ابو ابراهيم الاحمد عميد
المزاج : غاضب من اجل فلسطين تاريخ التسجيل : 22/01/2009 الابراج : الأبراج الصينية : عدد الرسائل : 826 الموقع : https://fateh83.yoo7.com العمل/الترفيه : الرياضه
بطاقة الشخصية فتح: 50
| موضوع: السودان وجنوبه .. الوحدة أم الانفصال؟ الجمعة سبتمبر 04, 2009 6:24 am | |
| السودان وجنوبه .. الوحدة أم الانفصال؟
|
| عبد اللطيف مهنا | |
يومًا بعد يوم يقترب السودان من موعده مع استحقاق مصيري هو الاستفتاء على بقاء وحدة جنوبه مع شماله أو انفصاله... موعد، اختطته له اتفاقية نيفاشا المعقودة بين الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان، الحركة الجنوبية المتمردة على السلطة المركزية في الشمال (سابقا). ومع اقتراب هذا الموعد المستوجب، تتصاعد وتيرة القلق والتوتر والتحفز لدى الأطراف المعنية شمالًا وجنوبًا، لكنما، وهنا المفارقة،
|
|
قد يبدو القلق في الوطن العربي على مصير وحدة السودان من جرّاء ما قد ينجم عن مثل هذا الاستفتاء الذي سيذهب إليه الجنوبيون، هو أعلى مما يظهره السودانيون أنفسهم، الأمر الذي قد يصعب تفسيره بالنسبة لمن هم سواهم من العرب. هل هو لأن خيار الوحدة بالنسبة للجنوبيين، ووفق ترجيح بعض المتفائلين من أهل السودان، قد غدا الآن أقرب من ذي قبل؟ وهنا يمكن هؤلاء سوق شواهد عديدة. أم أن انخفاض حدة هذا القلق، ولو ظاهريًّا، هو ناجم فحسب عن طبيعة السودانيين المعروفة الأميل إلى الهدوء؟ أم أن الشماليين قد ملّوا الصراع وكلفته الثقيلة متعددة الأوجه، التي لاحقتهم طيلة عقود الاستقلال، فوصلوا مكرهين إلى قناعة مؤداها إما وحدة بمعروف أو انفصال بمعروف، وهذا ما سبق وأن عبرت عنه قوى شمالية علنًا وبالفم الملآن؟! على أية حال، الاستفتاء قادم، والأطراف تتأهب لاستحقاقاته وتستعد ليومه الموعود، وهناك أحداث كثيرة تسبقه في الساحة الجنوبية تجعل من الصعب إصدار أحكام قيمة لا تنسجم مع التعقيدات الكثيرة والتي تزداد مع اقتراب الموعد وتجعل من كلا الخيارين أمرًا مرجحًا. فنظرة متفحصة للتفاصيل الجنوبية تجعلنا نحن الناظرين إلى السودان من خارجه ندرك مدى مثل هذه التعقيدات وصعوبة توقع ما قد تفضي إليه، وما قد يطرأ خلال هذه المدة المتبقية التي تفصلنا عن هذا الاستحقاق المصيري المقبل بالنسبة لهذا البلد العربي المستهدف، ليس في جنوبه فحسب، وإنما في غربه وشرقه وحتى شماله، ولما يعنيه من أهمية وفرادة في الجسم العربي، أقله كونه يشكل رابطًا حضاريًّا وثقافيًّا وتاريخيًّا بين الأمة العربية وإفريقيا. وإذا كان اتفاق نيفاشا المبرم في كينيا وبرعاية غربية مباشرة قد وقعته الحكومة السودانية المركزية، أو حزب المؤتمر الوطني الحاكم، مع الحركة الشعبية لتحرير السودان الجنوبية المتمردة بقيادة زعيمها الراحل الدكتور جون قرنق، فيجدر بنا والحالة هذه أن نبدأ بهذه الحركة، التي تتعالى اليوم بعض الأصوات فيها تنذر مرجحة خيار الانفصال، لا سيما في سياق بعض المزايدات بين أطرافها، أو ما تبديه من الاحتجاجات