركة بين واشنطن والروس، وبينها وبين «المعارضين» المطالبين بأولوية تنحية الرئيس الأسد. موسكو تعرف ما تريد؛ فالأسد هو ضمانة وحدة البلد والنظام والجيش والسياسات والتسوية القائمة على التغيير في ظل الاستمرارية وإدماج المعارضة في عملية سياسية وطنية. وهذا هو، بالضبط، ما يجعل أطراف «ائتلاف الدوحة»، وداعميهم الأتراك والخليجيين، مصرّين على أولوية التنحّي كمقدمة لتسوية ذات مضمون تفكيكي، تسمح لمعارضة الخارج بالاستيلاء على السلطة، سواء في كل سوريا أو في بعضها.
هنا، تتوحد المعارضة الخارجية مع «جبهة النصرة» الإرهابية والمج