المتعلقة بخلافاتها مع شريكها في الاتفاقية والحكم، أو في ضوء محاولاتها حجب الصورة السيئة التي لحقت بها بعد أن أعطاها الاتفاق سلطتها الراهنة على الجنوب، وما ساد خلالها من مظاهر التسلط والفساد المستشري وتفاقم الأوضاع الحياتية المزرية للجنوبيين، إلى جانب ظاهرة المذابح المتتالية الناجمة عن الصراعات القبلية العنيفة المتعاظمة هذه الأيام. كما هو معروف للحركة ذراعها العسكرية الجيش الشعبي لتحرير السودان، وهو المسيطر ميدانيًّا وليس جناحها السياسي، وذو السطوة هذا تسيطر عليه قيادات ومؤسسات عائدة لقبيلة واحدة هي الدينكا. أما على المستوى التحتي، فهو مشكل من ميليشيات قبلية متعددة، فلكل قبيلة مشاركة في الجبهة الشعبية وحداتها العسكرية على رأسها جنرال يسمى قائدًا ميدانيًّا، حيث بلغ عديد هؤلاء ما يقارب المئة والستين جنرالًا. إلى جانب كون الدينكا ذاتها مكونة من مجموعات دينكاوية مختلفة وتقطن جغرافيات متعددة أيضًا، ومنها، دينكابور، قبيلة زعيم الحركة الراحل الدكتور جون قرنق، ودينكا بحر الغزال، قبيلة نائب رئيس الجمهورية وخليفة قرنق سلفاكير، ودينكا أبيي، قبيلة وزير الخارجية السوداني الحالي دينق الور، ودينكا رومبيك إلخ. تلي الدينكا في الأهمية قبيلة النوير، التي يتقاسم زعامة عناصرها في الحركة ريك مشار المنشق عن الحركة والمنضم للحكومة سابقًا ثم العائد للحركة لاحقًا، والداعي الآن لانفصال الجنوب، وجون لوك المطالب بانفصال النوير عن الجنوب وعدم الخضوع للدينكا. بعدهما تأتي قبيلة الشلك، التي يتنازع التأثير على عناصرها كل من باقان أموم رئيس الحركة ذي التوجه الانفصالي، المزاود على منافسة الدكتور لام أكول، القيادي التاريخي ووزير خارجية السودان السابق، المنشق عن الحركة لاحقًا ليؤسس حركته التصحيحية المناوئة للفساد، وهو وحدوي الميول... وبعد هذه المجموعات الكبرى الثلاث يأتي عديد القبائل النيلية التي تقدس غالبيتها المطر، والقبائل الاستوائية ذات الغلبة الأرواحية، التي تعارض سطوة الدينكا، والتي تميل بالتالي للانفصال عن الجنوب إذا ما انفصل عن الشمال، والالتحاق بأبناء عمومتها الأوغنديين والدول الإفريقية المحاذية، مثل قبيلتي اللاتوكا والأشولي، والأخيرة قبيلة الرئيس الأوغندي السابق عيدي أمين، وهي في غالبها مجموعات متعاطفة مع ما يسمى "جيش الرب" الأوغندي المتمرد على كامبالا... أما القبائل غير المنخرطة في التمرد، أو هي خارج الحركة الشعبية فهي إجمالًا ليست معها. يقارب تعداد الجنوبيين السبعة ملايين نسمة، ثلاثة ملايين منهم يعيشون في الشمال، وهذه السبعة ملايين منها ما يقارب المليونين من المسلمين، والمليون ونصف من المسيحيين الإنجيليين، وثلاثة ملايين ونصف تقريبًا من الأرواحيين... ما هو موقف كل هؤلاء من مسألة الوحدة والانفصال؟ يمكن القول إن المسلمين هم مع الوحدة إجمالًا، وهم في غالبيتهم من مجموعة الفرتيت التي يتزعمها الشيخ أحمد الرضي جابر، إلى جانب بعض قبيلة الدينكا نفسها، من جماعتي الشيخين أبو بكر دينق وعبدالله دينق نيال المنتميين إلى الحركة الإسلامية. أما المسيحيون، فهم إلى جانب وقوعهم تحت تأثير المبشرين الإنجيليين، ويتفشى بينهم شهود يهوا، فيميل غالبيتهم إلى الانفصال وينقادون للنزعة الانفصالية لمتعلمي الدينكا ذوي العلاقات الواسعة مع الغرب، وغير قريبة العهد مع إسرائيل، والمتينة مع النظامين الأوغندي والكيني المتعاطفين، بل المشجعين لهذه النزعة، واللذين دأبا على المسارعة للتوسط للم شمل الحركة كلما تعرضت للانشقاقات أو دهمتها الخلافات والمثابرة على دعم انفصالييها. بالمناسبة هناك من يتهم الرئيس الأوغندي موسوفيني بأنه وراء مقتل زعيم الحركة الراحل بعد أن سقطت طائرته العائدة من كامبالا في ظروف غامضة لأنه حسم خياره الوحدوي. بقي الأرواحييون، وهم في غالبيتهم مجموعات قبلية وعرقية متفرقة، غالبيتها معزولة نسبيًّا في الغابات، حتى أن كثيرًا منهم لا يعرف من هو رئيس السودان، وهؤلاء من غير المضمون أن تصلهم صناديق الاستفتاء، إلى جانب أن الانصياع لدى قبائل الجنوب عمومًا، وليس هؤلاء فحسب، هو لخيار زعيم القبيلة التقليدي الذي تحكمه عادة مصلحته أو من يدفع أكثر، ولعل ما حدث ذات مرة في دائرة الأماب الانتخابية في منطقة البحر الأبيض ما ينبئ بمثل هذا. ففي هذه الدائرة أسقط أهلها وهم من غير المسلمين مرشح الحزب الشيوعي المعارض لتطبيق الشريعة الإسلامية مصوتين لصالح فوز مرشح الإخوان المسلمين المطالب بتطبيقها! ولكي تكتمل الصورة، يجب أن لا ننسى أن ثلاثة ملايين جنوبي يقيمون الآن في الشمال، تحاول الحركة الشعبية جهدها ألا يُمنحوا حق المشاركة في الاستفتاء، لأن الانفصال سوف يفقدهم أعمالهم ووظائفهم ومنازلهم إذا ما صوتوا إلى جانبه، وبالتالي فمن المرجح أن تصوت غالبيتهم ضده. لعله هنا يكمن سر الضجة الراهنة القائمة حول قانون الانتخاب بعد أن تم تجاوز مسألة تشكيل الدوائر. كما يمكن التذكير بأن حوالي المليون من المنتسبين للحركة الشعبية هم شماليون... وهناك من يرى في حسم مسألة تبعية منطقة أبيي، أو تحديدًا مواقع نفطها، إلى الشمال، قد وجه ضربة قوية للانفصال، وأن في الغرب الداعم للتمرد من بات يخشى من أن انفصال الجنوب سوف يؤدي إلى تفكيك أثيوبيا الدائرة في الفلك الغربي، والتي يسمح دستورها الاتحادي لشعوبها بأن تقرر الانفصال وقتما شاءت، فما الذي يمنع شعب الأرومو، مثلًا، التائق تاريخيًّا للانفصال من ذلك؟! وإذا ما أضفنا مسألة التسلط والفساد وخلافات زعماء القبائل مع النخبة الانفصالية، وسائر تعقيدات توازن القوى، نخلص إلى سؤال يظل مسلطًا على العرب والسودانيين حتى موعد هذا الاستفتاء المصيري: هل حقًّا أن فرص الوحدة قد غدت أكبر من الانفصال؟ هنا تأتي أهمية المسألة الإجرائية... قانون الاستفتاء، من يحق له التصويت، عدم التلاعب... وأكثر من هذا وذاك، نوايا رعاة الانفصال وداعميه من جبهة القوى الخارجية الساعية لتجزئة المجزأ في الوطن العربي... نأمل أن يكون انخفاض مستوى القلق على الوحدة في السودان له ما يبرره! |
|
| |
|